هل تكون الصين خصماً أقوى لأمريكا مما كانت عليه اليابان في الحرب العالمية الثانية؟
السياسية:
ماذا سيحدث إذا نشبت حرب بين أمريكا والصين، هل تكون أصعب بالنسبة للأمريكيين من الحرب مع اليابان خلال الحرب العالمية الثانية، ولماذا قد تبدو القواعد الأمريكية التي تحيط الصين غير مفيدة في هذه الحرب.
تبدو هذه التساؤلات حتمية في وقت تتصاعد فيه مشاعر العداء الأمريكية للصين منذ انتقال قواعد الإنتاج الأمريكية إلى العملاق الآسيوي، وزاد عليها في الفترة الأخيرة تداعيات أزمة كورونا، والخطاب المُبالغ فيه في واشنطن عن تطلعات خبيثة مزعومة للصين. كل هذا وغيره يجعل أي مراقب للسياسة الأمريكية قد يتبادر إليه هذا الاستنتاج بسهولة: واشنطن على شفا التورط في حرب أخرى- هذه المرة مع الصين.
ففي نهاية الأمر، سبقَ أن أفضى مناخ مشابه من بروز جنون العظمة المتجذِّر والهوس بالتدخلات العسكرية إلى انجراف القوى العظمى في العالم إلى الحرب كما العُميان مثلما حدث خلال الحرب العالمية الأولى في عام 1914، حسبما ورد في تقرير لمجلة The American Conservative ، وموقع Responsible Statecraft الأمريكيين.
لماذا يتصاعد الحديث عن احتمالية وقوع حرب بين أمريكا والصين؟
ترجع أصول الإشكالية المتعلقة بافتراض حتمية الصراع إلى أن عديداً من السياسيين في واشنطن يعتاشون على مسلَّمة مفادها: “البعيد عن النظر، بعيد عن الانتباه”، ومن ثم فهم يسعون باستمرار إلى اجتذاب وسائل الإعلام إليهم بأي وسيلة.
وهكذا، فإن التصريحات العامة التي يُدلي بها الباحثون عن الدعاية لأنفسهم في واشنطن، سواء أكانوا في مناصب رسمية أم لم يكونوا، نادراً ما تكون مفيدة. وهؤلاء لا يكترثون أبداً بالاعتراف بأنه لا ينبغي لأحد أن يُشعل حرباً دون أن يرسم أولاً ملامح الحالة النهائية التي يرمي إلى الوصول إليها بهذه الحرب والفائدة السياسية التي يمكن أن تحققها حرب مع الصين، أو كيف ستُخاض هذه الحرب على طرفي المحيط الهادئ وكيف يُنتَصر فيها.
الحرب مع اليابان قد تقدم درساً قاسياً
إذا كان الغرض السياسي من حرب المحيط الهادئ الجديدة هو إجبار الصين على تغيير سلوكها خارجياً أو داخلياً- لجعلها عاجزة عن مقاومة المطالب السياسية الأمريكية-، فإن الراغب في ذلك عليه الانتباه أولاً إلى أن الصين ليست الإمبراطورية اليابانية في عام 1941. لقد كان الاقتصاد الياباني يبلغ حجمه عُشر الاقتصاد الأمريكي تقريباً، ومع ذلك فقد اقتضى الأمر أن تخوض القوات الأمريكية ثلاث سنوات مريرة من القتال لتعويض الهزيمة المخزية لأمريكا في “بيرل هاربور” وفي الفلبين. بالإضافة إلى ذلك، فإن اليابان عندما قررت مهاجمةَ القوات الأمريكية في بيرل هاربور، كانت قد دخلت بالفعل في حالة حرب مع عدد من الدول، منها الصين وبريطانيا العظمى وهولندا.
في غضون ذلك، فإن اشتعال حرب مع بكين الآن لن يجرَّها إلى حربٍ على جبهتين، إذ لن تخاطر موسكو ولا حليفتها الهند بخوضِ حرب مع الصين. بل إن واشنطن عليها أن تأخذ على محمل الجد خطرَ أن تضطر إلى محاربة الصين وروسيا، وهما قوتان عالميتان رئيسيتان، في وقت واحد، لأن واشنطن لا تنفك تبدي عداء نشطاً لكليهما.
علاوة على ذلك، يعادل حجم اقتصاد الصين حجمَ الاقتصاد الأمريكي تقريباً، وعلى خلاف الإمبراطورية اليابانية، تجنبت بكين عموماً التورط في أي صراع مسلح مع جيرانها على الرغم من بروزِ خلافات عديدة.
والصين محاطة بقوى قادرة وجغرافيا تجعل التوسع الإقليمي أمراً صعباً، ومن غير المحتمل أن تجتاح بكين آسيا مثلما فعلت برلين عبر أوروبا بين عامي 1939 و1945. المياه والجبال حول الصين تمثل حاجزاً أمامها.
كما أن روسيا والهند وباكستان وكوريا الشمالية قوى نووية. يمكن لفيتنام والدول المجاورة الأخرى شن مقاومة ذات طبيعة قومية كبيرة.
اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان دول ثرية، وكل منها تنفق حالياً أقل من 3% من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع. يمكن لكل منها زيادة الإنفاق العسكري إذا لزم الأمر. كل هذا يحد من أن تصبح الصين قوة مهيمنة يمكن أن تهدد بعد ذلك نصف الكرة الغربي بشكل موثوق.
يبدو أن الولايات المتحدة غير قادرة على بناء تحالف مناهض للصين في آسيا
والواقع أن النجاح الهائل لسياسات الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة- التي خلقت اتفاقيات حرة بين الصين ودول آسيا والمحيط الهادي في أستراليا وبروناي وكمبوديا والصين وإندونيسيا واليابان ولاوس وماليزيا وميانمار ونيوزيلندا والفلبين وسنغافورة وكوريا الجنوبية وتايلاند وفيتنام- جعلت فكرة واشنطن عن بناء تحالف مناهض للصين فكرةً متعذرةَ التحقيق للغاية، إن لم تكن مستحيلة.
ويمكن لأي دبلوماسي أمريكي أن يكتشف بسهولة أن أياً من تلك الدول لا تريد حقاً الوقوع في وسط صراع بين الصين والولايات المتحدة.
ماذا سيحدث إذا وقعت حرب بين أمريكا والصين؟
يغيب عن هذه المناقشات عامل مهم آخر، والحديث هنا عن الهدف الاستراتيجي الأكبر من أي هجمات مكثفة للقوات البحرية والجوية الأمريكية على البر الرئيسي الصيني، في حالة اشتعال حربٍ بين الطرفين، ففي حين أنه الممكن تخيل إمكانية تدمير البنية التحتية الصينية عن طريق ضربات طويلة المدى، كما كان الحال في حملة كوسوفو الجوية وفي العراق وأخيراً في سوريا، فإن حجم وعمق الدفاعات الصينية يجعل أي خسائر تُلحقها هذه الهجمات بالصين أقل من أن تبلغ حدَّ تحقيق انتصار استراتيجي له تأثير مباشر يقضي باستسلام القيادة الصينية.
ولما كان من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، إخفاء التجمعات الكبيرة لقوات جوية وبحرية أمريكية بالقرب من سواحل الصين، في عصر الاستخبارات والاستطلاع والمراقبة الفضائية، فإن الاحتمالات عالية للغاية بأن تتكبد أساطيل البحرية الأمريكية والجرز التي تضم قواعد عسكرية أمريكية خسائر فادحة في تلك الحرب.
إذ يعتقد أنه في حال وقوع حرب بين أمريكا والصين فإن بكين سوف تهاجم حاملات الطائرات الأمريكية والقواعد الجوية في أوكيناوا، الجزيرة التابعة لليابان، المكدسة بالطائرات الأمريكية واليابانية. عبر إرسال وابل من الصواريخ، حسبما ورد في تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية.
في المقابل فإن الصين يمكنها استيعاب الضربات الأمريكية.
والواقع أن المسار الأرجح لحرب من هذا النوع هو سلسلة طويلة من الضربات الهجومية التي ستتقلص مكاسبها مع مرور الوقت، فالأساس اللوجستي الذي يتيح للولايات المتحدة الحفاظَ على وتيرة مستمرة من الضربات على الصين ضعيفٌ، إن لم يكن غير موجود من الأصل.
فضلاً على ذلك، فإن الصين قوة نووية، ما يعني أن لجوء الولايات المتحدة إلى الأسلحة النووية سيكون بمنزلة الانتحار الجماعي. فالأسلحة النووية مفيدة لردع أي هجمات نووية على الأراضي الأمريكية، لكنها بخلاف ذلك عقيمة عن أي فائدة عسكرية في هذا السياق. وأي مواجهة نووية أمريكية مع الصين، ستكون لها عواقب وخيمة على البشرية والمناخ.
لماذا تبدو الحرب مع الصين محتملة؟
على الرغم من كل هذه النقاط والموانع، ستبقى احتمالية نشوب حرب مع الصين قائمة، لماذا؟
بين عامي 1960 و1968، قرر الرئيسان الأمريكيان، جون ف. كينيدي وليندون جونسون، – وهما رجلان شهدا الحرب العالمية الثانية وعاشا نشوة الانتصار الأمريكي في المحيط الهادئ- الارتكان إلى فكرة مفادها أن الموارد الهائلة والقوة الضاربة للقوات المسلحة الأمريكية تجعل الفشل أو الهزيمة الأمريكية في فيتنام أمراً مستحيلاً. والآن، ليس من المتعذر عقلاً أن نفترض أن هناك مواقف مماثلة تسود في البيت الأبيض والبنتاغون الحالي.
على خلاف ذلك، كان الرئيس الأمريكي دوايت دي أيزنهاور، بتأثيرٍ من استيعابه لحجم الخسائر البشرية والمادية الفادحة في الحرب مع ألمانيا، يرى الحربَ من منظور مختلف، فقد أدرك جزع الناخبين الأمريكيين وعدم تسامحهم مع الخسائر الكبيرة الناجمة عن الحروب، وكان يعلم من تجربته الشخصية (في رئاسة أركان جيش الولايات المتحدة وتولي منصب الحاكم العسكري لمنطقة الاحتلال الأمريكية في ألمانيا) حدودَ الموارد الأمريكية.
أما التجربة الشخصية للرئيسين الأمريكيين، كينيدي وجونسون، خلال الحرب العالمية الثانية فكانت أعجز عن استيعاب الأمر. وعندما اضطر الرجلان إلى التفكير على مستوى استراتيجي خلال حرب فيتنام، التبس عليهما التمييز بين الأهمية الاستراتيجية الحقيقية وبين الاندفاع على أساس من محض الرغبات والأماني في تحقيق مصالح قومية أمريكية دون إدراك لبقية أبعاد الصورة الاستراتيجية لهذه القرارات.
فطنَ أيزنهاور للفرق، ولو كان حياً اليوم، لكان المحتمل أن يسأل: “لماذا تُلزم الولايات المتحدة نفسها بالتفكير في حرب مع الصين من أجل تايوان؟ وهل يهاجم الصينيون الولايات المتحدة من أجل كوبا؟!” وحينها سيكون أيزنهاور محقاً مرة أخرى في استنكاره لهذا النزوع إلى الحرب.
عربي بوست