السياسية:

نشر موقع Atlantic Council الأمريكي تقريراً حول التحولات الأمنية الكبيرة التي صنعتها الأسلحة الإيرانية في منطقة الخليج العربي والتي تنامت أخطارها على مدار السنوات الأخيرة، خصيصاً الطائرات المسيرة الإيرانية، التي نالت السعودية النصيب الأكبر من ضرباتها.

وقال الموقع الأمريكي إنه خلال الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد في سبتمبر/أيلول للبحرين -كأول زيارة على الإطلاق إلى لهذه الدولة الخليجية من قِبَلِ مسؤولٍ إسرائيلي رفيع المستوى- زار لابيد سفينةً حربية تابعة للأسطول الخامس للبحرية الأمريكية. في ذلك الوقت، أشار مسؤولٌ إسرائيلي، إلى أن “تل أبيب والمنامة تتطلَّعان إلى التعاون رداً على التهديد المتزايد لهجمات الطائرات المسيرة الإيرانية التي تزعج الجميع”.

وبالنسبة لـ”الجميع”، كان المصدر الإسرائيلي على الأرجح ينقل أيضاً مخاوف جارة البحرين، المملكة العربية السعودية. وبمرور الوقت، دون أن يلاحظها أحد إلى حدٍّ كبير، أدَّت الطائرات المُسيَّرة الصغيرة والمُسلَّحة والمتطوِّرة الإيرانية الصنع إلى تقويض التوازن الأمني في منطقة الخليج على مدار السنوات القليلة الماضية، مِمَّا أدَّى إلى ظهور تهديدٍ جديد غير متكافئ. 

الطائرات المسيرة الإيرانية.. كيف بدأت تهديداتها في الخليج العربي؟ 

منذ انطلاق الحملة العسكرية التي تقودها السعودية في اليمن في عام 2015 ضد الحوثيين، التي صعدت على أعتاب المملكة السعودية، أصبحت أراضي المملكة بشكلٍ متزايد هدفاً لهجمات محمولة جواً ينفِّذها الحوثيون باستخدام الصواريخ والصواريخ الباليستية المُقدَّمة من إيران (التي رأت فرصةً في الاشتباك السعودي-الحوثي لتعميق قبضتها في اليمن). 

وعلى الأقل منذ العام 2017، بدأ الحوثيون أيضاً في إطلاق طائرات مسيَّرة مُحمَّلة بالمتفجِّرات تُجمَّع بمكوناتٍ مشحونة من إيران، وشبه مطابقة للطائرات التي تستخدمها إيران وحزب الله اللبناني. وكثيراً ما استهدفت هذه الضربات المستمرة مناطق مدنية وبنى تحتية حيوية. ومع ذلك، لم يحظ هذا الأمر في الغالب إلا باهتمامٍ دولي ضئيل وإداناتٍ ضعيفة، إن وُجِدَت، من جانب المجتمع الدولي، الذي تجنَّب الرياض في ظلِّ تدخُّلها في اليمن، ذلك التدخُّل الذي يعتبر لدى الأمم المتحدة أنه أسفر عن جرائم حرب. 

ومع استمرار الحرب، أصبح من الواضح أنه في حين أن المملكة السعودية قادرة عادةً على اعتراض صواريخ الحوثيين باستخدام بطاريات باتريوت الأمريكية وأنظمة الدفاع الجوي غربية الصنع التي تحمي مواقعها الحسَّاسة، يبدو أن الطائرات المُسيَّرة منخفضة الارتفاع يصعُب كبحها. والدفاع الجوي السعودي عاجزٌ في مواجهة أسراب ضخمة من هذه الطائرات المُسيَّرة التي تحلِّق في وقتٍ واحد، ولا يوجد العديد من الأجهزة الجاهزة القادرة على التعامل معها. ووفقاً لذلك، يبدو أن طهران زادت من استثماراتها في هذه الطائرات المُسيَّرة في اليمن. 

على مرِّ السنين، أشارت لقطاتٌ لضربات الحوثيين وادِّعاءات الجماعة إلى حصولهم على طائراتٍ مُسيَّرة من طراز صماد-2 وصماد-3 إيرانية الصنع واستخدموها، وتتجاوز هذه الطائرات مئات الأميال في مداها. 

علاوة على ذلك، في يناير/كانون الثاني الماضي، أشارت صور الأقمار الصناعية إلى نشر طائرات شاهد-136 الإيرانية الانتحارية (بمدى 1200 ميل) في اليمن، وبالتالي لديها القدرة على تغطية شبه الجزيرة العربية بأكملها وكذلك البحار المحيطة. ولا يوجد دليلٌ على استخدام هذه الطائرات المسيَّرة المتقدِّمة حتى الآن، ولكن نظراً لنفوذ إيران على الحوثيين، فإن موقفهم يسمح عملياً لطهران بشنِّ هجماتٍ بطائراتٍ مسيَّرة ضد أهدافٍ بعيدة في البحر الأحمر وخليج عدن وباب المندب الاستراتيجي، مع استغلال الحوثيين كوكيلٍ من أجل إنكار المسؤولية. 

نقطة التحول الكبرى.. الانتشار الإقليمي للطائرات المسيرة الإيرانية

يقول الموقع الأمريكي Atlantic Council إن قواعد اللعبة تغيَّرَت في سبتمبر/أيلول 2019. وسط التوتُّرات المتصاعدة بين الولايات المتحدة وإيران، التي أثارتها سياسة “الضغط الأقصى” لإدارة دونالد ترامب- التي دفعتها لانسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015- وإعادة فرض العقوبات، وَرَدَ أن إيران أطلقت ما لا يقل عن 20 طائرة مُسيَّرة وعشرات من صواريخ كروز باتِّجاه شرق المملكة السعودية، مباشرةً في مصاف أرامكو في حقليّ بقيق وخريص، أكبر منشآت معالجة النفط في العالم. 

الهجمات الجريئة- التي من المزعوم أنها كانت بطائراتٍ مسيَّرة إيرانية الصنع يبلغ مداها 550 ميلاً- أدَّت إلى أكبر اضطرابٍ في تاريخ إنتاج النفط العالمي بين عشيةٍ وضحاها. ورغم أن الحوثيين في اليمن زعموا أنهم نفَّذوا الهجوم- مِمَّا سَمَحَ لإيران بإنكار تورُّطهم فيه- كشفت الولايات المتحدة أن الحرس الثوري الإيراني أطلق هذه الطائرات من الأراضي الإيرانية. ربما كان الافتقار للردِّ الأمريكي وعدم كفاءة السعوديين في الردِّ أيضاً، رغم إنفاقهم أكثر من 10 مليارات دولار سنوياً على المعدَّات العسكرية الأمريكية خلال الحرب على اليمن، ذا دلالةٍ واضحة. 

لكن هذا التملُّص دون عقوبة قد فتح الباب أمام إيران لمواصلة ضرب المملكة السعودية، ليس من خلال الحوثيين في اليمن فحسب، فمنذ العام 2019، صار ذلك أيضاً من العراق، حيث تستفيد إيران من الميليشيات الشيعية. زُوِّدَت جماعاتٌ، مثل كتائب حزب الله العراقية، على مدار السنوات الماضية بطائراتٍ مُسيَّرة متنوِّعة من إيران، بما فيها معادلات صماد-2 وصماد-3 بعيدة المدى، ومهاجر-6 الأقصر في مداه. 

في فبراير/شباط، تحطَّمَت ثلاث طائراتٍ مسيَّرة من العراق داخل مجمع قصر الملك سلمان في الرياض. وبعد شهر، في مارس/آذار، تعرَّضَت أكبر محطة نفطية في العالم في ميناء رأس تنورة، في الساحل الشرقي للمملكة السعودية، لقصفٍ بطائراتٍ مسيَّرة. وجاء الهجوم من الشمال، ولم يتَّضِح ما إذا كان من إيران أم من العراق. من الناحية العملية، لم يكن الأمر حتى مهماً. وأعلن الحوثيون مسؤوليتهم عن الهجوم، وبالتالي صوَّروه بأنه جزءٌ من من حرب اليمن، مع العلم أنه بسبب الانتقادات الدولية لتورُّط المملكة السعودية في الحرب، فإن الأحداث المتعلِّقة بالحرب لن تجذب التعاطف للرياض. 

الطائرات المسيرة.. القوة الضاربة بيد طهران بالمنطقة

وبعد مرور عامين على الهجوم على منشآت أرامكو، أصبح من الواضح أكثر من أيِّ وقتٍ مضى أن التهديد الذي تشكِّله الطائرات المسيَّرة الإيرانية على المملكة السعودية ليست ذا تأثيرٍ مؤقَّت على حرب اليمن، كما كان يُعتَقَد في البداية، بل تأثير موجود كعنصرٍ أساسي في الهجوم الإقليمي وقدرات الردع لدى الجمهورية الإسلامية. 

يُعَدُّ هذا تطوُّراً بعيد المدى، لأنه مَنَحَ طهران طريقةً جديدةً وفعَّالة لإكراه كلٍّ من جيرانها والغرب من خلال إضعاف الممرات البحرية وسوق الطاقة العالمية، على ما تريد، متى شاءت. وتعوِّض الطائرات المسيَّرة محلية الصنع وسهلة التشغيل إلى حدٍّ ما القدرات الجوية الإيرانية المتدنية، والتي تعتمد بشكلٍ كبير على حوالي 40 طائرة من طراز إف-14 قبل الثورة، في مواجهة القوات الأمريكية في الخليج. 

وفي حين أن تكلفة التصنيع والمواصفات الدقيقة للطائرات المسيَّرة في ترسانة إيران غير واضحة، تمتلك طهران طائراتٍ مسيَّرة مسلَّحة أكثر من دولٍ مثل المملكة المتحدة أو روسيا، بميزانيةٍ عسكرية أقل من 15 أو 20 مليار دولار سنوياً. 

من وجهة نظر المملكة السعودية، فإن تعرُّض مصانعها البترولية لضرباتٍ جوية قد يمنع الخصخصة الجزئية لشركة النفط الوطنية العملاقة أرامكو، والتي تُعَدُّ ركيزةً أساسية لـ”رؤية 2030″ السعودية- وهو الإطار الاستراتيجي الطنَّان الذي يقوده وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان لتنويع اقتصاد المملكة وتقليل اعتمادها على النفط بحلول نهاية العقد. 

لماذا تبدو أمريكا “غير مكترثة” للهجمات الإيرانية ضد السعودية بعد كل هذه السنوات؟

في الوقت الحالي، من الواضح أيضاً أن الولايات المتحدة ليست حريصةً على إلقاء ثقلها دعماً لحليفها السعودي في مواجهة الطائرات المسيَّرة الإيرانية، سواء المباشرة أو الوكيلة (في الوقت نفسه الذي تتعرَّض فيه القواعد الأمريكية في العراق وسوريا لضرباتٍ مستمرة من الطائرات المسيَّرة من جانب الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران). 

في فبراير/شباط، سحبت إدارة جو بايدن دعمها للحملة السعودية في اليمن، وفتحت قناةً للتفاوض مباشرةً مع الحوثيين، وبالتالي فقد فهمت الدور المهيمن للميليشيا في اليمن ما بعد الحرب. علاوة على ذلك، تقوم الولايات المتحدة أيضاً بسحب قواتها تدريجياً من العراق، وهي تنخرط بعمقٍ في العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة، مِمَّا يقلِّل قدرة واشنطن على مواجهة أنشطة إيران الإقليمية. 

وتأكيداً على عدم اكتراثها بالضعف الجوي للمملكة السعودية، أعلنت الولايات المتحدة في يونيو/حزيران خفضاً حاداً لأنظمتها الصاروخية ووارداتها في المملكة وعبر الخليج (بهدف إعادة نشرها على جبهاتٍ أخرى لمواجهة الصين). وعلى هذا المنوال، فإن تراجع الولايات المتحدة- والمملكة المتحدة كذلك- عن الردِّ على الغارات الإيرانية بالطائرات المسيَّرة كان ذا تأثيرٍ كبير على ناقلات نفط تعرضت لهجمات، من بينها ناقلات نفطٍ مملوكة لإسرائيل في خليج عمان، وأسفر الأمر عن مقتل مواطن بريطاني وآخر روماني، وصار كثيرون يتحدَّثون عن اعتراف واشنطن غير الكافي بأن الطائرات المسيَّرة الإيرانية تشكِّل خطراً مُلِحاً على مستوى المنطقة. 

ومثلما أُشير سابقاً، يبدو أن إسرائيل تسعى لتكون “شريكاً مثالياً” للسعودية في مواجهة الطائرات المسيرة الإيرانية التي تلوح في الأفق وتهدِّد كلا الطرفين، رغم عدم وجود اتفاقيات تطبيع رسمية بينهما. وشهدت إسرائيل بالفعل تسلُّلاً لطائراتٍ مسيَّرة إيرانية الصنع من قِبَلِ حزب الله وميليشيات شيعية أخرى من لبنان وسوريا. وصرَّحَ المسؤول الإسرائيلي نفسه الذي تحدَّث أثناء الزيارة إلى البحرين بأن “الجميع يعرف جيِّداً نوع القدرات التي نقدِّمها إلى طاولة المفاوضات”، في إشارةٍ على ما يبدو إلى نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي الذي يسمى “القبة الحديدية”.

ومع ذلك، فمن غير المُرجَّح أن تتمكَّن القيادة السعودية من تبني النظام المعمول به في إسرائيل في الوقت الحالي، بينما لا يعتبر نشر القبة الحديدية كافياً فقط في البحرين- حليفة الرياض الوثيقة التي أقامت علاقاتٍ مع إسرائيل كجزءٍ من اتفاقات أبراهام عام 2020. 

وفي الواقع، في بداية هذا العام، أعطي الضوء الأخضر لإسرائيل لإدخال القبة الحديدية في القواعد الأمريكية في المملكة السعودية والخليج. ومع ذلك، بعد قرار الولايات المتحدة بتقليص بطارياتها للدفاع الجوي في المنطقة في يونيو/حزيران، من غير الواضح ما إذا كان هذا النشر سيحدث بالفعل، كما يقول الموقع الأمريكي.

عربي بوست