( موقع “ذا كنفرزيشن-the conversation” الاسترالي, الناطقة بالفرنسية- ترجمة:أسماء بجاش, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)

إن حالة الجمود التي يشهدها الصراع اليمني هي أحد الأسباب التي تجعل من عملية التطبيع مع إسرائيل في موقف معاكس بالنسبة للمملكة العربية السعودية ولصالح استرضاء إيران.

في 15 سبتمبر 2020, تم التوقيع على ما عرف باسم اتفاقية إبراهيم للتطبيع العلاقات بين دولة إسرائيل ودولة الإمارات العربية المتحدة, والتي عملت على إقامة علاقات سياسية واقتصادية وعلمية وعسكرية.

كانت هذه الاتفاقية أيضاً بمثابة نقطة الانطلاق لتقارب بين إسرائيل مع الحليف الإقليمي الرئيسي للإمارات العربية المتحدة: السعودية.

ويبدو أن الزيارة السرية التي قام بها بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، إلى العاصمة الرياض في 21 و 22 من نوفمبر المنصرم, كانت بمثابة الخطوة الأولى في هذا الاتجاه.

تدين هذه التطورات بصورة كبيرة لسياسة الولايات المتحدة الأمريكية المنتهجة في ظل إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب, حيث أظهرت هذه السياسة أقصى درجات الحزم تجاه إيران والدعم القاطع لمنافستها الكبرى في المنطقة “المملكة العربية السعودية” وبالأخص في الحرب التي شنتها الرياض ضد الحوثيين في اليمن, الذين قُدموا على أنهم  دمى لإيران.

ولذلك عملت الإدارة الأمريكية على ضمان أن يجد شركاؤها في منطقة الشرق الأوسط- الرياض وتل أبيب- لغة مشتركة.

لكن الأمور تغيرت في الوقت الراهن, نظراً لإعادة تحديد الولايات المتحدة الأمريكية  الأولويات الاستراتيجية في ظل إدارة الرئيس الجديد جو بايدن, التي أبدت رغبتها في “إعادة تقييم” العلاقات مع الرياض، مقترنة بالتغيرات التي خيمت على الاقتصاد الإقليمي، والتي دفعت بالسعودية في المقابل إلى إعادة تقييم نهجها.

عواقب الفشل السعودي الذريع في حرب اليمن:

عانت المملكة العربية السعودية في اليمن من هزيمة عسكرية وسياسية مريرة, وعلى الرغم من ضلوعها العسكري الكبير، إلا أنها فشلت في تحييد الحوثيين الذين يشكلون الآن تهديدا دائما لأمنها القومي.

وذلك بعد  أن طور الحوثيين، بدعم قوي من إيران، إمكانياتهم بصورة متزايدة والتي نتج عنها زعزعت الاستقرار السعودي، حيث تتجلى في الهجمات المنتظمة التي تستهدف المواقع الاستراتيجية على الأراضي السعودية.

من تلك الغارات الجوية التي استهدفت ميناء سعودي ومنشآت نفطية، إلى تلك التي تستهدف مواقع عسكرية، وبهذا أبرزت العمليات المكثفة للحوثيين ضعف الرياض.

كانت الهزيمة حقيقة ملموسة لعدة سنوات, ومع ذلك، فإن إنشاء محور إقليمي إلى جانب إسرائيل ضد إيران، والدعم القوي من قبل إدارة ترامب، كان يمكن أن يساعد في كبح جماح هذا الاتجاه.

إن سياسة جو بايدن الخارجية التي تظهر تفضيله للتوصل إلى حل وسط مع إيران ورغبته في إنهاء الحرب الدائرة في اليمن، تشكل نقطة تحول في السياسة الإقليمية للرياض.

وقد جسد هذان المحوران الجديدان للسياسة الخارجية لواشنطن من ناحية, فتح باب المناقشات مع إيران فيما يخص الملف النووي في 6 من أبريل 2021, ومن ناحية أخرى, تجميد عمليات بيع الأسلحة إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة اعتبارا من 27 يناير 2021.

يشعر النظام السعودي بالقلق العميق إزاء العواقب الإستراتيجية المحتملة لهذا التطور، لدرجة أنها تسعى إلى تجديد الحوار مع النظام الإيراني.

في 18 أبريل 2021, كشفت صحيفة فاينانشال تايمز أن المناقشات بين الوفود الرسمية السعودية والإيرانية التي عقدت في بغداد في 9 أبريل المنصرم, جاءت للمساعدة في كسر الجمود في الصراع اليمني وإعادة العلاقات الدبلوماسية التي قُطعت منذ مطلع العام 2016.

على الرغم من أن التنافس الجغرافي السياسي بين الطرفين الذي تعزز منذ نهاية حرب العراق والتي كرست الدور الرئيسي لإيران في ذلك البلد، إلا أن العلاقات ظلت هادئة نسبيا حتى اندلاع الحرب في اليمن أواخر مارس من العام 2015.

وفي الوقت الحالي، فإن التشكيلة الإقليمية الجديدة التي تجبر الرياض على التكيف والنظر في عملية انتقال جغرافي وسياسي تهدد بالتشكيك في التطبيع السعودي مع إسرائيل.

“أرخبيل السلام”: نهاية الخيال الجيوسياسي؟

فيما يتعلق بدولة إسرائيل، فإن المملكة العربية السعودية لم تجتاز مرحلة التطبيع بعد، ولكنها مع ذلك تؤيد سياسة أبو ظبي و”اتفاق إبراهيم”.

وبالنسبة لابو ظبي, فإن التقارب مع تل أبيب، الذي ينظر إليها على أنها قوة عظمى إقليمية، لا تنظر إليه فقط من حيث الفوائد الملموسة: الأمن والتعاون العسكري، وتعزيز النفوذ الإقليمي لأبوظبي، وما إلى ذلك.

كما تنظر النخب الإماراتية إلى إسرائيل باعتبارها قطباً من أقطاب التطور الاقتصادي والعسكري والعلمي والتكنولوجي الذي لابد وأن يتحد للانضمام إلى معسكر الفائزين بالعولمة و”أرخبيل السلام” (جيوب الثروة التي تربط بينهم لأنهم يشتركون في نفس المصالح، بينما يُفصلون عن محيطهم المباشر).

هذا “الأرخبيل” الخيالي – وهو مفهوم استعاره تبناه عالم الاجتماع مانويل كاستيلز الذي أشار إليه في كتابه “المجتمع المترابط- “The Network Society لاستثارة توحيد أساليب حياة النخب المهيمنة ومساحات الثروة في عصر العولمة, ويفسر التعرف على إسرائيل بمعسكر المنتصرين, وفكرة أن يؤدي هذا التحالف دورا حاسما في تحول الإمارات.

محمد بن زايد، ولي عهد ووزير الدفاع في أبو ظبي والذي كثيراً ما يوصف بأنه أقوى زعيم في العالم العربي، قد أثر شخصياً في الرياض لصالح إسرائيل منذ العام 2017.

وتستند رؤية هذه النخب أيضا إلى افتراض أن المطالب الفلسطينية- وهي عقبة تاريخية، من وجهة نظرهم، إلى أي تقارب بين البلدان العربية وإسرائيل- تعكس قضية خاسرة، موروثة من الماضي ولا معنى لها في الوقت الحاضر.

بيد أن التطورات الأخيرة أدت إلى إنكار شديد لفكرة أن النضال الفلسطيني أصبح عتيقا.

كما وقد ذكَّرت التعبئة الشعبية في ربيع العام 2021 العالم، ولاسيما العالم العربي، بأن الفلسطينيين يرفضون الاحتلال في الضفة الغربية والقدس بقدر ما يرفضون ظروف “وجودهم الباطن” في إسرائيل.

انضم اللاجئون الفلسطينيون في لبنان والأردن إلى الانتفاضة في تقارب لم يسبق له مثيل, ولكن الجانب الأكثر إثارة للاهتمام هو حشد الشباب, الذي كان على قطيعة مع السلطة الفلسطينية لفكرة المقاومة، بما في ذلك المقاومة المسلحة.

إن المبادرة التي اتخذتها حماس لإطلاق صواريخ باتجاه إسرائيل “لفرض توازن قوى جديد” يظهر تحولاً استراتيجياً، نتيجة للدعم العسكري المتنامي الذي تقدمه إيران.

نحو التطبيع مع إيران بدلاً من إسرائيل؟

لم تكن هذه الحلقة سببا في تأجيج المشاعر المعادية لدولة إسرائيل في العالم العربي فحسب، بل إنها ساهمت أيضاً في تدهور صورة إسرائيل في الغرب, حيث تعرضت دولة إسرائيل لانتقادات شديدة بسبب غاراتها القاتلة على قطاع غزة، حتى في الصحافة الأمريكية الرئيسية التي عادة ما كانت تتجاهلها.

ولقد دعا المفكرون الأميركيون، مثل الأستاذ بجامعة هارفارد, ستيفن والت، من على منبر صحيفة فورين بولسي, الولايات المتحدة إلى إنهاء “علاقتها الخاصة مع إسرائيل” ــ وهي العلاقة التي تتزايد تكلفتها باستمرار والتي من شأنها أن تخدم مصالحهم, حيث قال :”إن عقود من السيطرة الإسرائيلية الوحشية قد هدمت الحجة الأخلاقية للحصول على دعم غير مشروط من الولايات المتحدة.

ومن جانبها, قامت الحكومات الإسرائيلية على جميع المستويات بتوسيع المستوطنات، وحرمت الفلسطينيين من حقوقهم السياسية المشروعة، ومعاملتهم كمواطنين من الدرجة الثانية داخل إسرائيل نفسها، كما تم استخدام القوة العسكرية العليا لإسرائيل لقتل وإرهاب سكان غزة والضفة الغربية ولبنان مع الإفلات من العقاب”.

كما وقد ارتفعت الأصوات في الجناح اليساري للحزب الديمقراطي الأمريكي لانتقاد إسرائيل، بما في ذلك عضو مجلس النواب من أصل فلسطيني رشيدة طليب, والتي نددت في مايو المنصرم “بالعنصرية” الإسرائيلية و “سياسات الفصل العنصري” التي تنتهجها الدولة العبرية.

تعزز هذه التطورات فكرة أن الرياض ستجد صعوبة في الاعتماد على التقارب مع تل أبيب لتعزيز قضيتها في الولايات المتحدة، في ضوء العار العام الذي تتعرض له إسرائيل اليوم.

ومن دون أن تكون الأحداث الأخيرة وراء التغيير الذي طرأ على التصور السعودي,  فإنها تؤكد اتجاه, اتخذت الرياض مؤخرا قرارا بإغلاق مجالها الجوي أمام الطيران المدني الإسرائيلي.

غير أن فتح المجال الجوي السعودي أمام شركات الطيران الإسرائيلية اعتبر بمثابة  إشارة قوية إلى تطلعات البلد إلى الانضمام إلى معسكر التطبيع مع تل أبيب, في حين أن التغيير الأخير لرئيس الوزراء في إسرائيل لا يغير من ذلك.

ومن المؤكد أن رئيس الحكومة الجديد، نافتالي بينيت, القادم من صفوف اليمين المتشدد، يؤيد التطبيع مع المملكة العربية السعودية؛ ولكن توجهاته العدائية بصورة جذرية تجاه الفلسطينيين تجعل من غير المحتمل جدا التقارب مع الرياض.

تحاول الرياض الآن التغلب على علاقتها الخارجية مع طهران, وفي المقابل, فإن إيران التي يحكمها الرئيس المحافظ الجديد، إبراهيم رئيسي، لديها مصلحة في الخروج من عزلتها السياسية الدبلوماسية من خلال السعي إلى إجراء حوار مثمر مع الولايات المتحدة والعمل من أجل التطبيع مع دول الجوار.

بيد أنه من الوهم أن نتوقع أكثر من “تهدئة” لا مفر منها بسبب الطابع غير المؤكد للسياسة الأميركية، وعيوب العمل الإقليمي السعودي، واختفاء الظروف المواتية لتحقيق “صفقة القرن” التي روج لها دونالد ترامب دون جدوى، حيث كان يهدف إلى تسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني, لبناء تحالف واسع النطاق بين إسرائيل والبلدان العربية ضد إيران.

*     المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع