السياسية:

طُوِّرت صارويخ سكود الباليستية قصيرة المدى، التي قد تكون أسوأ الصواريخ صيتاً في العصر الحديث، لتكون أحد الأصول النووية للقادة السوفييت خلال الحرب الباردة. واليوم، بعد مرور أكثر من ستة عقود، تناثر “الحمض النووي” لصواريخ سكود في جميع أنحاء العالم، حتى أصبح بالإمكان العثور عليه في الصواريخ الباليستية من كوريا الشمالية إلى إيران وحتى اليمن. وصارت صواريخ سكود ثقيلة الحركة مرئية أكثر من أي وقت مضى، إذ تُطلَق العشرات منها في الحرب الأهلية اليمنية الدائرة.

ما هو صاروخ سكود؟

صاروخ سكود هو نتاج مباشر لتكنولوجيا الصواريخ الألمانية التي استُولي عليها في زمن الحرب. وأدت التجارب السوفيتية مع الصاروخ النازي “فاو-2” إلى جهود تطويرٍ مدتها عشر سنوات، بلغت ذروتها في الصاروخ “آر-11 إم”، الذي استعرضه الاتحاد عبر الميدان الأحمر في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 1957. 

والصاروخ “آر-11 إم”، الذي يعمل بالوقود السائل، يمكنه إطلاق رأس حربي تقليدي شديد الانفجار لمسافة 167 ميلاً (268.7 كيلومتر) ورأس حربي نووي أثقل إلى مسافة 93 ميلاً (149.5 كيلومتر تقريباً). أطلق الناتو على الصاروخ “آر-11 إم” لقب “سكود”، ومع ظهور الإصدارات اللاحقة أصبح يُعرَف باسم “سكود- إيه” (Scud A).

وجعل المدى القصير لـ”سكود-إيه” من هذا الصاروخ نظام توصيل نووياً تكتيكياً. وكانت دقة الصاروخ ضعيفة، مع احتمال حدوث خطأ في الدوران -أو المسافة التي سيسقط خلالها نصف الرؤوس الحربية للصاروخ- بمسافة 1.8 ميل (2.9 كيلومتر تقريباً). وهذا الخطأ، بجانب الحالة البدائية للتطوير المبكر للأسلحة النووية، يعني أنَّ صواريخ سكود، رغم كونها نظاماً تكتيكياً، كانت لاتزال مجهزة برؤوس حربية كبيرة تصل سعتها من 20 إلى 100 كيلوطن.

يقول تقرير لمجلة The National Interest الأمريكية إن تصميم صواريخ سكود الأساسي خضع لعدة تحديثات خلال الحرب الباردة. وقُدِّم نموذج “آر -17″، المعروف أيضاً باسم “سكود-بي”، في عام 1965. 

وانتقل “سكود- بي” إلى وحدة نقل ونصب وقذف، بعجلات بأبعاد (8×8)، وزاد نطاق الحمولة النووية من 93 إلى 167 ميلاً (من 149.5 كيلومتر تقريباً إلى 268.7 كيلومتر). 

أدى نظام التوجيه بالقصور الذاتي الجديد إلى تقليص دقة النموذج “سكود-بي” إلى 0.6 أميال (0.9 كيلومتر)، ورغم أن الصاروخ الجديد لم يكن بأي حال من الأحوال “سلاحاً دقيق التوجيه”، فإنه كان لا يزال أدق كثيراً من سابقه.

ويُقدِّر المُحلِّل العسكري ستيفن زالوغا العدد الإجمالي من صواريخ سكود المُنتجَة من جميع الأنواع بنحو عشرة آلاف، مع بقاء خمسة آلاف إلى ستة آلاف بحلول عام 1997. وقدَّر إجمالي إنتاج منصات الإطلاق بـ800. وخرجت صواريخ سكود من الإنتاج ولم تعد في الخدمة لدى الجيش الروسي.

رغم خروجه من الخدمة لدى الجيش الروسي.. سكود لا يزال فاعلاً مستمراً

بيد أنَّ نهاية الحرب الباردة لم تكن تعني نهاية صواريخ “سكود”. واستُخدِمَت الصواريخ لأول مرة في المنطقة خلال الحرب العراقية الإيرانية، عندما وُجِّهَت صواريخ “سكود” الإيرانية، المُشتراة من ليبيا، ضد المدن العراقية. 

وبدأ العراق، الذي لم يكن قادراً على الرد على المدن الإيرانية البعيدة بصواريخ سكود الخاصة به، برنامجاً لتطوير صواريخ بعيدة المدى. نتج عن ذلك تطوير “الحسين”، وهو صاروخ باليستي يصل مداه إلى 400 ميل (643.7 كيلومتر). وأُطلِقَت مئات من صواريخ “سكود” الإيرانية وصواريخ “الحسين” العراقية خلال الحرب، أكثرها على أهداف مدنية، وأطلق العراق وحده 516 من صاروخَي “سكود- بي إس” و”الحسين” على الأراضي الإيرانية.

واستخدم العراق صواريخ “الحسين” مرة أخرى في عام 1991، حين أطلق ما يُقدَّر بـ93 صاروخاً، منها ضد إسرائيل والمملكة العربية السعودية خلال حرب الخليج. وبرغم أنَّ عراق صدام حسين لم يعد موجوداً، استمرت إيران في تطوير الصواريخ الباليستية. 

وتعتقد مبادرة التهديد النووي أنَّ إيران لديها ما لا يقل عن 200 إلى 300 صاروخ من نوع “سكود”، مع 12 إلى 18 قاذفة متحركة، و25 إلى 100 صاروخ من نوع “شهاب-3” المطابق للصاروخ الباليستي متوسط ​​المدى الكوري الشمالي “نودونغ” مع 6 قاذفات. وصاروخ “نودونغ” هو أيضاً سليل سكود. ومع ذلك، تحذّر مبادرة التهديد النووي، التي قدمت هذه الأرقام، من أنها تشمل صواريخ مستوردة من الخارج و”لا تأخذ في الحسبان الإنتاج المحلي الإيراني”.

وفي الوقت نفسه، تمكنت إيران من زيادة مدى صاروخ “شهاب-3″؛ مما أدى إلى إنتاج “قدر-1” بقدرة 1000 ميل (1609 كيلومترات تقريباً). ويمثل صاروخ “قدر-1” بدوره المرحلة الأولى من مركبة الإطلاق الفضائية “سفير” الإيرانية. وأدى التقدم الإيراني الأخير في الصواريخ ذات الوقود الصلب إلى توقف البلاد عن مواصلة تطوير الأسلحة المعتمدة على صواريخ “سكود”، لكن هذه الأخيرة كانت -بلاشك- مفيدة في منح أنظمة مثل إيران منصة موثوقة للبحث والتطوير في المراحل المبكرة.

أكثر الدول المطوِّرة لأنظمة صواريخ سكود

إضافة إلى ذلك، تعتبر كوريا الشمالية أحد المستخدمين والمطورين الرئيسيين لمنصة “سكود”. فقد تلقت بيونغ يانغ صاروخين من طراز “سكود بي” من مصر في وقت ما بين عامي 1976 و 1981. وقد بدأ مشروع أبحاث الصواريخ، الذي كان ناشئاً حينها، في العمل، وبحلول عام 1986 كان قد طور نسخة محلية الصنع هي “هواسونغ-5″، مع زيادة في المدى والحمولة بنسبة 10 إلى 15%.

لكن، أعاد مطلب ضرب القواعد الأمريكية في اليابان علماء الصواريخ الكوريين الشماليين إلى مربع الصفر، وبحلول عام 1994 كانوا قد طوروا ما أصبح يُعرف باسم “نودونج”، الذي يبلغ مداه 932 ميلاً (1499 كيلومتراً)، أو ما يكفي لضرب أوكيناوا (أقصى جنوبي اليابان). 

و”نودونج” ليس صاروخاً دقيقاً؛ إذ لديه نسبة خطأ دائري محتمل تصل إلى 1.26 ميل (2 كيلومتر). وصدَّرت كوريا الشمالية تقنية “نودونج” إلى إيران لإنشاء صاروخ “شهاب-3”. واستُخدِم “نودونج” أيضاً أساساً للصاروخ الباليستي متوسط ​​المدى “تايبودونج-1” (الذي لم يعد في الخدمة) ومجموعة من محركات “نودونج” و”سكود” لتشغيل مركبة الإطلاق الفضائية “أونها-3”.

سيستمر إرث صواريخ سكود في ملاحقة العالم لعقود قادمة/ wikimedia commonsصواريخ سكود تظهر في حرب اليمن

وخلال الحرب الأهلية اليمنية المستمرة، أُطلِقَت العديد من صواريخ “سكود”، التي يُزعَم أنها مأخوذة من مخزونات الجيش اليمني الذي اشتراها من كوريا الشمالية. ووُجِّهَت هذه الصواريخ ضد أهداف تشمل العاصمة السعودية الرياض وكذلك مكة المكرمة. 

ويصعب الحصول على تقدير دقيق لعدد الصواريخ الباليستية التي أُطلِقَت في الصراع. لكن يكمن أحد الأدلة في بيان أصدرته شركة Raytheon، الشركة المُصنِّعة لصاروخ باتريوت، في وقت سابق من هذا العام، تدَّعي فيه أنه منذ “يناير/كانون الثاني 2015، اعترضت منظومة باتريوت أكثر من 100 صاروخ باليستي في عمليات قتالية حول العالم”.

في حين أنَّ صاروخ سكود لم ينطلق بغضب في الحرب الباردة التي صُمم بالأساس من أجلها، لكن من المفارقة أنه صار يمثل تهديداً عسكرياً كبيراً في حقبة ما بعد الحرب الباردة. ومنذ ذلك الحين، ولّد الصاروخ صواريخ أكثر خطورة، بل الأسوأ من ذلك، برامج أبحاث الصواريخ، في أيدي دول مختلفة. وبرغم أنَّ صواريخ سكود نفسها ستختفي في النهاية، سيستمر إرثها في ملاحقة العالم لعقود قادمة.

* المادة الصحفية نقلت حرفيا من موقع عربي بوست ولايعبر عن راي الموقع