السياسية:

عقب ساعات من عملية الإطاحة بالمكون المدني في المجلس السيادي السوداني وعلى رأسه رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، خرج رئيس المجلس عبد الفتاح البرهان ببيان أصدر خلاله مجموعة من القرارات، التي ترسم ملامح المرحلة القادمة.

وبعد أن شهد السودان حملة اعتقالات فجر الإثنين 25 أكتوبر/تشرين الأول طالت حمدوك وعدداً من مستشاريه ووزرائه، أعلن الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان حالة الطوارئ في البلاد وحل مجلس السيادة ومجلس الوزراء وأعفى كافة مسؤولي الولايات من مناصبهم، في أول بيان رسمي بعد أحداث شهدها السودان وُصفت بالانقلاب العسكري.

كما أكد البرهان في بيانه المتلفز على التزام السودان بجميع الاتفاقات والمعاهدات الدولية التي وقَّعها، ووعد بتشكيل حكومة كفاءات تدير المرحلة الانتقالية في البلاد، مؤكداً التزامه بالوثيقة الدستورية، ومتعهداً بإشراك الشباب فيما قال إنه “برلمان ثوري” يحقق مطالب الشعب، حتى إجراء الانتخابات حسب ما هو متفق عليه في عام 2023.

كما أكد البرهان مُضي القوات المسلحة في إكمال التحول الديمقراطي، حتى تسليم قيادة الدولة لحكومة مدنية منتخبة، على حد وصفه. ومن بين قرارات البرهان تجميد بعض مواد الوثيقة الدستورية التي وُقعت من قبل قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري الذي تولى السلطة بعد عزل البشير في ديسمبر/كانون الأول 2019.

ما هي هذه المواد، وما علاقتها بالوضع السياسي؟

في خطابه، حدد البرهان 7 مواد دستورية، ضمن الوثيقة التي تم توقيعها عام 2019 بين المجلس العسكري والقوى المدنية، كلها تتعلق بالنظام السياسي الذي حل محل نظام البشير وطبيعة توزيع الحصص السياسية بعد الاتفاق بين المكون المدني والعسكري في المجلس السيادي. وقال البرهان إن المواد التي تم تجميدها هي (10و 12و15 و16 و24/3 و71 و72): فما هي قصة هذه المواد؟

تنص المادة 10 من الوثيقة الدستورية، وهي ضمن الفصل الثالث من الوثيقة وعنوان المادة أجهزة الحكم الانتقالي، على أن أجهزة الحكم الانتقالي تتكون من: 1) مجلس السيادة، وهو رأس الدولة ورمز سيادتها ووحدتها. 2) مجلس الوزراء، وهو السلطة التنفيذية العليا للدولة. 3) المجلس التشريعي الانتقالي، وهو سلطة التشريع والرقابة على أداء الجهاز التنفيذي.

ويعني تجميد العمل بهذه المادة انفراد القوات المسلحة في السودان بالسلطة في المرحلة الانتقالية، وصولاً إلى إجراء الانتخابات المقررة في يوليو/تموز 2023، بحسب ما قاله البرهان نفسه في بيانه. فتجميد هذه المادة، مع إعلان حل مجلس السيادة نفسه ومجلس الوزراء، إضافة إلى إلغاء حل المجلس العسكري (نص المادة 72)، يعني أن السلطة أصبحت في يد المجلس العسكري الذي يرأسه البرهان ونائبه محمد حمدان دقلو رئيس قوات الدعم السريع.

أما المادة 12، فتحدد من خلالها بنودها الفرعية اختصاصات مجلس السيادة، وجاء نصها كالتالي: يمارس مجلس السيادة الاختصاصات والسلطات الآتية: – تعيين رئيس مجلس الوزراء الذي تختاره قوى الحرية والتغيير:

– اعتماد أعضاء مجلس الوزراء الذين يعينهم رئيس مجلس الوزراء من قائمة مرشحي قوى إعلان الحرية والتغيير.

– اعتماد حكام الأقاليم أو ولاة الولايات، وفق ما يكون عليه الحال، بعد تعيينهم من رئيس مجلس الوزراء.

-اعتماد تعيين أعضاء المجلس التشريعي الانتقالي بعد اختيارهم وفق أحكام المادة 23 (3) من هذه الوثيقة.

– اعتماد تشكيل مجلس القضاء العالي بعد تشكيله وفق القانون.

– اعتماد تعيين رئيس القضاء وقضاة المحكمة العليا ورئيس وأعضاء المحكمة الدستورية بعد ترشيحهم من قبل مجلس القضاء العالي.

– اعتماد تعيين النائب العام بعد ترشيحه من قبل المجلس الأعلى للنيابة العامة.

– اعتماد تعيين المراجع العام بعد اختياره من قبل مجلس الوزراء.

– اعتماد سفراء السودان في الخارج بترشيح من مجلس الوزراء وقبول اعتماد السفراء الأجانب لدى السودان.

– إعلان الحرب بناء على توصية من مجلس الأمن والدفاع والذي يتكون من مجلس السيادة ورئيس الوزراء ووزير الدفاع ووزير الداخلية ووزير الخارجية ووزير العدل ووزير المالية، والقائد العام للقوات المسلحة، والنائب العام والمدير العام لجهاز المخابرات العامة، على أن تتم المصادقة عليه من المجلس التشريعي الانتقالي خلال 15 يوماً من تاريخ الإعلان، إذا لم يكن المجلس التشريعي الانتقالي منعقداً، فيجب عقد دورة طارئة.

– إعلان حالة الطوارئ بطلب من مجلس الوزراء، وتتم المصادقة عليه من المجلس التشريعي الانتقالي خلال 15 يوماً من تاريخ الإعلان.

– التوقيع على القوانين المجازة من المجلس التشريعي الانتقالي، وفي حالة امتناع مجلس السيادة عن التوقيع لمدة 15 يوماً دون إبداء أسباب، يعتبر القانون نافذاً، إذا أبدى مجلس السيادة، خلال 15 يوماً المذكور أسباباً.

على ماذا نصت المواد 15 و16 و24/3؟

وتختص المادة 15 بتكوين مجلس الوزراء الانتقالي، ونصُّها كالتالي: “يتكون مجلس الوزراء من رئيس وعدد من الوزراء لا يتجاوز الـ20 من كفاءات وطنية مستقلة بالتشاور، يعينهم رئيس الوزراء من قائمة مرشحي قوى إعلان الحرية والتغيير، ويعتمدهم مجلس السيادة، عدا وزيري الدفاع والداخلية اللذين يرشحهما الأعضاء العسكريون بمجلس السيادة”.

“تختار قوى إعلان الحرية والتغيير رئيس مجلس الوزراء، ويعينه مجلس السيادة. تكون مسؤولية الوزراء تضامنية وفردية أمام المجلس التشريعي الانتقالي عن أداء مجلس الوزراء والوزارات.”

أما المادة 16 من الوثيقة الدستورية، فقد فصَّلت سلطات واختصاصات مجلس الوزراء، وجاء نصها على النحو التالي: – تنفيذ مهام الفترة الانتقالية وفق برنامج إعلان الحرية والتغيير الوارد في هذه الوثيقة. – العمل على إيقاف الحروب والنزاعات وبناء السلام. – ابتدار مشروعات القوانين، ومشروع الموازنة العامة للدولة، والمعاهدات الدولية والاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف.

عبد الله حمدوك رئيس وزراء السوداني/رويترزوضع الخطط والبرامج والسياسات الخاصة بالخدمة المدنية التي تتولى إدارة جهاز الدولة وتنفيذها. – تشكيل المفوضيات القومية المستقلة وفقاً لأحكام الفصل 12. – تعيين وإعفاء قادة الخدمة المدنية ومراقبة وتوجيه عمل أجهزة الدولة بما في ذلك المؤسسات والوزارات والجهات والهيئات العامة والشركات التابعة لها أو المرتبطة بها، والتنسيق بينها وفقاً للقانون.

–   الإشراف على إنفاذ القوانين وفق الاختصاصات المختلفة واتخاذ جميع الإجراءات والتدابير الكفيلة بتنفيذ مهامه الانتقالية. – إصدار اللوائح المنظمة لأعماله.

أما المادة 24 وبندها الثالث، الذي أعلن البرهان تعطيل العمل به أيضاً، فهو خاص بتحديد نسب تشكيل المجلس التشريعي، ونصه “يتكون المجلس التشريعي الانتقالي بنسبة 67% ممن تختارهم قوى إعلان الحرية والتغيير، ونسبة 33% للقوى الأخرى غير الموقعة على إعلان الحرية والتغيير والتي يتم تسميتها وتحديد نسب مشاركة كل منها بالتشاور بين قوى إعلان الحرية والتغيير والأعضاء العسكريين في مجلس السيادة”.

ويعني تجميد العمل بتلك المواد إنهاء دور قوى “إعلان الحرية والتغيير” تماماً في المرحلة الانتقالية في السودان، واستبدال ذلك المكون المدني الرئيسي في المرحلة الانتقالية، بما أسماه البرهان “برلماناً ثورياً يحقق مطالب الشعب”، حتى إجراء الانتخابات حسب ما هو متفق عليه في عام 2023، وأوضح البرهان أن ذلك يعني إشراك “الشباب”.

إلغاء الشراكة بين العسكريين والمدنيين في السودان

وتنص المادة 71 من الوثيقة الدستورية على أن “أحكام هذه الوثيقة الدستورية من الاتفاق السياسي لهياكل الحكم في الفترة الانتقالية الموقع بين المجلس العسكري والانتقالي وقوى إعلان الحرية والتغيير تسود في حالة تعارض أي من أحكامهما”.

وأخيراً نصت المادة 72، الخاصة بأحكام حل المجلس العسكري، الذي كان يتولى الحكم بعد عزل البشير، على أن “المجلس العسكري الانتقالي يُحل بأداء القسم الدستوري من قبل أعضاء مجلس السيادة”.

ويعني تجميد هذه المواد السبع إنهاء دور المدنيين، الممثلين في قوى “إعلان الحرية والتغيير”، في إدارة المرحلة الانتقالية في السودان بشكل كامل، وانفراد المكون العسكري في السودان، ممثلاً في المجلس العسكري، الذي أصبح الآن الحاكم الفعلي في البلاد، بعد إلغاء قرار حلّه بموجب المادة 72 من الوثيقة الدستورية، بجميع السلطات حتى إجراء الانتخابات.

ويرى الرافضون لما أقدم عليه البرهان أن تجميده العمل بتلك المواد السبع تحديداً يشير إلى أن ما حدث اليوم في السودان هو “انقلاب” على الانتقال السلمي إلى الحكم المدني، وتراجع من جانب البرهان ونائبه وباقي القيادات العسكرية عما تم الاتفاق عليه.

بينما يرى المؤيدون فيما أقدم عليه البرهان “تصحيحاً لمسار الثورة”، وهذا ما عبر عنه محمد الأمين ترك رئيس المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة، بإعلانه “تخفيف أو رفع” الإغلاق في شرق السودان، وهو الإغلاق الذي تسبب في أزمة خانقة في إمدادات الوقود والمواد الأساسية.

والمجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة هو مكون سياسي في شرق السودان نشأ أثناء انعقاد مفاوضات جوبا بين الحكومة السودانية والجبهة الثورية، ويتألف من قيادات أهلية وحزبية ومجموعات شبابية غير منظمة. ويضم المجلس قبائل في شرق السودان أبرزها قبيلة الهدندوة التي يتزعمها محمد الأمين ترك، وتطالب تلك القبائل التي يتزعمها ترك بإلغاء اتفاقية مسار الشرق، المنضوية في اتفاقية جوبا لسلام السودان الموقّعة بين الأطراف السودانية في الثالث من تشرين الأول/أكتوبر 2020.

كما تطالب قبائل المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة بضرورة إلغاء “لجنة إزالة التمكين ومحاربة الفساد واسترداد الأموال لنظام انقلاب 1989 [نظام عمر البشير]”، مشددين على أنهم لا يعترفون بأعمال وقرارات هذه اللجنة. وقرر البرهان إلغاء عمل تلك اللجنة تماماً.

عربي بوست