نحو انفراج سعودي- إيراني
بقلم: هشام مراد
(صحيفة ” الأهرام ابدو- hebdo.ahram” المصرية, الناطقة باللغة الفرنسية- ترجمة: أسماء بجاش, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)
هل ستكون المملكة العربية السعودية وإيران على طريق الانفراج؟ حيث وقد عقد رئيس جهاز الاستخبارات السعودي خالد الحميدان، ونائب أمين مجلس الأمن القومي الأعلى في إيران سعيد إيرافاني، اجتماعاً في العاصمة العراقية بغداد في 9 أبريل لمناقشة سبل تخفيف التوتر بين بلديهما، اللتان سبق وأن قطعت علاقاتهما الدبلوماسية العام 2016.
ومن جانبه, أكد رئيس الوزراء العراقي برهم صالح, أن الرياض وطهران أجرتا محادثات “أكثر من مرة” وأن المحادثات لا تزال جارية.
ومن المعروف أن رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي قام بدور رئيسي في جلب البلدين إلى طاولة المفاوضات.
تشكل هذه التطورات، التي تؤكدها الرياض وطهران، تطورا هاما يمكن أن يؤدي، إذا ما نجح، إلى تحسين القضايا الأمنية وتغيير السياسة الجغرافية لمنطقتي الخليج والشرق الأوسط بمعناها الواسع.
صاحب عملية المفاوضات بين البلدين المتنافسين بتبادل غير عادي للمجاملات, ففي 12 مايو المنصرم، أكد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف أن المحادثات مع المملكة العربية السعودية يمكن أن تساعد على “زيادة التعاون” وإنهاء الحرب في اليمن.
وفي 27 أبريل الماضي، قال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أنه يريد حل الخلافات مع إيران وإقامة “علاقات جيدة وإيجابية” معها, بيد أن هذا يتناقض بشكلٍ صارخ مع التصريح التي أدلى به في العام 2018, عندما قارن المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي, بأدولف هتلر, كما وصف إيران بأنها جزء من “مثلث الشر”.
تسيطر الحرب في اليمن على المفاوضات الجارية بين السعودية وإيران، حيث يدعم كلا البلدين المعسكرين المتعارضين.
تعرضت الرياض لضغط دولي، خاصة منذ وصول الرئيس الأميركي جو بايدن إلى البيت الأبيض، لوضع حد لتدخلها العسكري في الحرب الأهلية التي دمرت جارتها الجنوبية، بسبب تدهور الوضع الإنساني الذي خيم على أجزاء شاسعة من اليمن.
ومن جانبها, طلبت الولايات المتحدة الأمريكية من الرياض وقف هجومها، حيث أعلنت في فبراير الماضي وقف دعمها العسكري للعمليات السعودية في اليمن.
وفي المقابل, فإن الرياض لديها سببها الخاص لرغبتها في الخروج من الصراع في اليمن, حيث منيت مشاركتها العسكرية التي بدأت منذ أواخر مارس من العام 2015 بالفشل الذريع في تحقيق أهدافها والمتمثلة في إخراج الحركة الحوثية المسلحة من العاصمة صنعاء التي تمكنت من بسط سيطرتها عليه أواخر سبتمبر من العام 2014, وإعادة تأسيس حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف بها من قبل المجتمع الدولي
وأكثر من ذلك، فقد أثرت ست سنوات من العمليات الهجومية العسكرية على الميزانية السعودية العامة, كما أدى انتشار جائحة الفيروس التاجي إلى تباطؤ اقتصادي حاد وانخفاض في الإيرادات الوطنية, ولهذا, تريد الرياض حلا مقبولا للصراع وخروجا مشرفا من اليمن.
إن استعداد إدارة بايدن للانسحاب من منطقة الشرق الأوسط من أجل التركيز على آسيا وأوروبا, بالإضافة إلى خطابها بشأن ضرورة تولي البلدان العربية في منطقة الخليج جزءاً أكبر من أمنها، حث الرياض على مراجعة سياستها في المنطقة والانفتاح على البلدان التي كانت في صراع معها مثل قطر وتركيا وسوريا وإيران.
واليوم, تنظر المملكة العربية السعودية وغيرها من ممالك الخليج في سبل المساهمة في تحقيق أمنها والانفراج مع إيران هو أحد تلك الخيارات.
ومن هذا المنطلق، ليس من المستغرب أن يقول دبلوماسيون أميركيون أن الرياض بدأت اتصالات سرية مع طهران في أواخر العام 2019, بعد هجوم صاروخي مدمر استهدف بنيتها الأساسية النفطية في سبتمبر.
في ذلك الوقت، رفض الرئيس دونالد ترامب الرد العسكري على الرغم من خطابه العدائي ضد إيران.
وفي مواجهة التقاعس الأمريكي، اختارت الرياض الاسترضاء وبدأت بالفعل محادثات على مستوى غير قياسي مع طهران.
كان هذا الاتصال أكثر أهمية منذ أن كثف الحوثيين في اليمن من هجمات الطائرات بدون طيار وبالصواريخ ضد البنية التحتية الحيوية في المملكة في الأشهر الأخيرة، وخاصة المنشآت النفطية لعملاق النفط السعودي شركة أرامكو في ينبع وجازان ورأس التنورة، فضلا عن القواعد العسكرية في الدمام ونجران وعسير ومطار أبها، من بين أهداف أخرى.
ومن جانبها، تأثرت إيران بشدة بالعقوبات الاقتصادية القاسية المفروضة على البلد منذ انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاقية النووية في مايو 2018, واليوم
تصر إدارة بايدن على امتثال إيران لشروط الاتفاق قبل أن توافق الولايات المتحدة على رفع العقوبات المفروضة عليها.
ولذلك تواجه إيران ضغوطا مزدوجة من الولايات المتحدة بشأن برنامجها النووي وكذلك الحرب في اليمن.
لذا, يمكن أن يؤدي استنفادها الاقتصادي إلى تقديم تنازلات تتيح أمامها الفرص للتعاون التجاري مع الممالك الخليجية، مما يحفز القطاعات الإيرانية خارج نطاق النفط والغاز, ففي الوقت الحالي، يأتي نحو 20% من صادرات إيران من صناعات أخرى غير الطاقة.
وعلى الرغم من هذه الحوافز من كلا الجانبين، فمن المعقول الاعتقاد بأن انفراجا محتملا بين المملكة العربية السعودية وإيران محدود النطاق يلوح في الأفق إلى حد كبير, لذا فإن الاختلافات الأساسية التي تفصل بينهما مسائل أيديولوجية.
وينظر البلدان إلى بعضهما البعض على أنه تهديد لأمنهما الوطني, وبالإضافة إلى حرب اليمن، تتناقض المصالح السعودية والإيرانية مع بعضها البعض في مناطق الصراع الأخرى, مثل سوريا والعراق ولبنان.
ولا ينبغي أن ينتهي التنافس على التفوق الإقليمي بين السلطتين في القريب العاجل، حيث سيكون من الصعب عليهما التغلب على الاختلافات التاريخية والتوفيق بين المصالح الطويلة الأجل.
إن رؤاهم المتعارضة لمنطقتي الخليج والشرق الأوسط ومصالحهم وأهدافهم البعيدة، سوف تبقيهم منفصلين من ناحية.
ومن ناحية أخرى، فإن استعدادها للتخفيف من حدة التوتر يمكن أن يؤدي إلى نزع فتيل التوتر في الأجلين القصير والمتوسط، مما سوف يساعد على إحلال السلام والاستقرار المؤقتين في المنطقة
* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع