يواجه طياراً سابقاً عقوبة السجن لـ 11 عاماً, لإدانته “الأعمال الوحشية التي لا يمكن إنكارها” لضربات الطائرات بدون طيار الامريكية
بقلم: جوليان مارك
(موقع “ستار أند سترابس- Stars and Stripes” الأمريكي العسكري- ترجمة: نجاة نور, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)
بعد أشهر من وصول دانييل هيل المحلل في المخابرات الجوية الأمريكية إلى أفغانستان في عام 2012، شاهد سيارة تتجه شرقا بالقرب من منطقة جلال أباد باتجاه الحدود الباكستانية.
كان الجو ملبداً بالغيوم والرياح، وكان الرجل الذي يقود السيارة عضواً مشتبهاً في عصابة لتصنيع السيارات المفخخة.
أطلقت طائرة بدون طيار أمريكية من طراز بريداتور صاروخاً على السيارة المسرعة، لكنها أخطأت بعدة أقدام.
توقفت السيارة في النهاية وخرج الرجل وتفقد نفسه، ثم ظهرت امرأة, بدأت في سحب شيء بشكل محموم من السيارة, لكن هيل لم يستطع رؤية ما كان عليها لأن الطائرة بدون طيار التي شاهد من خلالها المشهد حولت الكاميرا.
بعد يومين، أخبره الضابط دانييل أن المرأة كانت زوجة المشتبه به، وفي مؤخرة السيارة كانت ابنتاهما، اللتان تبلغان من العمر 5 و 3 سنوات.
اكتشف الجنود الأفغان الفتاتين في حاوية قمامة قريبة, ماتت الطفلة البالغة من العمر 5 سنوات من شظايا في جسدها وأما الأخرى فكانت مازالت على قيد الحياة لكنها مصابة بجفاف شديد.
وصف دانييل ما حدث بأنه “أكثر أيام حياتي ترويعاً”، ووصف الوضع في رسالة مكتوبة بخط اليد مكونه من 11 صفحة إلى القاضي الذي من المتوقع أن يقرر يوم الثلاثاء المدة التي سيقضيها دانييل في السجن لتسريبه وثائق سرية في برنامج الطائرات الأمريكية بدون طيار إلى صحفي.
أقر هيل في مارس بتسريب وثائق بموجب قانون التجسس, كشفت أسرارا عن عمليات طائرات أمريكية بدون طيار في أفغانستان واليمن والصومال.
أوصى المدعون بأن يقضي دانييل ما يصل إلى 11 عاماً في السجن، بحجة أن “الغرور تجاوز الالتزامات التي قطعها على نفسه تجاه بلده”.
في أوراق المحكمة، جادلت الحكومة بأنه أراد أن “يتودد ” مع الصحفيين وتولى وظيفة مع وكالة المخابرات الجغرافية الوطنية التابعة لوزارة الدفاع حتى يتمكن من الوصول إلى معلومات بالغة السرية ومشاركتها مع المراسلين.
يقول دانييل إنه يجب أن يُحكم عليه بالسجن من 12 إلى 18 شهراً فقط.
ويجادل محاموه بأن ما دفعه لطباعة الوثائق ومشاركتها مع صحفي من إنترسبت, لم يكن الغرور ولكن “الصراع الأخلاقي الذي لا يمكن الهروب منه”.
وكتب محاموه في وثائق الحكم التي قُدمت الأسبوع الماضي: “لقد شعر بذنب غير عادي لأنه تواطأ فيما اعتبره عمليات قتل لا مبرر لها”.
يجادل دانييل ومحاموه بأن الطيار السابق عانى من “ضرر معنوي” خلال الفترة القصيرة التي قضاها كمحلل استخبارات, مشيرين بأن آليته الوحيدة للتعامل مع الإجهاد اللاحق للصدمة كانت محاولة “إحداث فرق” وتسريب الوثائق.
وفقاً لمجلة New York Magazine, نشأ دانييل في بريستول بولاية فرجينيا, في أوائل العشرينات من عمره، بعد مشادة مع والدة، التحق بالجيش، وخضع لامتحان وتمكن من اجتيازه، وتم تحويله إلى عمل استخباراتي.
لمدة ثلاث سنوات، كان لديه أدوار مختلفة، حيث تدرب في برنامج لغة عسكرية في مونتير،كاليفورنيا، ثم عمل في مكتب طب الأسنان التابع للقوات الجوية في ماريلاند, وفي مارس 2012، تم نقله إلى مطار باغرام في أفغانستان.
هناك، كانت مهمة دانييل تحديد أهداف ضربات الطائرات بدون طيار.
جادل في وثائق المحكمة الأخيرة بأنه كافح مع الخطر المتمثل في أن أولئك الذين تصفونهم بأنهم أعداء – مراهق أو مزارع، على سبيل المثال – يمكن أن يكونوا مدنيين أبرياء.
“بالنسبة لدانييل، قد يكون الشاب الذي يقف في حقل مع بندقية كلاشينكوف مقاتلاً معاداً، أو قد يكون مزارعاً مسلحاً لحماية ممتلكاته وعائلته في بلد بدون أمان”، يوضح موقف دانييل الذي صدر في الحكم الأسبوع الماضي.
في رسالته في 18 يوليو، قال دانييل إن المرة الأولى التي شهد فيها غارة بطائرة بدون طيار كانت بعد أيام من وصوله إلى باغرام في مارس 2012.
قبل الفجر، كما كتب، شاهد مجموعة من الرجال يتجمعون حول نيران كبيرة في المخيم في سلاسل الجبال في مقاطعة بكتيكا, كانوا يحملون أسلحة وكانوا يصنعون الشاي – وهذا ليس مشهداً غير عادي في “المناطق القبلية التي ينعدم فيها القانون تقريباً خارج سيطرة السلطات الأفغانية”.
لكن كان بينهم عضو يشتبه في أنه من طالبان تم التعرف عليه من خلال هاتف محمول في جيبه.
كتب دانييل أن هذا كان كافياً لجعل كل الرجال ممن كانوا هناك مشتبه بهم.
وقال: “كان بإمكاني النظر فقط بينما كنت جالساً وأراقب من خلال شاشة الكمبيوتر عندما شُنت موجة مفاجئة ومخيفة من الصواريخ، وتناثرت أحشاء بلورية أرجوانية اللون على جانبي الجبل”.
وتابع: “منذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا، ما زلت أذكر العديد من مشاهد العنف التي تم تنفيذها بكل برود على كرسي الكمبيوتر, لم يمر عليَ يوم لا أشكك في مبررات أفعالي”.
تم تسريح دانييل من القوات الجوية بشرف في يوليو 2013، وفقاً لوثائق المحكمة. ولم يرد مسؤولو الدفاع على طلب للتعليق بشأن وصف دانييل لعمليات الطائرات بدون طيار.
في ديسمبر 2013، حصل على وظيفة كمحلل جغرافيا سياسية مع مقاول دفاع يسمى ليدوس، ثم تم تعيين دانييل للعمل في وكالة الاستخبارات الجغرافية المكانية الوطنية في سبرينغفيلد، فيرجينيا، حيث كان يتعامل بانتظام مع المعلومات “السرية للغاية”.
بعد يوم واحد من العمل، بقي دانييل في المكتب للتسكع مع بعض زملائه، الذين قاموا بتشغيل لقطات من ضربات الطائرات بدون طيار في الماضي.
وبينما كان زملاؤه في العمل “يضحكون ويسخرون” من صور “رجال مجهولي الهوية في اللحظات الأخيرة من حياتهم”، قال هيل إنه لم يشعر سوى بالفزع.
كتب أنه ظل صامتاً، لكنه شعر “بقلبه ينكسر”.
بعد فترة وجيزة، اتصل بمراسل كان قد تواصل معه وطبع المستندات.
يُعتقد على نطاق واسع أن هذا المراسل، رغم عدم ذكر اسمه في وثائق المحكمة، هو جيريمي سكاهيل من موقع انترسيبت الاستقصائي, في النهاية استخدم الوثائق المسربة لبناء تحقيق عن هجمات الطائرات بدون طيار”، وفقاً لمجلة نيويورك، والتي توضح بالتفصيل “الأعمال الداخلية” لبرنامج العمليات الأمريكية غير المأهولة، مثل كيفية موافقة إدارة أوباما على تلك الضربات الجوية.
داهم عملاء فيدراليون منزل دانييل في شمال فيرجينيا في نفس اليوم الذي غادر فيه وكالة المخابرات الجغرافية المكانية الوطنية في أغسطس 2014، وفقاً لوثائق المحكمة، لكنهم لم يقبضوا عليه.
لم يقبضوا علية إلا بعد ما يقرب من خمس سنوات، في مايو 2019، تم توجيه الاتهام إلية واعتقاله في ناشفيل بولاية تينيسي حيث كان يعمل كعامل غسيل أطباق في احدى المطاعم.
كتب دانييل في رسالته أن اضطراب ما بعد الصدمة يؤثر بشكل فريد على أولئك الذين يعملون في عمليات الطائرات بدون طيار.
قال إنه شارك في أكثر من 1540 ساعة من “عمليات القتل/ القبض”، وفقاً لوثائق المحكمة.
وكتب دانييل: “إن الرامي المنتصر، نادماً على الأقل، يحافظ على شرفه على الأقل من خلال مواجهته ضد عدوه في ساحة المعركة. يتمتع الطيار المقاتل المصمم برفاهية عدم الاضطرار إلى مشاهدة العواقب المروعة, ولكن ما الذي يمكن أن أفعله للتعامل مع الوحشية التي قمت بها والتي لا يمكن إنكارها؟”.
* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع