بقلم: كوسا كامارا*

(موقع ” بوختاي انتيلجونس افغيك- portail-intelligence-afrique” الفرنسي- ترجمة: أسماء بجاش, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)

يعرف مضيق باب المندب ثاني أكثر المنافذ تردداً في العالم في اللغة العربية ايضاً باسم “باب الدموع” وذلك في إشارة إلى الكم الهائل من المخاطر التي تخيم على طريق الملاحة الممتدة على طول هذا المضيق.

يشكل هذا المضيق جزءاً من حلقة الوصل بين البحر الأبيض المتوسط وجنوب شرق آسيا, ونتيجة لذلك, يمكن تفسير ماهية الميزة الاستراتيجية لموقع مضيق باب المندب بوصفه رابع أكبر ممر بحري في العالم.

المدمرة الأمريكية “يو أس أس كول- U.S.S. Cole” ضحية هجوم تبنته القاعدة:

وفي الوقت نفسه الذي كانت تواجه فيه روسيا “نكسة” إقامة قاعدتها العسكرية في جيبوتي، اقترحت في يونيو 2018, بناء قاعدة بحرية صغيرة ومحطة جوية في مدينة زيلا، في ما يسمى جمهورية أرض الصومال المعلنة ذاتيا، في مقابل الاعتراف الدولي بها.

وبعد ذلك بعامين، أي في نوفمبر 2020, ذكرت وكالة الأنباء الروسية “تاس” الموافقة على مشروع اتفاق بشأن بناء قاعدة عسكرية روسية في السودان، جنوب شرق جيبوتي والمطلة على البحر الأحمر.

من المقرر أن تستضيف هذه القاعدة ما يقرب من 300 من الأفراد العسكريين والمدنيين، بالإضافة إلى أربع سفن حربية، بما في ذلك أجهزة تعمل بالطاقة النووية.

ويشكل بناء هذه القاعدة جزءا من نهج الرادع وتعزيز التواجد الروسي في أفريقيا, كما يكمن الهدف منها, حماية المصالح الروسية في المنطقة, نظراً لكون روسيا هي من أكبر المنتجين الرئيسيين للنفط والغاز.

وسوف يكون وجود هذه القواعد العسكرية التي تستخدم رسميا لرصد ومراقبة حركة الملاحة في منطقة المضيق ضد أعمال التخريب، مبررا تماما.

ففي 12 أكتوبر من العام 2000, تعرضت المدمرة الأمريكية “يو أس أس كول” لهجوم, عندما كانت راسية في ساحل مدينة عدن, مما أدى إلى مقتل 17 من أفراد طاقمها وجرح  39 آخرين وقد أعلن تنظيم القاعدة في ما بعد مسؤوليته عن الحادث.

وفي العام 2002, تعرضت ناقلة النفط الفرنسية ليمبورغ بدورها في المضيق لهجوم  باستخدام قارباَ معبأ بالمتفجرات, كان من تخطيط تنظيم القاعدة ايضاً.

أما بالنسبة للصين التي تستثمر بشكلٍ كبيرا جداً في المنطقة, حيث تولي أهمية رئيسية بالنسبة لاستيراد المعادن والنفط، فإن إقامة قاعدتها العسكرية سوف تفسر جزئيا بمراقبة سفنها وحماية رعاياها و”تعزيز السلام والاستقرار الإقليميين”, وعلى غرار القواعد العسكرية الأخرى، يبدو أن إقامة الصين لها ما يبررها أيضاً.

ومع ذلك، لا تزال هناك مسائل جوهرية، نظراً إلى الطموحات العسكرية للمملكة الوسطى- جمهورية الصين- لاسيما نفوذها الاقتصادي المتنامي في جيبوتي وفي جميع أنحاء المنطقة, تم توقيع مذكرة تفاهم مع الشركة الصينيةPOLY-GCL” “Buildings Ltd لاستثمار 4 مليار دولار في مشروع للغاز الطبيعي، حيث يتضمن هذا المشروع: خط أنابيب الغاز، ومنشأة تسييل ومحطة تصدير تقع في داميرجوغ بالقرب من الحدود مع الصومال, في محاولة الصين لاحتكار العمل مع هذه الدول لتعزيز اقتصادها, التعامل مع المناطق الأكثر استقرارا في الصومال، مع حصول عملاق النفط الصيني”CNOOC”  على امتياز التنقيب عن النفط  ومناورات عسكرية غير مسبوقة في جيبوتي في العام 2017(.

 

لا شك أن باب المندب هو مضيق التواطؤ المريب والمشكوك فيه, ففي العام 2016, تم تسجيل مرور 4.8 مليون برميل من النفط الخام من هذا المنفذ بصورة يومية، وهو ما يمثل أكثر من 34% من التدفقات العالمية من الذهب الأسود.

هذا في الواقع شريان رئيسي في الاقتصاد العالمي وفي حين أن المنافسات الجيوستراتيجية واضحة، فإن بعض التفاصيل تجذب الانتباه.

الأسباب الكامنة وراء إقامة هذه القواعد العسكرية ليس خفياً:

في الوقت الذي يقرر فيه إنشاء قاعدة عسكرية في جيبوتي والمنطقة، منذ إنشاء القاعدة العسكرية الأمريكية (راجع ملف القواعد العسكرية الصينية والروسية والتركية في الصومال والإماراتية في إريتريا وصوماليلاند – في بربرة للعمليات الجوية البحرية – على طول مضيق باب المندب) جميعها تستخدم نفس السرد: “الحفاظ على السلام والاستقرار الإقليميين” ولكن ليس أبداً “حماية المصالح الاقتصادية والسياسية”.

وبما أن الخطاب الرسمي متشابه، لا يزال هناك سؤال واحد, إذا كانت المسألة تتعلق بحفظ السلام بل ومحاربة القرصنة البحرية، فهل سيكون من المبرر لها حقا إقامة قاعدة عسكرية بكل ما تولده هذه المغامرة من تكاليف مالية وتقنية وتكنولوجية؟

لماذا, إذا وفقاً لروايات بعضنا البعض، لا ينبغي لنا أن نجهز جيوش المنطقة ونعمل على تشكيلها وتدريبها مع تعزيز المعونة العسكرية؟

ألن يكون هذا النهج كافيا لمكافحة ملف القرصنة البحرية؟ من أجل صون السلام في المنطقة.

وفي المقابل, أليس هذا صراعا بين القوى المتناحرة التي من شأنها أن تسلح كل مؤيديها على علم بأن الأسلحة مستوردة وغير مصنعة محلياَ؟

ألا يبدو أن الحوار السياسي الصريح هو أحد مفاتيح خلق بيئة مواتية للاستقرار الدائم؟

كما أن الماهية الحقيقية وراء إنشاء هذه القواعد العسكرية معروفة للعيان, فهي ليست في الخطابات الرسمية، بل في أماكن أخرى.

* كوسا كامارا: متخصص في الاستخبارات الاستراتيجية والقوة الناعمة وإدارة الأزمات, مهتماً بالتأثير والاجتهاد الواجب والحرب الاقتصادية, عمل بالقطعة في وكالة اتصالات عامة قبل أن ينضم إلى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الغينية في العام 2017, كمساعد مسؤول الاتصالات والعلاقات العامة.

ترأس القطب الشبابي لمنطقة غرب إفريقيا في “معهد الدراسات العليا للدفاع الوطني- IHEDN”, عضو في “معهد الدبلوماسية المفتوحة- Open Diplomacy.

حاصل على إجازة مهنية في الاتصالات التجارية من المعهد العالي للمعلومات والاتصالات في كونتيا, غينيا, وعلى إجازة في اتصالات المعلومات من جامعة باريس نانتير وماجستير في استراتيجية الاستخبارات وتحليل المخاطر والأراضي من جامعة جوستاف إيفل.

*    المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع