السياسية : رصد

هشام الشبيلي

منذ دارات رحى الحرب في اليمن وسيطر الحوثيون على عدد من المحافظات اليمنية في الشمال، كمحافظة الحديدة المطلة على البحر الأحمر ومحافظة “إب” وسط اليمن، وسيطرة الانتقالي على العاصمة الموقتة عدن المطلة على البحر العربي، المتنفس الأهم لليمنيين، وانعدام الخدمات فيها، أضحى اليمنيون الفارون من مناطق نفوذ الحوثيين حبيسين في المناطق الحارة، مثل شبوة ومأرب وحضرموت، بسبب تعقيدات التنقل والبحث عن الهوية من منطقة إلى أخرى.

ومع حلول موسم الخريف في “حوف” تبدأ رحلة جديدة للآلاف من القاطنين في هذه المناطق بحثاً عن متنفس في الشرق اليمني.

قبلة للسياحة

في الأقاصي الشرقية لليمن تقع محافظة المهرة، التي تحتوي على محمية “حوف” المتاخمة لسلطنة عمان، وهي واحدة من خمس محميات يمنية، تعد من أكبر الغابات في شبه الجزيرة العربية.

وكانت تستقبل آلاف السياح من بلدان مختلفة قبل أن تضرب الحرب أطنابها في أرجاء اليمن لتلقي بأثرها على كل شيء جميل في البلاد، ومع المواجهات تحولت هي الأخرى إلى قبلة ومتنفس للآلاف من اليمنيين القادمين من المحافظات التي تشهد حرباً مستمرة، بحثاً عن متنفس يبعد عنهم شقاء المعارك.

يبدأ موسم الخريف منذ منتصف يونيو (حزيران) حتى منتصف سبتمبر (أيلول)، تتحول فيه محمية حوف إلى لوحة خضراء تمتد من  الساحل حتى أعالي المرتفعات تكسوها الخضرة الآسرة ويحرسها الضباب وتتساقط قطرات المطر الخفيفة طيلة هذه الفترة، وتنعدم الرؤية في الغالب فوق المرتفعات، وبعد انتهاء الفصل ينقشع الضباب لتوفر جبالها الشاهقة رؤية للزائرين.

واحات يكسوها الإخضرار والطقس البارد في حوف اليمنية (اندبندنت عربية)

كرنفال سياحي

في “حوف” كل شيء يدعوك إلى الدهشة فالمحمية الساحلية يقطعها عدد من عيون الماء العذبة المستدامة الجريان، كذلك كرم أهلها وتحولهم إلى مرشدين سياحيين لخدمة الزوار القادمين من مناطق عدة، يجعلون جغرافية المكان تتحول إلى كرنفال في مختلف النواحي، فالرقص الشعبي حاضر، حيث كل مجموعة تقوم بفنها كهوية تعريفية عن المنطقة التي جاءت منها أو تنتمي إليها، وتتحول كذلك إلى مطبخ مفتوح، فهناك من يقوم بالشوي بالطريقة المعروفة ومنهم من يحضر الأكلات الشعبية.

إذا كنت عابراً على قدميك سيتعين عليك تلبية الدعوة التي تأتيك من المخيمات الشبابية، وإذا كنت رياضياً فما عليك إلا اختيار فريقك، فالمساحات المفتوحة تتحول إلى ملاعب، وأما إن كنت من هواة التصوير فالغابة تتحول إلى استديوهات مفتوحة لأخذ الصور و”السيلفي”، ولدى عشاق الحياة البرية والطيور النادرة فرصة أخرى عند التوغل في أرجاء التضاريس.

ليس الزوار وحدهم من يخيم في حوف، بل حتى السكان الذين يقطنون قرية المحمية المجاورة يغلقون منازلهم ولا يعودون إليها إلا ليلاً.

فقر خدمات

وعلى الرغم من جمالها الآسر، إلا أنها تفتقر لكثير من الخدمات التي تلبي احتياجات الزائرين لها، فالخط الإسفلتي خط واحد يربط المحمية بسلطنة عمان، ويمتد شرقاً إلى الغيضة عاصمة المهرة، أما بقية الخطوط التي تربط المحمية ببعضها فهي خطوط معبدة. ومع كثرة هطول الأمطار يصبح الخروج من الخط الإسفلتي مغامرة بسبب الانزلاقات لمن لا يملك سيارات دفع رباعي.

التقينا عدداً من الزوار في المحمية، وأخذنا انطباعاتهم عن المكان، ومنهم توفيق الحريشي أحد أبناء شبوة الذي أفاد بأنه يزور الموقع للمرة الأولى.

ويقول “سعدنا بالزيارة واشتقنا لها، فمنذ سنوات نريد زيارتها ولم نتمكن من ذلك غير هذا العام، والحمد لله شعور لا يوصف، كل الدنيا خضراء ولله الحمد جنة، رسالتي لمن لديه الاستطاعة ألا يتأخر عن زيارة هذه المحمية لأنك ستشعر فيها بالراحة النفسية”.

أما محمد عبدالله وحاس، وهو من أبناء حوف فيقول، إن الزوار هذا الصيف ضعف العام الماضي “لأن العام الماضي كانت الأمطار قليلة على خلاف هذه السنة، وأكثر الزائرين من أبناء حضرموت، نظراً للجو الحار في مناطقهم، لكن الإشكاليات كثيرة منها أن السلطات لم توفر خدمات في المحمية، فهي تحتاج إلى مرافق ومتنزهات وفنادق، فعلى الرغم من وجود بعض الفنادق إلا أنها لا تلبي الاحتياج، فالزوار في العيد ناموا في الشوارع بسبب غياب أماكن إيواء تستوعبهم”.

باتت سواحل حوف اليمنية وجهة مفضلة لليمنيين وملاذا لهم من الحرب (محسن عيدروس)

ويروي علاء عبد الناصر، وهو مصور وصانع أفلام، أنه جاء من محافظة مأرب التي تبعد مئات الكيلومترات إلى المحمية “لنتنفس الهواء النقي والرائع ولرؤية المناظر الخلابة، وبين أسباب  قدومنا وقطع المسافات الطويلة وجود التجمعات السكانية الكبيرة في مأرب، وعدم توفر متنفس هناك، لكن المكان يحتاج استراحات واهتماماً من قبل السلطات في محافظة المهرة”.

أما المواطن خالد النسي فأغرته الأجواء الساحرة في المحمية حتى جعلته يستذكر إحدى قصائده الغزلية، وبدأ بسردها وهو يتحدث معنا بين أرجاء المكان البهي.