بقلم: أندرياس كريج *

(موقع “ميدل أس أي- middle east eye” البريطاني النسخة الفرنسية- ترجمة:أسماء بجاش, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)

أدى تنامي تباين المصالح بين الجارتين- السعودية والإماراتية- إلى نشوء شقوق وتصدعات خطيرة في القشرة الرقيقة “الوفاق الاستراتيجي” الذي حظي في السابق بالترحيب كبير.

هز الرجلين القويين في منطقة الخليج في فترة حكم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب- ولي العهد السعودي والزعيم الفعلي لدولة الإمارات- المنطقة بفرض إرادتهما على جيرانهما.

عمل محمد بن زايد، الرجل القوي في أبو ظبي منذ أن تولي زمام الأمور في الدولة على وضع الأمير محمد بن سلمان تحت جناحه, وفي المقابل, لم يكن هذا الأخير محرجاً على ما يبدو لتقديمه على أنه تلميذه.

في الرياض، كان يعتقد أن نموذج أبو ظبي للتحرير الاستبدادي يمكن أن يكون مثالاً يحتذى به لنقل المملكة السعودية من غياهب العصور الوسطى إلى القرن الحادي والعشرين.

ولكن على مدى العامين الماضيين، أدركت الدائرة المقربة من الأمير محمد بن سلمان, أن الجار الذي اعتبروه حليفاً, لم يكن راغباً في خلق مواقف رابحة لكلا الدولتين.

بل على العكس من ذلك، كانت عقلية دولة الإمارات الحازمة على المحصلة الصفرية التي شجعتها السياسة المتراخية التي انتهجها الرئيس الأميركي السابق ترامب في منطقة الشرق الأوسط, كثيراً ما تضر بالمصالح السعودية.

إن صعود دولة الإمارات، التي أصبحت بلا شك أقوى دولة عربية في العقد الماضي, لم يكن ممكنا, إلا لأن أبو ظبي سعت بلا رحمة إلى تحقيق مصالحها الخاصة دون أن تعر كفاح الرياض لإنقاذ سمعتها في واشنطن, أي اهتمام من المسائل الأمنية في اليمن, إلى الحاجة الملحة إلى تنويع الاقتصاد والاعتماد على استقرار أسعار النفط.

فمنذ العام 2019, أدى التباين المتزايد في الاهتمام بين الجارتين إلى حدوث شقوق خطيرة في القشرة الرقيقة “الوفاق الاستراتيجي” الذي كان موضع ترحيب في ذات يوم.

وفي السنوات الأخيرة، كانت العلاقات بين الرياض وأبو ظبي مدعومة بالتآزر الإيديولوجي على السرديات الإستراتيجية الرئيسية المناهضة للثورة لدولة الإمارات، بما في ذلك الحاجة إلى إثارة طابع الإسلام السياسي باعتباره قضية أمنية والإخوان المسلمين، والمجتمع المدني على نطاق أوسع.

ومع أن أوجه التآزر هذه لا تزال قائمة، فإن العامل الأخر الذي حافظ على هذه العلاقة الثنائية تقليديا ــ الروابط الشخصية بين بن سلمان وبن زايد ــ قد عانى, حيث تراجعت العلاقات بين الزعيمين بشكل ملحوظ منذ انتخاب الرئيس الأمريكي جو بايدن.

شراء الائتمان السياسي:

وفي حين أن الزعيمين كانا قد عززا من قبل روابط “صداقتهما” من خلال رحلات الصيد المشتركة والزيارات التي يقومون بها وتبادل الرسائل والمكالمات الهاتفية، إلا أن كل من ولي عهد أبو ظبي وولي العهد السعودي لم يتحدثا إلا مرة واحدة منذ نهاية فترة ولاية ترامب وفقا لتقارير صحفية.

في عهد بايدن، أصبح من الواضح أن واشنطن سوف تتوقف عن إعطاء الكلمة المطلقة للرياض وأبو ظبي للقيام بما يريدون فعله في المنطقة.

لذا, كان على كلاهما شراء الائتمان من الإدارة الجديدة والديمقراطيين في واشنطن.

وبدلاً من الظهور كمتنمرين في المنطقة، احتاج كل من محمد بن سلمان ومحمد بن زايد إلى إعادة صياغة صورتهما كلاعبين بناءين، حريصين على دعم سياسة إدارة بايدن الإقليمية الناعمة والمتمثلة في القيادة من الخلف.

عندما تم انتخاب ترامب في عام 2016, قام محمد بن زايد شخصياً بزيارة فريق ترامب في نيويورك، وقام بالضغط من أجل محمد بن سلمان ليكون الملك القادم للسعودية.

بعد أربع سنوات، مع انتخاب رئيس ديمقراطي، يحاول زعماء الإمارات بشكل ملحوظ خلق مسافة بينهم وبين القيادة السعودية وأن ينأوا بأنفسهم عن نظرائهم السعوديين.

يُنظر إلى أي ارتباط بمحمد بن سلمان على أنه من المحتمل أن يلوث الجهود الإماراتية لتغيير صورتها.

وبضغط من مشاريعها المشتركة مع موسكو في ليبيا، ونشرها للمرتزقة في اليمن، وصعودها بوصفها مضاعفاً لقوة المعلومات العالمية في الصين، أثبت أبو ظبي أن عقلية المحصلة الصفرية تعني أنه من الممكن تماماً لها أن تخون “حليفها الاستراتيجي”.

كانت الحرب في اليمن التي ساعدت فيها دولة الإمارات في وصفها بأنها “سعودية”, أول منطقة يتعلم فيها القادة السعوديون أن سياسة الإمارات العربية المتحدة كانت قاسية وعديمة الرحمة عندما تتعلق بالحفاظ على مصالحها، حتى على حساب المملكة العربية السعودية.

مصافحة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومحمد بن سلمان في قمة مجموعة العشرين في العام 2019 في أوساكا باليابان/ تصوير:بندر الجالود/ القصر الملكي السعودي/ وكالة الصحافة الفرنسية

ووفقا لمصادر مقربة من القصر الملكي، أثار بعض أعضاء الدائرة المقربة من بن سلمان, مخاوف بشأن إمكانية دفع بن زايد, المملكة العربية السعودية إلى مشاريع محفوفة بالمخاطر من أجل خلق درع يمكن للإمارات العربية المتحدة أن تعزز من وراءه مكاسبها في جنوب اليمن.

وفي حين اضطرت الرياض إلى تحمل عبء الحرب المكلفة ضد الحوثيين في اليمن من حيث العمليات والسمعة، فقد ضمنت أبو ظبي ترسيخ نفوذها على طول الخط الساحلي اليمني الهام استراتيجياً من خلال المجلس الانتقالي الجنوبي.

تركت في العراء:

بعد صعود دولة الإمارات وسط فراغ القوة الإقليمية الذي خلفه الانسحاب الأمريكي، أصبح لدى أبو ظبي وهم بأنها القوة المتوسطة الجديدة  في منطقة الخليج, لن تحتاج إلى الاستسلام لأي شخص.

إن الجمود الحالي بين الإمارات والسعودية في إطار منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) يظهر أن أبوظبي تؤمن بقدرتها على التمسك بموقفها.

إن الإمارات العربية المتحدة لن تخل بمصالحها الوطنية، حتى ولو تم ذلك على حساب جارتها وحليفتها السعودية، كما تظهر أبو ظبي ذلك من خلال تجاهلها الصارخ لحصص إنتاج أوبك.

وفيما يتعلق بقضية الحصار المفروض على قطر, الذي تولى فيه بن زايد زمام المبادرة بينما حذا بن سلمان حذوه عن طيب خاطر، لم تبدي الإمارات العربية المتحدة سوى القليل من الرغبة في التوصل إلى حلول توافقية.

ورغم أن تكاليف الحصار من حيث السمعة والسياسة استمرت في الارتفاع بالنسبة لكلا الجهات الفاعلة, خاصة في واشنطن, إلا إن أبو ظبي كانت مستعدة لإبقائه لصالح حملتها الصليبية المناهضة للثورة.

أخيرا, عملت المملكة العربية السعودية على كسر الصف وتركت البراغماتية تسود.

كانت أول علامة على الزعامة السعودية في الخليج تحت رعاية بن سلمان، عندما اختارت رفع الحصار باعتباره عملية مربحة بالنسبة للهيئة الرباعية التي تقف وراء الحصار والمتمثلة في الإمارات، والسعودية، والبحرين ومصر, وبالنسبة لقطر.

ومن ناحية أخرى، كانت لدى أبو ظبي مخاوف عميقة بشأن سرعة وحجم التطبيع، الأمر الذي لم يضغط على الإمارات للعودة إلى صفوفها فحسب، بل سمح أيضا لولي العهد السعودي بجني الثناء.

تلك كَانتْ البدايةَ فقط, ومنذ ذلك الحين، شرعت الرياض – التي تركتها جارتها- في إستراتيجية تنويع أكثر حزما.

إن السياسات الاقتصادية الجديدة التي تنتهجها الرياض والتي تهدف إلى اجتذاب الاستثمارات من الشركات المتعددة الجنسيات التي تتخذ من الإمارات مقراً لها، تستهدف بشكل مباشر قصة نجاح دبي التي ابتليت بعدم اليقين الاقتصادي منذ بداية جائحة وباء الفيروس التاجي.

والطبيعة غير الصحية لهذه المنافسة تجعل من الصعب بشكل متزايد إيجاد أوضاع يكسب فيها الجميع.

وفي حين أن بن سلمان, قد أخذ الآن نهج أكثر حزما في الرياض، فإن شهر العسل بين ولي العهد السعودي ونظيره الإماراتي قد انتهى بالتأكيد.

وبينما يخلع المقاتلون القفازات، يتوق بن سلمان لإظهار أن أبو ظبي كانت تتفوق على حجمها وأن هناك حدوداً للقوة الذكية لتعوض نقص الحجم.

ومع ذلك، فإن علاقاتها لا تزال قائمة على التآزر الإيديولوجي المرتبط بالخوف من صعود الإسلام السياسي والإخوان المسلمين والمجتمع المدني, ولم يتبين بعد ما إذا كان هذا يكفي لمنع حدوث أزمة خليجية جديدة.

* أندرياس كريج: أستاذ مساعد في قسم الدراسات الدفاعية في كينجز كوليدج لندن ومستشار مخاطر إستراتيجية للعملاء الحكوميين والتجاريين في الشرق الأوسط. أصدر مؤخراً كتاباً بعنوان النظام الاجتماعي والسياسي والأمن في العالم العربي.

* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع