السياسية – رصد تلفزيوني :

انسحب آخر جندي أمريكي من أفغانستان بعد 20 عاماً من غزو واشنطن لذلك البلد والإطاحة بحركة طالبان التي كانت تحكمه، لتعود الحركة مرة أخرى لحكم أفغانستان.. كشف حساب تلك الحرب الدموية وأبرز محطاتها وماذا حققت.

كان اللواء في الجيش الأمريكي “كريس دوناهيو”، قائد الفرقة المجوقلة الـ82، هو آخر عنصر من القوات الأمريكية يغادر أفغانستان الإثنين، 30 أغسطس/آب، بحسب تغريدة للقيادة المركزية للجيش الأمريكي، لتضع النهاية لأطول حروب الولايات المتحدة وهي حرب أفغانستان التي دامت عقدين كاملين وانتهت بالاستسلام للهزيمة والفشل في تحقيق الأهداف، كما يقول الأمريكيون أنفسهم.

فقد غزت الولايات المتحدة الأمريكية أفغانستان في أكتوبر/تشرين الأول 2001، بعد رفض حركة طالبان -التي كانت تحكم البلاد- تسليم أسامه بن لادن وباقي قيادات تنظيم القاعدة، الذي تبنّى الهجمات التي تعرضت لها أمريكا يوم 11 سبتمبر/أيلول 2001، وأدت لمقتل نحو 3 آلاف شخص.

وما بين الغزو والانسحاب، سالت أنهار من دماء العسكريين والمدنيين من الجانبين، ونزح الملايين من بيوتهم المدمرة وأهدرت مليارات من الدولارات، لتأتي لحظة النهاية الحزينة للأمريكيين والسعيدة لعدوهم (حركة طالبان)، بحسب وصف صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، لتسدل الستار على أطول الحروب الأمريكية وأكثرها مرارة وفشلاً.

ما تكلفة حرب أفغانستان البشرية والمادية؟

بحسب تقرير نشرته هيئة الإذاعة البريطانية BBC، ليس من السهل حصر الخسائر البشرية لتلك الحرب الدموية بدقة. وإذا كانت مهمة حصر القتلى والجرحى من العسكريين الأمريكيين وحلفائهم في حلف الناتو تعتبر أكثر دقة، إلا أن الأمر مختلف تماماً بين ضحايا تلك الحرب من الأفغان، خصوصاً المدنيين.

وكشف بحث أجرته جامعة براون الأمريكية عن سقوط أكثر من 24 ألف عسكري أمريكي في أفغانستان بين قتيل وجريح، إضافة إلى أعداد أقل بين صفوف قوات الناتو، بينما قتل نحو 70 ألفاً من القوات الأفغانية المدعومة من التحالف الغربي، وقتل أيضاً أكثر من 51 ألفاً من المدنيين، ورقم مشابه بين صفوف مقاتلي طالبان والمتحالفين معها خلال تلك الحرب.

لكن تقارير أممية كثيرة تضع أرقاماً أعلى بكثير للخسائر في صفوف المدنيين الأفغان بشكل خاص، وقدرت تلك التقارير مقتل وإصابة ما يزيد عن مليون أفغاني، بينما نزح أكثر من 5 ملايين آخرين، سواء داخل أفغانستان أو لجأوا إلى دول الجوار، وبخاصة باكستان وإيران.

أما من ناحية التكاليف المالية للحرب الأمريكية على أفغانستان، فهناك أيضاً تباين ضخم في تلك الأرقام، إذ ذكر الرئيس بايدن في أكثر من مناسبة أن تلك الحرب قد كلفت دافعي الضرائب الأمريكيين أكثر من تريليوني دولار، ما بين تكاليف الغزو وتدريب وتسليح الجيش الأفغاني وجهود إعادة الإعمار.

بينما كشفت تقارير المراقب الخاص لجهود إعادة إعمار أفغانستان عن إنفاق ما يزيد عن 83 مليار دولار لتسليح وتدريب قوات الجيش الأفغاني والشرطة المدنية في البلاد على مدى سنوات الحرب. وهو ما يثير علامات استفهام كثيرة حول السرعة والسهولة التي اكتسحت بها حركة طالبان تلك القوات التي سلحتها ودربتها الولايات المتحدة.

كان الغزو الأمريكي لأفغانستان قد تم في سياق “الحرب على الإرهاب” التي شنَّها الرئيس جورج بوش الابن، بهدف القضاء على ما سمّاه “الإرهاب” حول العالم، وهي الحرب التي لا تزال فصولها مستمرة وتسببت في مقتل وإصابة وتشريد عشرات الملايين من البشر حول العالم وتدمير دول بأكملها، واستغلت أنظمة كثيرة حول العالم في جميع القارات شعار “الحرب على الإرهاب” لقمع واضطهاد معارضيها والأقليات من مواطنيها.

وجاءت نهاية تلك الحرب على أسوأ صورة ممكنة بالنسبة للأمريكيين، إذ عادت حركة طالبان لتحكم أفغانستان مرة أخرى، بعد أن أصبحت الحركة الآن أكثر قوة مما كانت عليه عندما أطاح بها الأمريكيون، وبين أيدي الحركة الآن أسلحة متطورة تُقدر قيمتها بمليارات الدولارات، حصل عليها مقاتلوها من الجيش الأفغاني والقوات الأمريكية المنسحبة.

غزو أفغانستان والإطاحة بطالبان

ورصد تقرير لرويترز أبرز محطات الحرب الأمريكية في أفغانستان على مدى العقدين الماضيين، التي انطلقت يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، عندما بدأت القوات الأمريكية حملة جوية بضربات على قوات تابعة لطالبان والقاعدة. وسرعان ما دخل عدد صغير من القوات الأمريكية الخاصة وعناصر المخابرات المركزية إلى أفغانستان، للمساعدة في توجيه حملة القصف وتنظيم قوات المعارضة الأفغانية.

وفي 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2001، دخلت قوات التحالف الشمالي بقيادة أحمد شاه مسعود وقلب الدين حكمتيار، المدعومة من الولايات المتحدة، العاصمة كابول، بينما انسحبت طالبان إلى الجنوب. وفي غضون شهر فر قادة طالبان من جنوب أفغانستان إلى باكستان.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2001، قصفت القوات الأمريكية كهوف تورا بورا في شرق أفغانستان بعدما تردد أن بن لادن يختبئ بها، لكنه نجح في التسلل عبر الحدود إلى باكستان حيث اختفى.

ومطلع عام 2003، أعلن مسؤولون أمريكيون عن انتهاء العمليات القتالية الرئيسية في أفغانستان، بعد أن تحول التركيز الأمريكي وقتها إلى الاستعداد لغزو العراق، الأمر الذي تطلب نقل قوات ومعدات أمريكية وجمع معلومات استخباراتية من أفغانستان. وقد منح ذلك طالبان فرصة إعادة تجميع صفوفها ببطء، في بادئ الأمر في جنوب وشرق البلاد.

منظمات سرية

وفي منتصف فبراير/شباط 2009، أمر الرئيس باراك أوباما- في أول قرار عسكري مهم بصفته القائد العام للقوات المسلحة- بإرسال 17 ألف جندي آخر إلى أفغانستان لمواجهة تصاعد في حركة التمرد التي تقودها طالبان.

وانضمت تلك القوات إلى قوات أمريكية قوامها 38 ألفاً وقوات من نحو 40 بلداً عضواً في حلف شمال الأطلسي، قوامها 32 ألفاً كانت بالفعل في أفغانستان.

وفي أول مايو/أيار 2011، قتلت القوات الأمريكية أسامه بن لادن في غارة على باكستان. وفي الوقت نفسه تقريباً ارتفع عدد القوات الأمريكية في أفغانستان إلى نحو 100 ألف ضمن حملة شهدت تكثيف هجمات الطائرات المسيرة التي تنفذها المخابرات المركزية الأمريكية على طالبان وغيرها من الجماعات المسلحة في باكستان.

بداية التفاوض الأمريكي مع طالبان

وفي ديسمبر/كانون الأول 2011، قال مسؤولون أمريكيون إن دبلوماسيين أمريكيين عقدوا سرا حوالي 6 اجتماعات مع ممثلين لطالبان الأفغانية خلال عشرة أشهر سابقة، معظمها في ألمانيا وقطر.

وفي مايو/أيار 2014، أعلن أوباما الخطوط العريضة لخطة لسحب جميع القوات الأمريكية باستثناء 9800 جندي بحلول نهاية العام، وسحب البقية بنهاية 2016. وفي ديسمبر/كانون الأول من نفس العام، تم الإعلان رسمياً عن انتهاء المهمة القتالية الأمريكية بعد انسحاب معظم القوات المقاتلة والانتقال إلى مرحلة الحرب “بقيادة أفغانية”. ويبقى ما يقرب من عشرة آلاف جندي أمريكي تتركز مهمتهم على تدريب القوات الأفغانية ومكافحة الإرهاب.

ثم جاءت رئاسة دونالد ترامب، ليعلن في أغسطس/آب 2017 استراتيجيته الخاصة بأفغانستان، ويدعو إلى انتشار مفتوح للقوات الأمريكية لإرغام طالبان على التفاوض على السلام مع حكومة كابول.

وفي أوائل سبتمبر/أيلول 2018، عينت إدارة ترامب تعيين الدبلوماسي الأمريكي الأفغاني المولد زلماي خليل زادة ممثلاً خاصاً للولايات المتحدة، في مسعى لإجراء مفاوضات مع طالبان.

وفي نهاية فبراير/شباط 2020، وقعت الولايات المتحدة على اتفاق لسحب القوات مع حركة طالبان في الدوحة، ينص على إجراء محادثات سلام بين الحكومة الأفغانية والحركة المعارضة. وبعد تأخر دام شهوراً بدأت محادثات سلام في الدوحة بين مفاوضي الحكومة الأفغانية وطالبان.

وفي ديسمبر/كانون الأول 2020، توصل مفاوضو الحكومة الأفغانية وطالبان إلى اتفاق مبدئي حول خطوات إجرائية تتعلق بمحادثات السلام. ورغم أن الاتفاق يعد تطوراً إدارياً إلى حد كبير، فإنه كان أول اتفاق مكتوب بين الطرفين خلال 19 عاماً من الحرب.

انسحاب على طريقة بايدن

لكن الرئيس جو بايدن أعلن منتصف أبريل/نيسان الماضي بقاء القوات الأمريكية لما بعد مهلة مايو/أيار، المنصوص عليها في الاتفاق بين واشنطن وطالبان، مؤكداً انسحاب القوات دون قيد أو شرط بحلول 11 سبتمبر/أيلول.

وفي 26 يونيو/حزيران الماضي، اجتمع بايدن مع الرئيس الأفغاني أشرف غني في البيت الأبيض، ووجه الدعوة للأفغان كي يقرروا مستقبلهم بأنفسهم، مع تعهده بمواصلة تقديم المساعدة الأمنية.

وفي الثاني من يوليو/تموز الماضي، انسحبت القوات الأمريكية فجأة من قاعدة باجرام الجوية، على بعد 60 كيلومتراً إلى الشمال من كابول، رغم وصول أعمال العنف في أنحاء البلاد إلى مستويات تاريخية. وكانت تلك القاعدة رمزاً أساسياً للوجود العسكري الأمريكي في أفغانستان.

وفي يوم الأحد 15 أغسطس/آب، وبعد مكاسب مذهلة على مدى أسبوع سيطرت خلالها طالبان على مدن أفغانية، استولت الحركة على كابول بغير قتال. وفر الرئيس أشرف غني إلى خارج البلاد، وبدأت الولايات المتحدة والدول الحليفة جسراً جوياً طارئاً من مطار كابول لإخراج مواطنيها وعشرات الآلاف من الأفغان الذين تعاونوا معها.

ويوم الخميس 26 أغسطس/آب، نفذ تنظيم الدولة الإسلامية (داعش- ولاية خراسان) تفجيراً انتحارياً عند بوابات مطار كابول التي كان الناس يحتشدون حولها وقتل عشرات الأشخاص و13 جندياً أمريكياً. وكان الهجوم الأكثر إزهاقاً للأرواح بالنسبة للقوات الأمريكية في أفغانستان منذ عقد كامل.

واكتملت فصول القصة، الإثنين 30 أغسطس/آب 2021، بإعلان الجنرال فرانك ماكنزي قائد القيادة المركزية الأمريكية اكتمال انسحاب القوات الأمريكية، قبل ساعات من المهلة التي كانت طالبان قد حددتها للأمريكيين كي يغادروا أفغانستان بشكل كامل.

المادة الصحفية تم اخذها حرفيا من  موقع عربي بوست