إندحار الكيان المحتل من غزة.. محطة تحول لتطوير قدرات المقاومة الفلسطينية وتعاظمها
السياسية : مرزاح العسل
شكل اندحار الكيان الصهيوني المحتل ومستوطنيه بالكامل من قطاع غزة في الـ12 من شهر سبتمبر من عام 2005م، محطة تحول مُهمة وفارقة في التاريخ الفلسطيني المعاصر، ونقلة نوعية على صعيد تطور قدرات المقاومة الفلسطينية وتعاظمها، في تطور سُجل لأول مرة داخل فلسطين منذ احتلالها بالكامل إبَّان نكسة 1967.
وبهذه المناسبة احتفت فصائل المقاومة الفلسطينية بشكل خاص وأبناء فلسطين بشكل عام، اليوم الأحد، بالذكرى الـ16 لاندحار الكيان الصهيوني المحتل ومستوطنيه بالكامل من قطاع غزة، بعد احتلال دام 38 عامًا، لتعيش غزة في عزة وكرامة منقطعة النظير.
وحينما بدأ رئيس حكومة الاحتلال أريئيل شارون آنذاك الاندحار عن 25 مستوطنة صهيونية في قطاع غزة، كانت تحتل نحو 35 في المائة من مساحة القطاع الذي لا تتعدى مساحته 360 كيلومترًا مربعًا، بفعل ضربات المقاومة.
وكانت المستوطنات، بمثابة نقاط سيطرة استراتيجية للاحتلال، وشكلت كنزًا حقيقيًّا نهب من خلالها الاحتلال الموارد الطبيعية للقطاع، وليس أدل على ذلك من سرقته المياه الجوفية العذبة، والكثبان الرملية التي نقلها إلى داخل الأرض المحتلة.
وأصبحت الـ25 مستوطنة الجاثمة على أرض القطاع أثرًا بعد عين عقب الاندحار عنها بفعل ضربات المقاومة، ولطالما كانت كالغدد السرطانية تجزئ محافظات القطاع ومناطقه، وتشل تحركات أهله وتنقلاتهم.
ويومها تدفق عشرات آلاف الفلسطينيين إلى الأراضي المحررة التي مُنعوا سنوات طويلة من دخولها، لاستيلاء الاحتلال عليها لبناء المستوطنات الصهيونية، واكتشفوا حينها حجم الأراضي التي كانت محتلة وما تحتويه من موارد اقتصادية.. ومع اندحار الاحتلال انتهت معاناة الفلسطينيين من الحواجز التي كان يضعها جيش الاحتلال، ويقطع بها أوصال قطاع غزة.
وتصاعدت حالة المقاومة ومنذ اليوم الأول لانتفاضة الأقصى، شهدت الساحة الفلسطينية عامة وفي قطاع غزة خاصة، حالة مقاومة متصاعدة، وشهدت تطورًا في أدوات المقاومة الفلسطينية مقارنة بالانتفاضة الأولى، التي كان أبرز أدواتها “الحجارة” و”الزجاجات الحارقة”.
وكان العام 2004م، وهو العام الذي سبق الاندحار عن غزة، قد شهد أعلى نسبة لعدد القتلى في صفوف جنود الاحتلال، إذ قُتل فيه 46 جنديًا، ما جعل وجود الاحتلال في غزة وقربه مكانيًا من المقاومة الفلسطينية أمرًا مستحيلًا.
وعلى الرغم من استهداف الاحتلال لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) وقادتها منذ نشأتها، إلا أنها قادت المقاومة نحو الطريق الصحيح، وباتت حامية لها، وشكلت سدًا منيعًا أمام كل محاولات سحب سلاحها واستئصالها التي كانت تمارسها السلطة الفلسطينية وأعوانها.
ومكّن الاندحار الصهيوني عن قطاع غزة، المقاومة الفلسطينية من حرية العمل وتطوير قدراتها المختلفة وتصاعدها، إذ عملت على إعداد تكتيكات جديدة في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.. كما مكنها من الصمود في مواجهة العدوان الصهيوني المتواصل على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وإفشال أهداف الاحتلال في القضاء عليها، والتي غدت اليوم كابوسًا يؤرق قادة الاحتلال.
وأصبح الاندحار عن غزة نقطة تحول كبير في تطور أداء المقاومة وسلاحها، واتساع معركتها مع العدو، حتى أضحت تبدع في معركة تلو الأخرى، وظل الشعب الفلسطيني ظهرًا حاميًا وداعمًا لها رغم الجوع والحصار.
وانعكس تطور المقاومة الفلسطينية على أدائها ميدانيًا خلال معركة العصف المأكول 2014، إذ نفذت المقاومة العديد من العمليات العسكرية النوعية، وعمليات الإنزال خلف خطوط العدو، وصولًا إلى معركة “سيف القدس”، إذ اتسع نطاق صواريخ المقاومة ليصل إلى داخل العمق الصهيوني في الأراضي المحتلة.
وتمكّنت غزة رغم مؤامرة الحصار والعدوان من أن تصمد وتؤسس لمرحلة تكون فيها رقمًا صعبًا في المعادلة الفلسطينية والعربية والدولية.
هذه التطورات المتسارعة للقدرات العسكرية للمقاومة خلال الانتفاضة رفع فاتورة حماية المستوطنين في غزة، الأمر الذي جعل من غزة كابوسًا يحلم شارون في التخلص منه.
ونفذت كتائب القسام عبر سلاح الأنفاق الاستراتيجي العديد من العمليات التي قلبت معادلة الصراع مع الاحتلال، ودفعته للهروب من غزة، أبرزها عملية موقع ترميد في سبتمبر عام 2001، وعملية موقع حردون في ديسمبر عام 2003، وعملية محفوظة في يونيو 2004م، وعملية براكين الغضب في ديسمبر 2004م.
وكبدت المقاومة الفلسطينية الاحتلال الصهيوني خسائر بشرية ومادية كبيرة، فخلال سنوات انتفاضة الأقصى، نفذت المقاومة وعلى رأسها كتائب القسام 68 عملية ما بين إطلاق نار وتفجير آليات واقتحام للمغتصبات، أدت إلى مقتل 135 صهيونيًا، بينهم 106 من الجنود والضباط، و29 مستوطنًا، بينما أصيب العشرات منهم بجراح.
وبعد مرور 16 عامًا على اندحار الاحتلال عن غزة، والذي اعتبرته (حماس) إنجازًا وطنيًا ومقدمة لتحرير باقي الأرض، ستبقى المقاومة على امتداد خارطة الوطن الفلسطيني من غزة إلى القدس إلى نابلس والخليل وجنين القسام، وبلدة بيتا، مُشرعة وبكل الأدوات والأشكال كافة، تراكم وتعاظم من قوتها، وصولًا إلى معركة التحرير ودحر الاحتلال عن كل فلسطين.
وأكد نائب رئيس حركة (حماس) في الضفة الغربية زاهر جبارين اليوم الأحد، أن الشعب الفلسطيني استطاع بملعقة هزيمة عقلية الاحتلال على مدار ٧٠ عاماً، خاصة أن سجن جلبوع بشكل خاص وضعت به كل الإمكانيات والتجارب “الإسرائيلية” كيلا يفكر أي فلسطيني بالهرب.
وقال جبارين: “إن النصر الذي حققه الأسرى الستة بالهروب الفعلي واختراق خزنة جلبوع يمثل نصرا استراتيجيا وحفرة في وعي الاحتلال أنه لا يمكن له أن يبقى على هذه الأرض”.
من جهته أكد عضو المكتب السياسي لحركة (حماس) خليل الحية أن المقاومة الفلسطينية تقف دائما خلف الأسرى وبجانبهم، وأن الأسرى الذين حفروا حريتهم من تحت الأرض سيتحررون في صفقة قادمة.
وقال الحية في تصريح لوكالة “يونيوز” على هامش إحياء ذكرى تحرير قطاع غزة قبل 16 عاما: إن موقف كتائب القسام بالأمس هو موقف رجولة وموقف وفاء لأسرانا البواسل.
وكانت كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، أعلنت أن أي صفقة تبادل أسرى بين المقاومة الفلسطينية وكيان الاحتلال الإسرائيلي ستتضمن الاسرى الأربعة الذين أعاد كيان الاحتلال اعتقالهم بعد أن حرروا أنفسهم من سجن جلبوع شديد الحراسة.
وقال الناطق باسم كتائب القسام أبو عبيدة مساء السبت إنه “لن تتم أي صفقة تبادل جديدة دون الأسرى الأبطال الأربعة الذين أعاد الاحتلال اعتقالهم”.
ورأى الحية أن “هذا وعد وعهد”.. مؤكدا أن “هؤلاء الأبطال الذين حفروا بأظافرهم وإرادتهم حريتهم من تحت الأرض، سيتحررون من فوق الأرض أعزاء كرماء في صفقة قادمة رغم أنف الاحتلال”.
وشدد الحية على أن ذكرى تحرير غزة هي ذكرى بطولة وتضحية وثبات “لتؤكد أن المقاومة تنتصر”.
بدورها أكدت حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين في بيان صحفي لها اليوم الأحد، بمناسبة الذكرى الـ16 للإندحار الصهيوني من قطاع غزة، أن وقوفها لجانب الأسرى في ثورتهم وانتفاضتهم لأجل الحرية والكرامة.. مشيدةً بما سطرته المقاومة من أروع البطولات وتحقيقها إنجازات كبيرة في معاركها مع المحتل وتصديها للمؤامرات.
وجددت الحركة في بيانها، التزامها بالعمل لتحقيق حريتهم التي ينشدونها وينشدها كل أبناء الشعب الفلسطيني.. داعيةً لتوسيع انتفاضة الحرية إسناداً لهم وتصدياً للإحتلال وعدوانه في كل مكان.
وقالت الحركة: “قبل 16 عاماً وتحت ضربات المقاومة، رحل آخر جندي صهيوني من أرض غزة، لتسجل تلك اللحظة انتصاراً كبيراً جاء نتاج تضحيات كبرى قدمها شعبنا ومقاومتنا الباسلة التي لم تدع الاحتلال ينعم بلحظة استقرار ولا أمان، وما إن أعلن الجيش الصهيوني خطة الانسحاب عن غزة حتى سارع المستوطنون للهرب من المستوطنات التي صرح زعيمهم الهالك ذات يوم أن “نتساريم مثل تل أبيب”، فما بقيت “نتساريم” التي عادت أرضها حرة، وقد شهدت بعد دحر الاحتلال عنها صواريخ البراق وغيرها تدك قلب الكيان في تل أبيب وغيرها. ”
وأضافت: “اندحر الاحتلال عن غزة التي حاول أن يعزلها بالحصار ويكسر عنفوانها ويفصلها عن باقي أرض فلسطين، لكن المقاومة أفشلت خططه وبقيت عصية على الانكسار، وقد رأي العالم كله كيف تخرج غزة مدافعة عن القدس وعن الأسرى وحامية للثوابت ومحافظة على وحدة الأرض والشعب.”
وأكدت الحركة، أن المقاومة سطرت أروع البطولات وحققت انجازات كبيرة في معاركها مع المحتل وتصديها للمؤامرات، وما معركة سيف القدس وما قبلها إلا فصلاً من فصول العمل الحثيث وصولاً للتحرير بإذن الله.
كما أصدر المكتب الإعلامي للجان المقاومة الشعبية، اليوم، تصريحًا صحفيًا في الذكرى الـ16 لانسحاب الاحتلال الإسرائيلي من قطاع غزة.. قال فيه: اندحار العدو الصهيوني عن قطاع غزة جاء نتيجة لضربات المقاومة ومعاركها وبطولاتها التي جعلت كلفة بقاء العدو باهظة الثمن.
وأضاف: “المقاومة الباسلة لا زالت تسجل حضورا كبيرا وبطولات وإنجازات سيسجلها التاريخ بماء من ذهب”.
هذا.. ونظمت فصائل العمل الوطني الفلسطيني والإسلامي، اليوم، مؤتمرًا بعنوان (المقاومة تحرر.. أوسلو تدمر) في مدينة غزة، بمناسبة اندحار جيش الاحتلال من قطاع غزة، واتفاقية أوسلو المشؤومة عام 1993، شارك فيه نخبة من القوى الوطنية والشخصيات الاعتبارية.
وأكدت فصائل العمل الوطني والإسلامي في بيانها الختامي، أن ما تتعرض له القدس والأسرى البواسل وقضية اللاجئين تتطلب من الجميع الوقوف بجدية والعمل لمواجهة المخاطر التي تهددها.
ودعت الفصائل، قيادة السلطة الفلسطينية لدعم مقاومة الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال والاستعمار والاستيطان والمشاريع التصفوية الصهيونية.
وأوضحت أن التطبيع يوفر غطاء للاحتلال لممارسة عدوانه ضد شعبنا الفلسطيني، وهو مكسب للاحتلال على حساب حقوق الشعب الفلسطيني.
وشددت على أن غزة لن تقف صامتة أمام عدوان وانتهاكات الاحتلال، ومواجهة المحتل الإسرائيلي يتطلب وضع استراتيجية موحدة، وعلى أن اندحار الاحتلال جعل من غزة مكاناً نشطاً لتقوم المقاومة بدورها دون معوقات.. مشيرةً إلى أن الاحتلال شن 4 حروب مدمرة على غزة دون تحقيق أي أهداف.
كما دعت السلطة الفلسطينية إلى مراجعة سياساتها الحالية والذهاب إلى حوار شامل.. مطالبةً السلطة الالتزام بقرارات المجلسين الوطني والمركزي واجتماع الأمناء العامين وسحب الاعتراف من “دولة الاحتلال” ووقف الانتقال للمرحلة الانتقالية من اتفاق أوسلو والتحرر من ملحقاته الأمنية والاقتصادية وإعادة بناء العلاقة مع المحتل باعتباره “دولة احتلال” وتمييز عنصري وتطهير عرقي.
وطالبت الفصائل، بمواصلة الضغط على المؤسسات الوطنية الدولية في محاسبة الاحتلال على جرائمه.. داعيةً إلى مواصلة كافة أشكال النضال لكسر الحصار على قطاع غزة.