بعد حرب الأحياء في عدن.. هل بدأ الانتقالي الجنوبي في اليمن يتفكك.. وما دور السعودية في ذلك
السياسية – رصد:
طالب الحسني
كان لافتا لدرجة معينة أن مجموعات من الانتقالي المحسوب على الإمارات في المحافظات الجنوبية بدأت من وقت مبكر تتقاسم الأحياء في عدن لكنه كان حالة شبه طبيعية نتيجة لصراع ومنافسة داخل هذه المجموعات للسطو واحتجاز الأراضي والبنايات والعقارات التابعة للدولة أو رؤوس الاموال الذين هاجروا منذ 2015 خاصة انهم اعتبروها نوع من ”الفيد“.
الاقتتال داخل المدينة والذي تصاعد حتى بعد إجبار الاصلاح (اخوان اليمن) على مغادرة المدينة في العام 2019 لم يكن له تفسير سوى ان الصراع داخل الانتقالي قد بدأ، ولاحقا اتضح بشكل أكبر، وآخر تجلياته حرب الاحياء التي حصلت قبل عدة أيام بين القيادي في الانتقالي والحزام (جناح عسكري أمني يتبع الانتقالي وأسسته الإمارات منذ العام 2016) وبين القيادي في الانتقالي أيضا نبيل المشوشي، تطور الصراع ليصبح بين أهم الاحياء في المدينة، التواهي والشيخ عثمان.
والسؤال الذي طرح وسط الاقتتال، هل كان هذا متوقعا؟
لدينا نحن نعم، والسبب بسيط جدا، ويعود إلى مرحلة التأسيس، والتجنيد لهذه المجموعات المسلحة التي جندها التحالف، وجندها ليس فقط على اساس انها تقاتل من اجل الحراك الجنوبي او القضية الجنوبية المختطفة ولكن حتى على أساس مناطقي وجهوي والآن على أساس الأحياء، وبالضرورة سيُكون هذا النمط من التجنيد هذا النوع من التكتلات المناطقية إلى حد الاحياء مقابل الاحياء، والحارات مقابل الحارات والشوارع مقابل الشوارع.
في ظل غياب الدولة وإحلال الشوارعية بدلا عنها، ليس من الغريب ان ينمو هذا الانحراف ـ لأن وجود السلطات بالعادة كيفما كانت هو يمنع هذه الظواهر، التي تتكون عندما تغيب، وفي اي سياق سيجد اي باحث ومتابع للأحداث في المحافظات الجنوبية ومن اي زاوية وقف هذه النتيجة وهي واحدة من الادلة على ان وجود التحالف كان مضرا وكارثيا في الماضي وفي الحاضر ومستقبلا، والذي ليس غريب ايضا ان التحالف بشقيه السعودي والإماراتي ساهم في بناء شخصيات وقيادات انتشلها بدافع الحاجة لاشراكها في الحرب من رصيف البطالة ليمنحهم فجأة ودفعة واحدة وخلال عام واحد فقط العديد من الامتيازات حتى يبقيهم على رأس جماعات مسلحة يستفيد منها في الحروب التي كان يفتحها باتجاهات مختلفة وآخرها نحو الساحل الغربي اليمني، وعندما منحوا ألقاب ومناصب وأموال وبعضهم بقرارات اصدرها عبدربه منصور هادي او الانتقالي كقيادات على رأس ألوية مكنهم من الاموال وبالتي كونوا حولهم مجاميع مسلحة مكنهم من الأموال التي كانت تأتي من التحالف كحوافز ورواتب، لكن مع فشل الحرب وسحب هذه الاموال تدريجيا، لم يجدوا الاموال الكافية توجهوا نحو نهب الممتلكات العامة والخاصة وتزعموا الحارات، وانكشف القناع امام أبناء عدن والمحافظات الجنوبية انهم تجاه واحدة من المسرحيات ـ او جزء من المسرحية الكبرى التي اسمها تحرير عدن، والحقيقة ليس غريب ابدا ـ عندما تسقط المدنية في اللادولة سينتج منها هذا النموذج الصارخ والمضر بالمواطنين والأمن والحياة بصورة عامة.
ما يتكون من صورة للمواطنين اليوم يدفعهم الان لإدراك هذا البعد الجوهري، لان هذه مقدمات لما هو اخطر، ففي حين روج التحالف ومكن اشخاص من هذا النوع باعتبارهم حراس لعدن، ترك المدن والمحافظات الجنوبية للفراغ وللاقتتال الداخلي وللمخلين بالأمن والسلم الاجتماعي الذين أظهرهم التحالف السعودي الاماراتي المدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية في سنوات سابقة باعتبارهم قيادات أمنية وعسكرية هم أنفسهم الذين اغرقوا أحياء الشيخ عثمان والتواهي في حرب طويلة ولا تزال تجر نفسها إلى حروب متعددة في أحياء متعددة، وهو نموذج لزعماء عصابات على هذا الطراز، ولكي نكون دقيقين أكثر، ليس التحالف السعودي والاماراتي والامريكي هو وحده المسؤول، بل ايضا كل من دفع وحشد للتجنيد خاصة أن الامور لا تذهب إلى تسويات قريبة، بل هي تذهب إلى حروب طويلة بما فيها من مخاطر وتداعيات وانتهاكات وسجون وإخفاءات سرية وهذا ما يجري بالضبط.
من الدلائل والأبعاد الواضحة جدا في هذا الاطار ان هناك تفكك في الانتقالي، وهذا ايضا قلناه سابقا، فصراع القيادات في الانتقالي هو صراع حتمي، لان ما يجمعهم وما جمعهم في السابق هي مصالح وأموال ومناصب، وعندما يتحكم بها احد ويبعدها عن الاخرين مثلما يجري حاليا في كثير من الحالات ومن بينها قيام عيدروس الزبيدي باقالة قيادات في هذا التيار وهو ما يتحور ويصير إلى صراع داخلي يتنامى.
وبالعودة إلى عملية التركيب سنجد أن الذي جمع القاعدي محسن الوالي مع شلال والزبيدي وابن بريك كقيادات قدمها التحالف على أنها بديل للدولة، هي نقاط معنية بيها النفوذ والمناصب والمستقبل والأموال والطموحات، وما يفرقهم الآن هي نفسها النقاط التي جمعتهم ولكن عملية التركيب قد تحصل سريعا ودون ان يشعر المجتمع بخلاف عملية التفكيك التي تجر معها صراع وحروب وخلافات وقتال، وهم في هذه الحالة لا يتقاتلون كأفراد بل كمجوعات مسلحة والان كأحياء وحارات وشوارع وهذه هي طبيعة العصابات، وهي انعكاس لما يمكن أن يسمى الدولة الفاشلة، فضلا عن ما يحصل ليس دولة فاشلة ولكن فشل التحالف في تركيب ما كان يريد ان تصبح دولة، والدولة لا يتم تركيبها من عصابات على الإطلاق ولهذا جزء رئيسي من مشروع العاصمة صنعاء والمجلس السياسي الأعلى هو إعادة الدولة إلى هذه المناطق وتخليصها من العصابات، خاصة أن لدى صنعاء فريق كبير من القيادات والشخصيات السياسية والعسكرية والحقوقية والمدنية من المحافظات الجنوبية.
على ضوء هذه المستجدات التي تجري في عدن يمكن لاي بسيط ان يدرك إلى أين يذهب الانتقالي الاماراتي ويتنبأ بمستقبله، واذا كان لبعض القيادات السياسية التي أيدت التحالف وقاتلت معه قبل ان تغادر هذا المربع من حسنة بسيطة، فهي انهم اعترفوا في وقت من الاوقات ان مشروع الانتقالي يسير إلى حتمية السقوط وان مستقبل دعوات الانفصال وفك الارتباط عن الشمال هو الحرب والحرب والحرب فقط، ولا حظوا ان واحد من سمات غياب المشروع هو تعدد القيادات وتعدد الولاءات وتعدد الخيانات، وغياب المرجعية القانونية والسيادية، وبالتالي خدعة كبيرة ان يقال مثلا ان الانتقالي هو مشروع للانفصال، لا، بل هو مشروع للاقتتال الداخلي وتكرار ما حصل عقب طرد المحتل البريطاني عام 1964 عندما غاب مشروع بناء الدولة ودخلت القيادات سواء في جبهة التحرير او في منظمة الحزب الاشتراكي في عملية تناحر وتصفيات بينية وداخلية سقط خلالها رؤساء بينهم سالمين وعبد الفتاح اسماعيل وأدت إلى منع قيام دولة الثورة والقانون والنهضة، ولهذا كان من الأخطاء الفادحة والقاتلة.
بالعودة إلى تفكك الانتقالي المحسوب على الامارات، فإن البعض يطرح سؤال جوهري، وهو ان كان هناك دور للسعودية في تفكيك الانتقالي بعد ان ركبته وجندته بالشراكة مع الإمارات؟
والجواب، إن لم يكن هناك دور فهناك استفادة كبيرة خاصة ان السعودية تريد ان تضع الإمارات أمام ضرورة تنفيذ اتفاق الرياض بعد أن اتضح بشكل قطعي أن أبوظبي تتهرب من التنفيذ وتبني خططها على ان يبقى الانتقالي هو الطرف الاقوى في المعادلة العرجاء.
السعودية لا تزال تريد أن تنفذ حلول معينة لهذه الورطة عن طريق استكمال تنفيذ اتفاق الرياض المتعثر، وهذا الاتفاق ليس حلا جذريا ولكن على الأقل هو حل مؤقت لإخراج السعودية من الحرج أمام المجتمع الدولي الذي يتابع ما يجري في عدن من انهيار شامل بينما تدعي السعودية أنها تسيطر على الوضع هناك، ومن مصلحة السعودية الآن أن يكون هناك استقرار مرحلي، على أن تحل خلافات كبيرة مع الإمارات، وبالتالي من مصلحة السعودية أن تنظر إلى الانتقالي وهو يتقاتل ويتفكك، ذلك أنه يضع شريكتها المتمردة الإمارات في زاوية ضيقة على أن تسمح السعودية بعودة تيار هادي وبعض المغادرين من سفينة الانتقالي وليس الإخوان المسلمين.
وماهو متوقع في هذا الصدد ان نشهد مزيد من الانشقاقات والتصدع في الانتقالي وبالتالي المزيد من الانقسامات والضعف، ذلك أن أي طرف قادر ان يلعب هذا الدور، سواء كان محلي او اقليمي، تستطيع السعودية شراء مزيد من الولاءات، والانتقالي أيضا يدرك هذا، ولا يستطيع في المقابل أن يمنعه، فهو ليس دولة حتى يسيطر على عملية التواصل، بإمكان السعودية الاتصال بأي من القيادات سواء كانت في تيار الزبيدي وشلال والخبجي وابن بريك، او تيار الوالي والقيادات المتذمرة مؤخرا.
مساحيق التجميل التي كانت تضعها السعودية والإمارات على وجوه قيادات الانتقالي ليظهروا وكأنهم هم المشروع المهم، انتهت، وبدا الانتقالي الآن خاليا تماما من التلميع، حتى إعلاميا، كانت عمليا الرياض بإعلامها يصورهم على أنهم مقاومة وطنية وشعبية حتى يحشد لصفهم المزيد من الاتباع والمقاتلين، الآن يعد هذا ممكن لأن المساحيق بطبيعتها هي طبقة زائفة ومؤقتة ولا بد أن تذهب بسرعة وتحولت إلى قتال داخلي يتوسع باستمرار.
كاتب وصحفي يمني
المصدر : رأي اليوم