السياسية:

 أصبحت ممارسات الحشد الشعبي، الذي يتحدى رئاسة الحكومة العراقية ويخلط السياسة بالسلاح، واحدة من الإشكاليات التي تواجه البلاد وسط تساؤلات هل تحقق قوائم الحشد تقدماً في الانتخابات العراقية، في ظل نجاح الحشد في تعزيز نفوذه المسلح على الأرض أم أن الغضب الشعبي تجاهه قد يقلل من الأصوات التي سيحصل عليها؟

وأجرى العراق أربعة انتخابات تشريعية بين 2006 و2018، وكان من المقرر أن تكون الانتخابات العراقية الخامسة في مايو/أيار 2022، لكن الحركة الاحتجاجية التي انبثقت في أكتوبر/تشرين الأول 2019، احتجاجاً على سوء تقديم الخدمات في مجالات الطاقة الكهربائية والصحة، وارتفاع نسبة البطالة وتفشي الفساد، أفضت إلى إجراء انتخابات “مبكرة” في 10 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.

الحشد الشعبي.. تعدد للولاءات تستفيد منه إيران

ويتشكل الحشد الشعبي من أكثر من 160 ألف منتسب ضمن 70 فصيلاً ترتبط رسمياً بمكتب القائد العام للقوات المسلحة الذي هو رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، من بينها 41 فصيلاً ترتبط ببيعة شرعية للمرشد الأعلى علي خامنئي، منها منظمة بدر برئاسة هادي العامري وحركة عصائب أهل الحق برئاسة قيس الخزعلي وجند الإمام برئاسة القيادي في الحشد الشعبي النائب أحمد الأسدي وغيرها.

وتملك غالبية فصائل الحشد تكتلاً سياسياً مشاركاً في الانتخابات التشريعية، فيما تضمّ الكتلة السياسية المرتبطة به في البرلمان الحالي 48 نائباً من أصل 329، وهم دخلوا البرلمان للمرة الأولى في العام 2018 مدفوعين بالانتصارات التي تحققت ضد تنظيم داعش.

وتعد كتلتهم ثاني أكبر كتلة في البرلمان بعد الكتلة الصدرية، ولكن لهم نفوذ قوي عبر التحالفات الانتخابية التي توجهها إيران، إضافة لنفوذهم العسكري، الذي وصل إلى اقتحام المنطقة الخضراء، وإطلاق سراح قادة للحشد سبق للسلطات اعتقالهم.

مشكلة في التصويت

وندد الحشد الشعبي العراقي وهو تحالف فصائل شيعية باتت منضوية في القوات الرسمية، بقرار السلطات عدم شمله في ترتيبات التصويت الخاص في الانتخابات النيابية المبكرة على غرار القوات الأمنية.

وكان يفترض أن يدلي عشرات الآلاف من مقاتلي الحشد الشعبي بأصواتهم اليوم العاشر من تشرين الأول/أكتوبر على غرار أي مواطن آخر في دوائرهم الانتخابية، لكن تحقيق ذلك صعب لأنهم منتشرون في كافة أرجاء البلاد.

في المقابل، تشارك القوات الامنية في الانتخابات عبر “تصويت خاص” ينظم في الثامن من تشرين الأول/أكتوبر، ويدلون بأصواتهم في مراكز اقتراع خُصصت لهم.

من جهته اعتبر أبوعلي العسكري، المتحدث باسم كتائب حزب الله، أحد أكثر فصائل الحشد نفوذاً، في بيان أمس السبت أن “حرمان مجاهدي الحشد الشعبي من التصويت الخاص في الانتخابات المقبلة يعد استهدافاً لهذه الشريحة المضحية وسلباً لحقهم في اختيار من يمثلهم ويحميهم ممن يسعون إلى إضعاف قوتهم ومصادرة انتصاراتهم”.

وأوضحت المفوّضية العليا المستقلة للانتخابات، السبت، أسباب عدم شمول منتسبي الحشد الشعبي بالتصويت الخاص، مؤكدة أن حق منتسبي الحشد الشعبي محفوظ بالتصويت العام.

وقالت المتحدثة باسم المفوّضية جمانة الغلاي، لوكالة الأنباء العراقية، إن “مفوّضية الانتخابات خاطبت هيئة الحشد الشعبي لأجل تزويدنا بأسماء منتسبيهم، لوضعهم في سجل الناخبين الخاص وإصدار بطاقات بايومترية للتصويت الخاص، ولكن هيئة الحشد لم تزوّد المفوّضية بأسماء منتسبيهم، لذلك فإن مفوّضية الانتخابات شملتهم بالتصويت العام، وذلك لعدم إرسال بيانات منتسبي الحشد الشعبي الى المفوّضية”.

مقاومة لأي محاولة لضبط نفوذهم

حاول رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي قبل انتهاء ولايته عام 2018، إيجاد صيغة مقبولة لحل فصائل الحشد الشعبي وإدماج بعض أفرادها في مؤسسات الدولة الأمنية والمدنية أو تسريحهم مع إعطائهم استحقاقاتهم وتفاصيل أخرى أيدتها الولايات المتحدة والمرجعية الدينية في النجف وكتل نيابية تتبنى الخطاب الوطني البعيد عن التبعية لإيران.

لكن هيئة الحشد الشعبي قاومت جميع الإجراءات التي يمكن أن تحد من نفوذها أو حلها وتفكيكها، في حين زاد نفوذها في مستويات عدة داخل العراق وخارجه سواء في سوريا، أو استخدام الأراضي العراقية منطلقاً لشن هجمات على دول أخرى، مثل استهداف منشآت سعودية عام 2019 و2020 خلافاً للدستور العراقي.

وفي دلالة على قدرة المجموعات الشيعية المسلحة على تهديد أمن واستقرار العراق، و”عجز” الحكومة بعد عام 2017 عن فرض القانون على تلك المجموعات ومحاسبتها على خطف واغتيال المحتجين، كان الدخول إلى المنطقة الخضراء لإرغام الحكومة التي يرأسها مصطفى الكاظمي على الإفراج عن معتقلي كتائب حزب الله العراق في يونيو/حزيران 2020 بعد مداهمة أحد مقراتهم جنوب العاصمة ومصادرة صواريخ معدة للإطلاق على السفارة الأمريكية.

وفي حادثة مماثلة، رضخت حكومة مصطفى الكاظمي لمطالب الحشد الشعبي بإطلاق سراح القيادي قاسم مصلح المتهم بالمادة الرابعة من قانون مكافحة الإرهاب بعد محاصرة المنطقة الخضراء وإحالة المتهم إلى قاضٍ على صلة بفصائل الحشد الشعبي الذي أطلق سراحه بعد أقل من أسبوعين.

ولتعزيز قوة المجموعات الشيعية المسلحة ونفوذها بشكل أكبر، اتجهت هذه المجموعات منذ انتهاء الحرب على تنظيم داعش للمشاركة في الانتخابات التشريعية عام 2018.

وكانت المشاركة آنذاك، عبر كتلة “الفتح” التي تمثل أجنحة سياسية لعدد من المجموعات المسلحة برئاسة القيادي في الحشد الشعبي هادي العامري الأمين العام لمنظمة بدر، والذي ينظر إليه بأنه الحليف الأوثق لإيران، إلى جانب مجموعات أخرى مثل عصائب أهل الحق وجند الإمام وغيرهما.

إضافة إلى تنامي قوتها الاقتصادية التي تحققها الإيرادات الضخمة سواء من تخصيصات الموازنة العامة للدولة العراقية أو من خلال مكاتبها الاقتصادية التي تستفيد من عقود إعادة الإعمار وفرض الرسوم والشراكة في المشاريع الاستثمارية، فضلاً عن سيطرتها على العديد من المنافذ الحدودية وطرق التهريب بين العراق وكل من سوريا وايران.

أيضاً تنامى نفوذها العسكري بعد أن أظهرت أنها تشكل قوة موازية لقوة مؤسسات الدولة العسكرية في صنوف قتالية شتى تتفوق في بعض الأحيان على هذه القوات بالصواريخ والطائرات المسيرة.

هل يستطيع الكاظمي كبحهم؟

وتشكك قوى سياسية بقدرة الكاظمي على توفير الأجواء الملائمة لضمان انتخابات حرة ونزيهة بعيدة عن تأثير سلاح المجموعات الشيعية المسلحة، والمال السياسي الذي تستحوذ عليه الأحزاب التقليدية والمجموعات المسلحة جراء عمليات فساد مالي طيلة سنوات ما بعد غزو العراق عام 2003.

 ومنذ تسلمه رئاسة الوزراء في أيار/مايو 2020، قطع الكاظمي تعهدات على نفسه بإجراء انتخابات مبكرة حرة ونزيهة بعيدة عن تأثير السلاح خارج سلطة الدولة والمال السياسي، إلى جانب استعادة هيبة الدولة ومؤسساتها، والحد من ظاهرة انتشار سلاح المجموعات المسلحة وعشائر وسط وجنوب العراق.

لكن الكاظمي لم ينجح في نزع السلاح خارج سلطة الدولة، بيد أنه نجح في إرساء هدنة مع المجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لإيران تحدث عنها مستشار الأمن الوطني قاسم الأعرجي في سبتمبر/أيلول الماضي أنها على مرحلتين.

والمرحلة الأولى من الهدنة، وفق الأعرجي، تكون حتى موعد الانتخابات في 10 أكتوبر/تشرين الأول (أي تنتهي اليوم)، والثانية حتى موعد سحب آخر الجنود الأمريكيين بحلول 31 ديسمبر/كانون الأول من هذا العام بناء على اتفاق بين حكومتي بغداد وواشنطن.

الحشد يتطلع لقيادة تشكيل الحكومة بعد الانتخابات العراقية

ويطمح قادة المجموعات الشيعية المسلحة في تحالف “الفتح” الذي يضم أجنحة سياسية لعدد من تلك المجموعات لتشكيل كتلة نيابية تكون مؤهلة بصفتها “الكتلة النيابية الأكثر عدداً” لتسمية مرشحها لرئاسة الوزراء.

وتؤيد كتلة الفتح ترشيح رئيسها هادي العامري أحد أهم حلفاء طهران بالعراق “لرئاسة الحكومة المقبلة المخصصة للشيعة وفق المحاصصة الطائفية التي شرّعت بعد احتلال العراق عام 2003”.

لكن التحالف الذي يضم أجنحة سياسية لعدد من المجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لإيران، فقد الكثير من جمهوره بعد اندلاع الحركة الاحتجاجية في أكتوبر/تشرين الأول 2019 في بغداد ومحافظات وسط وجنوب العراق ذات الكثافة السكانية الشيعية الغالبة، واتهام بعض فصائل التحالف بالمسؤولية عن قمع المحتجين واغتيال الناشطين والشعارات التي رفعتها الحركة ضد إيران ورفض تدخلها بالعراق الذي يُنظر إليه بأنه يتم عبر القوى الحليفة مثل تحالف “الفتح”.

وتخوض حركة حقوق، وهي حركة سياسية جديدة مقربة من كتائب حزب الله، أحد فصائل الحشد الشعبي العراقي، للمرة الأولى الانتخابات العراقية المبكرة المقررة بعد نحو أسبوع مع 32 مرشحاً، وبرنامج انتخابي يشدد على رحيل القوات الأمريكية.

وتعدّ كتائب حزب الله، أحد الفصائل الأكثر تشدداً الموالية لإيران، وتعرضت أكثر من مرة لضربات يقال إنها أمريكية، لا سيما على الحدود السورية – العراقية لاعتبارها مسؤولة عن استهداف مواقع أميركية في العراق، وفق “فرانس برس”.

 ومن المتوقع أن تستمر الخلافات بين القوائم الانتخابية التي تمثل أجنحة سياسية للفصائل المسلحة خارج تحالف “الفتح” بين كتلة “الصادقون” التي تقودها حركة عصائب أهل الحق، أبرز القوى السياسية في تحالف البناء، و”حركة حقوق” الجناح السياسي (غير المعلن رسمياً) لكتائب حزب الله العراق الفصيل المسلح الأقوى ضمن تشكيلات هيئة الحشد الشعبي، والأكثر نفوذاً داخل الهيئة التي يشغل عبد العزيز المحمداوي المعروف باسم “أبو فدك المحمداوي” منصب رئيس أركان الحشد الشعبي، وهو المنصب الأكثر أهمية في الحشد.

ويعطي واقع العملية الانتخابية الذي لا شك أنها لن تكون خالية تماماً من تأثيرات السلاح والمال، مساحة أوسع لتحالف “الفتح” في توظيف موارده المالية والتسليحية ونفوذه في مؤسسات الدولة للتأثير في نتائج الانتخابات، أو على الأقل التأثير في خيارات الناخبين إلى جانب الأصوات التي سيحصل عليها مرشحو التحالف من منتسبي الحشد وعوائلهم في الغالب.

وبينما تؤشر استطلاعات الرأي لتراجع شعبية قائمة الحشد الشعبي، ولكن يخشى أن يترجم نفوذها على الأرض إلى صعود أكبر للمجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لإيران بعد أن سيطر عدد من هذه المجموعات على أراضٍ ومدن ومناطق في محافظات غرب وشمال غرب العراق بعد استعادتها من “داعش”.

وأظهرت نتائج استطلاع للرأي أن 3 تيارات سياسية عراقية ستحقق المراكز الأولى في المناطق العراقية الثلاث الرئيسية، هي: قائمة “سائرون” (التيار الصدري) في العاصمة بغداد والمحافظات الجنوبية من العراق، فيما سيحرز “تحالف تقدم” الذي يقوده رئيس البرلمان الحالي محمد الحلبوسي نتائج بارزة في المحافظات الوسطى والغربية، وسيكون للحزب الديمقراطي الكردستاني الصدارة في إقليم كردستان العراق.

تفصيلاً، وعلى المستوى الوطني العمومي، وحسب نتائج الاستطلاع المُنفذ، فإن قرابة 15% من المصوتين سوف يمنحون أصواتهم لقائمة “سائرون”، فيما سيحل ائتلاف دولة القانون الذي يقوده نوري المالكي المرتبة الثانية بنسبة تقارب 12%، ثم سيحل ائتلاف قوى الدولة وائتلاف فتح في المركزين الثالث والرابع على المستوى الوطني.

أبرز النتائج المثيرة التي كشفها الاستطلاع، قالت إن قُرابة ثلثي الناخبين العراقيين لن يصوتوا لنفس الجهات والقوائم والأحزاب والشخصيات الذين انتخبوهم خلال الانتخابات البرلمانية التي جرت عام 2018، الأمر الذي يعني أن التصويت العِقابي سيكون أهم فاعل في السلوك الانتخابي للمواطنين العراقيين.

مَن يشكل الحكومة؟

وبحسب تفسير المحكمة الاتحادية العليا، فإن “الكتلة النيابية الأكثر عدداً”، وفق الدستور، تعني الكتلة النيابية التي تشكلت بعد الانتخابات من قائمتين أو أكثر، وأصبحت مقاعدها بعد أداء اليمين الدستورية “الكتلة النيابية الأكثر عدداً” من بقية الكتل الأخرى.

وهو أمر تستفيد منه الكتل الموالية لإيران التي سرعان ما تتجمع معاً بعد انتهاء الانتخابات لتقود عملية تشكيل الحكومة.

ولنيل ثقة مجلس النواب، يحتاج المرشح لرئاسة الوزراء إلى تصويت الأغلبية المطلقة على أسماء الوزراء بشكل منفرد، أي نصف عدد أعضاء مجلس النواب زائد واحد (165+1).

وعلى الرغم من التوقعات بحصولها على عدد من المقاعد أكبر من القوائم الشيعية الأخرى، فإنه من الصعب على الكتلة الصدرية تشكيل تحالف يؤهلها للوصول إلى 166 مقعداً اللازمة لمنح الثقة للحكومة الجديدة، لأسباب أهمها ثبوت فشل وزراء التيار في إدارة شؤون وزاراتهم، خاصة البنك المركزي ووزارات الصحة والموارد المائية والكهرباء، وهي الوزرات الأسوأ أداءً.

ويعتمد تسمية رئيس الحكومة الحالي مصطفى الكاظمي، مرشحاً مستقلاً لرئاسة الوزراء على فشل “الكتلة النيابية الأكثر عدداً”، التي سيُعلن عنها في أول جلسة لمجلس النواب وتسمية مرشحها، وفشل هذا المرشح في الحصول على الأغلبية المطلقة من أصوات أعضاء المجلس لمنح الثقة لحكومته الجديدة.

وقد يكون الكاظمي، رئيس الوزراء الوحيد الذي مرت فترته، رغم قصرها (2020-2021)، ورغم مهامها المحددة، دون صِدام “حقيقي”، أو خلافات عميقة مع كتلة نيابية أو أكثر.

وأجاد الكاظمي خلق حالة توازن بين علاقاته الوثيقة بإيران وقادة “الفصائل المتنفذة” في الحشد الشعبي من جهة، ومن جهة أخرى علاقاته بعيدة المدى مع الولايات المتحدة، التي تفاوض معها على الانسحاب من العراق استجابة لإرادة المجموعات الشيعية المسلحة الحليفة لإيران.

عربي بوست