إيران تستأنف الصادرات إلى السعودية بعد انقطاع لسنوات.. ماذا يعني ذلك، وما حجم التبادل التجاري بينهما؟
ماذا يعني استئناف التبادل التجاري بين السعودية وإيران؟
السياسية – رصد :
في إطار التقارب الحديث بينهما بعد انقطاع استمر لـ5 سنوات، أكد مسؤول إيراني كبير أن بلاده استأنفت صادراتها إلى السعودية للمرة الأولى منذ أن أوقف الخصمان الإقليميان التجارة الثنائية بينهما بشكل كامل قبل نحو عام. وأصدرت إدارة جمارك جمهورية إيران الإسلامية (IRICA) تقريراً الأحد، 18 أكتوبر/تشرين الأول 2021، عن تجارة إيران مع الدول المجاورة، حيث تظهر المملكة على قائمة وجهات التصدير للبلاد، وذلك بعد انقطاع تكرر أكثر من مرة، وضعف كثيراً خلال السنوات الأخيرة، بسبب الخلافات السياسية والدبلوماسية بين الطرفين، فماذا تعني عودة الصادرات؟ وما حجم التبادل التجاري بين الطرفين؟
المتحدث باسم الجمارك الإيرانية، روح الله لطيفي، قال الأحد لوكالة الأنباء الإيرانية (إرنا)، إن النشاط التجاري بين طهران والرياض كان قد “وصل إلى الصفر” في السنة المالية الإيرانية الأخيرة، المنتهية في 20 مارس/آذار 2021.
وقال لطيفي إن ركود العام جاء بعد “سنوات متتالية من تقليص المبادلات التجارية”، مشيراً إلى أن العراق كان وجهة التصدير الرئيسية للمنتجات الإيرانية في الفترة نفسها، تليها تركيا والإمارات.
ويشير استئناف التجارة بين السعودية وإيران، إلى دفء العلاقة بين الطرفين، اللذين قطعا العلاقات الدبلوماسية في عام 2016، ودخلا في منافسة دارت في صراعات بالوكالة في جميع أنحاء المنطقة، من اليمن إلى سوريا إلى العراق وحتى لبنان.
وأعربت إيران، الأسبوع الماضي، عن استعدادها لاستئناف الصادرات إلى السعودية، إذا خفت حدة التوتر بين الجارتين. وقال فرهاد نوري، نائب وزير التجارة والتصدير الإيراني: “في الوقت الذي كانت العلاقات السياسية بين إيران والسعودية جيدة كان المصدّرون الإيرانيون نشطين في سوق البلاد، واليوم إذا وصلت المفاوضات بين البلدين إلى نتائج إيجابية فسينجح التجار بالتأكيد”.
وقال نوري إنه في حالة نجاح المفاوضات يمكن لإيران أن “تتوقع تطوراً خاصاً في الصادرات إلى المملكة العربية السعودية”، مضيفاً أن “السوق السعودي واسع للغاية من حيث السلع الاستهلاكية، وبالنظر إلى القرب الثقافي وقضية الحج والمزارات المقدسة ووجود التجار الإيرانيين القديم في السوق السعودي، فإن مصدّرينا يعرفون أهمية هذا السوق”.
من جهتها، أوضحت السعودية رغبتها في التعاون الاقتصادي مع إيران، وقال وزير خارجيتها فيصل بن فرحان، في مقابلة مع صحيفة فايننشيال تايمز، الأسبوع الماضي، إن المحادثات الأخيرة مع إيران كانت “ودية” و”استكشافية” وإن المملكة جادة بشأنها، وأضاف “هذا الأمر ليس تحولاً كبيراً بالنسبة للمملكة، التي تعرب باستمرار عن رغبتها في إيجاد سبيل لتحقيق الاستقرار في المنطقة”.
ما حجم التبادل التجاري بين طهران والرياض؟
يقول روح الله لطيفي إن التبادل التجاري بين إيران و15 دولة مجاورة خلال الأشهر الستة الأخيرة بلغ أكثر من 47 مليون طن، بقيمة 22 ملياراً و588 مليون دولار، وأشار لطيفي إلى أن حجم التبادل التجاري لبلاده مع الدول الجارة يشكل 60% من حيث الكمّ الإجمالي للتبادل التجاري الخارجي لإيران، و50% من حيث القيمة.
وكشف المسؤول عن قائمة دول الجوار الأكثر حصولاً على الصادرات الإيرانية، وجاء في مقدمتها العراق (3 مليارات و840 مليون دولار)، وتركيا (2 مليار و308 ملايين دولار)، والإمارات العربية المتحدة (2 مليار و243 مليون دولار). بينما جاءت السعودية في ذيل القائمة، حيث اشترت بضائع إيرانية بقيمة 39 ألف دولار فقط.
لكن قبل عام 2016، الذي تفجرت فيه العلاقة بين الطرفين على خلفية مهاجمة إيرانيين للسفارة السعودية في طهران وإضرام النار فيها، احتجاجاً على إعدام السلطات السعودية رجل الدين الشيعي نمر باقر النمر، وبالتالي توقف العلاقات الدبلوماسية والتجارية، كانت قيمة التبادل التجاري بين طهران والرياض تُلامس 500 مليون دولار سنوياً في أحسن أحوالها، وهي قيمة كانت تعتبر ضعيفة أساساً مقارنة بحجم اقتصادهما.
وبلغت الصادرات الإيرانية إلى المملكة العربية السعودية 158 مليون دولار في العام الإيراني (المنتهي في 20 مارس/آذار 2015)، وهو العام الذي تلاه انقطاع في التبادل التجاري.
وبشكل عام، تشمل الصادرات الإيرانية الرئيسية للمملكة مواد صناعية كالحديد والأسمنت وغيرها، بالإضافة إلى الفستق الطازج والمجفف والزعفران والزبيب وغيرها من المنتجات. وشكلت هذه الأخيرة نحو 86% من إجمالي الصادرات إلى المملكة. وتشير تقارير إلى أن 60% من السلع الإيرانية داخل السعودية تعتبر استهلاكية، و40% منها وسيطة.
ومع إعلان استئناف العلاقات التجارية والدبلوماسية بين السعودية وإيران، تعوّل الأخيرة بدرجة أولى على تجاوز الضغوط الاقتصادية التي تواجهها منذ فترة طويلة، وكذلك على مزيد من تطوير العلاقات والتعاون المشترك بينهما لتأمين حاجات البلدين.
وقد أكد المتحدث الرسمي باسم الجمارك الإيرانية، لطيفي، أن “استئناف العلاقات السياسية بين إيران والسعودية سينعكس إيجاباً على تعزيز العلاقات الاقتصادية، لأن لأسواق البلدين جاذبيتها للتجار الإيرانيين والسعوديين”.
إلى أين وصلت المفاوضات السعودية-الإيرانية؟
عام 2020، بدأت المفاوضات بين السعودية وإيران سراً بثلاثة اجتماعات جوهرية، وإن كانت سرية، شارك فيها كبار مسؤولي الأمن والاستخبارات من الرياض وطهران. وأفادت تقارير أن اجتماعاً رابعاً انعقد في 21 سبتمبر/أيلول في مطار بغداد الدولي، حيث استضاف رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، ووزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير. ولاحقاً، وصفت السعودية -الطرف الأكثر حذراً- هذه الاجتماعات بأنها محادثات رسمية مباشرة.
وركزت هذه المفاوضات على إيجاد صيغة للرياض لإنهاء مشاركتها في حرب اليمن، التي تدور رحاها بين الحوثيين المدعومين من إيران والحكومة المدعومة من السعودية والمعترف بها دولياً. وبعد تدخل السعودية في الحرب عام 2015، علقت في ورطة من الواضح جلياً أن حلفاءها اليمنيين لن يخرجوا منها منتصرين.
وتبحث الرياض منذ أكثر من عام عن مخرج من هذه الحرب. وما تحتاجه السعودية من الحوثيين أن يلتزموا بوقف الهجمات الصاروخية على المدن السعودية والغارات عبر الحدود، وإيران من جانبها “استمتعت” بإرباك السعوديين في صراع تعلق عليه أهمية استراتيجية محدودة، لكنه قد يضعها في موقف محرج أيضاً. فحتى لو تعهدت إيران بالتزامات دبلوماسية لا يزال يتعين عليها إثبات أن لها تأثيراً حقيقياً على الحوثيين، على الأقل بدرجة تكفي لحملهم على الانضمام إلى محادثات السلام، كما يقول تقرير لصحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية الأسبوع الماضي.
وتقول الصحيفة الأمريكية إن القيود والشكوك سيكون من الصعب التغلب عليها، على أن هذه الجهود موضع ترحيب في موجة خفض التصعيد في المنطقة التي بدأت في صيف عام 2020. وفي الواقع تعد مشاركة بغداد رمزية، فالعراق يشجع الحوار لا لتهدئة الوضع في دول الجوار فحسب، وإنما لتأمين استقراره الداخلي أيضاً، الذي تمزقه خلافات الشيعة والسنة، التي تؤثر فيها إيران والسعودية.
ويساهم في هذه المحادثات عاملان مهمان: الأول أن جميع القوى الرئيسية في المنطقة فعلياً أصبحت مرهَقة ولم تعد قادرة على الاستمرار في مواجهاتها العسكرية. والثاني هو أن ثقة حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة كالسعودية في أن واشنطن ستدعم أمنهم في حالة نشوب حرب شاملة تتراجع يوماً بعد يوم. وفي الوقت نفسه، يزداد خصوم الولايات المتحدة مثل إيران وهناً، لا سيما بفعل الأزمات الاقتصادية المستمرة، وجائحة كوفيد-19، فضلاً عن الاضطرابات الاجتماعية والسياسية.
ويبدو أن هذه الظروف شجَّعت على التواصل الدبلوماسي بين قوى المنطقة؛ إذ إن التواصل السعودي-الإيراني تزامن مع انفراجات مفاجئة كثيراً مثل تحسن العلاقات بين مصر وتركيا وبين الإمارات والسعودية من جهة وقطر من جهة أخرى. والآن، حتى المحادثات بين السعودية وإيران -التي لم يكُن ممكناً تصورها قبل عامين- أصبحت ممكنة.
المادة الصحفية : تم نقلها حرفيا من موقع عربي بوست