بقلم: ميرلين شاربي

(موقع “نيوز 24- “news-24 الفرنسي- ترجمة: أسماء بجاش, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)

لا تزال أشجار دم الأخوين – أو ما تعرف أيضا باسم دم التنين- منذ قرون تصطف  على القمم جزيرة الوعرة في سقطرى في اليمن.

تعتبر هذه الشجرة رمز رئيسي بارز للتنوع البيولوجي غير العادي في أرخبيل المحيط الهندي، ولكنها تشكل أيضاً تحذيراً قاتماً من الأزمة البيئية.

تم تدمير غابات هذه الأشجار القديمة بفعل ارتفاع وتيرة العواصف بشكل كبير، بينما يتم ابتلاع الأشجار البديلة بفعل انتشار قطعان الماعز، مما يترك البؤرة البيولوجية الهشة عرضة للتصحر.

يقول عدنان أحمد، وهو مدرس لمادة الرياضيات ومرشد سياحي, شغوف بالحياة النباتية والحيوانية الشهيرة في جزيرة سقطرى: ” ” الأشجار توفر المياه، لذلك فهي في غاية الأهمية, فبدون الأشجار، سنكون في مأزق”.

تقع جزيرة سقطرى في بحر فيروزي بين منطقة شبه الجزيرة العربية والقارة الأفريقية على بعد 350 كيلومترا (215 ميلاً) جنوب الساحل اليمني.

تعتبر هذه الجزيرة موطن لأكثر من 50 ألف شخص, كما ظلت بمنأى بصورة نسبية عن إراقة الدماء في ظل الحرب الأهلية المستعرة في البر الرئيسي لليمن.

في العام 2008, وصفت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة “اليونسكو” الجزيرة بأنها واحدة من “أغنى وأميز التنوع البيولوجي في العالم” بعد تسميتها موقعا للتراث العالمي, كما تم تسميتها أيضا باسم غالاباغوس المحيط الهندي.

يقول أحمد, إن سكان الجزيرة, في العادة, لا يقطعون أشجار دم الأخوين من أجل الحطب، نظراً لكون الجزيرة دائمة هطول الأمطار ولأن صبغها الأحمر الدموي يستخدم في المداواة والعلاجات الطبية.

ولكن العلماء وسكان الأرخبيل يحذرون من أن الأشجار سوف تموت إلى حد كبير في غضون عقود قليلة، وذلك نتيجة لعملية ضغط الاحتباس الحراري المؤدي إلى الأعاصير والزوابع, فضلاً عن الأنواع الغازية – مصطلح يستخدم في علم الأحياء لتصنيف نبات أو حيوان أدخل إلى بيئة معينة وانتشر بشكل مفرط أو غير مرغوب-  والرعي الجائر.

قال أحمد “إن قطعان الماعز تأكل الشتلات، وبالتالي فإن الأشجار حديثة النمو لا تنمو فقط إلا على المنحدرات في أكثر الأماكن تعذرا للوصول إليها, كما أوضح أن الأشجار تستغرق ما يقرب من نصف قرن للتكاثر, لذا “إذا لم يتم فعل شيء، فإنه لن يكون هناك وقتا طويلا قبل أن يذهب كل شيء”.

“الوقت ينفذ”

وبحسب عالم الأحياء البلجيكي كاي فان دام من جامعة غنت ورئيس فريق أصدقاء دعم أرخبيل سقطرى, فإن الغابات المتقلصة هي كناري في المنجم للتحديات البيئية في جزيرة سقطرى, كما أن هذا لا يزال كنزاً من كنوز التنوع البيولوجي, ولكن قد ينفد منا الوقت لحماية أكثر أنواع الأيقونات شهرة وندرة في الأرخبيل, فكل شجرة تُفقد تقلل من الدورة الهيدرولوجية التي تعتمد عليها كل الحياة.

ومن جانبهم, يقول سكان الأرخبيل أن الأشجار تعرضت للضرب جراء العواصف الشرسة, وهو أكثر مما يتذكره أي شخص.

وفي ديكسام على الهضبة المرتفعة المحيطة بجبال هاغر ، تجري مثل العمود الفقري على طول الجزيرة وعلى مسافة تقدر بحوالي 130 كيلومترا (80 ميلا) وعلى ارتفاع 1500 متر (4,900 قدم) ، تنتشر الأشجار الميتة مثل كرة البولينج, كما تتأثر الأنواع المحلية الأخرى بشدة جراء العواصف والرعي الجائر، بما في ذلك الأنواع العشر توطنا من شجرة اللبان.

مزقت رياح القوة الهوائية ما يقرب من ثلث الأشجار في غابة هوميل خلال العقد الماضي, حيث قال فان دام, إن الغابة “ستنقرض في غضون عقود قليلة في حال عدم إعادة الزرع”.

كما وجدت إحدى الدراسات أن عدد أشجار اللبان في هذه المنطقة انخفض بنسبة 78 % بين عامي 1956 و 2017.

وأضاف فان دام “إن نظام المناعة في ارخبيل سقطرى أصبح الآن عرضة للخطر”، ولكنه أضاف قائلا “لا يزال هناك أمل”.

انتشرت الندوب الأرضية الناجمة عن فقدان الغطاء النباتي بشكل كبير في الآونة الأخيرة, وإذا استمر الاتجاه، قد تكون الأجيال القادمة قادرة على زيارة شجرة اللبان في ارخبيل سقطرى فقط في حديقة نباتية، مصحوبة بلافتة صغيرة مكتوب عليها “انقرضت في البرية”.

ويحذر الاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة (IUCN) من أن أرخبيل سقطرى تتعرض لتهديد كبير وأن تدهور الوضع سوف يتعجل بفعل تغير المناخ.

يشعر سكان الأرخبيل بالفعل بتأثير تغير المناخ, حيث قال عبد الله أحمد, من قرية صغيرة لصيد الأسماك بالقرب من شواب، وهي مجموعة من المنازل الحجرية المرجانية التي تمتاز بقوة صلابتها ومتانتها، إن سكان القرية البالغ عددهم 40 شخص مهددون سواء جراء أعالي البحار أو الانهيارات الأرضية, ولتجنب تلك التهديدات عملوا على بناء قرية جديدة على بعد 10 دقائق من البحر.

وقال الشاب البالغ من العمر 25 عاما “إن نوافذ منزلة تكسرت جراء العواصف الأخيرة التي اجتاحت  الجزيرة”، واصفا الحالة المرعبة التي عاشتها أسرته في الكهوف لأيام, كما كانت آخر رياح موسمية شهدتها الجزيرة أسوأ ما عاشها أي شخص آخر.

“لدينا فرصة”

ولكن مع الجهود المبذولة، من الممكن إبطاء التأثير الأسوأ, حيث يبذل بعض سكان الأرخبيل قصارى جهدهم لحماية جزيرتهم.

ينظر عدنان أحمد إلى الجدار الحجري الذي يضم حضانة دم الأخوين التي يديرها المجتمع المحلي، وهي منطقة مغلقه بحجم ملعب كرة قدم, حيث يوجد في الداخل العشرات من الشتلات التي يصل طولها إلى الركبة, تشبه في شكلها نباتات الأناناس، فهي بمثابة نتيجة دقيقة لما لا يقل عن 15 سنة من النمو, “إنها بداية فقط، لكن هذا الأمر يتطلب الكثير, فنحن نحتاج للدعم.

قالت الجدة سعدية عيسى سليمان البالغة من العمر 61 عاماً, والتي ولدت ونشأت على ضفاف بحيرة ديتوه, وهي أرض رطبة ذات أهمية عالمية بموجب اتفاقية رامسار بشأن الأراضي الرطبة, رأيت كيف تتغير البحيرة, الأشجار تم قطعها والبلاستيك في كل مكان، وشباك الصيد التي تجر المياه، بالرغم من كونها دار حضانة أساسية لصغار الأسماك.”

وقالت :”الجميع قال شخص آخر سوف يفعل شيئاً ما, لكني قلت, يكفي، سوف أفعل ذلك بنفسي وسوف يرى الناس ذلك الفرق”.

واليوم تعكف الجدة سعدية في مساعدة المجتمع المحلي على فرض حظر على صيد الأسماك وجمع الأموال لإنشاء سياج لحماية الأشجار وحل مشاكل جمع القمامة.

ومن جانبهم, قرر علماء البيئة أن الأرخبيل لن يصبح مجرد دراسة حالة أخرى عن الخسارة.

وختم فان دام حديثه “لدينا فرصة كبشر لعدم إهدار هذا الأمر، وإلا فإننا لم نتعلم شيئاً من أمثلة أخرى للانقراض الهائل في الجزر”.

“ارخبيل سقطرى هي الجزيرة الوحيدة في العالم التي لم يمت فيها أي نوع من أنواع الزواحف أو النباتات أو الطيور في عالمنا خلال السنوات 100 الماضية, لذا نحن بحاجة للتأكد من أنها  سوف تبقى على هذا النحو”.

*    المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع