هل اقتربت نهاية الدعم الأمريكي اللامحدود لإسرائيل؟
السياسية:
أصبح التحول في الموقف من إسرائيل داخل أمريكا، واضحاً، بعد حرب غزة ولم يعد الأمر مقتصراً على الديمقراطيين.
وتزايدت النظرة إلى إسرائيل، في الولايات المتحدة باعتبارها معتدية على الفلسطينيين، وأنها تستخدم قوة لا متناسبة في التعامل معهم، حسبما ورد في تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية.
وتوقع الكاتب الأمريكي توماس فريدمان، مؤخراً، أن يكون الرئيس جو بايدن آخر ديمقراطي يحكم الولايات المتحدة، ويؤيد الاحتلال الإسرائيلي.
وقال فريدمان في مداخلة مع الإعلامي فريد زكريا عبر “سي إن إن”، إن “المرحلة أصبحت فيها مخاطر تُحول إسرائيل إلى دولة فصل عنصري واضحة جداً، وربما نشاهد في جو بايدن آخر رئيس ديمقراطي مؤيد لإسرائيل”.
وقد بدأت الكلمات تتغير فعلاً فيما يتعلق بنقاش الصراع الفلسطيني الإسرائيلي داخل الولايات المتحدة، وظهر ذلك واضحاً خلال المواقف الأمريكية التي أثيرت بحرب غزة، حسبما ورد في تقرير لمجلة The Atlantic الأمريكية.
لأول مرة تُوصَف إسرائيل بالعنصرية
جاء التحول الأول والأكثر وضوحاً داخل الكونغرس، حيث انتقدت المزيد من الأصوات (التقدمية في غالبها) انتهاكات حقوق الإنسان الإسرائيلية، إلى جانب دور الحكومة الأمريكية في إبقاء الوضع الراهن على ما هو عليه، بعد أن شبّهته جماعات حقوق الإنسان وكبار الزعماء -مثل الرئيس الجنوب إفريقي سيريل رامافوزا- بنظام الفصل العنصري (أبارتهايد).
وفي العديد من شرائح المجتمع الأمريكي المحسوبة على الديمقراطيين، بدأت النقاشات حول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تنصرف أبعد فأبعد عن الحجج الدفاعية الواهية والمبتذلة عن “حق إسرائيل في الوجود” و”محاربة الإرهابيين” و”معاداة السامية”، حسبما ورد في مقال نشر بمجلة The American Prospect الأمريكية لسارة ليا ويتسون، المديرة التنفيذية لمنظمة الديمقراطية الآن للعالم العربي (DAWN)، والمديرة التنفيذية السابقة لقسم شؤون شمال إفريقيا والشرق الأوسط بمنظمة “هيومن رايتس ووتش”.
وتعمَد بدلاً من ذلك إلى إقرارٍ من نوعٍ جديد بحقوق الفلسطينيين. وبين المحتجين، بدأت تبرز كلمات من نوعية “الفصل العنصري” و”الاستيلاء على الأراضي” و”التطهير العرقي”.
وقد بدأ أشد المدافعين عن إسرائيل داخل الحزب الديمقراطي في توجيه الانتقادات الكبيرة لحجم الرد العسكري الإسرائيلي على غزة (والذي تسبّب في مقتل 230 شخصاً على الأقل).
بايدن يتحدث عن تدابير متساوية
على مدار عقودٍ مضت، التزم الرؤساء الأمريكيون المتعاقبون، باستثناء دونالد ترامب، بنصٍّ يمكن التنبؤ به. الرئيس الأمريكي جو بايدن لم يكن مختلفاً في ذلك خلال موجة العنف الأخيرة بين إسرائيل وحماس. طوال فترة القتال، نقل بايدن “دعماً ثابتاً لأمن إسرائيل ولحقِّ إسرائيل المشروع في الدفاع عن نفسها وشعبها، مع حماية المدنيين”.
ولكن عندما حان الوقت للحديث عن وقف إطلاق النار بين الطرفين، شدَّدَ بايدن على أن الإسرائيليين والفلسطينيين يستحقون “تدابير متساوية من الحرية والازدهار والديمقراطية”. إنها عبارة يجري تناولها وتكرارها من قِبَلِ كبار مسؤولي الإدارة الآخرين، وضمن ذلك وزير الخارجية الأمريكية أنتوني بلينكن، الذي أضاف كلمة “الكرامة” وشدَّدَ عليها.
في ظاهر الأمر، لا شيء من هذا يبدو خارجاً عن المألوف. إذا وضعنا ترامب جانباً، فسنجد أن الولايات المتحدة لطالما تشدَّقَت بقيم الديمقراطية والحرية والعدالة. وحتى فيما يتعلَّق بالصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، لمحت الولايات المتحدة إلى مزيدٍ من الحرية والكرامة للفلسطينيين منذ أن وضع الرئيس الأمريكي السابق جورج دابليو بوش “خارطة الطريق للسلام في الشرق الأوسط”، وكانت الوعود المماثلة جزءاً من برنامج حملة بايدن في الانتخابات الأمريكية الماضية.
ولكن إذا طُبِّقَت هذه الوعود بشكلٍ حقيقي على سياسة الولايات المتحدة، فإن التحوُّل الدقيق لبايدن، على ما يبدو، لديه القدرة على بلوغ نقطة اللاعودة في نهج الولايات المتحدة طويل الأمد تجاه الصراع، وتجاه إسرائيل على وجه الخصوص.
وهذا النهج يقدِّم مثالاً نموذجياً على الطريقة التي يمكن أن يسير بها بايدن في حديثه عن تركيز السياسة الخارجية حول الديمقراطية وحقوق الإنسان والقانون الدولي من خلال تطبيق تلك القيم الأمريكية على معاملة الفلسطينيين، حسبما ورد في تقرير Foreign Policy.
من مطالب سياسية إلى حقوق إنسانية.. إرث النضال ضد ترامب
على مدار عقود من الزمن، اعتبرت الولايات المتحدة حقوق الفلسطينيين أمراً طموحاً؛ أي تطوُّر سيأتي كجزءٍ من وجود دولتهم بعد التوصُّل إلى اتفاق سلامٍ شامل مع إسرائيل.
والآن، مع تنحية “حل الدولتين” من على الطاولة على ما يبدو، حيث يُفترض وفقاً للمنظور الأمريكي أن إسرائيل اليهودية ستعيش جنباً إلى جنبٍ مع فلسطين المستقلة، تحوَّلَت الولايات المتحدة من الحديث عن حقوق الفلسطينيين في سياقٍ سياسي إلى معاملتهم على أنهم يتمتَّعون بحقوق إنسانية لا يجب انتزاعها، وهو اعترافٌ لا يجب لأيِّ شخصٍ التفاوض بشأنه على طاولة المفاوضات.
وجاء هذا التطور بعد صراع داخلي، في الولايات المتحدة نفسها ضد خطاب العنصرية والكراهية التي جسدتها، إدارة ترامب.
حتى الآن، غالباً ما يُخلَط بين انتقاد إسرائيل واتهاماتٍ بمعاداة السامية. لكن في كثيرٍ من الأحيان، ينظر التقدميون -ومن ضمنهم العديد من الشباب اليهود الأمريكيين- إلى القضية الفلسطينية على أنها نضالٌ مشترك من أجل العدالة العرقية والمساواة.
وتنتشر الآن حركة الاحتجاج ضد وحشية الشرطة والعنصرية الممنهجة داخل الولايات المتحدة وخارج حدودها.
بشكل أو بآخر، بدأ الليبراليون الأمريكيون ينظرون إلى الصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين، كجزء من نضال الأقليات في الولايات المتحدة ضد ممارسات الإقصاء من الأغلبية الأمريكية البيضاء المحافظة.
وحتى قبل القتال الأخير، كانت إدارة بايدن تدرس سلسلةً من الخطوات لإعادة العلاقات مع الفلسطينيين، تلك العلاقات التي كانت في حالةٍ يُرثى لها بعد أربع سنوات من دعم ترامب الكامل لإسرائيل، وضمن ذلك نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، وإعطاء الضوء الأخضر للتوسُّع الاستيطاني الإسرائيلي، وإغلاق مكتب السلطة الفلسطينية في واشنطن، وقطع أكثر من 200 مليون دولار من المساعدات الإنسانية للفلسطينيين.
ولولا جولة العنف الأخيرة، لكان من المُحتَمَل أن تُطبَّق إجراءاتٌ أمريكية أخرى بخلاف الاستئناف المحدود للمساعدات المُوجَّهة للفلسطينيين بشكلٍ تدريجي ودون ضجةٍ كبيرة.
حرب غزة تجبر بايدن على الالتفات للصراع الفلسطيني الإسرائيلي
كان البيت الأبيض يأمل تجنُّب الانجرار مرةً أخرى إلى الصراع؛ حتى يتمكَّن من التركيز على أولويات السياسة الخارجية، مثل المنافسة الاستراتيجية مع الصين، والتعامل مع روسيا متزايدة العدوانية، واستئناف الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015.
لكن المذبحة في غزة جعلت إعادة ضبط السياسات أمراً مُلِحاً. وبالوقوف مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس في رام الله بعد وقف إطلاق النار، أعلن بلينكن أن الولايات المتحدة ستعيد فتح القنصلية الأمريكية في القدس -التي تتعامل مع شؤون الفلسطينيين وكان ترامب قد أغلقها سابقاً- وسترسل 112 مليون دولار إضافية في شكل مساعدات وتمويل تنموي إلى الضفة الغربية وقطاع غزة.
إن الالتزامات والجهود الأمريكية المُضاعَفة لإعادة العلاقات مع الفلسطينيين اعترافٌ بأن الفلسطينيين الذين يعيشون في ظلِّ الاحتلال الإسرائيلي أكثر من مجرد حماس.
ربما تكون الهدنة الهشَّة قد أنهت الموجة الحالية من العنف، لكن القضايا الرئيسية للصراع، لاسيما عدم التجانس بين إسرائيل ونحو 7 ملايين فلسطيني يفتقرون إلى الحقوق الأساسية، لا تزال كما هي. يُقدِّر البنك الدولي متوسِّط الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل بنحو 15 ضعف الناتج المحلي في الأراضي الفلسطينية. وإذا تُرِكَت هذه المظالم دون معالجة، فإن عودة القتال مرةً أخرى أمرٌ مؤكَّد، حسب Foreign Policy.
يعكس هذا التركيز الجديد على المساواة تغييراً جذرياً في الرأي العام الأمريكي أيضاً، وكذلك في الرأي العام بين الديمقراطيين في الكابيتول هيل، حتى إنه لأول مرة بين بعض أقوى مؤيِّدي إسرائيل.
انتقد المُشرِّعون اضطهاد إسرائيل للفلسطينيين، وهم غير راضين عن دور الولايات المتحدة في الإبقاء على الظروف المعيشية البائسة للفلسطينيين، تلك الظروف التي يشبِّهها بعض المدافعين عن حقوق الإنسان بالفصل العنصري، من خلال منح إسرائيل القدرة على الإفلات من العقاب.
ويلقي بعض المُشرِّعين اللوم على تصديق ترامب على توجُّه رئيس الوزراء الإسرائيلي، منذ فترةٍ طويلة، لتشجيع اليمينيين المتطرِّفين في إسرائيل (وبعد فجوةٍ أجَّجها الصراع، يبدو أن خصوم نتنياهو السياسيين على استعدادٍ لطرده من منصبه).
التحول في الموقف من إسرائيل داخل أمريكا لا يقتصر على الديمقراطيين
لسنواتٍ من الزمن، اعتمد الحزب الديمقراطي على اللوبي الإسرائيلي والمانحين الذين يدعمون إسرائيل. لكن استطلاعاً جديداً أجراه المعهد العربي الأمريكي، أظهر أن أكثر من نصف الناخبين الديمقراطيين لديهم وجهة نظر إيجابية تجاه الفلسطينيين، بينما 46% فقط لديهم وجهة نظر إيجابية تجاه الإسرائيليين.
وهذا الانقسام أكبر عندما يتعلَّق الأمر باستخدام إسرائيل للقوة، إذ قال 43% من الديمقراطيين إن إسرائيل استخدمت الكثير من القوة، وقال 16% فقط إن ذلك كان قدراً مناسباً من القوة.
لكن هذا التغير ليس بين الديمقراطيين فقط، إذ وجد الاستطلاع أن ما يقرب من ثلاثة أرباع الأمريكيين يقولون إن الفلسطينيين والإسرائيليين أشخاصٌ متساوون ولهم حقوقٌ متساوية، وضمن ذلك 80% من الديمقراطيين، و67% من الجمهوريين.
يمثل هذا تغييراً كبيراً، وهو امتداد لترسخ فكرة المساواة في الولايات المتحدة، وقبل ذلك كان الأمر مختلفاً، فرغم أنّ الولايات المتحدة لطالما دعمت التسوية السلمية للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، فإنّها لم تفعل ذلك مطلقاً على أساس المساواة. فالطرفان ليسا متساويين بالكامل في نظر الولايات المتحدة، حسب تقرير The Atlantic.
كلُّ هذا يوحي بأن العبارة القائلة بأن “نحن واحدٌ مع إسرائيل” تتفكَّك، وأن انتقاد السياسات الإسرائيلية صار مقبولاً أكثر من أيِّ وقتٍ مضى. يساعد هذا في تفسير سبب قيام أعضاء مجلس الشيوخ الموالين لإسرائيل بالتعبير عن قلقهم بشأن حجم العمل العسكري الإسرائيلي في غزة، بينما دعا زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، تشاك شومر، وهو مؤيِّدٌ قوي لإسرائيل، إلى وقف إطلاق النار حتى قبل أن يطلق بايدن هذه الدعوة.
مطالبات بوقف المساعدات الأمريكية العسكرية لإسرائيل
“الشيء الآخر الذي تغيَّر هو الدعوات إلى الاستفادة من المساعدات الأمريكية لإسرائيل”. يقول التقدميون، مثل السيناتور بيرني ساندرز الذي حاول تعليق المساعدات العسكرية، إن تزويد إسرائيل بنحو 4 مليارات دولار سنوياً من الدعم العسكري غير المشروط لا يحفِّز إسرائيل مُطلَقاً لدعم حقوق الإنسان.
وعلى حدِّ تعبير السيناتور إليزابيث وارين، فإن الفشل في تقييد استخدام المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل بالأراضي المحتلَّة هو “الأمر الذي لا يخفى على أحد”.
عربي بوست