الفشل الصهيوني وتساقط الرهانات
السياسية: مركز البحوث والمعلومات
بعد أحد عشر يوماً من المواجهات المباشرة ما بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال الصهيوني، يمكن القول أن الرهانات الإسرائيلية على تحقيق أهدافها المختلفة وفي مقدمتها العسكرية قد سقطت “دون سابق إنذار”.
وتشير تفاصيل ذلك السقوط، أن الرهانات من قبل الكيان لم تكن قادرة على قراءة مجمل الوضع بما فيه الأوضاع “العسكري في غزة” أو “الهبة الشعبية الفلسطينية في الضفة الغربية وفي الأراضي المحتلة عام 1948” ولاسيما المدن المختلطة التي يسكنها فلسطينيين ويهود، وما يجب التأكيد عليه أن الصدمة القائمة داخل الكيان لم يعد بالإمكان اخفائها أو تجاوزها بسهولة، خاصة وأنها القت بظلالها على الوضع داخل الكيان الصهيوني بما فيه ،العسكري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي، وفي علاقاته مع المحيط الإقليمي والدولي.
وبعيداً عن الدخول في تفاصيل ما لحق بالكيان الاسرائيلي مع تفجر المواجهات مع المقاومة الفلسطينية، والتي لن يكون من السهل حصرها قريباً، ولا سيما في الجوانب التي من صعب رصدها في الأغلب وفي مقدمتها التأثير النفسي السلبي المعاش من قبل الأفراد أو المجتمع الإسرائيلي ككل، وفي سبيل فهم أكثر لهذا الانهيار لا بد من التوقف في تفاصيل الوضع في الداخل الإسرائيلي “ما قبل اندلاع شرارة المواجهات”، وفي هذا السياق لا بد من الإشارة إلى انه (وحسب العديد من التقارير) وقبل عدة أشهر كان الآلة الإعلامية الإسرائيلية تؤكد أن أكبر تهديد قد يكون على الدولة “إسرائيل” حال حدوثه لن يكون سوى من إيران أو من خلال الحدود مع لبنان، وحسب تلك التقارير، كان الاعتقاد لدى المؤسسة العسكرية للكيان الصهيوني لا تتوقع أن يحدث تصعيد أو موجهات مع الجانب الفلسطيني، وأن هناك ثقة بعدم وجود أي تحديات أمنية من جهة قطاع غزة والضفة الغربية، وبأنه لا مخاوف من أي بوادر عنف على الأرض مستقبلاً وبإن الهدوء تؤكده مختلف المؤشرات القادمة من الداخل الفلسطيني.
ولم يكن في حسبان الغالبية من النخبة الحاكمة داخل الكيان الصهيوني أن خطط تهجير عائلات فلسطينية من “حي الشيخ جراح” داخل مدينة القدس المحتلة، ومن ثم تصاعد وتيرة الاعتداء على المسجد الأقصى وتحويله إلى ساحة معارك مع بداية شهر رمضان، ومن ثم الإعلان عن تنظيم فعالية ضخمة يقتحم من خلالها آلاف المستوطنين باحات المسجد الأقصى، سوف تنعكس وبصورة كارثية على الكيان الصهيوني.
والمؤكد أن حالة الطمأنينة التي سادت الكيان الصهيوني والتي تشير “أنه من الصعب تفجر الأوضاع مع الفلسطينيين بعد سبع سنوات من المواجهات الأخيرة في العام 2014” كانت تعكس في الواقع قراءة إسرائيلية لمجموعة من التحولات والمتغيرات سوء في الداخل الفلسطيني أوفي محيطه العربي، وفي مقدمتها:-
الانقسام الفلسطيني:–
ساهم الانقسام الفلسطيني خلال السنوات الماضية في اضعاف الوحدة الداخلية، وهو ما اضاف في المحصلة انتكاسة جديدة تضاف إلى سلسلة الانتكاسات التاريخية السابقة، التي عانت منها القضية الفلسطينية ومازالت، واصبح التوتر والصراع هو الواقع المعاش منذ الصراع في غزة 2007 ما بين حركتي فتح وحماس “طرفي الأزمة في الداخل الفلسطيني” وعلى الرغم من كل المحاولات والوساطات “المحلية والعربية والدولية” من أجل رأب الصدع وتوحيد الصف الداخلي للحيلولة دون تصفية القضية الفلسطينية برمتها من جانب الكيان الصهيوني، إلا أن تلك الجهود لم تفلح في تجاوز الخلافات.
وفي هذا الإطار، يمكن القول أن الخلافات الأيديولوجية والتدخلات الخارجية كانت سبباً رئيسياً في عدم التزام الطرفين “خلال سنوات الانقسام” بتعهداتهم المختلفة، وهو ما أفضى في الواقع إلى تعميق حالة الخلافات في ملفات رئيسية كالشراكة الوطنية وسلاح المقاومة وإعادة بناء منظمة التحرير وتمكين حكومة الوحدة الوطنية من أداء مهامها والأعداد للانتخابات الرئاسية والبرلمانية.
وعلى الرغم من اشتداد الضغوط الإقليمية والدولية على الفلسطينيين، خاصة مع توسع خطط الاستيطاني والضم ومن ثم إعلان تطبيع بعض الأنظمة العربية علاقاتها مع الكيان الصهيوني، كان المنتظر أن تكون هناك ردة فعل فلسطينية قوية تسعى للتقارب والوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام الداخلي وإتمام المصالحة الداخلية، ولكن جاءت الرياح بمزيد من الانقسام ولا سيما مع إعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس تأجيل الانتخابات التشريعية، إلى حين ما وصفه بـ”ضمان مشاركة أهلنا بالقدس بعد الحصول على الموافقة من إسرائيل”، وهو ما عارضته أغلب الأطراف الفلسطينية وفي مقدمتها حركة “حماس”.
التطبيع مع الكيان الصهيوني:–
اعتبرت القضية الفلسطينية منذ البدايات الأولى قضية العرب المركزية، وكان التضامن بمختلف اشكاله ترمومتر يمكن من خلاله قياس وحدة الصف العربي، وبرغم من الفجوة الكبيرة ما بين الدعم وما هو قائم فعلياً إلا أن الدعم لم ينقطع بصورة كاملة رغم تذبذبه خلال سنوات الصراع الطويلة مع الكيان الصهيوني.
في المقابل، كان التضامن الشعبي العربي مع الشعب الفلسطيني ومازال ينطلق من كونه واجب ديني وقومي وإنساني، وخلال المراحل المختلفة كانت الشعوب أكثر تقدما من أنظمتها في الوقوف مع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وعلى الرغم من حالة التردي والانقسام الذي في العالم العربي والإسلامي خلال العقدين الماضيين إلا أن التضامن الشعبي لم يشهد تراجعاً، وخير دليل على ذلك هو تعاظم حالة التضامن “من المحيط إلى الخليج” مع كل تصعيد للاعتداءات من قبل الصهاينة.
ومما سبق، لم يكن من الصعب أن تتعاظم الرهانات الإسرائيلية على السعي نحو اضعاف الاهتمام بالقضية الفلسطينية من قبل المحيط العربي، وهو ما كان فعلاً خاصة مع تدشين بعض الانظمة العربية إعلان التطبيع بصورة رسمية بعد سنوات من الانفتاح مع الاحتلال الإسرائيلي تحت مبررات وحجج أن التطبيع يخدم المصالح الفلسطينية، فيما الواقع يشير إلى أن التطبيع سوف يساهم في مصادرة مزيد من الحقوق الشعب الفلسطيني، وصولاً إلى تغييب القضية الفلسطينية عن المشهد العربي والدولي مع مرور الوقت.
وخلال الأشهر الماضية تدافع نظام ال زايد في الإمارات، ونظام ال خليفة في البحرين إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني، ولحق بهما في المرحلة التالية النظام الانتقالي في السودان والنظام في المغرب، وهو ما أشار إلى أن الرهان الإسرائيلي على “التطبيع” مع الأنظمة العربية المنضوية في التحالف الأمريكي قد يكون نجح “إلى حد ما”، ولكن ما لم يكن في حسبان “أطراف التطبيع” ما حققه الشعب الفلسطيني ومقاومته في المواجهات الأخيرة من انتصار مبهر اسقط عملياً مؤامرة “التطبيع” وغيرها من المؤامرات التي حيكت منذ سنوات تجاه الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة من قبل صهاينة اليهود والعرب.