السياسية:

لعب بنيامين نتنياهو ودونالد ترامب ومحمد بن زايد دور البطولة المطلقة في مسيرة التطبيع مع إسرائيل، والآن مع اختفاء ضلعين من المعادلة، كيف ستتأثر تلك المسيرة التي دشنتها الإمارات؟

وكان الرئيس الأمريكي السابق ترامب أول من أعلن عن التوصل لاتفاق تطبيع العلاقات بين الإمارات وإسرائيل يوم 13 أغسطس/آب 2020، وكانت تلك التغريدة تمثل ضربة البداية لما عرف لاحقاً باسم “اتفاقيات أبراهام” التي تم توقيعها منتصف سبتمبر/أيلول العام الماضي في البيت الأبيض بين إسرائيل والإمارات والبحرين.

واختفى ترامب من المشهد السياسي بعد خسارته الانتخابات أمام الرئيس الحالي جو بايدن، وها هو نتنياهو يعيش ما قد تكون أيامه الأخيرة في المشهد السياسي الذي تصدره دون منازع لأكثر من 12 عاماً متتالية، فكيف ستكون علاقة ولي عهد أبوظبي والحاكم الفعلي للإمارات محمد بن زايد مع خليفة/ خلفاء نتنياهو؟ وكيف سينعكس ذلك على مسيرة التطبيع الإماراتي بشكل خاص والعربي بشكل عام؟

صحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية تناولت القصة، من وجهة النظر الإسرائيلية بالطبع، في تقرير جاء عنوانه “هل تصمد اتفاقات أبراهام على الرغم من رحيل نتنياهو عن الحكم؟”.

تطبيع الإمارات مع إسرائيل
شهد منتدى الاستثمار العالمي 2021، الذي أقيم في دبي في 2 يونيو/حزيران برعاية من صحيفة The Jerusalem Post الإسرائيلية وصحيفة Khaleej Times الإماراتية، عدداً من المحادثات بين دبلوماسيين ونشطاء ورجال أعمال من جميع أنحاء المنطقة، وخلالها ثارت أسئلة كثيرة حول الوضع السياسي المربك في إسرائيل.

وكان أحد أبرز المخاوف المُثارة حالياً يتعلق بما سيطرأ على العلاقات بين إسرائيل والإمارات والدول الأخرى التي انضمت إلى اتفاقات أبراهام إذا لم يستمر بنيامين نتنياهو في منصبه، وهو الذي شارك شخصياً وعلى نحو مكثف في العمل على إبرام هذه الاتفاقات في أثناء توليه منصبه.

وقال سفير إسرائيل لدى الإمارات، إيتان نائيه، للصحيفة العبرية إنه “بصرف النظر عن هوية رئيس الوزراء أو وزير الخارجية. أعتقد أن الاتفاقيات صدرت حقاً عن مصالح لكلا البلدين. كما أن اتفاقات أبراهام تتمتع بدعم قائم على الرؤية المحلية والوسائل الاستراتيجية”.

وأضاف نائيه أن الإسرائيليين “يؤيدون بحاضرهم وغائبهم” توثيق العلاقات مع الإمارات، مشيراً إلى أن نحو 85 ألف إسرائيلي زاروا دبي في شهر ديسمبر/كانون الأول وحده.

وترى الصحيفة أنه بشكل إجمالي أن تقييم السفير صحيح: العلاقات الإسرائيلية الإماراتية تعتبر مكسباً للطرفين. وقد أشارت نتائج استطلاعات الرأي العام المختلفة في إسرائيل على مدى ما يقرب من 9 أشهر، منذ إعلان التطبيع، إلى أن الإسرائيليين متحمسون للتحول الذي يرونه تاريخياً. ولا شك في أن ذلك يرجح استمرار العلاقات التجارية التي تأتي في القلب من العلاقات الناشئة بين إسرائيل والإمارات ودول اتفاقات أبراهام الأخرى.

لكن لا توجد استطلاعات رأي عام توضح نفس الصورة من الجانب الإماراتي، كما أن أغلب المحللين والمراقبين يرون أن مكاسب التطبيع بين الإمارات وإسرائيل تصب بالأساس في صالح الأخيرة، بينما لا يبدو أن هناك مكتسبات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية حققتها الإمارات من التطبيع، وهو ما يظل علامة استفهام معلقة تبحث عن إجابة.

الائتلاف الجديد في إسرائيل وموقفه من التطبيع
ويرصد تقرير الصحيفة الإسرائيلية موقف الشخصيات الرئيسية في الحكومة الإسرائيلية التي بصدد التشكُّل. فهم أيضاً داعمون متحمسون لاتفاقات أبراهام، إذ وصف زعيم حزب “يش عتيد”، يائير لابيد، الذي من المقرر أن يتولى منصب وزير الخارجية خلال العامين المقبلين، هذه الاتفاقات بأنها “خطوة مهمة” و”دليل ساطع على أن المفاوضات والاتفاقيات.. هي الطريق للمضي قدماً”.

كما أشاد رئيس الوزراء المفترض، نفتالي بينيت، بالاتفاقات وبقيادة الشيخ محمد بن زايد، قائلاً: “من الجيد أن العلاقات بين الدول لم تعد رهينة لعناد الفلسطينيين”، وأعرب بينيت “عن سخطه لأن نتنياهو أهدر فرصة لمد السيادة الإسرائيلية على أجزاء أخرى من الضفة الغربية المحتلة”، لا سيما أن ذلك لم يعد سهلاً كما كان في السابق، مع تولي الرئيس الأمريكي جو بايدن منصبه.

لكن من جهة أخرى، يشير آخرون إلى أن نتنياهو بشخصه كان له دور رئيسي في تنمية العلاقات بين إسرائيل والإمارات والبحرين، على وجه التحديد، إلى جانب العلاقات غير الرسمية مع السعودية.

علاوة على أن زعماء تلك الدول يعرفون نتنياهو ويثقون به ثقة كافية للتحدث معه حول القضايا الأمنية الرئيسية، كما أنهم يعرفون رئيس الموساد يوسي كوهين ومستشار نتنياهو السري “ماعوز”، وكلاهما ترك منصبه بالفعل. أما الآن، ومع بدء “حكومة التغيير” في الاستعانة بآخرين، فسيتعيَّن على هذه الدول التعامل مع شخصيات جديدة غير معروفة لديها.

غير أن ذلك لا يقتصر على بلدان اتفاقية أبراهام، لأن نتنياهو طال بقاؤه في السلطة إلى درجة كفلت له إقامة علاقات وثيقة مع عديد من القادة في جميع أنحاء العالم، مثل بايدن أو المستشار النمساوي سيباستيان كورتس، وآخرين غيرهم. أما العلاقات التي ستنشأ مع إزاحة نتنياهو عن السلطة، فستكون جديدة وتحتاج إلى عناية إضافية.

هنا تبرز انتقادات بأن هذا الاهتمام الإضافي قد تعجز عنه الحكومة الإسرائيلية القادمة، فقد بذلت إدارة ترامب جهداً كبيراً في جمع هذه البلدان معاً، وقدمت امتيازات جمة لأولئك الذين احتاجوا إلى مزيد من التشجيع، والحديث هنا عن السودان والمغرب.

أما إدارة بايدن، فهي، وإن قالت مراراً وتكراراً إنها تؤيد التطبيع- فهي لا تستخدم عبارة “اتفاقات أبراهام”، فإن لديها أولويات أخرى ولا يبدو أنها ستفعل الكثير على هذه الجبهة. وقد تتصرف الحكومة الإسرائيلية الجديدة على النحو نفسه، خاصة إذا لم يكن هناك دفعة من واشنطن، ومن ثم قد يجري التعامل مع الإمارات والبحرين والمغرب والسودان مثل غيرها من الدول التي لديها علاقات مع إسرائيل.

غياب نتنياهو مؤثر سلباً على التطبيع
ومع ذلك، يذهب بعض الخبراء في الشؤون الإسرائيلية إلى أن الحكومة الجديدة ستعمل على تحسين العلاقات الإسرائيلية في العالم العربي وخارجه، والداعي الأكبر لذلك، بحسبهم، هو الصورة التي شاعت عن نتنياهو في كثير من دول العالم على أنه شيطان من دعاة الحرب المضطهدين للفلسطينيين.

بيد أن هذا الرأي يبدو ساذجاً، فالواقع أن نتنياهو عادة ما يتجنب المخاطرة ويحاول تجنب الحروب إلا إذا كان إشعال فتيل الحرب- من وجهة نظر نتنياهو- قد يساعده في البقاء في منصبه، كما حدث في الحرب الأخيرة على قطاع غزة.

وفي الوقت نفسه، نجد أن بينيت ليس أقل تطرفاً في كراهيته للفلسطينيين وتحريضه عليهم من نتنياهو، إن لم يكُن أكثر تشدداً منه، ويراه أغلب المحللين تلميذاً تفوق على أستاذه نتنياهو في هذا الشأن.

وثمة عامل آخر، ربما يكون الأهم، وهو التعامل مع إيران. فالسياسة الإسرائيلية تعيش حالة من الفوضى، والحكومات ليست دائماً جيدة فيما يتعلق بإرسال رسالة موحدة. لكن فيما يتعلق بالتهديد النووي الإيراني، فإن نتنياهو والحكومات التي ترأسها أفصحت بوضوح عن رأيها في هذا الأمر. وفي الواقع، فإن حتى زعيم المعارضة عند توقيع الاتفاق النووي الإيراني، الرئيس المنتخب حديثاً لرئاسة إسرائيل إسحق هرتسوغ، انضم إلى نتنياهو في موقفه حيال الاتفاق.

الآن، مع تقدم المحادثات غير المباشرة في فيينا بين الولايات المتحدة وإيران بشأن العودة إلى اتفاق 2015، يواصل نتنياهو مهاجمة الاتفاق والعودة إليه، في حين موقف الحكومة الإسرائيلية القادمة غير واضح.

فعلى الرغم من وجود معارضة إسرائيلية عامة للسماح لإيران بأن تكون دولة نووية، فإن لابيد أدلى بتصريحات تدعم الموقف الأمريكي الذي يميل إلى تأجيل العودة إلى الاتفاق سريعاً، وأن عدم القضاء التام على إمكانية تحول إيران إلى دولة نووية أمر جيد يمكن الاستفادة منه في الوقت الحالي. أما بينيت، فقد أدلى بتصريحات مهاجمة للاتفاق مع إيران، لكن مثل اتفاقات أبراهام، من غير الواضح ما إذا كانت هذه المسألة ستكون أولوية لديه.

بناء على ذلك، وكما قال نائيه، سفير إسرائيل لدى الإمارات، فإنه مهما كانت هوية رئيس وزراء إسرائيل أو وزير خارجيتها، فإن الأرجح أن تستمر العلاقات الإماراتية الإسرائيلية في طريقها، لأن كلا البلدين ينتفعان منها، والشعب الإسرائيلي متحمس لمزيدٍ من العلاقات مع الإمارات، بحسب الصحيفة الإسرائيلية.

لكن يظل مستوى توثيق تلك العلاقات، وما إذا كانت ستأتي فرص أخرى لضم مزيد من البلدان إلى اتفاقات أبراهام أخرى مع الحكومة الجديدة، هي الأمور التي سيتعيَّن الانتظار لرؤية ما ستفصح عنه الأيام بشأنها.

عربي بوست