السياسية:

في ظل حالة من الترقب العالمي لأزمة إمبراطورية إيفرغراند ثاني أكبر مطور عقاري في الصين، والتي تشهد حالة من التدهور السريع عقب الكشف عن مديونياتها التي تجاوزت الـ300 مليار دولار، تعيش الأسواق العالمية ومن بينها الأسواق العربية حالة من الاضطراب ما بين صعود وهبوط.

فبمجرد الإعلان عن حجم المديونية التي تقع على عاتق العملاق الصيني، تراجعت البورصات الآسيوية التي أدلت بدلوها على البورصات الخليجية ومصر، بالإضافة إلى البورصات الأوروبية والأمريكية، والتي ما زالت تعيش جميعها حالة من عدم الاستقرار وسط تجدد المخاوف بين الحين والآخر.

وتأتي المخاوف العالمية من إفلاس عملاق إيفرغراند، نتيجة أنه ما زال سيناريو إفلاس مصرف “ليمان” الأمريكي الذي تسبب في الأزمة المالية العالمية في عام 2008 بسبب أزمة الرهن العقاري في الولايات المتحدة حينها، عالقاً في أذهان الناس والذي ما زالت بعض الدول تعاني من آثاره حتى الآن.

يضاف إلى ذلك أن الاقتصاد الصيني، الذي يعد ثاني أكبر اقتصاد في العالم، متشابك مع العديد من الدول الأخرى، ما يعني أن الأزمة المالية والمصرفية والركود الذي سيحدث داخل القطاع العقاري الصيني في حال أفلست “إيفرغراند” يمكن أن يكون لهما آثار سلبية خارجها بسهولة.

ما هي أسباب تهاوي شركة إيفرغراند؟

وترجع أسباب تهاوي العملاق الصيني إلى اعتماد الشركة على القروض في تمويل مشروعاتها بشكل كبير، بل أصبح النمو السريع الذي تتمتع به الشركة قائماً على هذه الآلية، وهو النهج الذي كانت تنتهجه أغلب شركات العقار في الصين.

إلا أنه مع ارتفاع أسعار المساكن نتيجة الطلب العقاري المتزايد، عملت الحكومة على كبح الطلب للتقليل من حدة الأسعار، عبر سياسات حكومية أطلقتها تحت ما يسمى “الخطوط الحمراء الثلاثة”، والتي تقضي بخفض نسب القروض ورفع الائتمان للمشروعات العقارية.

الأمر الذي دفع الكثير من الشركات العقارية الصينية إلى انتهاج سياسات بديلة عن الاستدانة في تمويل مشروعاتها، إلا أن “إيفرغراند” استطاعت الهروب من هذه السياسات وعدم الالتزام بها لتحلق بمشروعاتها نحو الأفق، مما أوحى للبعض بأن هذه الشركة بعيدة كل البعد عن الفشل. 

ولكن في ظل التضارب بين المنهجية التي تتبعها “إيفرغراند” وسياسات الدولة الصينية التي نجحت في كبح الطلب الصيني الداخلي، عجزت “إيفرغراند” عن بيع الشقق بالسرعة الكافية أو المطلوبة للوفاء بالتزاماتها من الديون. 

حيث كان يتعين على “إيفرغراند”، يوم الخميس الموافق 23 سبتمبر/أيلول الجاري، سداد فوائد قيمتها 83.5 مليون دولار عن سندات خارجية بقيمة ملياري دولار، إلا أنه وفقاً لوكالة رويترز فإن إيفرغراند ستسدد نحو 232 مليون يوان (35.88 مليون دولار) فقط منها، بعد التوصل لاتفاق يقضي بذلك.

كما يتعين عليها دفع فوائد قيمتها 47.5 مليون دولار خلال الأسبوع الجاري، وستعتبر الشركة الصينية متخلفة عن السداد إن لم تدبر المبلغ في غضون 30 يوماً من موعد الاستحقاق، لتأتي تلك المستحقات ضمن إجمالي ديون بلغت نحو 310 مليارات دولار لصالح 171 بنكاً محلياً و121 شركة مالية أخرى.

لتنعكس تباعاً تلك المؤشرات السلبية التي تتضمن هذا المبلغ الكبير، على الاقتصاد الصيني داخلياً وخارجياً، الأمر الذي دفع وكالة فيتش للتصنيف الائتماني في 23 سبتمبر/أيلول 2021، إلى خفض توقعاتها لنمو الاقتصاد الصيني للعام الحالي إلى 8.1%، مقابل 8.4% بالتوقعات السابقة.

كذلك خسر أغنى 500 شخص في العالم ما مجموعه 135 مليار دولار في 20 سبتمبر/أيلول الجاري، مع تضرر أسواق الأسهم في جميع أنحاء العالم خاصة أسهم شركات الصلب والمعادن بسبب المخاوف ذاتها.

ما هو تأثير إفلاس “إيفرغراند” على الدول العربية؟ 

وفي خضم ذلك، فإنه مع ترابط العلاقات الاقتصادية والتجارية بين الصين والدول العربية، والتي نمت بنحو 700% من عام 2004، حيث أصبحت الصين إما شريكاً تجارياً رئيسياً أو مصدراً رئيسياً للاستثمار أو كليهما، فمن المؤكد أن تتأثر الدول العربية سلباً نتيجة هذا التشابك الاقتصادي.

ومع ارتفاع استهلاك الصين من النفط والذي بلغ نحو 14 مليون برميل يومياً في عام 2020، تمد الدول العربية ما يقرب من نحو 5.1 مليون برميل وهو ما يمثل نحو ما يقرب من نصف إجمالي واردات الصين من النفط مع نهاية عام 2020 بنسبة 46.8%.

إضافة إلى أن الصين تعد أكبر شريك تجاري لعشر دول عربية، بما في ذلك مصر والسعودية، والإمارات، والعراق، وثاني أكبر شريك تجاري للعالم العربي ككل، وأكبر سوق لصادرات البتروكيماويات الخليجية.

المدن الجديدة مثل الكهوف المهجورة والمدن القديمة أشبه بالمستنقعات.. ما هو مصير العاصمة الإدارية الجديدة؟

 فنجد أن قيمة التجارة الثنائية بلغت 239.8 مليار دولار خلال 2020، بينما نمت صادرات الصين إلى الدول العربية بنسبة 2.2% على أساس سنوي لتصل إلى 123.1 مليار دولار.

وبالتالي فإنه في حال قوبل الاقتصاد الصيني بأي نوع من الصدمات نتيجة إفلاس “إيفرغراند”، فإن الاقتصاد العربي سيتأثر هو الآخر نظراً لأن السوق العقاري يستهلك المحروقات في عمليات نقل المعدات وتشغيل الماكينات، ما يعني أنه في حال حدوث أزمة في القطاع العقاري داخل الصين فإن استهلاك بكين سيتراجع وبالتالي تتأثر واردات النفط العربية بالسلب. 

 بالإضافة إلى أن مواد البناء التي تصدرها الدول العربية للصين ستتأثر هي الأخرى مثل دولة كمصر تصدر خامات الرمال والرخام ومواد البناء، والتي لن يحتاج إليها السوق الصيني بسبب الانكماش المتوقع في قطاع العقارات الصيني.

مع الأخذ في الاعتبار أن صادرات مصر من مواد البناء والحراريات والصناعات المعدنية بلغت خلال الفترة من يناير/كانون الثاني الماضي إلى يونيو/حزيران 2021 نحو 2 مليار و998 مليون دولار.

وبخلاف الضرر المتوقع في الجانب التجاري بين الطرفين العربي والصيني، فإنه على مستوى الاستثمارات المتبادلة من المتوقع أن يحدث حالة من العجز داخل القطاع المصرفي الصيني ما يعطل القدرة على تمويل المشروعات الاستثمارية المشتركة أو التي تستهدفها الصين داخل الوطن العربي.

فدولة مثل مصر تضم الكثير من المشروعات المشتركة مع الصين وبخاصة في العاصمة الإدارية الجديدة مثل البرج الأيقوني الذي يحيط به 20 مبنى تجارياً وإدارياً للوزارات ومدينة المال والأعمال “كابيتال بارك”.

وتنفذ هذه المشروعات في مصر أكبر شركة مقاولات في العالم، وهي CSCEC الصينية والتي تعمل في الوقت ذاته على توفير القروض من البنوك الصينية، والتي هي الآن على شفا أزمة مالية كبرى بسبب كارثة شركة إيفر غراند.

كما أن شركة CSCEC الصينية المعنية بتنفيذ بعض المشروعات المصرية، لديها بعض المشاريع العالمية المشتركة مع شركة إيفرغراند، إلا أن وكالة فيتش للتصنيف الائتماني ذكرت في 26 سبتمبر/أيلول الجاري، أن شركة CSCEC ستواجه الحد الأدنى من المخاطر في المشروعات التي تربطها بـ”إيفرغراند”.

يأتي ذلك في وقت تعيش فيه مصر أكبر فقاعة عقارية في تاريخها، فطبقاً لمؤشرات الأسعار التي كانت مطبقة في السوق العقاري والتي كانت ترتفع بنسب لا تزيد عن 15% سنوياً، أصبحت تشهد مضاربات خيالية، لا تتفق مع الواقع الاقتصادي ولا التكاليف التي تنفقها شركات المقاولات والجهات المالكة.

وبلغت استثمارات الصين المباشرة في الدول العربية 20.1 مليار دولار بحلول عام 2020، فيما بلغت استثمارات الأخيرة في البلاد 3.8 مليار دولار. ويغطي الاستثمار ثنائي الاتجاه العديد من المجالات مثل النفط والغاز والبناء والتصنيع والخدمات اللوجستية والطاقة، وفقاً لوزارة التجارة الصينية.

كما أنه من المتوقع أن تؤدي أزمة التمويل هذه إلى تعطيل مبادرة الحزام والطريق (حتى يناير/كانون الثاني 2021)، والتي شارك فيها 17 دولة من إجمالي 22 دولة، وهو المشروع العالمي الضخم للبنية التحتية والتنمية الاقتصادية والتي تتبناه الصين بهدف بناء شبكة اقتصادية وهياكل أساسية تعزز من نفوذها العالمي.

هل العالم مقبل على تكرار الأزمة المالية العالمية؟

ولكن رغم كل هذه التوقعات المتشائمة، فإن هذه التنبؤات تظل متوقفة على ردود فعل الحكومة الصينية مع هذه الأزمة، حيث يراهن البعض على أن الصين لن تترك أحد عمالقة العقار الصيني يسقط لتجنب الاضطرابات الاقتصادية والاجتماعية.

ووفق صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية في 23 سبتمبر/أيلول 2021، نقلاً عن مسؤولين مطلعين على المناقشات، فإن السلطات الصينية تطلب من الحكومات المحلية الاستعداد لانهيار محتمل في “إيفرغراند”.

سهلّ فيروس كورونا بعيداً عن الأضواء؛ عدوى من نوع آخر، أو ما يسميه الخبير الاقتصادي أمارتيا سين “جائحة الاستبداد”/ shuttershock

وأضافت الصحيفة، نقلاً عن المسؤولين، أن الحكومات المحلية تلقت أوامر بتشكيل مجموعات من المحاسبين والخبراء القانونيين لفحص الماليات المرتبطة بعمليات “إيفرغراند” في مناطقهم.

كما أشارت الصحيفة الأمريكية إلى أن الحكومات المحلية تلقوا أيضاً أوامر بالتحدث مع مطورين عقاريين محليين تابعين للدولة وفي القطاع الخاص، للاستعداد لتسلم المشروعات وتشكيل فرق لإنفاذ القانون لمراقبة الغضب العام وما تُسمى بالأحداث التي تشارك فيها حشود، والتهوين من الدعوة لأي احتجاجات.

 ولكن أغلب المحللين يرون أن أزمة “إيفرغراند” في أسوأ سيناريوهاتها لن تقود إلى نفس سيناريو بنك الاستثمار الأمريكي “ليمان” الذي تسبب في الأزمة المالية العالمية في عام 2008.

خاصة أن إيفرغراند تمتلك أراضي وأصولاً مادية بينما بنك ليمان كان يمتلك أصولاً مالية، ما يعني أنه في حال انسداد الحلول البديلة، فإنه بإمكان الشركة الصينية إنهاء مشاريعها التنموية وبيعها والبدء في سداد ديونها.

حيث إن أصول “إيفرغراند” تتكون في المقام الأول من الأراضي ومشاريع الإسكان التي تزيد قيمتها قليلاً عن 1.4 تريليون يوان (220 مليار دولار)، كما أنه من البعيد بمكان أن تتأثر قيمة الأراضي، لأنها ببساطة أكثر شفافية واستقراراً من الأدوات المالية، كما أن الحكومة الصينية تمتلك حافزاً قوياً لتحقيق الاستقرار في أسعار الأراضي.

عربي يوست