كمحور أمريكي من أفغانستان إلى اليمن، المهرة تتأقلم مع الوجود العسكري المتزايد
بقلم: أحمد عبد الكريم
(موقع” منتبرس نيوز” الانجليزي, ترجمة: نجاة نور، الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)
يرى المقيمون في شرق اليمن أن زيادة عدد العسكريين الأمريكيين أمر خبيث واستعماري بطبيعته ويخشون أنه لن يجلب الفوضى وعدم الاستقرار إلى منطقتهم فحسب، بل قد يجلب معه أيضاً انتهاكات حقوق الإنسان المشينة والانتهاكات المروعة التي حدثت في أفغانستان والعراق.
المهرة، اليمن- لقد نجا شرق اليمن إلى حد كبير من الحرب الشاقة التي لا تزال مستمرة منذ ست سنوات في البلد، مع وجود أفراد عسكريين أمريكيين في المنطقة، الذي كان في يوماً ما مشهداً نادراً، ولم يلق أكثر من مجرد نظرة فضوليّة من المتفرج العابر.
لكن شعوراً جديداً بالقلق استقر في قلوب سكان محافظة المهرة الشرقية, وسط قصص عن غارات عنيفة في منتصف الليل من قبل القوات الخاصة الأمريكية والسعودية والوجود العسكري الأمريكي المرئي بشكل متزايد في المنطقة.
في يونيو 2019، داهم فريق من مشاة البحرية الأمريكية بدعم من القوات السعودية حياً مأهولاً بالسكان يطلق اسم “حي قطر” في مدينة الغيضة في المهرة.
قال شهود عيان لموقع مينتبرس نيوز إنهم يعتقدون أن الهجوم تم بناءً على معلومات قدمها مخبرين محليين.
يُزعم أن الغارة استهدفت منزلاً استأجره مسلحون يقاتلون نيابة عن التحالف الذي تقوده السعودية عادوا لتوهم من القتال في مأرب.
أثارت العملية الخوف والتساؤلات بين سكان الحي، حيث تم اعتقال ثلاثة يمنيين وسعودي بالإضافة إلى العديد من النساء والأطفال.
ويقول السكان المحليون إن الأسرى نُقلوا بعد ذلك إلى مطار الغيضة، حيث يتواجد الجيش الأمريكي، بحسب شهود ومصادر أمنية.
وبحسب ما ورد كانت ظروف احتجازهم مماثلة لظروف المعتقلين في أفغانستان والعراق، والتي تضمنت بحسب السكان المحليين، عصب أعينهم وضربهم.
قال أحد سكان حي قطر لموقع مينتبرس، شريطة عدم الكشف عن هويته خوفاً على نفسه من الانتقام “كانت الساعة حوالي الساعة 8:40 صباحاً عندما سمعنا أصوات القوات الأمريكية والسعودية تداهم منزلاً قريباً.
كان أبنائي وبناتي مرعوبين, تردد صدى الفوضى والصراخ في [الحي]، وتابع: “بعد لحظات، تم جر العديد من الأشخاص معصوبي الأعين برفقة نساء وأطفال إلى إحدى الآليات العسكرية بطريقة استفزازية ومذلة”.
وبينما كان يروي القصة، كان من الواضح أنه كان يمسك دموعه؛ وختم قائلا: «المشهد كان [يذكرنا] بغارات القوات الأمريكية في العراق وأفغانستان، لكنها تحدث هنا، وليس في الفلوجة, لم نشعر بالأمان منذ ذلك الحين”.
التواجد العسكري الأمريكي يجلب الفوضى وانتهاكات حقوق الإنسان
يرى السكان في شرق اليمن أن زيادة عدد الأفراد العسكريين الأمريكيين أمر ماكر واستعماري بطبيعته ويخشون أنه لن يجلب الفوضى وعدم الاستقرار إلى منطقتهم فحسب، بل قد يجلب معه أيضاً انتهاكات حقوق الإنسان الشائنة والانتهاكات المروعة التي حدثت في أفغانستان والعراق، حيث قُتل وعُذب آلاف المدنيين، بعضهم على أيدي القوات الأمريكية، والبعض الآخر على أيدي متعاقدين عسكريين خاصين مثل بلاك ووتر.
تزعم السعودية أن الرجل الذي حددته لاحقاً باسمه الحركي، أبو أسامة المهاجر، زعيم فرع تنظيم الدولة الإسلامية في اليمن، تم القبض عليه في الغارة مع المسؤول المالي للتنظيم وعدد من المقاتلين الآخرين.
ولم يشر البيان الصحفي السعودي الرسمي إلى التعاون مع القوات الأمريكية في تنفيذ الغارة، لكن وفقاً لشهود عيان ومصادر أمنية محلية، “كانت بنيتهم الجسدية ولغتهم [أمريكية] واضحة للسكان”.
“الحرب على الإرهاب”
بالتزامن مع انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان، يرى خبراء أمنيون أن إدارة بايدن تعزز وجودها في شرق اليمن بذريعة محاربة الإرهاب ومنع نقل الأسلحة من إيران إلى الحوثيين.
لقد اعترف الرئيس جو بايدن بالفعل بوجود عسكري أمريكي في الدولة التي مزقتها الحرب.
في رسالته إلى الكونغرس، قال بايدن إن “عدداً صغيراً من القوات الأمريكية تم نشرهم في اليمن للقيام بعمليات ضد القاعدة في شبه الجزيرة العربية وتنظيم الدولة الإسلامية”.
وأضاف: “يواصل الجيش الأمريكي العمل بشكل وثيق مع حكومة الجمهورية اليمنية والقوى الإقليمية الشريكة للحد من التهديد الإرهابي الذي تشكله تلك الجماعات”.
بالإضافة إلى تواجدها العسكري في مطار الغيضة وعلى مياه المنطقة الشرقية لليمن، تمتلك القوات الأمريكية أيضاً قاعدة صغيرة في ما يسمى بالربع الخالي بين اليمن والسعودية، تستخدم لإطلاق طائرات مسيرة وملاحقة من تصنفهم كإرهابيين بالإضافة إلى تقديم “دعم لوجيستي” للسعودية.
وصل العشرات من مشاة البحرية الأمريكية مؤخراً إلى المهرة وسقطرى، وفقاً لسكان محليين تحدثوا إلى مينتبرس.
تعتبر وكالات المخابرات الأمريكية بالفعل تنظيم القاعدة في جزيرة العرب أخطر فرع من فروع القاعدة بسبب خبرتها الفنية وانتشارها العالمي، لكن العديد من النشطاء والصحفيين ووسائل الإعلام المحلية حذروا من أن الاحتلال العسكري السعودي يجري تحت غطاء القوات الأمريكية.
ليس لمكافحة التهديد المفرط من القاعدة في شبه الجزيرة العربية ولكن للسماح للسعودية بتأسيس وجود طويل الأمد في المحافظة.
يأتي تعزيز الوجود العسكري الأمريكي في المحافظة التي تضم احتياطيات نفطية ضخمة غير مستغلة ومربحة، على خلفية عدة زيارات قام بها مسؤولون أميركيون رفيعو المستوى إلى المنطقة.
في عام 2018, قام الجنرال جوزيف فوتيل، رئيس القيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM) بزيارة محافظة عدن، وزار مستشار الرئيس السابق دونالد ترامب فرانسيس تاونسند المهرة في مارس 2020.
فيما قام كريستوفر هينزل، السفير الأمريكي في اليمن، بزيارة مفاجئة إلى المهرة في ديسمبر الماضي قادما من الرياض, فيما كان اليمنيون يحتفلون بعيد الاستقلال بمناسبة انتهاء الاحتلال البريطاني في جنوب اليمن.
وزار هنزل القوات الأمريكية المتمركزة في مطار الغيضة، بحسب سلطات محافظة المهرة.
تشكو المنظمات غير الحكومية اليمنية والمسؤولون الحكوميون منذ سنوات من أن مطار الغيضة هو موطن للسجون السرية, حيث تُرتكب انتهاكات لحقوق الإنسان على غرار أبو غريب من تعذيب صريح.
يعتقد السكان المحليون أن الانتهاكات تحدث تحت إشراف القوات الأمريكية، أو بعلمهم على الأقل، بحسب أحمد العلي، رئيس اللجنة الوطنية الجنوبية لمقاومة الغزو، وهي مجموعة مكرسة للاحتجاج ضد الوجود العسكري السعودي في المنطقة.
اندلعت الاحتجاجات، وحتى بعض المواجهات المسلحة، حيث يقاوم أهالي المهرة ما يعتبره الكثيرون استيلاء سعودي على محافظتهم.
على مدى السنوات الثلاث الماضية، في ظل تشديد الأخيرة سيطرتها على المحافظة المتاخمة لسلطنة عمان من الشرق, بالإضافة إلى تأسيس الوجود العسكري، حاول السعوديون ممارسة القوة الناعمة من خلال إنشاء مدارس دينية مستوحاة من السلفيين وسياسة التجنيس والمساعدات الإنسانية، وهي خطوة قالت السلطات المحلية أن يتم تنفيذها بدعم من الولايات المتحدة.
الغضب العام المتصاعد
قوبل الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة بمعارضة محلية قوية، وبدلاً من تقليل أي تهديد إرهابي مزعوم، فقد سلم بدلاً من ذلك أداة تجنيد فعالة للغاية إلى القاعدة في جزيرة العرب.
الغضب العام والإحباط تجاه الولايات المتحدة في اليمن أمر مستساغ ويأتي في أعقاب ضربات الطائرات بدون طيار سيئة السمعة في عهد أوباما التي قتلت العشرات من الأبرياء في حفلات الزفاف والجنازات.
سكان المهرة بشكل عام لا يقبلون بحجة محاربة الإرهاب أو منع تهريب الأسلحة التي تستخدم لتبرير الوجود العسكري الأجنبي في المحافظة.
هم يتهمون السعودية والولايات المتحدة بنشر الدعاية والمبالغة في التهديد والتخويف من انتشار القاعدة وداعش لتبرير وجودهما، بحسب لجنة الاعتصام السلمي، وهي جماعة شكلها سكان المهرة للاحتجاج على أي تواجد أجنبي في المنطقة.
اتهم نائب رئيس لجنة الاعتصام السلمي الشيخ عبود قمصيت السعودية والإمارات بالسعي لتصوير المهرة على أنها معقل لتنظيم القاعدة, حيث أضاف: “نوضح للجميع أن هذه المزاعم فاضحة وأن المهرة لن تكون معقلاً للقاعدة وداعش”.
حتى أنه اتهم قوات التحالف بقيادة السعودية بالوقوف وراء تصاعد العناصر الإرهابية في المنطقة، قائلاً: “تم إحضار القاعدة وداعش إلى المحافظة واستخدموا هذه الذريعة لتعزيز الوجود الأجنبي في المهرة”.
إن الوجود العسكري الأمريكي المتزايد في اليمن ليس الاستفزاز الوحيد الذي أدى إلى الشعور بالإحباط واليأس.
أدى الدعم المستمر من الرئيس بايدن للعمليات الهجومية للتحالف بقيادة السعودية – بما في ذلك الحصار وهو أمر أساسي لنقص الغذاء والوقود بصورة كارثية في اليمن- إلى فقدان معظم اليمنيين الأمل في أن الإدارة الأمريكية الجديدة ستحدث تغييراً في سياستها.
أسقطت طائرة بدون طيار أمريكية الصنع من طراز Scan Eagle”” فوق منطقة بمحافظة مأرب التي تشهد قتالاً عنيفاً بين مقاتلين محليين من أنصار الله ومقاتلون موالون للتحالف الذي تقوده السعودية.
حددت لقطات للطائرة بدون طيار بعد إسقاطها والتي شاهد موقع مينتبرس، أجزاء من حطامها وتحمل اسم CAGE، وهو تابع لشركة Boeing المصنعة للأسلحة الأمريكية, وعلى الرغم من أدلة الفيديو، نفت الولايات المتحدة التهمة.
مع تنامي المقاومة المحلية للوجود الأمريكي في المنطقة، من المرجح أن تتبعها احتجاجات ومقاومة مسلحة.
يعتقد الخبراء العسكريون في اليمن أنها مسألة وقت فقط قبل أن يتعرض مطار الغيضة- الذي يستضيف القوات الأمريكية والبريطانية والسعودية- لنفس النوع من الهجمات المشحونة سياسياً ضد القوات الأمريكية في العراق.
* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع