الجوع: فيروس آخر الذي يهدد العالم
(موقع “منظمة أوكسفام الدولية- “Oxfam International النسخة الفرنسية- ترجمة: أسماء بجاش, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)
ارتفع معدل عدد الأشخاص الذين يعانون من الجوع إلى ستة أضعاف منذ بدء انتشار الوباء, واليوم, فإن الحالة خطيرة بشكل خاص في كلاً من اليمن وجمهورية الكونغو الديمقراطية وسوريا وإثيوبيا، حيث يواجه ما يقرب من نصف عدد السكان في هذه البلدان مستويات مثيرة للقلق من انعدام الأمن الغذائي.
لا يزال الجوع يؤثر على المزيد والمزيد من الناس في جميع أنحاء العالم, حيث يقدم أحدث التقارير الصادرة عنا “فيروس الجوع ينتشر”، تقييما مقلقا, إذ أشار التقرير إلى أن 20 مليون شخص إضافي يواجهون هذا العام مستويات قصوى من انعدام الأمن الغذائي، أي ما مجموعه 155 مليون شخص, وهذا يعني أنهم لا يستطيعون تناول الطعام كل يوم.
والأسوأ من ذلك، أنه منذ بداية انتشار الوباء، ازداد عدد الأشخاص الذين يعيشون في ظروف المجاعة ستة أضعاف، ليصل إلى 520 ألف شخص.
وللتذكير، نتحدث عن المجاعة عندما ينتشر سوء التغذية على نطاق واسع لدرجة أن الناس يبدؤون بالموت جوعا بسبب عدم حصولهم على الغذاء الكافي والمغذي.
الصراع, السبب الرئيسي للجوع:
يعيش معظم الأشخاص الذين يصارعون الجوع في 23 دولة مزقتها الحروب, حيث يعاني اليوم 100 مليون شخص من الجوع بسبب الصراعات الدائرة، بما في ذلك أكثر من 16 مليون يمني، أو ما يعادل نصف عدد سكان هذا البلد الذي لا يزال في حالة حرب منذ 6 سنوات.
سالم وابنه عمر, مثال واحد من بين 4 مليون شخص, اضطر لنزوح في اليمن بسبب الصراع, قصتهم تشكل مثالاً مثالياً على الكيفية التي أصبحت بها الحياة لا تطاق بالنسبة لسكانها.
فمثلهم كمثل سالم، فقد الملايين من اليمنيين وظائفهم، وبالتالي لم يعد بمقدورهم توفير الوسائل لإطعام أسرهم بما فيه الكفاية، ومثل نصف سكان البلد، فإنهم يعيشون في كرب دائم جراء عمليات القصف.
منذ أبريل من العام المنصرم، عملت منظمة أوكسفام على تقديم المساعدة لما يقرب من 150 ألف يمني, حيث تتراوح هذه المساعدات ما بين تقديم الإعانات المالية وتوفير المياه النظيفة.
ولكن انخفاض المعونات الدولية وضع حدا لتدخل الوكالات الإنسانية، مما أدى إلى تفاقم أزمة الغذاء.
فقد تم تمويل أقل من نصف نداء الأمم المتحدة للعمل الإنساني في اليمن ونتيجة لذلك، انخفضت المعونة الغذائية المقدمة إلى 5 ملايين شخص في مايو 2021.
ومن جانبها, نددت غابرييلا بوشير، مديرة منظمة أوكسفام الدولية، بالوضع الحاصل, حيث تعتقد أن مسؤولية الدول لا تتوقف عند الهبات المالية, كما أشارت إلى أن “المجتمع الدولي تتسبب أقوى بلدانه في خلق المجاعة مع إمدادات وفيرة من الأسلحة”.
معدلات الجوع آخذ في الارتفاع، مما يجعل الأمر أكثر سوءا:
لأول مرة منذ تسعينات القرن الماضي، ارتفعت معدلات الفقر المدقع في جميع أنحاء العالم.
وهذا نتيجة مباشرة للصدمة الاقتصادية الناجمة عن تدابير الاحتواء وإغلاق الحدود والأعمال التجارية والأسواق والشركات.
وفي المقابل, فقد وقع 40 مليون شخص في 17 بلدا من جميع أنحاء العالم في شرك المجاعة، لاسيما في البلدان التي يهيمن عليها القطاع غير الرسمي والتي يبعد فيها الضمان الاجتماعي عن أن يكون شاملاً.
ففي بلد مثل سوريا، التي لا تزال مستمرة في سرد فصول حربها المأساوية منذ 10 سنوات, يعيش ما يقرب من 90% من الأسر بالفعل تحت خط الفقر.
كان التدهور الاقتصادي الذي فاقمه انتشار جائحة الفيروس التاجي, هو القشة التي قصمت ظهر البعير, حيث أسفر عنه انخفاض تاريخي في قيمة الليرة السورية وزيادة 313% في متوسط سعر السلع الغذائية خلال عام واحد فقط.
ونتيجة لهذا التضخم القياسي، أصبحت جميع الأطعمة الأساسية تقريباً بعيدة المنال بالنسبة لعائشة أحمد، التي تقوم بتربية أطفالها الثمانية بمفردها في حلب, حيث قالت: “القليل الذي أكسبه في المزرعة بالكاد يغطي نفقات عائلتي, سعر البطاطا انخفض قليلاً، مما يسمح لي بشراء البطاطا هذا الموسم وأحيانا أتمكن من شراء بعض الخضروات الرخيصة، ولكن ليس طوال الوقت”.
تأسف عائشة وهي أرملة تبلغ من العمر 38 عاما للوضع الذي وصلت اليه, فهي ليست الوحيدة التي تعيش هذا الوضع المزري بأي حال من الأحوال, ففي الوقت الراهن, لا يتمكن ثلاثة من بين كل خمسة سوريين من توفير الوجبات الغذائية كل يوم.
لوقف انتشار الجوع، قدمت منظمة أوكسفام الدعم لأكثر من 120 ألف سوري, منذ بداية الوباء، لاسيما من خلال توزيع البذور والأدوات على المجتمعات الريفية وإصلاح شبكات الري وتوزيع المبالغ النقدية على الفئات الأكثر ضعفاً حتى يتمكنوا من إطعام أنفسهم.
في الوقت نفسه، تتسارع أزمة المناخ:
تكاد مسألة تغييرات المناخ أن تُنسى، بالرغم من كون هذه الأزمة تهدد بشكل متزايد الأمن الغذائي لملايين الناس في جميع أنحاء العالم.
ناهيك عن كون عدد الكوارث المناخية قد تضاعف ثلاث أضعاف منذ ثمانينات القرن الماضي, مع حدوث طقس قاسي واحد خلال الأسبوع.
وفي القارة الأقل إسهاماً في التلوث العالمي: أفريقيا، فإن تغير المناخ يتسارع بسرعة أكبر بمعدل 0.4 درجة مئوية في كل عقد من الزمان، أي ضعف معدل الاحتباس الحراري العالمي, حيث يؤدي إلى تعطيل حياة أغلب الناس.
تواجه إثيوبيا التي تقع في الجهة الشرقية من القارة الأفريقية، حاليا أزمة غذائية، بعد مرور نحو 30 عاماً على المجاعات الكبرى التي خيم ظلالها على البلد في الثمانينات.
الأسباب متعددة: فمن ناحية، أدى الصراع المسلح الدائر بين الحكومة الإثيوبية وحكومة تيغراي الإقليمية إلى الزج بنحو 350 ألف شخص في مستنقع المجاعة.
ومن ناحية أخرى، أصبحت إثيوبيا ضحية لموجات جفاف متكررة ومتزايدة لفترات طويلة والتي نتج عنها تدمير المحاصيل الزراعية.
وقد أدى وضع هاتين الأزمتين، إحداهما بسبب الحرب الأهلية والأخرى بسبب الاحتباس الحراري العالمي، إلى تغيير حياة ماريان بودلي وأطفالها.
فالصراعات العرقية أخذت زوجها بعيدا، في حين أصبح مصدر عيشها الوحيد, قطيع مكون من 20 ماعز تمكنت من شرائه بدعم مالي مقدم من منظمة أوكسفام, ولكن اليوم لم تعد ماريان قادرة على العثور على العشب لرعيتها.
تقول ماريان يشعر الناس في هذه المناطق بتأثير تغير المناخ لفترات طويلة, وفي كل مرة يؤثر الجفاف المطول على منطقة ما، لذا اعتاد الناس على الانتقال من منطقة إلى أخرى أكثر ملائمة.
فهي تخاطر أيضا بالبحث عن المزيد من الأراضي المضيفة لمواشيها وبالتالي ضمان بقاء أسرتها.
منذ بداية الوباء، عملت منظمة أوكسفام على مد يد العون لما يقرب من 15 مليون شخص في 68 دولة حول العام, وذلك من خلال تزويدهم بالمياه النظيفة والغذاء والنقود ومستلزمات النظافة.
ولكن الاحتياجات تظل كبيرة جداً في وقت تم فيه تمويل أقل من 10٪ من نداء الأمم المتحدة لضمان الأمن الغذائي للسكان المعرضين للخطر, وبحسب منظمة أوكسفام ، فإن الحاصل “فشل سياسي مدوي”.
* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع