السياسية:

القبة الحديدية قد لا تحمي إسرائيل في الحرب القادمة، إذ تظهر حرب غزة أن هناك حدوداً لقدرات هذا النظام الدفاعي الذي تتباهى به إسرائيل.

هكذا حذر سيث فرانتزمان، مؤلف كتاب “بعد داعش: أمريكا وإيران والصراع من أجل الشرق الأوسط”، الذي يغطي الشرق الأوسط لصحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية في مقال كتبه في مجلة Foreign Policy الأمريكية.

كم عدد الصواريخ التي أسقطتها القبة الحديدية؟

بالنسبة لإسرائيل، كان نظام القبة الحديدية للدفاع الجوي، الذي يستخدم الرادار والصواريخ لاعتراض الصواريخ والتهديدات الأخرى، الوسيلة الوحيدة لتقليل الخسائر العسكرية والمدنية.

 فلقد أبقى النظام المدنيين الإسرائيليين في مأمن نسبياً من 4340 صاروخاً يقول الجيش الإسرائيلي إنها أُطلِقَت من غزة. 

وينسب المسؤولون الإسرائيليون إلى القبة الحديدية دورها في إنقاذ حياة آلاف المدنيين. ويقولون إن إطلاق حماس الصاروخي في الأيام الأخيرة أسفر عن مقتل 12 شخصاً بينهم طفلان، وبدون القبة الحديدية، كان عدد القتلى الإسرائيليين سيكون أكبر بكثير، حسبما ورد في تقرير لموقع CNBC الأمريكي.

معركة مختلفة

ولكن رغم ذلك فإن من الواضح أن المباراة بين صواريخ حماس والقبة الحديدية كانت مختلفة هذه المرة، عن كل الحروب السابقة، وهو ما يؤشر إلى أن عصر القبة الحديدية قد يكون أوشك على الانتهاء.

وكان الصراع الأخير مختلفاً عن الحروب السابقة في الأعوام 2009 و2012 و2014. كما كان مختلفاً عن جولتي القتال اللتين دارتا عدة أيام في عامي 2018 و2019. وما يجعل هذه الجولة مختلفة هو عدد الصواريخ غير المسبوق الذي أطلقته حماس والنجاح الضئيل الذي حققته إسرائيل في مواجهة حماس.

واخترق أكثر من 60 صاروخاً مظلة الدفاع الجوي الإسرائيلي، وتمكنت حماس من استخدام وابل من الصواريخ لملاحقة البنية التحتية الاستراتيجية. 

وتفاخر تلفزيون Press TV الإيراني في 14 مايو/أيار بأنَّ حماس استهدفت بطاريات القبة الحديدية والمطارات الإسرائيلية. واستخدمت حماس وابلاً مكثفاً من الصواريخ بطريقة جديدة، مُصمَّمة على ما يبدو لاختبار أو محاولة التغلب على أنظمة القبة الحديدية.

كيف تغلبت عليها حماس؟

تغلبت حماس على القبة الحديدية بأفكار بسيطة، فإذا كانت القبة لديها القدرة على إسقاط 90%  من الصواريخ، ردت حماس بإطلاق أعداد أكبر من الصواريخ، لإرباك القبة الحديدية، وزيادة عدد الصواريخ التي تسقط، وفي الوقت ذاته فإن صواريخ حماس أقل تكلفة من صواريخ القبة الحديدية التي يفترض أن تسقطها.

فمهمة إسقاط آلاف الصواريخ بسرعة تصبح عملية مكلفةً؛ إذ تبلغ تكلفة الصاروخ الاعتراضي حوالي 40 ألف دولار إلى 50 ألف دولار، وفقاً لمعهد دراسات الأمن القومي، وهو مركز أبحاث إسرائيلي بارز.

والرسالة التي جاءت بها الحرب هي أنَّ الدفاعات الجوية الإسرائيلية قد لا تكون ذات يوم كافية لعرقلة كميات كبيرة من الصواريخ. ولن تعترف إسرائيل بذلك، لكن هناك ذروة استراتيجية لهذه التكنولوجيا (تكنولوجيا القبة الحديدية)، حسب تقرير Foreign Policy.

تحتفل القبة الحديدية هذا العام بالذكرى العاشرة لتأسيسها. وقبل الحرب الأخيرة في غزة، اعترض النظام أكثر من 2500 صاروخ. وطوَّرته وزارة الدفاع الإسرائيلية ومنظمة الدفاع الصاروخي الإسرائيلية لمواجهة التهديد المتزايد من صواريخ حزب الله في أعقاب حرب عام 2006 وللتعامل مع تهديدات حماس، وأصبح حجر الأساس للدفاع الصاروخي الإسرائيلي متعدد المستويات. وهو من ابتكار شركة Rafael Advanced Defense Systems الإسرائيلية، أحد عمالقة الصناعات الدفاعية في إسرائيل، ويتلقى الآن دعماً مالياً من الولايات المتحدة.

وتقول إسرائيل إنَّ معدل نجاح نظام القبة الحديدية في اعتراض الصواريخ يبلغ 90%. ولم تذكر الحكومة عدد الصواريخ التي اعترضتها، لكن في 15 مايو/أيار، قالت إنَّ النظام اعترض ما يقرب من 1000 صاروخ من أصل 2300.

يقول كاتب التقرير: “قارن ذلك بشهر مايو/أيار 2019 عندما أُطلِق 690 صاروخاً من غزة خلال قتال قصير اعترض النظام 240 صاروخاً منها”.

ومع ذلك، لا يمكن اعتبار بطاريات القبة الحديدية وتقنياتها الاعتراضية لانهائية. وكان المفهوم الذي تقوم عليه القبة الحديدية هو حماية المدنيين وإعطاء السياسيين الإسرائيليين فرصة لتقرير ما يجب فعله دون الاضطرار إلى شن غزو بري. 

فإذا سقط 1000 صاروخ على مدن إسرائيلية بدون نظام دفاعي، فسيتعين على الدبابات الإسرائيلية أن تتوغل إلى غزة لوقف إطلاق الصواريخ، كما حدث في عام 2009.

لكن هذه المرة، اتبعت إسرائيل خطة اللعبة العسكرية التكتيكية المعتادة: شن ضربات جوية دقيقة باستخدام الذخائر، مثل ذخائر الهجوم المباشر المشترك أمريكية الصنع. والتداعيات الدولية على إسرائيل هي نكسة استراتيجية، تقوض الردع الإسرائيلي في ظل صورة تبدو فيها أنَّ إسرائيل هي المهاجم؛ بعد مقتل المزيد من المدنيين الفللسطينيين. 

وعلى الرغم من سنوات جمع المعلومات الاستخباراتية حول المواقع التي هاجمتها إسرائيل، توضح النتيجة كيف أنَّ أنظمة الدفاع الإسرائيلية، مثل القبة الحديدية، وتفوقها العسكري قد تركتها بدون استراتيجية واضحة طويلة المدى.

وبالنسبة للعديد من المراقبين، قد تبدو الحروب في غزة وكأنها تمتزج معاً في صورة واحدة لأنَّ سماتها العامة متشابهة؛ لكن هذه الحرب الأخيرة تمثل بداية حقبة جديدة. وعلى الرغم من أنَّ نظام القبة الحديدية كان جوهرياً لتقليل سقوط الصواريخ على تل أبيب وعسقلان والمدن الإسرائيلية الأخرى التي استُهدِفَت، إلا أنه أوضح أنه لا يوجد حل للمشكلة التي تواجهها إسرائيل جراء سيطرة حماس على غزة وإطلاق الصواريخ على إسرائيل من القطاع.

إذاً ما الذي تغير في 10 مايو/أيار؟ يواجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إبادة سياسية، بعدما فشل 4 مرات في تشكيل حكومة، وينظر الجميع إلى أن حماس حوَّلت التوترات في القدس إلى نجاح كبير خلال الحملة الأخيرة. وتفتخر بوجود مئات الأميال من الأنفاق تحت الأرض، التي لم تتعرض إلا لأضرار طفيفة. 

وفي غضون ذلك، قال الجيش الإسرائيلي إنه أوقع حماس في انتكاسة؛ من خلال استهداف 60 ميلاً من الأنفاق والمخابئ التي تستخدمها لنقل الذخائر. واستهدفت إسرائيل أيضاً أكثر من عشرين من قادة حماس، فيما تقول الحركة الفلسطينية إن خسائرها محدودة.

وقالت إيران، الخصم الرئيسي لإسرائيل، إنَّ “النظام الصهيوني ينهار”، حتى إنها أرسلت طائرة بدون طيار إلى شمال إسرائيل خلال القتال الأخير، واختبرت أيضاً دفاعات إسرائيل.

إنَّ كابوس إسرائيل المتمثل في حرب متعددة الجبهات صار على الأبواب، وأعداء الدولة يعرفون ذلك، حسب تقرير Foreign Policy.

 وتمثل القبة الحديدية رداً تكتيكياً على تهديد إقليمي حقيقي. وتتوقع إسرائيل من حزب الله إطلاق 2000 صاروخ يومياً في الحرب القادمة. وتدربت إسرائيل على ضرب ما يصل إلى 3000 هدف يومياً في صراع مستقبلي، وزادت من قدرات أنظمة الدفاع الجوي متعددة الطبقات لمثل هذا السيناريو.

وأوضحت الحرب الأخيرة مع حماس أنه على الرغم من أنَّ القبة الحديدية عملت كما هو متوقع، إلا أنها لم تكن عصا سحرية لكسب الحرب أو ردع العدو، وخلَّفت عقيدة الضربات الجوية الإسرائيلية الدقيقة لمواجهة التهديدات عشرات القتلى من المدنيين في غزة. ولم يكن هذا العدد مقبولاً لدى الكثيرين في المجتمع الدولي، الذي ضغط على إسرائيل لوقف القتال.

في حين أن نظام القبة الحديدية فعال، “لا يوجد حل محكم” ، حسبما أفاد آفي ماير، المتحدث السابق باسم الجيش الإسرائيلي، لموقع Insider الأمريكي مؤخراً.

وقال: “نأمل بالتأكيد ألا نصل إلى هذه النقطة، لكنني أعتقد أنه إذا وصلنا إلى هذه النقطة، فسيكون ذلك خطيراً للغاية، ليس فقط لإسرائيل، ولكن للفلسطينيين أيضاً”. 

يشير ذلك إلى أن فشل القبة الحديدية في الحرب القادمة قد يؤدي إلى تصعيد خطير بين الجانبين.

فلقد نجحت القبة الحديدية في تقليل الخسائر بحيث لم تضطر إسرائيل إلى خوض حروب برية كبرى في العقد الماضي. ولكن ربما قد وصلت القبة الحديدية الآن إلى ذروتها الاستراتيجية؛ مما يعني أنَّ كبار الضباط في إسرائيل بحاجة إلى خطة لعب جديدة.

وقال إيان ويليامز، خبير الدفاع الصاروخي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، 

لـ Insider: “إذا كان بإمكانك تخفيف خطورة الهجمات الصاروخية من خلال القبة الحديدية، فإن ذلك يتيح مساحة أكبر للدبلوماسية. ويسمح لإسرائيل بعدم إرسال قوات في وقت مبكر. وهذا يبطئ من حاجة إسرائيل للرد”.

وأضاف ويليامز: “الوجه الآخر للعملة هو أنه يمكنك القول إن القبة الحديدية تسمح لإسرائيل بأن تكون أكثر عدوانية؛ لأنها تستطيع الصمود أمام هجمات حماس الصاروخية”.

حماس لا تكتفي بتطوير الصواريخ

ولكن حماس لا تكتفي بتطوير وإنتاج الصواريخ، إذ تستثمر حماس في تطوير الطائرات المسيرة بشكل كبير، التي تتسم بأنها أصعب في الرصد؛ لأنها مصنوعة في الأغلب من مواد غير معدنية وانبعاثات محركاتها الحرارية محدودة؛ لأنها تعتمد في الغالب على بطاريات كهربائية وليس محركات عاملة بالوقود.

وتعتقد المخابرات الإسرائيلية أن “حماس” تركز على تحسين قدراتها في تصنيع الطائرات من دون طيار داخل قطاع غزة، في ضوء نجاح إسرائيل في اعتراض الصواريخ، بواسطة نظام “القبة الحديدية”، وتدمير الأنفاق العابرة للحدود.

وفي معارك سابقة، بدأت حماس في استخدام “الحوَّامة قاذفة القنابل” كسلاح جديد، للتغلب على قبة إسرائيل الحديدية.

القناة السابعة العبرية وصفت هذا السلاح بأنه طائرة بدون طيار تحمل صاروخاً ذا رأس متفجر ضد الدبابات، مضيفةً أن فكرة هذا السلاح تُظهر تقدماً ملحوظاً في تطور صناعات السلاح لدى “حماس”.

وتقول حماس إن لديها 3 أنواع من الطائرات دون طيار لأغراض مختلفة هي: جمع المعلومات الاستخباراتية، والهجمات، والمهام الهجومية “الانتحارية” بالطائرة.

ويبدو أن مدى قلق إسرائيل من برنامج حماس لتطوير الطائرات المسيرة، وصل إلى حد اغتيالها مهندس الطيران التونسي محمد الزواري، في ديسمبر/كانون الأول 2017، في صفاقس؛ لأنه كان يعمل في برنامج “حماس” للطائرات من دون طيار.

كما طورت إسرائيل منظومة تسمى “قبة الطائرة المسيرة”، على غرار القبة الحديدية المخصصة لإسقاط الصواريخ.

* المادةالصحفية نقلت حرفيا من موقع عربي بوست ولاتعبر عن رآي الموقع