هل سد النهضة معرَّض للانهيار فعلاً أم أنها مجرد دعاية لكسب الوقت؟
السياسية:
“سد النهضة سينهار!”.. جاء هذا التصريح المثير على لسان وزير الري المصري، بناءً على دراسة علمية، وتستعد القاهرة بالفعل لهذا السيناريو المخيف، فيما تواصل إثيوبيا الاستعداد للملء الثالث.
سد النهضة، الذي أوشكت إثيوبيا على الانتهاء من تشييده على النيل الأزرق وبدأت تعبئته الأولى والثانية بالفعل، يمثل تهديداً وجودياً لمصر، بحسب وصف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في أكثر من مناسبة، فيما تصر أديس أبابا على أن هدفها من السد هو التنمية وأنها لا تسعى للإضرار بدولتي المصب السودان ومصر.
ويكمن لب الخلاف بين إثيوبيا من جهة ومصر والسودان من جهة أخرى في رفض أديس أبابا توقيع اتفاق قانوني ملزم تريده القاهرة والخرطوم لضمان عدم تأثر حصتهما من المياه، خصوصاً في مواسم الجفاف والجفاف الشديد، بسبب حجز السد الإثيوبي كميات ضخمة من مياه الأمطار.
ما قصة احتمال انهيار سد النهضة؟
الأسبوع الماضي وخلال مقابلة تلفزيونية على قناة محلية، كان محمد عبد العاطي وزير الري والموارد المائية المصري، قد حذَّر من أن “انهيار سد النهضة سيشكل مشكلة كبيرة نتمنى ألا تحدث”، على خلفية دراسة علمية مصرية شارك الوزير نفسه في إعدادها، بشأن السد الإثيوبي ونُشرت نتائجها أواخر سبتمبر/أيلول الماضي.
الدراسة المصرية أعدها فريق أبحاث مصري قام بجمع وتحليل نحو 109 مشاهد أفقية لمنطقة السد الإثيوبي من ديسمبر/كانون الأول 2016 وحتى يوليو/تموز 2021، وخلصت إلى التحذير من “الأخطار الكارثية” الناجمة عن انهيار السد المحتمل، وهي النتيجة التي توصلت إليها الدراسة، بحسب تقرير لموقع Egyptindpendent.com، وأغلب الصحف المحلية التي نشرت نتائج الدراسة.
ورصدت الدراسة التي أعدها فريق بحثي يضم، إلى جانب عبد العاطي، الدكتور عمرو فوزي بقطاع حماية النيل في وزارة الري و4 باحثين بجامعات وهيئات دولية، وجود “هبوط أرضي في موقع مشروع السد”، بعد تحليل نحو 109 مشاهد رأسية من ديسمبر/كانون الأول 2016 إلى يوليو/تموز 2021، باستخدام تقنية الأشعة الرادارية.
وبحسب الدراسة نفسها، التي لم يتبنّها طرف محايد، تشير السلسلة الزمنية الناتجة عن التحليل بوضوح إلى “إزاحة مختلفة الاتجاهات في أقسام مختلفة من السد الخرساني (الرئيسي) وكذلك السد الركامي (السرج أو السد المساعد)”. ويُظهر تحليل البيانات في موقع إقامة سد النهضة “هبوطاً غير متسق في أطراف السد الرئيسي، خاصةً الجانب الغربي من السد، حيث سُجلت حالات نزوح متفاوت يتراوح مداه بين 10 مم و90 مم في أعلى السد”. وأكدت الدراسة أن تعبئة سد النهضة تجري بمعدل سريع، دون تحليل كافٍ معروف للتأثيرات المحتملة على جسم الهيكل.
وقال هشام العسكري، أحد الباحثين المشاركين في إعداد الدراسة، إن تحليل البيانات “يُظهر هبوطاً غير متسق في محيط السد الرئيسي، خصوصاً في جانبه الغربي”، متوقعاً أن عملية تعبئة السد “ستسبب مشكلات أكثر عندما يصل مستوى المياه المحتجزة خلف جسم السد إلى حد معين يتراوح بين 25 و30 مليار متر مكعب”.
كان الملء الأول للسد، الذي أتمَّته إثيوبيا في أكتوبر/تشرين ألأول من العام الماضي، قد احتجز نحو 5 مليارات متر مكعب من المياه، بينما كانت أديس أبابا تطمح إلى احتجاز 13.9 مليار خلال الملء الثاني، الذي بدأ بالفعل في يوليو/تموز الماضي ولا تزال عملية التعبئة مستمرة مع استمرار موسم الأمطار، لكن تقارير تحدثت عن عدم اكتمال احتجاز الكمية المستهدفة، بسبب عدم إكمال الهيكل الرئيسي للسد بالصورة التي كانت مقررة.
إثيوبيا تجهز السد “للملء الثالث”
من جانبها ترفض إثيوبيا الحديث عن احتمالات انهيار السد وتعتبر ذلك “دعاية مصرية” تقع في إطار الحرب النفسية المشتعلة بين البلدين، وتؤكد أن ذلك لا يؤثر على إكمال تشييد السد ومواصلة مراحل تعبئته كما هو مقرر لها.
وقبل أيام قليلة، قال مصدر في وزارة الخارجية السودانية لقناة الشرق السعودية، إن “إثيوبيا بدأت تعلية الممر الأوسط لسد النهضة، ووضع جدران خرسانية، استعداداً للملء الثالث للسد”، وهو ما يشير إلى مضي أديس أبابا في طريقها، رغم تعثر المسار التفاوضي الممتد منذ أكثر من عقد من الزمان.
لكن وزير الري المصري كرر، الثلاثاء 26 أكتوبر/ تشرين الأول، تأكيد أن سيناريو “انهيار سد النهضة” يظل قائماً، بل قال إن الوزارة تعمل على “إنشاء بنية تحتية حول السد العالي في أسوان؛ لاستيعاب كميات كبيرة من المياه تصل إلى بحيرة ناصر في وقت قصير، في حال انهيار سد النهضة”.
وخلال فعاليات اليوم الثالث لأسبوع القاهرة للمياه، أشار عبد العاطي إلى أن البنية التحتية التي تسعى الحكومة لإنشائها حول السد العالي جنوب البلاد تراعي كذلك احتمالية عدم وصول المياه إلى بحيرة ناصر في الوقت المحدد، مضيفاً: “لذا فنحن كوزارة نستعد لكافة المخاطر”، بحسب موقع أخبار اليوم.
كانت إثيوبيا قد فاجأت مصر والسودان بإعلانها إكمال عملية الملء الأول للسد خلال أكتوبر/تشرين الأول 2020، في أثناء قمة جمعت السيسي ورئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد والرئيس الجنوب إفريقي رامافوزا (الذي كانت بلاده ترأس الاتحاد الإفريقي)، وبعدها رفعت القاهرة مطلب ضرورة التوصل لاتفاق قانوني ملزم يتعلق بإدارة وتشغيل السد، وهو ما قال آبي أحمد وقتها إن بلاده توافق عليه.
لكن الأمور سارت دون تغيير، فجولات المفاوضات تنعقد دون التوصل لأي اتفاق، حتى اقترب موعد الملء الثاني للسد، ووجَّه الرئيس المصري تهديداً شديد اللهجة في 30 مارس/آذار الماضي، يتعلق بأن قضية مياه النيل “خط أحمر”، دون أن يؤدي ذلك أيضاً إلى أي تغيير في الموقف الإثيوبي، إذ بدأ الملء الثاني في موعده بالفعل.
ورغم رفع مصر والسودان الأمر إلى مجلس الأمن الدولي، سعياً لاستصدار قرار أممي يجبر إثيوبيا على وقف عملية تعبئة السد حتى التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم مع دولتي المصب، لم يؤدِّ ذلك إلى أي تغيير في الموقف، إذ أعاد مجلس الأمن القضية إلى الاتحاد الإفريقي، ولا تزال المفاوضات “شبه مجمدة”، بحسب وصف وزير الري المصري أمس الثلاثاء.
كيف تستعد مصر للسيناريو المخيف؟
لكن بعيداً عن نظرية الاحتمالات وبعيداً عن كون الحديث عن احتمال انهيار السد حديثاً علمياً وجيولوجيّاً أم مجرد جزء من الحرب الإعلامية، فإن جميع خبراء السدود والمياه يحذّرون من تداعيات مدمرة على السودان وكارثية بدرجة أقل على مصر، إذا ما انهار السد الإثيوبي فعلاً.
الدكتور هشام العسكري، أستاذ الاستشعار عن بُعد وعلوم نظم الأرض بالولايات المتحدة، وهو الباحث الأول في الدراسة المصرية التي تحذّر من انهيار السد، أشار إلى أن انهيار سد النهضة سيتسبب في تداعيات كارثية على السودان بشكل رئيسي، وطالب المسؤولين السودانيين بالاضطلاع بدورهم لحماية المواطنين السودانيين، بحسب تقرير لموقع روسيا اليوم.
وكان صلاح حليمة، نائب رئيس المجلس المصري للشؤون الإفريقية، قد قال لموقع Al Monitor الأمريكي قبل أسابيع، إن التعبئة الثانية للسد لم تكتمل، مثلما زعمت إثيوبيا، مضيفاً أن مصر والسودان إذا ما اضطرتا إلى اللجوء للخيار العسكري- أي توجيه ضربة عسكرية للسد- فإن ذلك سيؤدي إلى أضرار على البلدين تزداد خطورتها كلما زادت كميات المياه المحتجزة خلف السد.
وفي هذا السياق لا توجد أرقام أو إحصائيات دقيقة توضح حجم الدمار الذي قد يلحق بدولتي المصب في حالة انهيار سد النهضة، لأن ذلك مرتبط بالأساس بكميات المياه التي ستكون محتجزة في بحيرة السد لحظة حدوث الانهيار. ومن المفترض، طبقاً لخطَّة بناء السد واكتمال عملية تخزين المياه خلفه، أن يتم احتجاز 74 مليار متر مكعب في البحيرة خلف السد والتي ستصل مساحتها إلى 250 كم مربع.
وبحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC في يوليو/تموز الماضي، اكتمل بالفعل قسم كبير من الجزء الأوسط لسد النهضة وسيُضاف المزيد كل عام حتى نحو عام 2024 عندما يكون على ارتفاع 640 متراً فوق مستوى سطح البحر.
ويبلغ ارتفاع قاع النهر في موقع السد نحو 509 أمتار فوق مستوى سطح البحر، وفي العام الأول، احتفظ سد النهضة بـ4 مليارات متر مكعب من المياه، مما أدى إلى ارتفاع أدنى نقطة على جدار السد في ذلك الوقت.
وفي المتوسط، يبلغ إجمالي التدفق السنوي للنيل الأزرق بموقع سد النهضة، 49 مليار متر مكعب، ولكن شهد العام الماضي، رقماً قياسياً (100 مليار)، لأعلى تدفُّق يومي للمياه، مما يشير إلى أن جزءاً صغيراً فقط من هذا الحجم السنوي للمياه قد تأخر.
ويمكن لمصر، في أثناء عملية الملء، تعويض فقدان المياه من خلال إطلاق مزيد منها من السد العالي بأسوان، لكن سيبدأ القلق بمجرد بدء تشغيل سد النهضة بشكل كامل. وعندما تنتهي مرحلة الملء، ستحجم إثيوبيا عن ربطها برقم معين لكمّية المياه التي سيتم ضخها، وستكون أولويتها التأكد من توافر ما يكفي من المياه لتشغيل ما سيصبح أكبر محطة للطاقة الكهرومائية في إفريقيا.
وبالتالي فإن مصر والسودان تواجهان ما يمكن وصفه بالخطر المزدوج، ففي حالة اكتمال عملية بناء السد وتعبئته بالمياه دون التوصل لاتفاق قانوني ملزم، وهو ما يبدو السيناريو الأقرب في ظل مواصلة إثيوبيا سياسة فرض الأمر الواقع، تصبح حصتهما من مياه النيل رهناً بإرادة أديس أبابا فقط.
وفي حالة انهيار السد، مع وصول كميات المياه المخزنة خلفه إلى 25 أو 30 مليار متر مكعب بحسب الدراسة المصرية الأخيرة، فإن اندفاع الكميات الهائلة من المياه سيسبب فيضانات لها تداعيات كارثية على السودان، وبدرجة أقل على مصر. إذ لا يبعد السد عن الحدود السودانية-الإثيوبية أكثر من 100 كم، بينما المسافة إلى الحدود المصرية تبلغ بضعة أضعاف الرقم.
والواضح أن القاهرة تستعد بالفعل لهذا السيناريو المخيف، من خلال تجهيز منشآت بنية تحتية في محيط السد العالي بجنوب البلاد، هدفها استيعاب كميات كبيرة من المياه المتوقع وصولها إلى بحيرة ناصر (خزان السد العالي) بوقت قصير في حالة انهيار سد النهضة، بحسب تصريحات وزير الري، والسؤال: هل تكون تلك الاستعدادات كافية لتفادي الكارثة التي لا يتمناها أحد؟
* المادة الصحفية نقلت حرفيا من موقع عربي بوست ولاتعبر عن رآي الموقع