السياسية:

أصبحت العلاقة بين حماس والأردن محل نقاش داخلي في عمان، بعدما كشفت حرب غزة الخطأ الذي ارتكبته عمان في تعاملها مع القضية الفلسطينية، برهانها على السلطة الفلسطينية وتجاهلها حركة حماس.

وعلى العكس، أصبحت مصر محور الجهود الرامية لتحقيق وقف إطلاق النار في غزة بفضل اتصالاتها الوثيقة مع حماس رغم أن القاهرة عمدت لشن هجوم إعلامي حاد على الحركة بسبب ارتباطها بجماعة الإخوان المسلمين المصرية.

المشكلة لا تقتصر على فتور العلاقة بين حماس والأردن فقط، ولكن علاقات الأردن ساءت مؤخراً مع إسرائيل؛ مما جعله فعلياً خلال حرب غزة، بعيداً عن الطرفين الرئيسيين فيها، وقلل من دوره الدبلوماسي في هذه الأزمة، حسبما ورد في تقرير لموقع Al Monitor الأمريكي.

العلاقة بين حماس والأردن.. من الصداقة إلى القطيعة

العلاقة بين حماس والأردن، قديمة وكانت بدايتها في عهد الملك الراحل عبد الله، مختلفة عن الوضع الحالي.

كان السبب الأبرز لاحتضان الأردن حركة “حماس” في عهد الملك الراحل الحسين بن طلال، الرد على قرار السلطة الفلسطينية ممثلة في ياسر عرفات الذي حاول التفاوض مع الجانب الإسرائيلي بشكل منفرد، بعيداً عن عمَّان، إلى جانب الرغبة الأردنية بإبعاد الحركة عن إيران والمحور السوري، وإدماجها في العملية السياسية والتفاوضية مع إسرائيل لقبولها دولياً كطرف فلسطيني معتدل، حسبما ورد في تقرير لموقع “إندبندنت عربية”.

وفي عام 1999 ومع العهد الجديد الذي مثله الملك عبدالله الثاني، اتخذت عمَّان قراراً مفاجئاً غير مسار العلاقة بين حماس والأردن، وذلك بإنهاء وجود الحركة في الأردن وإبعاد خمسة من قادتها إلى قطر لتبدأ بعدها قطيعة طويلة بين حماس والأردن وسط اتهامات أردنية أمنية للحركة.

لكن في عام 2012، ومع صعود نجم الإسلام السياسي على وقع “الربيع العربي” في المنطقة، وجد الأردن نفسه مرغماً على التقارب قليلاً مع حركة “حماس” بدفع من تولي الإخوان المسلمين الحكم في مصر، وتجسد ذلك بلقاء يتيم جمع العاهل الأردني برئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل في عمان، تبع ذلك فتور وحوادث أمنية أعادت العلاقة إلى المربع الأول، بعد تحدث الأردن عما سمي “خلية حماس” التي ضمت 16 متهماً بمحاولة تصنيع متفجرات وتهريبها للأراضي الفلسطينية.

وترتبط القطيعة بين الأردن و”حماس” بملف جماعة الإخوان المسلمين، إذ تخشى عمان من أن تؤدي إعادة العلاقة مع الحركة إلى عودة الجماعة إلى الواجهة مجدداً في الداخل الأردني بعد تحجيمها وتفكيكها وحظرها عبر قرار قضائي قطعي في 2019.

محاولة لتنشيط الدبلوماسية الأردنية

ويعمل الأردن على تكثيف جهوده الدبلوماسية في المنطقة منذ اليومين الماضيين بعد استقباله وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ومحمد بن زايد، الحاكم الفعلي للإمارات، وولي عهد أبوظبي، في عمّان.

ويأتي اللقاءان في أعقاب وقف إطلاق النار الذي أُعلن الأسبوع الماضي لإنهاء الحرب بين إسرائيل وحماس، وزيارة بلينكن للقدس ورام الله والقاهرة هذا الأسبوع.

ويوم 26 مايو/أيار، كانت عمان محطة بلينكن الأخيرة في إطار زيارة إقليمية تهدف إلى تثبيت وقف إطلاق النار بين إسرائيل وغزة ودعم عباس. والتقى بلينكن العاهل الأردني الملك عبدالله وأشاد بعدها به بلينكن في مؤتمر صحفي، قائلاً إن قيادة عبدالله لها دور حاسم وإنه “كما هو الحال دوماً في قضايا أخرى، فدوره كان محورياً في التوصل إلى وقف إطلاق النار في غزة”.

وقالت وزارة الخارجية الأمريكية إن بلينكن أكد أن الولايات المتحدة “تحترم الدور المميز للأردن في الأماكن المقدسة في القدس، وتعيد تأكيد التزامها بالوضع التاريخي الراهن للأماكن المقدسة”.

ويوم 20 مايو/أيار، أي قبل يوم من دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ، اتصلت نائبة الرئيس كامالا هاريس بعبدالله “لتأكيد دعم الولايات المتحدة القوي للأردن والعلاقة التاريخية بين البلدين” ومناقشة الجهود الدبلوماسية لتهدئة الصراع.

ردة فعل أقل مما ينبغي ولا علاقة مع حماس أو إسرائيل

يقول بعض المحللين السياسيين في الأردن إنهم يرون أن ردة فعل عمان على الحرب التي استمرت 11 يوماً بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية المسلحة كان يفترض أن تكون أقوى من ذلك، بالنظر إلى العلاقة بين الشعبين، وهو موقف بدا بالأساس في التحركات الجماهيرية مثل الاحتجاجات اليومية أمام السفارة الإسرائيلية في عمان وتدفق المئات على الحدود مع الضفة الغربية؛ تضامناً مع الفلسطينيين.

ولكن يبدو أن الدور الرسمي قد تراجع بشكل كبير بسبب غياب علاقة بين حماس والأردن، باعتبار أن الحركة الإسلامية كانت هي الفاعل الرئيسي في من الجانب الفلسطيني في حرب غزة.

ويقول موقع Al Monitor الأمريكي إنه رغم شيطنة حكومة الرئيس المصري السيسي لحماس بسبب تحالفها مع الحكومة السابقة بقيادة الرئيس المصري محمد مرسي، لم تقطع مصر علاقاتها مع الحركة الفلسطينية المسلحة التي تحكم قطاع غزة منذ عام 2006. لكن الأردن، من جهة أخرى، طرد قيادة حماس إلى الدوحة عام 1999.

العاهل الأردني مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو

ومع تدهور العلاقات بين الملك عبدالله ونتنياهو إلى أدنى مستوياتها، لم يكن للأردن أي تأثير على الحكومة الإسرائيلية. وفضلاً عن ذلك، يراهن الأردن منذ سنوات على السلطة الفلسطينية الفاسدة التي لا تحظى بشعبية وعلى زعيمها عباس الثمانيني، الذي لا يتمتع بنفوذ على غزة والفصيلين المسلحين الرئيسيين- حماس والجهاد الإسلامي- اللذين ينخرطان في الحروب مع إسرائيل، حسبما ورد في التقرير.

وفيما يتبادل الجانبان الضربات- حيث كانت الفصائل الفلسطينية تطلق صواريخ على مدن إسرائيلية فيما تمطر إسرائيل القطاع المنكوب بالقنابل- دعا الأردن إلى وقف الحرب وأجرى اتصالات هاتفية مع رام الله والقاهرة لتنسيق التحركات الدبلوماسية. وبسبب العلاقات المتوترة بين الأردن وكل من إسرائيل وحماس، كانت خيارات الأردن محدودة، وتولت القاهرة القيادة الدبلوماسية.

القضية الفلسطينية عادت إلى الواجهة

ولفت الوزير السابق والمحلل السياسي الأردني محمد أبورمان، في مقاله على موقع New Arab الإخباري القطري، في 23 مايو/أيار إلى أن الأردن يواجه واقعاً جيوسياسياً جديداً. وكتب: “ليس ثمة شك في أن الحرب الأخيرة قلبت الوضع الراهن على جميع المستويات وأن القضية الفلسطينية عادت إلى الظهور لتصبح قضية مركزية على الصعيدين الإقليمي والدولي وأن مصير القدس يمكن أن يؤدي إلى انفجار إقليمي إذا استمرت السياسات الإسرائيلية”.

وأشار أبورمان إلى ورشة عمل مغلقة عقدها معهد السياسة والمجتمع في عمان في 25 مايو/أيار مع مجموعة من الساسة والخبراء الأردنيين لمناقشة التطورات في الأراضي المحتلة وتداعياتها الإقليمية وتقييم الموقف الأردني خلال الحرب. وقال إن المشاركين اتفقوا على ظهور واقع جيوسياسي إقليمي جديد يقتضي أن يراجع الأردن علاقاته مع تركيا وإيران وسوريا والعراق، حفاظاً على المصالح الوطنية الأردنية. 

وأضاف أبورمان أنه إذا كانت مصر تعتبر غزة امتداداً لأمنها القومي، فعلى الأردن أن ينظر إلى الضفة الغربية من المنظور نفسه، خاصة فيما يتعلق بالقدس. وقال إن “مصير كليهما ليس امتداداً للأمن القومي الأردني بل جزء أساسي منه”.

وقال محمد التل، الصحفي الموالي للحكومة والمحرر السابق لصحيفة الدستور اليومية، في عموده على موقع محلي في 23 مايو/أيار: “كان للأردن دوماً دور رئيسي فيما يخص القضية الفلسطينية، لكنه في الأزمة الأخيرة تنازل عن هذا الدور لأكثر من طرف عربي وتنازل عن أوراق مهمة بحوزته. لقد طردنا حماس قبل 20 عاماً لنُفاجأ بأنها أصبحت الآن طرفاً رئيسياً في القضية الفلسطينية”. 

وأضاف: “وأي تطور في هذه الحالة، يؤثر على أمننا القومي بسبب الروابط الجغرافية والديمغرافية بيننا وبين الفلسطينيين. ويتعين علينا إعادة ترتيب أوراقنا لأن الأولوية لا بد أن تكون دوماً لأمننا القومي”.

دعوات إلى إعادة العلاقات مع حماس

على وقع التطورات الأخيرة في الأراضي الفلسطينية، وجدت الحكومة الأردنية نفسها أسيرة ضغوط شعبية وبرلمانية مكثفة تطالب بإعادة العلاقة بين حماس والأردن واستغلال هذه العلاقة كورقة ضغط سياسية في مواجهة الاستفزازات الإسرائيلية، حسبما ورد في تقرير “إندبندنت عربية”.

ونظمت الحركة الإسلامية وأحزاب وحراكات شعبية، بعد وقف إطلاق النار، مهرجاناً تحت عنوان “المقاومة طريق التحرير” في منطقة طبربور بعمان، وذلك دعماً للشعب الفلسطيني الذي تعرض لعدوان إسرائيلي أدى لاستسهاد 254 فلسطينياً بينهم 66 طفلاً.

وتخلل المهرجان الذي شهد حضوراً كبيراً، كلمات من حزبيين وسياسيين، وكلمة للقيادي في حركة حماس خالد مشعل، الذي قال خلال كلمة له جرى بثها خلال المهرجان إن الأردن توأم الجغرافيا والديمغرافيا وشقيق الروح، ومعاً سنصنع المستقبل المشرق المنتصر.

وقال مخاطباً الشعب الأردني: “أعرف أصالتكم وفضلكم وأشكر عشائر الأردن بشكل خاص التي لها سجل مشرف في معارك فلسطين وأسوار القدس والجيش الأردني والجمهور الأردني والأردن الرسمي والشعبي الذي سينتصر معنا وبنا وننتصر به وبأمتنا بعد عون الله تعالى”.

وباستثناء مبادرات قليلة لم تر النور، ترفض الحكومة الأردنية الانفتاح الكامل على الحركة لاعتبارات سياسية وإقليمية عديدة، بعد أكثر من 20 عاماً على إغلاق مكاتب الحركة في عمّان وطرد قادتها.

وتصدر نائبان في البرلمان الأردني، مقربان من جماعة الإخوان المسلمين الطلب بإعادة العلاقة الأردنية بحركة “حماس”، ودعيا إلى أن تكون هناك انعطافة بالانفتاح الرسمي على الحركة، والتحرر من قيود التحالفات الإقليمية، والتوجه نحو المصالح الحيوية.

المطلب ذاته تردد صداه في التظاهرات الشعبية والعشائرية التي جابت كل المدن الأردنية تقريباً على مدى 10 أيام، للتضامن مع الفلسطينيين، على اعتبار أن التقارب مع “حماس” بات مصلحة أردنية خالصة، في حين أن هناك آراء متوجسة من هذا الطرح، وترى في “حماس” امتداداً لجماعة الإخوان المسلمين العابرة للحدود.

لكن مراقبين يستبعدون عودة قوية للعلاقة بين الأردن وحماس لأن إقدام عمان على هذه الخطوة سيكون مقلقاً لحليفتها الولايات المتحدة، حسب “إندبندنت عربية”، على الرغم من تسريبات لم تعلق عليها الحكومة الأردنية، وتتحدث عن اتصال أجراه مدير المخابرات الأردنية بزعيم “حماس” إسماعيل هنية خلال الأيام الماضية، وفسره البعض برغبة أردنية لدور في غزة عبر بوابة إعادة الإعمار.

وتبدو “حماس” اليوم أكثر رغبة من الأردن بعودة العلاقات، بعد ما أرسل قادتها رسائل إيجابية عدة حول الدور الأردني، في حين تبدو عمان أقل حماساً وأكثر رغبة بالتماهي مع السياسة الأمريكية في المنطقة.

ولكن المفارقة أن أمريكا وإسرائيل على السواء لجأتا عندما وقعت الحرب إلى الدول الصديقة لحماس مثل تركيا وقطر، أو تلك التي تحتفظ معها بعلاقة أمنية وثيقة مثل مصر لبحث ترتيبات وقف إطلاق النار.

عربي بوست