بقلم: فريد كابلان

(صحيفة” سلايت – slate” الفرنسية – ترجمة: أسماء بجاش, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)

تم عقد محادثات سرية بين مسؤولين أمنيين سعوديين وإيرانيين منذ يناير 2021 من دون أي تدخل للولايات المتحدة الأمريكية.

وفي حين دفعت هذه الأنباء البعض إلى استنكار انخفاض النفوذ الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط بتزامن مع سعي الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى سحب قواته من المنطقة، فإن هذا في الواقع أنباء سارة، سواء بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية أو بالنسبة للآمال في عودة الهدوء إلى هذه المنطقة.

ويمكن أن يكون أيضا درسا خاص للسياسة الخارجية للولايات المتحدة بشكلٍ عام, والواقع أنه أظهر بأن الإدارة الأمريكية لا تحتاج بالضرورة إلى التورط في جميع الصراعات المشتعلة في العالم، وأن دورها في بعض الأحيان كوسيط لحفظ السلام أو الوسيط المعلن ذاتيا لا يؤدي إلا إلى تفاقم تلك الصراعات والتوترات، وأن من الأفضل أحيانا السماح للسلطات المحلية بحل مشاكلها بمفردها.

المحادثات على جميع الأصعدة:

تم الحديث عن هذه الاجتماعات السرية لأول مرة الشهر الماضي من قبل صحيفة “فاينانشال تايمز – Financial Times”, ومنذ ذلك الحين، أفاد موقع الأخبار البريطاني “أمواد ميديا- Amwad.media”, بأن خمسة من هذه الاجتماعات قد عقدت بالفعل منذ يناير المنصرم وأن بعضها قد جمع أيضا مسؤولين من الإمارات العربية المتحدة ومصر والأردن, لمناقشة مواضيع تتراوح بين الحرب الدائرة في اليمن إلى الأمن في سوريا ولبنان.

وبعد وقت قصير من نشر السبق الصحفي والذي أكدته منذ ذلك الحين صحيفة “نيويورك تايمز- New York Times”, وعدة صحف أخرى، نفى  الناطق باسم ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان, تلك الاجتماعات في البداية, حيث أشار من خلال مقابلة تلفزيونية:

“نحن نبحث عن علاقات جيدة مع إيران… ونحن نعمل مع شركائنا في المنطقة للتغلب على خلافاتنا مع هذا البلد”.

وفي هذا الأسبوع، قال كبير المتحدثين باسم وزارة الخارجية الإيرانية إن الجمهورية الإسلامية مستعدة للدخول في محادثات مع المملكة العربية السعودية “على أي مستوى وبأي شكل”.

تغيير سياسي هائل:

لم تقيم السعودية وإيران علاقات دبلوماسية منذ العام 2016, كما وقد كاد القادة والدبلوماسيون من كلا البلدين يهددون بعضهم البعض بشن الحرب.

وبعبارة أخرى، حتى وإن لم تسفر تلك المحادثات في الواقع عن نتائج ملموسة، فإن التغيير السياسي الذي نشهده هائل.

هناك توافق عام في الآراء, على أن هذا التغيير يرجع إلى حقيقة أنه من المقبول الآن أن الولايات المتحدة تنسحب من الشرق الأوسط.

وقد أوضح مستشار بايدن أثناء الانتقال من مرحلة الانتخابات إلى التنصيب, أن الشرق الأوسط سوف يوضع الآن في “المركز الرابع” في سلم أولويات بايدن، بعد آسيا والمحيط الهادئ وأوروبا وأمريكا الجنوبية.

ومن جانبه, كان دونالد ترامب قد تحدث أيضاً عن عملية الانسحاب من منطقة الشرق الأوسط، ولكنه لم يغلق الباب أبداً أمام المملكة العربية السعودية (ناهيك عن محفظة دافع الضرائب الأميركي), كما كان التغيير الرئيسي هو تصلب موقف بايدن تجاه الأسرة المالكة.

أشارت تريتا بارسي مؤخرا من على منبر صحيفة “فورين بوليسي- Foreign “Policy، “إن ما فعلته واشنطن ليس ما توقفت عن القيام به – بقدر ما هو مطمئن لشركائها في المنطقة، مؤكدة لهم الدعم غير المشروط حتى في حالة السلوك غير المسؤول على الإطلاق”.

إن ما توقف عنه بايدن على وجه الخصوص هو تزويد الجيش السعودي بالأسلحة التي يستخدمها ضد الحوثيين المدعومين من قبل إيران في اليمن المجاور, حيث كانت قضية الحرب في اليمن هي الموضوع الرئيسي للمحادثات الأولى بين المملكة العربية السعودية وإيران.

كما انتقد بايدن ووزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلنكن بشدة مقتل الصحفي الأمريكي جمال خاشقجي على يد السلطات السعودية.

من جانبه، اعتبر ترامب أن هذا تصرف غير أساسي, فقد أعلن أعضاء إدارة بايدن أنهم سوف يعملون على مراجعة  كل مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى الرياض (بل على العكس من ذلك، كان دونالد ترامب يدفع إلى بيع عدد من الأسلحة للعائلة المالكة بقدر ما يريد شراؤها).

بدون سبب معلوم:

يشكل قرار جو بايدن خرقاً لسياسة باراك أوباما، التي أدت في العديد من النواحي إلى إدامة سياسة واشنطن الراضية تجاه المصالح السعودية ــ وهي من بقايا السياسة الخارجية الأميركية التي يرجع تاريخها إلى نهاية الحرب العالمية الثانية ــ على الرغم من رغبتها الحثيثة في “تركيز” السياسة الخارجية الأميركية وقلة مشاركتها في الشرق الأوسط.

وعلى سبيل المثال، لتهدئة المخاوف السعودية بشأن توقيع الولايات المتحدة الأمريكية على الصفقة النووية الإيرانية (التي تضمنت رفع العقوبات الأميركية عن طهران)، سمح أوباما للرياض باستخدام الاسلحة الأميركية الصنع ضد الحوثيين  المدعومين في الحرب في اليمن من قبل النظام الإيراني, كما أعرب عن أسفه في وقت لاحق عن هذا التنازل.

ماذا كان ليحدث لو رفض أوباما طلب السعوديين في الحصول على الضوء الأخضر وببساطة ما اعتبره مصالح الولايات المتحدة ـ بالتوقيع على الصفقة النووية الإيرانية، وربما بالتعاطف وإظهار التفاهم مع الشواغل السعودية، والتزامه بمكافحة أي عدوان إيراني في المنطقة، ولكن أيضا الالتزام بعدم الانجرار وخوض الحرب القذرة في اليمن”؟ حيث أفادت التقارير بأن السعوديين أعربوا عن غضبهم, ولربما انضمت إليها قوى سنية أخرى في المنطقة. وبعد ذلك ماذا ؟ ماذا كانوا سيفعلون لإضعاف قوة الولايات المتحدة أو نفوذها أو مصالحها أو قيمها؟

في فترة سابقة، ربما كثفوا من أعمالهم العدائية ضد إسرائيل، ولكن في السنوات الأخيرة، اقترب التاج السعودي وغيره من القوى السنية من الدولة اليهودية، حيث وجدوا فيها شريكا في حربهم الباردة ضد إيران التي لن تختفي، على الرغم من أن المحادثات بين المملكة العربية السعودية وإيران كانت ناجحة.

دعونا نضع القيم الأخلاقية جانبا للحظة, وطرح سؤال: هل هناك أي سبب جيوسياسي على وجه التحديد، يدعو الرئيس الأميركي إلى إشباع أو ارضاء المصالح السعودية عندما يخل بمصالح الولايات المتحدة؟ الجواب هو لا.

معرفة السبب:

يبدو أن هذا هو الاستنتاج الذي توصل إليه جو بايدن وفريقه, وبطبيعة الحال، سوف يستمر الرئيس الأميركي في التشاور مع السعوديين والقوى السُنّية الأخرى (فضلاً عن إسرائيل) بشأن الصفقة النووية الإيرانية التي يحاول إنعاشها مع الزعماء الأوروبيين (بعد أن دفنها ترامب).

ومن مصلحة القوى السنية أيضا أن تنجح هذه المفاوضات وأن تتلاقى مصالحها، إن لم تكن متزامنة مع مصالح الغرب في عدد من النقاط.

ولكن مثل أغلب البلدان في مختلف أنحاء العالم (بما في ذلك المملكة العربية السعودية) يجب على الولايات المتحدة أن تعطي الأولوية لمصالحها وقيمها- وينبغي لها أن تتجنب القيام بهذه المصالح والقيم بمحاولة تسوية النزاعات بين البلدان الأخرى، لاسيما وأنها غالبا ما تنتهي إلى تفاقم النزاعات المعنية، كما كان الحال عندما حاول باراك أوباما تهدئة السعوديين بعد اتفاقه مع إيران.

وبطبيعة الحال، هناك استثناءات لتلك القاعدة, حيث يجب أن نمارس نفوذنا عند التعامل مع حلفاء أقوياء، خاصة عندما تكون المعاهدات ملزمة بحماية أمنهم.

إن التوسط في التوترات التاريخية بين كوريا الجنوبية واليابان، على سبيل المثال، يصب في مصلحة الولايات المتحدة إلى حد كبير، حيث أن هذه التوترات – بين أقوى بلدين ديمقراطيين في آسيا وأمريكا والمحيط الهادئ- تعوق وضع سياسات متماسكة ضمن تحالف أوسع نطاقا في المنطقة، الذي هو من بعض النواحي أولوية قصوى للولايات المتحدة في هذا الجزء الديناميكي بشكل خاص من العالم.

وبصرف النظر عن الاستثناءات، فإن هذه ليست دعوة إلى الانعزالية، بل إنها وصف ــ الذي يبدو أن بايدن وفريقه يميلون إليه ــ لما ينبغي أن تكون عليه السياسة المعقولة في عالم منقسم.

فهي سياسة تسترشد بالمصالح والقيم والالتزامات التي تهم حقا وليس بمفاهيم غامضة وقديمة لما قد تمليه “السياسات الجغرافية” أو “مفاهيم النفوذ”.

إن السماح للمملكة العربية السعودية وإيران بإيجاد طريقة عمل مشتركة بمفردهما لا يعني انحطاطاً في القوة الأميركية ولا أحد يستطيع أن يرى ذلك على هذا النحو, ومن المرجح أن يعتبر ذلك نهاية معقولة لتبديد موارد الولايات المتحدة الأمريكية.

* العم سام: هو رمز ولقب شعبي يطلق على الولايات المتحدة الأميركية

* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع