السياسية – رصد :

ما زال سيف الإسلام، نجل العقيد القذافي الراحل معمر القذافي، الذي حكم ليبيا لأكثر من 42 عامًا؟ موضع اهتمام وسائل الإعلام الأجنبيّة، والقارئ العربي والعالمي، رغم مُرور عشرة أعوام على الإطاحة بحُكم والده بطريقةٍ دمويّة في شباط (فبراير) عام 2011 في إطار ما سُمِّي في حينها بثورات الربيع العربي، ولعلّ اللقاء المُطوَّل الذي أجراه معه مُراسل صحيفة “النيويورك تايمز” ونشرته يوم أمس أحد أبرز الأدلّة في هذا الصَّدد.

مصدر هذه الجاذبيّة “لوليّ عهد” حُكم العقيد القذافي يعود بالدّرجة الأولى إلى حالة الانهِيار التي تعيشها ليبيا بعد عشر سنوات على “الثورة” وفشل الدّول الغربيّة التي دعمتها، وخاصّةً إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما وحُكومتيّ بريطانيا وفرنسا وهو الثّالوث الذي أعطى الضّوء الأخضر لقاذفات حلف “الناتو” للتّدخّل عسكريًّا لإسقاط النظام، وتسليم العقيد القذافي لـ”الثوّار” لإعدامه بطريقةٍ بشعة والتّمثيل بجُثمانه، وفشل تهيئة البديل الأفضل ممّا يعني أنّ هدفه إسقاط النظام وقتل العقيد القذافي ثأرًا، ولأسبابه، وأنّ الشعب الليبي آخِر اهتِماماته.

سيف الإسلام أكّد طِوال المُقابلة مع الصحيفة الأمريكيّة أنّه يملك طُموحات سياسيّة للعودة إلى السّلطة من أجل “إحياء” الوحدة المفقودة في ليبيا بعد 10 سنوات من الفوضى، ووصف قادة الطّبقة السياسيّة التي تَحكُم ليبيا حاليًّا بأنّهم “لم يَجلِبوا للبِلاد غير البُؤس، حيث لا أمن ولا أمان ولا حياة هُنا”، وأكّد أنّ ما حدث في ليبيا “لم يَكُن ثورة، ويُمكِن أن تُسَمِّيها حربًا أهليّة أو أيّام الشَّر”، وقال إنّه بات الآن حُرًّا طليقًا مُنذ الإفراج عنه عام 2017 وإنّ حُرّاسه (من ميليشيا الزنتان التي اعتقلته) باتوا أصدقاءه ولمَّح إلى استِعداده لخَوضِ أيّ انتخابات رئاسيّة”.

لا شكّ أنّ هُناك حنينًا في أوساط مُعظم اللّيبيين للعودة إلى الماضي، وأنّ الكثيرين منهم يندمون على الإطاحة بنظام والده مثلما قال، ولكنّه لم يطرح أيّ برنامج سياسي، وما زال يعتقد أنّ ورقته الأقوى هي كونه نجل الرئيس الرّاحل، وحالة الأمن والاستِقرار التي وفّرها لليبيين على مدى 42 عامًا من حُكمه بالمُقارنة مع الأوضاع الحاليّة السيّئة.

الحنين إلى الماضي، وما تَوفَّر فيه من أمنٍ واستِقرار، والتّمتّع بجانب من ثروات البِلاد النفطيّة، ووضع ليبيا بقوّة على خريطة العالم خاصّةً في القارّة الإفريقيّة ليس كافيًا، فالعالم تغيٍر، وما كان يَصلُح قبل 40 عامًا ربّما لا يَصلُح اليوم، والليبيّون تغيّروا أيضًا، وبات أكثر من 60 بالمِئة من الشّباب تحت الثّلاثين وأكثر من نصفهم لا يَعرِف زمن العقيد القذافي، وكان لنِظام القذافي عُيوبه أيضًا، وابرزها الديكتاتوريّة، وغِياب الحُريّات، ومُصادرة الرّأي الآخر، وعدم وجود دولة المُؤسَّسات.

مِن الإنصاف القول إنّ سيف الإسلام القذافي الذي خَسِر ثلاثة من أشقائه في حرب “الناتو” وحُلفائه في ليبيا، حاول عندما كان مُرَشَّحًا لخِلافة والده أن يُجري إصلاحات ديمقراطيّة واقتصاديّة وسياسيّة في البِلاد، وتواصل مع مُعظم، إن لم يَكُن كُل، الشخصيّات المُعارضة، وأفرج عن عشرات المُعتَقلين السّياسيين، وفتح أبواب البِلاد أمام عودة المنفيين، واستَوعب بعضهم في مُؤسَّسات الدّولة، ولكنّ مشروعه “الإصلاحي” ظلّ يُواجِه عقبات عديدة بسبب مُعارضة والده والمجموعة المُحيطة به، وجاءت ثِماره محدودة.

السُّؤال الذي يطرح نفسه بقُوَّةٍ هو: هل هُناك فُرصة أمام نجل القذافي للعودة إلى الحُكم؟ وما هي العقَبات التي تَقِف في طريق طُموحاته في هذا المجال مَحليًّا ودَوليًّا؟

إذا بدأنا بالإيجابيّات، يُمكِن القول إنّ فشَل “الثوّار” وداعميهم في تقديم البديل النّموذجي لحُكم القذافي على مدى العشر سنوات الماضية، والاقتِتال الدّاخلي بينهم للوصول إلى الحُكم، وحالة التَّفَتُّت الذي تعيشه ليبيا، واستِفحال الفساد، ونهب مِئات المِليارات من أموال الشّعب الليبي، وفوضى السِّلاح والميليشيات، كُلّها عوامل تُمَهِّد الطّريق أمام القذافي “الصّغير” للعودة إلى الحُكم إذا سُمِح له بخوض انتِخابات رئاسيّة مُستقبليّة، خاصّةً في ظِل غِياب أيّ شخصيّة “كاريزميّة” مُنافسة يُمكِن أن تُقنِع الشّعب الليبي بأنّها كفيلة بتَوحيد البِلاد والنّهوض بها، وتلبية مطالب شعبها المشروعة، ولا يجب أن ننسى أنّه ما زال يحظى بدَعمٍ قبليّ، والقبيلة عامِلٌ مُهِم في ليبيا.

أمّا إذا تحدّثنا عن العقبات فهي كثيرةٌ أيضًا أبرزها اتّهامه من قبل محكمة الجنايات الدوليّة بارتِكاب جرائم حرب ضدّ الإنسانيّة، ومُطالبتها بتسليمه لمُحاكمته، وقد يُجادِل بأنّه كان عكس أشقائه لم يَقُم بأيّ دور عسكري، ولم يتزعّم كتيبة، وربّما تكون ورقته الأقوى في هذا المِلَف أنّ دُوَلًا عديدةً بينها الولايات المتحدة لا تَعتَرِف بهذه المحكمة وأحكامها، ومِن المُفارقة أنّ مُعارضيه، وحُكم والده، ارتكبوا جرائم أكثر خُطورةً من الجرائم التي ارتكبها والده وأطاحت بحُكمه بالتّالي، وجعلوا ليبيا من بين الدّول العشرة الأكثر فسادًا في العالم.

باختِصارٍ شديد نقول إنّ أمام سيف الإسلام القذافي طريقٌ طويل لتَحقيق طُموحاته السياسيّة والعودة إلى سُدَّة الحُكم مُجَدَّدًا، ولعَلّ شدّ مُراسل صحيفة “النيويورك تايمز” رحاله إلى مقرّ إقامته “الفخم” حسب وصفه، والمُغامَرة بحياته وإفراد صحيفته صفحةً كاملة تقريبًا لمًقابلته، أحد المُؤشِّرات التي تُؤكِّد أنّ عودته هذه ما زالت غير مُستَبعَدة كُلِّيًّا.. واللُه أعلم.

* المصدر : رأي اليوم
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع