التنافس المتزايد بين ممالك الخليج يدفع أسعار النفط إلى الارتفاع
بصورة تدريجية, بدأت الشقوق تظهر في التحالف الذي ضم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان ونظيره الإماراتي محمد بن زايد.
بقلم: سمير هاشمي
(مؤسسة الإذاعة البريطانية”بي بي سي- BBC” النسخة الفرنسية- ترجمة: أسماء بجاش, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)
أدى الخلاف العام المرير الدائر بين دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية بشأن حصص إنتاج النفط هذا الأسبوع إلى التخلي عن المحادثات بين أكبر الدول المنتجة للنفط في العالم وترك أسواق الطاقة في موضع استفسار، الأمر الذي دفع أسعار النفط إلى القفز إلى أعلى مستوياتها منذ ست سنوات.
اضطرت دول مجموعة “الأوبك بلس” التي تضم في طياتها البلدان المصدرة للبترول والمنتجين المتحالفين معها مثل روسيا إلى تأجيل مفاوضاتهم إلى أجل غير مسمى.
مما أثار مخاوف بشأن استقرار المجموعة التي أدارت ملف الإمدادات بمهارة عالية على مدار الـ 18 شهراً الماضية من أجل التعامل مع الأزمة الاقتصادية العالمية المرتبطة بجائحة الفيروس التاجي.
بدأت المشكلة في الأسبوع الماضي، عندما رفضت دولة الإمارات الاقتراحً المقدم من قادة مجموعة الأوبك بلس، المملكة العربية السعودية وروسيا، بتمديد قيود الإنتاج لمدة ثمانية أشهر إضافية.
ولم تحدد مجموعة الأوبك وحلفاؤها بعد, موعدا لاجتماعهم المقبل بشأن حصص إنتاج النفط.
كانت دولة الإمارات راغبة في إعادة التفاوض بشأن خط الأساس الحالي ـ المستوى الذي يتم فيه حساب التخفيضات أو الزيادات في خط الإنتاج ـ لإعطائهم الحرية في ضخ المزيد من النفط, ومع ذلك، قابلت السعودية وروسيا هذا الاقتراح برفض.
قال بن كاهيل، وهو باحث رئاسي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن “كان هذا الانفصال بمثابة مفاجأة، ولكن ربما كانت المعركة حتمية”.
“إن الطاقة الإنتاجية لأبو ظبي لا تتماشى مع حصتها في أوبك, حيث استثمرت الحكومة الإماراتية الكثير من المال لرفع معدل إنتاجها, والآن معدل الطلب يزداد, وهذا هو السبب في إحباط دولة الإمارات في العام الماضي, جراء عجزها عن زيادة الإنتاج”.
أميران:
لعدة سنوات ماضية، شكلت الشراكة بين السعودية والإمارات الجغرافيا السياسية في العالم العربي.
كما ساعدت العلاقة القوية بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد على تعزيز أواصل هذا التحالف.
دعمت الرياض وأبو ظبي القوات الموالية للحكومة اليمنية في الحرب الأهلية التي لا تزال مستمرة منذ ست سنوات, حيث يعتبر كلا الرجلين الزعيم الفعلي لبلده ولديهما رؤى طموحة.
وطوال سنوات عديدة، كان هناك تعاون واسع النطاق بشأن المسائل الإستراتيجية في المنطقة, حيث شكلوا تحالف عسكري عربي في العام 2015, لصد الحركة الحوثية المنحازة إلى جانب إيران في اليمن، كما فرضوا حظرا دبلوماسيا وتجاريا وسفريا على دولة قطر في العام 2017.
ولكن الشقوق بدأت تظهر في العلاقة بين البلدين قبل عامين، عندما سحبت دولة الإمارات معظم قواتها من اليمن، تاركة السعوديين غير راضين.
وفي يناير، وافقت الحكومة الأمريكية على مضض على اتفاق تقوده السعودية لإنهاء الحظر المفروض على قطر، رغم أنهم ما زالوا مترددين في الثقة بالدوحة.
وعلى نحو مماثل، لم تكن الرياض متحمسة لقرار أبو ظبي بتطبيع العلاقات مع إسرائيل في العام الماضي.
انتهت الأزمة الخليجية بعد أن اتفقت كلاً من الرياض وأبو ظبي والدوحة على “تنحية” خلافاتها في مؤتمر القمة التي عقدت في يناير المنصرم في مدينة العلا السعودية.
بدأت الشقوق في التصدع في فبراير المنصرم، عندما أصدرت الرياض إنذارا للشركات المتعددة الجنسيات لنقل مقرها الإقليمي إلى المملكة بحلول العام 2024, أو المخاطرة بفقدان العقود الحكومية السعودية.
ومن جانبها, اعتبرت دولة الإمارات هذا القرار بمثابة هجوماً ضمنياً على إمارة دبي, المركز التجاري للمنطقة.
وبعد أن منعت الإمارات عن التصويت لصفقة أوبك بلس المقترحة، بدا أن السعوديين ينتقمون منها من خلال تعليق الرحلات إليها, حيث أثارت المملكة مخاوف بشأن متغيرات جائحة الفيروس التاجي، ولكن القرار جاء قبيل عطلة إسلامية عندما يسافر العديد من الناس إلى دبي لقضاء العطلة.
كما أعلنت الرياض أنها سوف تستبعد الواردات من مناطق التجارة الحرة أو تلك المتصلة بإسرائيل من الاتفاق التعريفي التفضيلي مع دول الخليج الأخرى، مما يشكل ضربة قوية قاصمة للاقتصاد الإماراتي القائم على نموذج المنطقة الحرة.
المنافسة الاقتصادية:
يبرز التنافس الاقتصادي المتزايد الحرب ضد مجموعة الأوبك بلس، حيث يحاول البلدان تنويع اقتصادهما من خلال الحد من اعتمادهما على صادرات الهيدروكربونات.
ومع اعتماد الرياض إستراتيجية اقتصادية أكثر عدوانية في عهد الأمير محمد بن سلمان، فإنها تتنافس الآن في قطاعات أخرى مثل السياحة والخدمات المالية والتكنولوجية.
قال نيل كويليام، وهو باحث مساعد في معهد تشاتام هاوس في لندن, أن المملكة العربية السعودية هي العملاق في المنطقة الذي يستيقظ الآن على مستوى معين، هذا هو مصدر قلق لصناع القرار في دولة الإمارات”.
أصبحت مكانة دبي بوصفها أكبر مركز تجاري في المنطقة موضع شك وتساؤل.
ففي غضون السنوات الـ 15 إلى 20 عاماً القادمة، إذا تحولت المملكة العربية السعودية إلى اقتصاد ديناميكي نابض بالحياة، فإن ذلك سوف يشكل تهديداً للنموذج الاقتصادي الإماراتي.
وما زال من غير الواضح ما إذا كانت الرياض وأبو ظبي سوف يتمكنان من الاتفاق على اتفاق جديد بشأن اتفاقية أوبك بلس.
ومن جانبه, قال علي الشهابي، المحلل السعودي المقرّب من دائرة الحكم، أنه لا يعتقد أن الانفصال من شأنه أن يعرقل علاقة البلدين على الأمد البعيد، على الرغم من أن موقف الإماراتيين الجامد كان بمثابة “صدمة” للسعوديين, وخاصة أنهم عملوا جاهدين للتوصل إلى اتفاق مشيراً إلى أن كلا الجانبين كان لديهما خلافات أكبر بكثير في الماضي”.
“لكل علاقة عمليات صعود وهبوط، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة, غير أن المبادئ الأساسية لهذه العلاقة هي في الواقع قوية جدا بحيث لا يمكن أن تسبب ضررا دائما لهذا التحالف”.
* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع