السياسية:

تبدو العلاقة بين إيران وطالبان معقدة، وتحتمل أن تتحول إلى نوع من التعايش الحذر أو الصراع المكتوم.

وتوقَّعت إيران أن تنجو حكومة الرئيس أشرف غني لعدة أشهرٍ أخرى، وبالتالي فتح الباب أمام تسويةٍ لتقاسم السلطة بشكلٍ ما، تسمح لطهران بممارسة قدر من النفوذ عبر حلفائها في أفغانستان.

وقبل سقوط كابول أصرَّ قادة طالبان على أنهم يريدون حكومةً “شاملة”، ولكن سواء أكان ما يقولونه صادقاً أم لا فإن انهيار الجيش الأفغاني وخروج غني غير اللائق دَفَعَ بالحركة إلى موقع قوةٍ لا يكاد يُطمئن الأقليات مثل الطاجيك أو الشيعة الهزارة، حسبما ورد في تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.

واللافت أنه مع صعود طالبان وقبل الانسحاب الأمريكي باتت هناك اتصالات معلنة بين الحركة وإيران، إضافة إلى أن منطقة غرب أفغانستان المحاذية لإيران كانت من المناطق التي سقطت في يد طالبان مؤخراً بسهولة ودون أي دعم إيراني لمعارضي الحركة.

داعش يقرب بين إيران وطالبان

يجب على طالبان الآن أن تصارع تنظيم داعش في خراسان، وهي جماعةٌ تضم قادة طالبان الساخطين الذين عارضوا المحادثات مع الولايات المتحدة. وبعد أن خاض التنظيم العديد من المعارك ضد طالبان، من المُحتَمَل أن يصعِّد من هجماته على أمل أن تساعده سلسلةٌ من هجمات العنف الطائفي والفوضى في فرض رؤيته الخاصة لـ”الخلافة” على جميع الأفغان، بما في ذلك طالبان وأتباعها. 

وهناك مصلحةٌ مشتركة بين قادة طالبان وإيران في إيقاف تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان. كان منطق التعاون بين طالبان وإيران واضحاً بالفعل، قبل أن يجد قادة طالبان أنفسهم في القصر الرئاسي في كابول، وقد توسَّع التعاون منذ الهجوم الدموي على مطار كابول. 

لكن بينما يسعى الطرفان لتحقيق المزيد من الأرضية المشتركة، ستحتاج إيران وطالبان أيضاً إلى دعم جميع جيران أفغانستان القريبين والبعيدين، بما في ذلك باكستان وطاجيكستان وأوزباكستان وتركمانستان والصين، فضلاً عن روسيا. 

يقول الموقع الأمريكي “من المؤكَّد أننا نبدو على أعتاب “لعبةٍ كبرى” أخرى يتنافس فيها اللاعبون الرئيسيون لتشكيل صراعات القوة الداخلية في أفغانستان دون أن يحرقوا البلاد”. 

تؤكِّد المخاطر التي يشكِّلها تنظيم الدولة الإسلامية في خراسان على استمرار مشاركة الولايات المتحدة- على الأقل جواً- في معارك أفغانستان. ومع ذلك ستكون الولايات المتحدة لاعباً متواضع الشأن مقارنةً بجيران أفغانستان، وليس أقلهم إيران، التي ستختبر قدرتها على موازنة مصالحها المتعدِّدة في أفغانستان في الأسابيع والأشهر المقبلة. وفي جميع الاحتمالات ستواجه إيران هذا التحدي من خلال سياسة المشاركة الانتهازية مع طالبان والقوى الأفغانية الأخرى. ويمكن لهذه الاستراتيجية أن تجلب مكاسب لطهران، لكن ليس من دون بعض المخاطر على الجبهتين الإقليمية والداخلية. 

الخلافات الدينية تتحول إلى تعايش مصالح 

الاختلافات الطائفية، هي سبب رئيسي للخلاف بين إيران وطالبان رغم التشابه بين النظامين.

إذ يدَّعي كلاهما أنه يتحدَّث عن مجتمعٍ إسلامي حقيقي، ويؤمن كلاهما أن فهمه للإسلام هو الأساس لحكم الدولة، لكن طالبان تتبنَّى عقيدةً إسلامية سنيَّة راديكالية تنظر إلى أيديولوجية إيران الشيعية باعتبارها أقرب إلى الرِّدَّة. 

وكان لهذا العداء الديني العميق عواقب وخيمة على أقلية الهزارة الشيعية في أفغانستان، التي يبلغ تعدادها من ستة إلى سبعة ملايين نسمة، والتي عانت من القمع والمذابح على يد طالبان في أواخر التسعينيات، ويذكِّرنا مقتل تسعة دبلوماسيين إيرانيين، في سبتمبر/أيلول 1998، والذي ألقت إيران باللوم فيه على طالبان، باحتمالية نشوب عداءٍ بين الخصمين. 

ولكن أعمال عنف ضد الشيعة تعكر العلاقة الجديدة 

وبينما يصرُّ قادة طالبان على أنهم سيحمون الهزارة، فإن مقتل تسعة من الهزارة في يوليو/تموز، بالإضافة إلى أعمال عنفٍ أخرى مماثلة، جعلت أقلية الهزارة في حالةٍ من الخوف، ودَفَعَت الآلاف منهم إلى الفرار عبر الحدود إلى باكستان. 

إن أعمال العنف البغيضة هذه، التي تضمَّنَت عملياتٍ انتقامية إيرانية ضد سجناء طالبان، قد تلقي بظلالها على العلاقات بين إيران وطالبان.

ولكن حتى الآن يحاول الطرفان على ما يبدو تجاهل الكراهية المتبادلة المتأصلة لصالح علاقة تعايش حذرة.

وفي كل الأحوال فإن خطاب طالبان تجاه الشيعة هو تحول كبير مقارنة بما كان عليه الأمر في التسعينيات.

وشرعت طالبان، مؤخراً، في حملة لتحسين صورتها بأذهان الإيرانيين، حيث زار ممثلو الحركة السفارة الإيرانية في الدوحة، العام الماضي؛ لتقديم تعازيهم بعد مقتل العالم النووي “محسن فخري زادة”. علاوة على ذلك، أجرى مسؤولو طالبان مقابلات متعددة مع وسائل الإعلام الإيرانية في الأسابيع الأخيرة؛ لتهدئة مخاوف طهران، مؤكدين “الروابط الأخوية مع جمهورية إيران الإسلامية”.

ورغم المخاوف الإيرانية من المرجح أن تعمل طهران على تجنب الصدام مع طالبان والبحث عن علاقة تحدُّ من مخاطر تحوُّل أفغانستان لبيئة معادية، وهو الأمر الذي أشار إليه وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، معتبراً أن التهديد الأكبر بالنسبة لإيران هو تشكيل نظام سياسي مناهض في أفغانستان؛ محذراً من محاولة بعض الدول العربية بالخليج مع الولايات المتحدة تمويل وتوجيه طالبان لإضعاف طهران وصرف انتباهها عن العراق والدول العربية الأخرى.

وكان الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، قد أشاد بما وصفه بـ”الهزيمة العسكرية” للولايات المتحدة في أفغانستان.

وبينما تسعى طالبان إلى ترسيخ حكمها بين المجتمعات المتنوِّعة في البلاد- إضافةً إلى السعي للحصول على اعترافٍ دولي من الخارج- لدى الحركة مصلحةٌ في الإشارة إلى أنها ستسعى للتوافق مع الهزارة ومع طهران. 

أما ما إذا كانت الحركة قادرةً أو ترغب في هذا الوعد، فهذه مسألةٌ أخرى، ومع ذلك فإن أفضل رهانٍ بالنسبة لطهران هو اختبار طالبان أثناء استخدامها شبكتها من الروابط القبلية في أفغانستان كرافعةٍ من أجل نهجٍ أشمل من قِبَلِ قادة الحركة. 

وعلاوة على ذلك، يقدِّم صعود تنظيم داعش في خراسان دفعةً أخرى، وإن كانت مدمِّرة، لطهران وطالبان، من أجل العمل معاً في القضايا الحاسمة التالية: اللاجئون، والمياه، وتهريب المخدرات، والتجارة والتدفُّقات المالية. 

عوامل الخلاف والاتفاق بين إيران وطالباناللاجئون: ورقة في يد طالبان

وراء هذه الحسابات السياسية يمكن لمزيجٍ من المصالح الاجتماعية والاقتصادية والموارد الجغرافية، أن تخلق حوافز من أجل التعاون و/أو المنافسة. تشكِّل الحدود التي يبلغ طولها 570 ميلاً، بين إيران وأفغانستان، الحدود الحرفية والمجازية التي تتدفَّق عبرها هذه المصالح. والأولوية الأولى بالنسبة لإيران هي قضية اللاجئين. 

تستضيف إيران حالياً حوالي 2.75 مليون لاجئ أفغاني، وحوالي مليون منهم لا يحملون وثائق. وقد كان لهذا العدد الهائل من السكَّان أثرٌ في إجهاد النظام المالي والصحي لإيران، ويُنظَر إليه على نطاقٍ واسعٍ في إيران باعتباره مصدراً لاستهلاك المخدرات والتهريب، ناهيكم عن كونه أحد عوامل انتشار سلالة دلتا من فيروس كوفيد-19. وأثار وصول المزيد من اللاجئين الأفغان مؤخَّراً، واحتمال وصول أعدادٍ أكبر منهم، قلق المسؤولين الإيرانيين. وبالتالي فإن لديهم أسباباً للعمل مع طالبان لإبطاء تدفُّق اللاجئين، وقد يمنح ذلك بعض النفوذ لطالبان في طهران. 

ومع ذلك، فإن احتمالية وجود المزيد من اللاجئين يسلِّط الضوء أيضاً على فشل طالبان، أو عدم استعدادها لمعالجة مخاوف مجتمع الهزارة. وهناك أيضاً مخاوف في طاجيكستان وأوزباكستان من تدفُّق اللاجئين، الذي قد يشمل الطاجيك والأوزبك الذين تطرَّفوا على يد تنظيم داعش. 

وبالتالي فإن لطهران وطالبان مصلحةً مشتركة في دعم استراتيجيةٍ تخفِّف من تدفُّقات اللاجئين، مع طمأنة جيران أفغانستان بأن طالبان لن تصدِّر عدم الاستقرار عبر حدودها الشاسعة. 

المياه: نقطة خلاف قد تصبح مشكلة 

تتدفَّق المياه من نهر هلمند الأفغاني إلى منطقة سيستان الإيرانية، مِمَّا يفيد حوالي مليون إيراني. وفي سعيها لضمان استمرار هذا الإمداد المائي، قامت إيران بنقل الأسلحة إلى مختلف الجماعات المسلَّحة في ولاية هلمند، بما في ذلك طالبان، التي لديها حلفاء في المنطقة ذوي قدرةٍ على إغلاق القنوات التي تتدفَّق عبرها هذه المياه. 

في ظلِّ الحكومة الأفغانية السابقة، حافظ البلدان على ترتيباتٍ لتقاسم المياه وكانت موضع نزاعٍ مستمر، لا سيما في ظلِّ ظروف الجفاف التي عانت منها أفغانستان في السنوات الأخيرة. ونظراً لأن نهر هلمند يمثِّل “شريان حياة المياه” لأفغانستان، فقد تصبح طهران وطالبان قريباً على خلافٍ إذا لم يتمكَّنا من إيجاد طريقةٍ ما لمشاركة هذا المورد الحيوي وإن كان مستنفداً. 

تهريب المخدرات: الإيرانيون يحاولون تمريرها للخارج

توفِّر أفغانستان حوالي 90% من الأفيون غير المشروع في العالم، ويُنقَل جزءٌ كبيرٌ منه عبر الحدود إلى إيران.

أدَّت هذه التجارة إلى تفشي تعاطي المخدرات في إيران، إذ أشار تقريرٌ في العام 2017 إلى أن إيران لديها ما يقرب من ثلاثة ملايين مدمن.

ويشكو المسؤولون الإيرانيون من أن البلاد عانت من وطأة هذه المعركة دون مساعدةٍ دولية. ومن جانبهم، أكَّد مسؤولون أمريكيون أن قوات الأمن الإيرانية تسهِّل تهريب المخدرات، وهو اتِّهامٌ ألمح بعض الخبراء الإيرانيين أنه ليس بعيداً. 

التجارة والتدفُّقات المالية: طهران كانت مستفيدة من الوضع السابق

تُعَدُّ إيران أكبر شريكٍ تجاري لأفغانستان منذ العام 2018. وتأتي حصة الأسد من هذه التجارة من الصادرات الإيرانية، ففي 2017-2018 بلغ إجمالي الصادرات الإيرانية إلى أفغانستان حوالي 2.7 مليار دولار، حيث شكَّلَت البضائع الإيرانية 11% من السوق الاستهلاكية في أفغانستان. ويأتي جزءٌ كبيرٌ من هذه التجارة من الكهرباء الإيرانية وصادرات الوقود. أوقفت إيران صادراتها النفطية لفترةٍ وجيزةٍ في أغسطس/آب، لكنها استأنفتها بعد طلبٍ مباشرٍ من طالبان. 

وعلى الصعيد المالي، مع تجميد الاحتياطيات الأجنبية بسبب العقوبات الأمريكية، اعتمدت إيران على أفغانستان للحصول على قدرٍ كبيرٍ من عملتها الصعبة. وعندما أوقفت الولايات المتحدة مؤخَّراً شحنات الدولارات لأفغانستان، تحسُّباً لانتصار طالبان، شكَّلَ ذلك تهديداً لطهران. 

أما حركة طالبان، المحرومة من نحو 9 مليارات دولار في الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك، فسوف تضطر إلى مواجهة الانخفاض السريع في قيمة العملة الأفغانية وارتفاع التضخُّم. ويرى خبراءٌ أن هذا سيفرض المزيد من الأعباء على المواطنين، الذين يكافحون من أجل البقاء، والذين يدفعون بالفعل ثمناً باهظاً للانخفاض الكبير في التجارة عبر الحدود.

عربي بوست