مع احتدام المنافسة التي تشهدها منطقة الخليج والتي خرجت إلى العلن، قد يسعى صناع القرار في الرياض إلى كبح طموحات الإدارة في أبو ظبي, وذلك من خلال استهداف الشريك التجاري الجديد لها والمتمثل في تل ابيب.

بقلم: لازار برمان

(صحيفة “تايم أوف إسرائيل- timesofisrael” الإسرائيلية – ترجمة: أسماء بجاش- الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)

وَلد القرار الذي اعلنت عنه المملكة العربية السعودية في الأسبوع الماضي والذي بدا انه يستهدف إسرائيل الدهشة لدى العديد من المراقبين، وذلك عندما أشارت على وجه التحديد إلى الدولة اليهودية من خلال الإعلان عن سياسات تخفيض الضرائب الجديدة.

وأشارت على هذا الصعيد إلى أنها عملت على تعديل “قواعدها فيما يخص الواردات القادمة من دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى واستبعاد البضائع المنتجة في المناطق المعفاة من الرسوم الجمركية أو “استخدام مواد خام  إسرائيلية”، التي تحتوي على مكون صنع في إسرائيل، أو من صنع شركة مملوكة كليا أو جزئيا لأفراد إسرائيليين، من الإعفاءات الضريبية التفضيلية.

وبدلاً من إظهار عداء جديد لإسرائيل، فإن الخطوة السعودية تشكل في الواقع جزءاً من منافسة متزايدة مع الإمارات العربية المتحدة سعياً فيما يخص القوة أو المحرك الإقليمي.

وعلى الرغم من كون دولة إسرائيل ليست متورطة أو منخرطة بشكل مباشر في هذا التنافس، إلا ان هناك احتمال أن تجد الدولة اليهودية نفسها في خضم التنافس الحاصل بين البلدان اللذان يسعيان وبقوة إلى فرض هيمنتهما الاقتصادية والسياسية في منطقة الخليج.

وبقدر ما أصبحت تل ابيب وأبو ظبي الآن حليفتين بصورة علنية، فقد تشعر إسرائيل بموجة الصدمة من هذه المعركة التي تدور في الخليج من خلال صلاتها بالإمارات.

وتنظر الإمارات العربية المتحدة إلى صداقتها الناشئة مع إسرائيل باعتبارها محركا محتملا للنمو الاقتصادي من شأنه أيضا أن يعمل على توسيع نفوذها السياسي.

وفي حين أن للسعوديين مصلحة اقتصادية، من الآن فصاعدا، فهم أمام خيارين, فإما أن ينضموا إلى هذا التحالف الذي رفضوا القيام به حتى الآن والتي يبدو أنهم أكثر ترددا في القيام بها في الوقت الراهن أو أن يضطلعوا بدور مثيري المشاكل بدقة شديدة.

يرى براندون فريدمان، مدير الأبحاث في مركز موشيه دايان في جامعة تل أبيب، “إنهم يحاولون معاقبة دولة الأمارات على توقيعها لاتفاقيات أبراهيم، التي عملت على منح أبو ظبي ميزة اقتصادية وسياسية أيضاً”.

الحصيلة:

ورغم أن النزاع الحالي بين البلدين يتسم بطابع اقتصادي في المقام الأول، إلا أنه يأتي في وقت تخيم فيه التوترات المتزايدة على مدى سنوات, مدفوعة بالتضليل بين الطرفين بشأن القضايا الدبلوماسية والأمنية.

لم يكن هذا هو الحال على الدوام, فعلى مدى العقد الماضي، بدا أن صناع القرار السعوديين والإماراتيين يعملون بجهود متضافرة على التنسيق مع عدد من المبادرات الرئيسية، ومواجهة الحركات الشعبوية المستوحاة من ثورات الربيع العربي التي جابت المنطقة العربية  وشمال افريقيا خلال العام 2011، والتدخل العسكري في اليمن الذي لا يزال مستمراً منذ أواخر مارس من العام 2015، ومقاطعة قطر التي دخلت حيز التنفيذ منتصف العام 2017 وإدخال ضرائب المبيعات في جميع البلدان التابعة لمجلس التعاون الخليجي.

كما اتسمت الفترة نفسها أيضا بالصداقة المتينة التي نشأت بين ولي عهد البلدين.

الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي (إلى اليمين) يلتقي بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في القاهرة في 4 مارس 2018/ تصوير: محمد سماحة/ وكالة الأنباء المصرية.

عندما عين العاهل السعودي الملك سلمان, أبنه الأمير محمد وزيرا للدفاع في العام 2015 (كان حينها لا يزال في 28 من العمر) ومن ثم وبعد عامين تم تنصيبه ولي لولي العهد، عمل محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي، على وضعه تحت جناحه ولعب دورا أشبه بدور المرشد له.

ولكن على الرغم من المظاهر الخارجية، كانت هناك توترات وضغوطات خيمت على هذا التحالف لفترة طويلة.

عمل الطرفان في الماضي إلى أقصى حد ممكن على الالتزام في إخفاءها وعدم إظهارها للعيان, بيد أنه في الأشهر الأخيرة الماضية، تمكنت هذه التوترات والضغوطات من اختراق أروقة السرية التي لا يمكن اختراقها في العادة, والتي تحيط بالعائلات الملكية وصناع القرار في دول الخليج.

تقول موران زاغا، الخبيرة في شأن منطقة الخليج في معهد ميتفيم الإسرائيلي للسياسة الخارجية الإقليمية “لقد حدث شيء في السنوات لـ 10 إلى 20 الماضية أدى إلى عمل البلدان بشكلٍ حثيث على تحقيق أهدافها الوطنية والتقليل من عملها جنب إلى جنب”.

وأضافت إلى أن البعد الإقليمي والتحول عن الاعتماد المفرط على الدعم العسكري الذي تقدمة الولايات المتحدة الأمريكية, أعطى ميزة للبلدان القادرة على الالتفاف حولها، مما أعطى الإمارات العربية المتحدة الرغبة في محاولة التنصل من الظل السعودي.

“لم يعد لديهم – السعودية والإمارات- المظلة الدفاعية التي كانوا يمتلكونها فيما يختص بالدفاع والرغبة التي لديهم هي زيادة قيمتها النسبية في المنطقة”.

مصريون يرددون شعارات مناهضة لإسرائيل خلال مسيرة مناهضة لإسرائيل نظمتها جماعة الإخوان المسلمين في القاهرة/ تصوير: خليل حمرا/ وكالة اسيشوتيد برس

ولم يؤثر هذا الاحتكاك الناجم عن ذلك على العلاقات الاقتصادية الإقليمية فحسب، بل القى بضلاله أيضا على جداول أعمال الدفاع التي لا تتطابق دائما.

وبالنسبة للسعوديين، فإن الإيرانيين يمثلون التهديد الأمني الرئيسي بالنسبة لهم، في حين ترى دولة الإمارات في الإخوان المسلمين والمحور التركي القطري الذي يدعمها عدوهم الأكثر جسامة.

ويقول فريدمان “يمكنك أن ترى هذا الاختلاف, في حين أن صناع القرار في دولة الإمارات لا يزالون يشعرون بقلق بالغ ويدركون كل الأماكن التي يبدو فيها أن الإخوان المسلمين يتمتعون بقوة النفوذ في المنطقة، فإن السعوديين- الذين يرون بالتأكيد أن الإخوان المسلمين يشكلون تهديدا داخل مملكتهم- لديهم، في اعتقادي، نهج أقل عدوانية تجاه المنظمة خارج الحدود السعودية”.

وفي حين أن السعوديون عملوا بشكل وثيق مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل لمواجهة إيران، تحتفظ دولة الإمارات بقنوات دبلوماسية مفتوحة مع طهران, كما أنه لا يمكن إغفال الطرف عن وجود علاقة تجارية غنية بين دبي والجمهورية الإسلامية.

أشار الخبير في شأن منطقة الشرق الأوسط في مركز موشيه دايان التابع لجامعة تل أبيب جوشوا كراسنا إلى أنه في العام 2019 كانت الاختلافات بين المنهجيين أكثر وضوحا وأهمية.

كان هناك عدد من الهجمات الجريئة في ذلك العام التي نسبت إلى إيران وحلفائها الإقليميين في المنطقة .

الناقلة ميشيل التي ترفع العلم الإماراتي، إحدى السفن الأربع التي تضررت في ما وصفه مسؤولون خليجيون بأنه هجوم “تخريبي” قبالة سواحل دولة الإمارات، في 13 مايو 2019/ المجلس الوطني للإعلام الإماراتي

وفي مايو 2019, تعرضت ثلاث ناقلات وسفينة تجارية لعمليات تفجيرية قبالة سواحل الإمارات العربية المتحدة.

وفي سبتمبر، تم استهداف عملاق النفط السعودي “شركة أرمكو” بواسطة طائرات بدون طيار، مما أدى مؤقتا إلى خفض إنتاج الذهب الأسود إلى النصف في المملكة.

وعلى الرغم من خطابها العدائي، اختارت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب, في ذلك الوقت, عدم التدخل العسكري ضد إيران، مما أجبر الجانبين – السعودي والإماراتي- على إعادة النظر في موقفهما الأمني.

ثم أدركت دولة الإمارات، وهي دولة يقوم اقتصادها على النقل البحري، أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تحميها بنفس القوة التي تمنوها، وقررت السيطرة على الوضع بتهدئة التوترات مع طهران.

وهكذا، تجنبت البيانات الحكومية الرسمية في الإمارات التي أعقبت الهجمات التي استهدفت ناقلات النفط تسمية إيران.

في حين واصلت وسائل الإعلام الصمت النسبي بشأن الدور الذي تلعبه الجمهورية الإسلامية في هذه الانفجارات وبدأ المسئولون الإماراتيون التحدث مع طهران بشأن الأمن البحري.

لرئيس الأمريكي دونالد ترامب (إلى اليسار) وولي العهد السعودي ووزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان، الذي أصبح فيما بعد ولي العهد السعودي في وقت لاحق من ذلك العام، يتصافحان في غرفة الطعام في البيت الأبيض في واشنطن العاصمة يوم 14 مارس 2017/ تصوير: نيكولاس كام/ وكالة الصحافة الفرنسية

من جانبهم, كان السعوديون، أكثر عدوانية في بادئ الأمر, حيث تشير التقارير إلى أنهم كانوا يعملون على تنفيذ ردا عسكريا ضد إيران.

في العام 2019, تم حل التحالف في اليمن أيضا, حيث أعلنت الإمارات العربية المتحدة أنها سوف تسحب جنودها من حرب اليمن.

وبالتالي, ربما يكون هذا الإعلان قد خلق حالة من الدهشة والمفاجأة في صفوف شركائهم في المملكة العربية السعودية.

وفي المقابل, فقد عجلت هذه المبادرة بانتقادات دولية متزايدة للتحالف العسكري الذي تقوده السعودية في اليمن, حيث كانت هذه الانتقادات مدفوعة بحجم الخسائر الفادحة في الأرواح في صفوف المدنيين والأزمة الإنسانية الحادة في اليمن.

كما وجهت العديد من الانتقادات للوجود الإماراتي في اليمن الذي مزقته الحرب داخل دولة الإمارات نفسها والتي أثرت على القرار الذي اتخذته أبو ظبي.

وتقول زاغا “لا توجد مظاهرات في الشوارع, حيث يتم التعبير عن عدم الرضا بشكل مختلف, إما في محادثات خاصة، أو في مقالات صحفية، وفي مقالات كتبها مفكرون يتساءلون: “لماذا قتل جنودنا في بلد أجنبي ليس عدونا، لماذا نعلن الحرب عليهم ؟”.

*     المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع