أهداف العدوان في احتلال المناطق الإستراتيجية.. باب المندب نموذجاً..!
السياسية: نجيب هبة
كانت الأطماع الجيوسياسية والاقتصادية والعسكرية للعدوان السعوإماراتي على اليمن واضحة منذ البداية ، وكانت الأهداف غير المعلنة تتكشف تباعاً…
فبدلاً من مزاعم إعادة ما وصف ب “الشرعية” توجهت السعودية لاحتلال محافظة المهرة البعيدة عن الصراع ، وبدلاً من ادعاءات مساعدة اليمن توجهت الإمارات لاحتلال الموانئ على البحر الأحمر وخليج عدن ، وبدلاً مما وصف زوراً ب”إعادة الإعمار” توجه قادة نظام أبو ظبي للسيطرة على الجزر اليمنية وأهمها جزيرة سقطرى في بحر العرب وميون في باب المندب!
سارع قادة العدوان السعوإماراتي إلى تقاسم “الكعكة” التي اعتقدوا بل وأجازوا لأنفسهم اعتبارها مكافأة نظير تدخلهم وعدوانهم على اليمن ، ولكنهم تناسوا ان شعب “مقبرة الغزاة” لن يسمح لهم بأن يعكسوا أضغاث أحلامهم على أرض الواقع وينعموا بها..
وقد تعددت الأطماع الخارجية في اليمن بتعدد المناطق الحيوية فيه، سواء كانت هذه المناطق ذات أهمية جيوسياسية أو عسكرية أو اقتصادية.
وتصاعدت موجة واسعة من الانتقادات منذ الكشف عن أنشطة عسكرية إماراتية جديدة في جزيرة ميون اليمنية الواقعة في منطقة استراتيجية عند مضيق باب المندب البحري الدولي.
وتعد جزيرة ميون إحدى أهم نقاط التفتيش البحرية المهمة للعديد من شحنات الطاقة والبضائع التجارية في العالم.
ومضيق باب المندب ، كان ولايزال شاهداً على العديد من النزاعات والصراعات والحروب الطاحنة، أبرزها إغلاقه بوجه ناقلات النفط الإيرانية – كانت تابعة لنظام الشاه – المتجهة لدعم إسرائيل في حرب أكتوبر 1973.
ويقع المضيق بين اليمن وجيبوتي، ويفصل بين قارتي آسيا وأفريقيا، ويتوسط القارات الخمس، وما يميزه أنه يصل البحر الأحمر بخليج عدن وبحر العرب والمحيط الهندي من جهة، والبحر الأبيض المتوسط من الجهة الأخرى، عدا عن عرضه البالغ نحو 30 كم، وتقسمه جزيرة ميون (بريم) اليمنية إلى قناتين، الشرقية البالغ عرضها 3 كم وعمقها 30 مترا، والغربية بعرض نحو 25 كم وعمق 310 أمتار.
المرتزقة وثمن جزيرة ميون
وفي هذا السياق, قال علي الذهب ، الباحث في الشؤون العسكرية والاستراتيجية، في حديث لوكالة الأناضول التركية أن “بناء القاعدة العسكرية في ميون يندرج في إطار تقاسم مكاسب الحرب في اليمن”.
ورأى أن من وصفها ب”السلطة الشرعية” قبضت الثمن، فلا يمكن لأي طرف دولي أو إقليمي التدخل في قضية ما دون أن يكون هناك مقابل”.. مشيراً إلى أن “ما يجري في ميون جزء من التنازلات التي تقدمها “الحكومة” – في إشارة إلى حكومة المرتزقة – للحصول على مكاسب سياسية لتعزيز موقفها مع الحوثيين”.
وأضاف الذهب أن “السعودية دفعت الكثير في الحرب اليمنية وكذلك الإمارات، وهذا يعني بكل بساطة أن يكون هناك مقابل لهذا الدفع، وهذا المقابل سيكون خادما استراتيجيا للأجندة التوسعية لدول التحالف، وعلى وجه الخصوص السعودية والإمارات”.
ومضى قائلا: “وجود الإمارات في القاعدة العسكرية (في ميون) مكمل لوجودها في القرن الإفريقي (دول شرقي القارة)..
وبالتالي فإن مشيخة الشر الإماراتية ونظام آل سعود ليسا ، في سياساتهما الإجرامية بحقنا ، أكثر من وكيلان إقليميان لتقويض سيادة اليمن وكسب النفوذ الاستراتيجي غير القانوني عبر إيجاد قدم لهما في أراضي وجزر وموانئ اليمن.
وشكلت السياسة الإماراتية في بلادنا خطراً داهماً من حيث أثرها على وحدة الأرض اليمنية واستقلالها وسيادتها، وذلك لمراهنة أبوظبي على إسناد القوى الكبرى التي تتقاطع مصالحها في اليمن، وكذلك اتكائها على مظلّة تدخلها العسكري، ووصايتها على وكلائها المحليين، بوصفه إطارا قانونيا غير شرعي يهدف لفرض مشروعها في اليمن.
ولم تكن سياسة عزل المناطق اليمنية عن بعض، وإقامة قواعد عسكرية في الجزر والمدن الحدودية سوى الفصل الأخير من مشروع التهام اليمن، بدءًا بجزيرة سقطرى مروراً بمدينة المهرة إلى جزيرة ميون على مضيق باب المندب.
كحال السعودية ارتبطت الاستراتيجية الإماراتية في بلادنا منذ الشهور الأولى لتدخلها في إطار العدوان بإيجاد موطئ قدم لها في الجزر والموانئ اليمنية، إذ سعت في البداية إلى السيطرة العسكرية المباشرة على هذه المواقع الحيوية ولاحقاً تسليمه لوكلاء لها ليسوا أكثر من ميليشيات مرتزقة ومستحدثة..
لم يتوقع اليمنيون أن يأتي يوم يرون فيه دويلة صغيرة بحجم الإمارات تأتي إلى اليمن بأجندة استعمارية هي غير مؤهلة لها بالأساس لكن هذه الجرأة الإماراتية مرتبطةٌ كلياً بالمشروع الصهيوأمريكي في المنطقة..
وبالتأكيد فإن أكثر ما سهل لهؤلاء الغزاة تنفيذ اجنداتهم الاستعمارية في بلادنا هو تواطؤ الخونة من المرتزقة سواء الميليشيات الانفصالية التابعة لهم مباشرة أو اولئك المرتزقة الذين يفرطون في جنوب الوطن والبلاد كلها باسم الشرعية الزائفة.
ويعتمد الدور العسكري للإمارات على المرتزقة والشركات الأمنية الأجنبية والمليشيات المحلية الموالية لها ذاك انها لا تملك جيش قادراً على فرض حضوره وسيطرته وقوته..
فهل ستجرؤ دويلة الإمارات على التواجد العسكري في اليمن والتعدي على السيادة اليمنية بعد انتهاء العدوان وعودة اليمن إلى وضعه الطبيعي؟ وأي مستقبل تزرعه الإمارات اليوم لعلاقتها مع اليمن في مرحلة ما بعد انتهاء العدوان؟
لعنة الجغرافيا
في السياق، اعتبر تقرير نشره “مركز كارنيغي للشرق الأوسط” أن “الموقع الجغرافي المهم يعد واحداً من أسباب عدم استقرار اليمن وتوالي الأزمات والصراعات فيه، سيّما تلك التي تحدث نتيجة الأطماع الخارجية”.
ومثل هذا الطرح هو ما أكده الخبير في الشؤون السياسية والعسكرية روبرت كابلان، في كتابه “انتقام الجغرافيا” عند وصفه لليمن بـالقلب البالغ الأهمية، عازياً عدم استقراره إلى أهمية موقعه وطبيعة تضاريسه. وهو واقع تؤكده الأوضاع المأساوية القائمة في اليمن حاليا.
وأضاف تقرير كارنيغي أنه رغم “إعلان أبوظبي رسميا انسحاب قواتها من اليمن في فبراير 2020، لكنها في الحقيقة لا تزال تتواجد بصورة مباشرة وغير مباشرة في العديد من المناطق الحيوية، وعبر المليشيات التي انشأتها في هذه المناطق الحيوية”..
وأشار التقرير إلى أن “هذه الكيانات المليشياوية المدعومة إماراتيا هي من يسيطر فعلياً على جنوب غربي اليمن، كما تحظى بتأييد واضح من قوى دولية فاعلة تستفيد من هذا الوضع الرخو …
حضور العدو الاسرائيلي
وأضاف كارنيغي أنه “فضلاً عن الحضور الغربي، فإن سيطرة الإمارات تعني حضوراً أو تواجداً إسرائيلياً في هذا المضيق، وإن بصورة غير مباشرة، خاصة بعد تطبيع الإمارات علاقاتها مع العدو الاسرائيلي وسعيها الحثيث للتقارب بل والتوأمة معه.. ويأتي ذلك في إطار هدف العدو الإسرائيلي لإقامة مايصفها ب”اسرائيل الكبرى” .. كما أن باب المندب يعني لإسرائيل ما يعني لمصر من أهمية سيّما إذا ما نُفذ مشروع قناة بن غوريون الذي يروج له العدو بديلاً لقناة السويس” المصرية.
واعتبر التقرير أن “هذا التنافس الإقليمي على باب المندب وامتداده الساحلي، يؤثر على مسار الحرب في اليمن”.. مضيفاً أن “الدور الإماراتي في اليمن يستمر برضى واشنطن، ومما يدل على ذلك ما جاء على لسان سفير الإمارات في واشنطن يوسف العتيبة، نهاية العام الماضي، عندما قال “نحن لسنا موالين لأميركا فحسب، بل ننتمي للمحور الذي تقوده، وحضورها في منطقتنا يوفر الاستقرار والأمن”.