بقلم: بيتر أوبورن

( موقع “ميدل ايست آي” البريطاني- ترجمة: نجاة نور, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)

لقد مرت أكثر من ست سنوات منذ أن شكلت السعودية تحالف من الدول العربية لمهاجمة اليمن.

ومنذ ذلك الحين، لقي أكثر من 230 ألف شخص حتفهم، من بينهم 24 مليون بحاجة إلى مساعدات إنسانية وأكثر من 13 مليون على شفا المجاعة.

قالت الأمم المتحدة ان اليمن أصبح ” أكبر أزمة إنسانية في العالم”, في حين أن هناك العديد من الأسباب للمعاناة، فإن أكثرها وضوحاً وتدميراً كان القصف الذي قادته السعودية للمدن والقرى والبنية التحتية والمستشفيات والأسواق.

منذ البداية، صادقت الحكومة البريطانية على هذه الهجمات القاتلة, حيث دعمت حكومة كاميرون الملك سلمان عندما أعلن الحرب في مارس 2015، وأعلن وزير الخارجية آنذاك فيليب هاموند أن بريطانيا “ستدعم السعوديين بكل الطرق العملية باستثناء الانخراط في القتال”.

على الرغم من وجود جبل من الأدلة على جرائم الحرب التي ارتكبت منذ ذلك الحين، أكدت بريطانيا مراراً وتكراراً أنه لا يوجد دليل جاد على انتهاك السعوديين للقانون الإنساني الدولي في اليمن.

في الواقع، كانت بريطانيا في طليعة تقديم الحماية الدبلوماسية للسعوديين، مما عرقل بشكل حاسم مبادرة كندية هولندية لإجراء تحقيق مستقل في جرائم الحرب من قبل جميع الأطراف.

فلماذا كانت بريطانيا التي تتفاخر باستمرار بدعمها لحقوق الإنسان، مستعدة للحفاظ على مثل هذا الضرر لمصداقيتها الدولية من خلال دعمها غير المشروط للسعودية في هذا الصراع الدامي؟

أحد الأسباب القوية هو مبيعات الأسلحة: لدينا الآن أدلة جديدة على مدى ارتباط تجار الأسلحة الوثيق بالآلة الدبلوماسية العسكرية البريطانية عندما يتعلق الأمر باليمن.

اجتماع سري:

في الشهر الماضي، نشر الموقع الإلكتروني الجديد المثير للإعجاب Declassified UK تفاصيل اجتماع سري بين مدير شركة أسلحة كبرى ووزيري الدفاع والخارجية البريطانيين في يناير 2016، خلال ذروة القصف السعودي في اليمن.

لا يوجد سجل رسمي على ما يبدو لما تمت مناقشته في الاجتماع، الذي حضره وزير مشتريات الدفاع آنذاك فيليب دن ووزير الخارجية آنذاك توبياس إلوود.

وفقاً للموقع، لم يعلن أي من الوزراء عن الجلسة الخاصة بسجلات الشفافية في الإدارات للاجتماعات الخارجية, حيث يُطلب من الوزراء تسجيل الاتصالات مع تجار الأسلحة.

ومن الجدير بالذكر أن الاجتماع لم يكن ليخرج إلى النور أبداً لولا نشر يوميات هذا العام للوزير المحافظ السابق آلاندنكان الذي استقال في الانتخابات الأخيرة.

وقال دنكان, أن الاجتماع نظمته “اللجنة الاستشارية الخليجية” بوزارة الدفاع لمناقشة أسعار النفط والزيارات المستقبلية للسعودية من قبل رئيس الوزراء آنذاك ديفيد كاميرون وآخرين.

قيل رفعت عنها السرية بينما الوزراء نفوا في البداية وجود اللجنة، لكنهم اعترفوا لاحقاً بوجود “مجموعة استشارية خليجية” .

ومع ذلك، تؤكد الحكومة أنه لا توجد سجلات لمحضر اجتماع عام 2016, لقد أقرت بأن ريتشارد بانيجيان، الذي كان وقتها مديراً في شركة الأسلحة الأمريكية رايثيون، قد تمت دعوته إلى الاجتماع، لكن “ليس لدينا سجلات لمحضر هذا الاجتماع، وبالتالي لا يمكننا تأكيد الحضور”.

يجب أن نتعامل مع كلام الوزراء بأنه لا توجد محاضر لهذا الاجتماع الوزاري.

ومع ذلك، فإن وجود بانيجيان يُظهر مدى أهمية مبيعات الأسلحة للسياسة البريطانية في الشرق الأوسط – وهذا أمر مقلق.

خرق قواعد الحرب:

بعد ستة أشهر من ذلك الاجتماع، سافرت إلى اليمن نيابة عن موقع “ميدل إيست آي” واكتشفت أدلة لا جدال فيها على أن التحالف الذي تقوده السعودية، بدعم من المملكة المتحدة كان يستهدف المدنيين اليمنيين، في انتهاك صارخ لقواعد الحرب.

كما شاهدت التدمير القاسي للمنازل اليمنية، بينما أخبرني الأطباء أن الحصار الذي تفرضه الأمم المتحدة على اليمن يمنع الأدوية الحيوية والمعدات الطبية من الوصول إلى البلد.

تم التغاضي عن هذا الموقف في ظل إدارة ترامب، لكن هناك أدلة قوية على أن المزاج الدولي يصحوا متأخراً.

كانت إحدى أولى التحركات التي اتخذها الرئيس الأمريكي جو بايدن بعد تنصيبه هي وقف مبيعات جميع الأسلحة إلى السعودية التي يمكن استخدامها في “عمليات هجومية”. وعلى ضوء ذلك سارعت دول لوقف بيع الأسلحة للرياض مثل إيطاليا وألمانيا هذا من جهة، ومن جهة أخرى قامت الحكومة البريطانية بخرق القانون الدولي الإنساني والقانون الأميريكي لبايدن وأصرت من تحت الطاولة على بيع الأسلحة الفتاكة لآل سعود.

هناك تناقض:

عندما صدقت بريطانيا على معاهدة تجارة الأسلحة في عام 2014، أصرت على أنه لا ينبغي بيع الأسلحة إلى دول في حالة وجود خطر كبير يتمثل في أن استخدامها سيتعارض مع القانون الإنساني الدولي, لكن هناك أدلة كثيرة على ذلك مع السعوديين واليمن، كما يظهر قرار إدارة بايدن- حتى لو لم تعترف بريطانيا بذلك.

تناقض مقلق:

في غضون ذلك، تستمر الحرب مسببة بؤساً لا يوصف, مع المعدل المتصاعد لسوء التغذية الحاد في خضم جائحة عالمية، فإن توقعات الأمم المتحدة لعام 2021 لليمن مرعبة.

أكثر من 400 ألف طفل دون سن الخامسة معرضون بشدة لخطر الموت جوعاً، بينما من المتوقع أن يواجه 1.2 مليون امرأة حامل أو مرضع و 2.3 مليون طفل دون سن الخامسة سوء تغذية حاد.

ومع ذلك، أعلنت بريطانيا أنها ستخفض المساعدات الإنسانية لليمن في 2021- 2022 لأكثر من النصف، بينما تستمر مبيعات الأسلحة بمليارات الجنيهات.

اتهمت منظمة أوكسفام مؤخراً الحكومة البريطانية بإطالة مدى حرب اليمن من خلال السماح بتصدير معدات إعادة التزود بالوقود جواً والتي يمكن استخدامها لمساعدة السعوديين في تنفيذ قصف عشوائي.

هناك تناقض مقلق للغاية, منذ اندلاع الصراع في اليمن، لعبت بريطانيا دور “حامل القضية” لليمن في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

تفاخر وزير الشرق الأوسط جيمس كليفرلي مؤخراً بهذا الأمر في البرلمان، قائلاً إن بريطانيا استخدمت هذا الدور “للمساعدة في دفع عملية السلام في اليمن إلى الأمام، والعمل مع شركائنا وحلفائنا في الأمم المتحدة لضمان استمرار اليمن في أن تكون أولوية قصوى بالنسبة للمجتمع الدولي”.

لكن بريطانيا لديها تضارب كبير في المصالح, فمن ناحية، تستفيد تجارة الأسلحة من استمرار الحرب – وكما يظهر الكشف الذي رفعت عنه السرية بشكل حاسم – تلعب دوراً في بناء السياسة.

ومن ناحية أخرى، بصفتها حامل قلم، تلعب بريطانيا دوراً مركزياً للأمم المتحدة في دفع عملية السلام.

إذا كان المجتمع الدولي يريد حقاً السلام في اليمن، فقد حان الوقت لإرسال رسالة إلى بريطانيا: إما التوقف عن بيع الأسلحة للسعوديين، أو التخلي عن دور حامل القلم للقضية اليمنية.

إن الجمع بين الاثنين أمر غير أخلاقي وخاطئ وخيانة لكل ما تدعي بريطانيا أنها تمثله على المسرح الدولي.

*     المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع