السياسية:

نشر الرعب في أوساط فلسطيني الداخل، كان الهدف الرئيسي لشرطة العدو الإسرائيلية خلال فترة حرب غزة وما بعدها، في مؤشر واضح على عنصرية إسرائيل.

فحسب صحيفة Haaretz الإسرائيلية فإن موجة الاعتقالات التي شنتها السلطات الإسرائيلية خلال الأسبوعين الماضيين في المجتمعات الفلسطينية بعيدة كل البعد عن عملية “تطبيق القانون والنظام” التي استخدمتها الشرطة لوصف أفعالها. 

والحقيقة أنها تمثل العكس تماماً. وينظر الفلسطينيون في البلدات والمجتمعات المختلطة إلى جهود الشرطة على أنها تهدف إلى نشر الرعب، وليس لفرض القانون والنظام. ويشعرون أنَّ الدولة تقول لهم إنَّ كل من يجرؤ على رفع رأسه سيتأذى.

وحتى قبل احتجاجات حرب غزة، اتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش الأمريكية في 27 إبريل/نيسان 2021 الشرطة الإسرائيلية، بانتهاج سياسات تمييز عنصري واضطهاد في معاملة الفلسطينيين، والأقلية العربية بإسرائيل، ترقى إلى حد الجرائم ضد الإنسانية.

وشهدت البلدات العربية في الداخل الإسرائيلي، منها يافا، وحيفا، والناصرة، وكابول، وطمرة، والطيبة، وكفر قاسم، ما سميت بـ”مواجهات مفتوحة” بين متظاهرين فلسطينيين والشرطة الإسرائيلية، على الرغم من أنها كانت مدفوعة بالأساس بالغضب مما يحدث في القدس وغزة، إلا أنها تعبر أيضاً عن الاحتقان من سياسة التمييز الإسرائيلية ضد فلسطينيي 48، في التعليم والتوظيف والخدمات، وطردهم من مساكنهم، وجاءت الاحتجاجات مفاجئة وقوية تعكس إحساساً كبيراً بالظلم.

وقال مدير مركز تقدم للدراسات في لندن محمد مشارقة، لصحيفة العرب اللندنية إن المتغير العميق هو دخول المدن والبلدات الفلسطينية في إسرائيل، ومنها المدن المختلطة، إلى ساحة الصراع، معلنة أنه لا يمكن الحديث عن إنهاء الاحتلال دون إنهاء نظام التمييز العنصري الإسرائيلي، الذي يعامل نحو مليون ونصف المليون فلسطيني من السكان الأصليين داخل الدولة باعتبارهم رعايا وسكاناً لا حقوق لهم، ويحاصرهم في بلداتهم بعشرات القوانين التي تمنع عيشاً كريماً أو مساواة في الحقوق.

في المقابل، وصفت الشرطة الإسرائيلية حملة الاعتقالات والتخويف بأنها ناجحة، واعتبرت المعتقلين خلال الاحتجاجات ضد العملية الإسرائيلية في غزة “مشاغبين” بدعوى أنهم أغلقوا الطرق ودمروا الممتلكات العامة وارتكبوا اعتداءات عنصرية على المارة الأبرياء. 

وتزعم الشرطة أن بعض “مثيري الشغب” يحتفظون بأسلحة نارية ولديهم ماضٍ إجرامي. لكن هذه القصة فشلت تماماً في إقناع الغالبية العظمى من الجمهور الفلسطيني داخل أراضي 48، حسب الصحيفة.

الشرطة الإسرائيلية تختفي أوقات الجريمة

ويقول سكان عدد غير قليل من المجتمعات التي حدثت فيها الاعتقالات إنَّ الشرطة جاءت بأعدادٍ لم يشهدوا مثلها منذ 20 عاماً، بينما لا يرون أي تواجد ذي مغزى للشرطة الإسرائيلية، خلال السنوات الماضية رغم تفشي الجريمة في الشوارع.

ويقول مريد فريد، عضو اللجنة الشعبية في أم الفحم، التي تضم شخصيات عامة ونشطاء اجتماعيين: “وقعت لدينا ثلاث جرائم قتل في أم الفحم بين صباح الجمعة 21 مايو/أيار والإثنين 24 مايو/أيار، دون أن تعبأ الشرطة بشيء”.

وارتفع وجود الشرطة في المدينة ارتفاعاً ملحوظاً بمجرد بدء الاحتجاجات المناهضة للحرب. وتساءل فريد: “كيف يمكنك إقناع جمهورنا بأنَّ مصدر هذا التحرك ليس سياسياً، وأنَّ الهدف منه هو ترويع شبابنا فقط؟. يمكنني أن أخبرك أنَّ مآلها الفشل”.

المحامون يتطوعون للدفاع عنهم دون مقابل

وفي أعقاب موجة الاعتقالات الهائلة في أم الفحم وأماكن أخرى في الجليل والنقب، تولى عشرات المحامين من فلسطيني الداخل قضايا تمثيل المعتقلين، في الغالب دون مقابل مادي.

تقول المحامية شذى بن باري، واحدة من المحامين الذين يمثلون عشرات الشباب: “كنا نتحدث عن العنف في المجتمع الفلسطيني، واستخدام الأسلحة النارية والجريمة المنظمة لمدة عامين. لماذا لم نسمع عن عملية (القانون والنظام) كل هذا الوقت؟. هذه محاولة لتشويه سمعة عامة الناس، بمن فيهم القُصر، الذين يجدون أنفسهم في مواجهة لوائح اتهام وسجلات جنائية”.

الهدف تحطيم معنويات الشباب

وحتى المجتمعات الهادئة، مثل قرية كوكب أبوالهيجاء، امتلأت بسيارات الشرطة الإسرائيلية في الأسبوعين الماضيين. وقال أحد سكان البلدة الواقعة في الجليل، بعدما شَهِد اعتقال أحد أفراد أسرته: “لا أتذكر رؤية أي شيء كهذا على مدى عقدين على الأقل. الأمر برمته هو أنَّ الشباب أغلقوا الطريق الموازي للقرية، والذي يؤدي إلى عدد قليل من المجتمعات الريفية؛ وأدى ذلك إلى موجة اعتقالات”.

وأضاف: “جاءت قوة من الشرطة كما لو كانت تلاحق مجرماً كبيراً، وليس بعض الشباب المحتجين. مجرد رؤية رجال الشرطة عند مدخل المنزل يرعب الأسرة بأكملها”.

ويتساءل لماذا لم يُستدعَ الشاب للاستجواب في مركز الشرطة في مستوطنة مسغاف، الذي يبعد بضع دقائق بالسيارة عن القرية.

التقى عدد قليل من رؤساء الحكومات المحلية الفلسطينية مع مفوض الشرطة في وقت سابق من هذا الأسبوع، مطالبين بوقف العملية. ودعت لجنة المتابعة العليا داخل أراضي 48 إلى وقفات احتجاجية خارج أقسام الشرطة.

وردت الشرطة يوم الخميس، 27 مايو/أيار، بأنَّ العملية ستستمر أسبوعاً آخر. ورؤساء الحكومات المحلية مقتنعون بأنَّ العملية لا علاقة لها بمحاربة الجريمة وتهدف فقط إلى تحطيم معنويات مئات الشباب الذين نزلوا إلى الشوارع.

عندما أحرق اليهود الإثيوبيون والمتطرفون الإطارات لم يحدث بينهم اعتقالات

من جانبه، قال رئيس السلطة المحلية في الجليل: “أذكركم وأذكر آخرين بالاحتجاجات التي اندلعت في مجتمع المهاجرين الإثيوبيين في إسرائيل. لقد أغلقوا الطرق والأحياء وأحرقوا الإطارات. هل سمعت عن أية اعتقالات بينهم؟ هل سمعت عن اعتقالات بين الأرثوذكس المتطرفين الذين نظموا احتجاجات عنيفة في القدس وأماكن أخرى؟”.

وقال مدير مركز “عدالة” القانوني، حسن جبارين، هذا الأسبوع إنَّ سلطات إنفاذ القانون أسقطت العديد من القضايا ضد المشاركين في المظاهرات العنيفة، سواء كانوا إثيوبيين إسرائيليين أو أرثوذكساً متطرفين أو مستوطنين يعارضون وقف إطلاق النار غزة.

محاولة لإرهاب نائب رئيس الحركة الإسلامية

وأفاد مواطنون فلسطينيون بأنَّ الشرطة الإسرائيلية اعتقلت شخصيات عامة ونشطاء سياسيين معروفين أيضاً. 

ووجهت إسرائيل، يوم الخميس 27 مايو/أيار، اتهامات للشيخ كمال الخطيب، نائب رئيس الحركة الإسلامية في حدود 48، بالتحريض على الإرهاب والعنف ودعم منظمة إرهابية. وأدى اعتقال الخطيب قبل نحو أسبوعين في كفر كنا إلى تحويل وسط البلدة إلى ساحة قتال حقيقية؛ إذ أصيب 30 شاباً بجروح بعضهم من الرصاص الحي. واستُدعِي الخطيب أكثر من مرة في السابق إلى مركز الشرطة ولبى الاستدعاء بمحض إرادته؛ لذلك يتساءلون في كفر كنا لماذا قررت الشرطة- أو ربما الأجهزة الأمنية الأخرى- إدخال قوة من العشرات من رجال الشرطة المسلحين إلى وسط البلدة لاعتقاله علناً​​، إذا لم يكن لإثبات وجودهم وإرسال رسالة معينة. 

وإلى جانب الخطيب، استدعت الشرطة واستجوبت الناشطين الاجتماعيين والسياسيين المحليين والعديد من الشباب الناشطين سياسياً والبعيدين جداً عن عالم الجريمة، بما في ذلك رئيس مركز “مساواة” جعفر فرح، وعضو مجلس مدينة شفاعمرو زهير كركبي، وعضو مجلس مدينة حيفا رجاء زعتري.

ربما تزعم الشرطة الإسرائيلية أنها تسعى لفرض القانون والنظام، لكن فلسطينيي الداخل يتلقون رسالة مختلفة تماماً. وقد توصلوا إلى نتيجة مفادها أنَّ هدف العملية ليس محاربة الجريمة، بل ردع الجمهور الفلسطيني

عربي بوست