السياسية:

“اتفاقية السماوات المفتوحة”.. كان ترامب قد انسحب منها وأعلن بايدن أنه سيعود إليها، فلماذا تراجعت أمريكا وأبلغت روسيا أنها لا تريد “سماوات مفتوحة”؟

وتعتبر اتفاقية السماوات المفتوحة إحدى أهم المعاهدات الأمنية التي ترجع جذورها إلى ما قبل أكثر من ثلاثة عقود، وهي واحدة من اتفاقيات تم توقيعها بين الولايات المتحدة وروسيا، هدفها الأساسي الحد من التسلح.

ويحمل قرار إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن عدم العودة للالتزام باتفاقية السماوات المفتوحة مؤشرات على مدى توتر العلاقات بين واشنطن وموسكو، ولا يبدو أن اللقاء المرتقب بين بايدن ونظيره الروسي فلاديمير بوتين الشهر المقبل في سويسرا سيكون ودياً، على أقل تقدير.

ماذا تعني “السماوات المفتوحة”؟

ترجع قصة السماوات المفتوحة إلى عام 1955 وكانت تلك المرة الأولى التي تطرح فيها الفكرة. وعرض الرئيس الأمريكي الأسبق دوايت أيزنهاور فكرة السماوات المفتوحة على رئيس وزراء الاتحاد السوفييتي وقتها نيكولاي بولغانين خلال مؤتمر في جنيف. ونص المقترح الأمريكي وقتها على أن تتبادل موسكو وواشنطن القيام بطلعات مراقبة جوية، كل فوق بلاد الآخر، بهدف بناء الثقة والاطمئنان إلى أن كل طرف لا يستعد لشن هجوم ضد الآخر.

لكن الزعيم السوفييتي نيكيتا خروشوف رفض مقترح أيزنهاور، وكان السبب بالطبع هو الشكوك العميقة بين الطرفين، إذ كانت الحرب الباردة بينهما على أشدها. وعادت الفكرة إلى الظهور مرة أخرى بعد أكثر من 34 عاماً، وطرحها هذه المرة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب في صورة اتفاقية مراقبة شاملة للأجواء يوقع عليها أعضاء حلف الناتو بقيادة واشنطن وأعضاء حلف وارسو بقيادة الاتحاد السوفييتي.

وتم بالفعل توقيع اتفاقية السماوات المفتوحة في هلسنكي عن طريق وزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر ونظرائه من 23 دولة أعضاء في حلف الناتو، وكان ذلك في 24 مارس/آذار 1992.

لكن الاتفاقية لم تصبح ذات معنى أو تدخل حيز التنفيذ إلا في الثاني من يناير/كانون الثاني 2002، بعد أن صدقت عليها جمهوريتا روسيا الاتحادية وروسيا البيضاء، وظلت “السماوات مفتوحة” حتى نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي.

وتعطي الاتفاقية الحق للدول الموقعة عليها في أن تقوم بطلعات استكشافية فوق أراضي الدول الأخرى لجمع بيانات حول المواقع العسكرية وتحركات الجيش، من خلال عملية معقدة من التنسيق بين الأطراف الموقعة على الاتفاقية، ويتم أيضاً مشاركة البيانات التي تجمعها كل دولة من خلال تلك الطلعات الجوية مع باقي الدول الموقعة على الاتفاقية.

وكانت الولايات المتحدة قد قامت بأول مهمة استطلاع ناجحة –بموجب اتفاقية السماوات المفتوحة– فوق الأراضي الروسية في ديسمبر/كانون الأول عام 2002. ومن شروط الاتفاقية تحديد أنواع الطائرات التي تنفذ تلك المهام الاستطلاعية من جانب الدول الموقعة عليها، على ألا تحمل أسلحة هجومية لدى دخولها أراضي الدولة الأخرى.

متى انسحبت أمريكا من الاتفاقية؟

هناك أكثر من 30 دولة مشاركة في اتفاقية السماوات المفتوحة، قامت بأكثر من 1500 رحلة استطلاعية منذ دخول الاتفاقية حيز التنفيذ عام 2002، لكن إدارة الرئيس الأمريكي السابق قررت الانسحاب من الاتفاقية في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وبرر ترامب القرار بأن “انتهاكات روسيا المتكررة تجعل اتفاقية السماوات المفتوحة غير ذات جدوى للولايات المتحدة”.

وكان رد الفعل الروسي على الانسحاب الأمريكي هو “تعليق العمل بالاتفاقية” لحين عودة واشنطن إلى الالتزام بها، وفي الأسبوع الماضي فقط صوتت الغرفة الأولى في البرلمان الروسي على انسحاب موسكو من الاتفاقية، وكان من المنتظر أن تصوت الغرفة الثانية على نفس القرار في الثاني من يونيو/حزيران المقبل.

وبررت موسكو قرارها تعليق “السماوات المفتوحة” بعد انسحاب واشنطن بأن البيانات التي قد تحصل عليها الدول الأخرى الموقعة على الاتفاقية سوف تصل إلى الجيش الأمريكي على أية حال، وهو ما يعد غير مقبول لموسكو التي رهنت رفع تعليق التزامها بالسماوات المفتوحة بعودة واشنطن إلى الاتفاقية.

ومن اللافت هنا أن رد فعل بايدن على انسحاب إدارة ترامب من الاتفاقية كان يشير بوضوح إلى أن بايدن سوف يعيد واشنطن إلى اتفاقية السماوات المفتوحة بمجرد دخوله إلى البيت الأبيض.

ففي مايو/أيار 2020، أي قبل انسحاب ترامب فعلياً من الاتفاقية، قال بايدن، الذي كان مرشحاً رئاسياً وقتها: “بإعلانه نية الانسحاب من اتفاقية السماوات المفتوحة، أعاد الرئيس ترامب التأكيد على سياسته قصيرة النظر التي تتسم بالانفراد بالقرار والتخلي عن القيادة الأمريكية”.

لماذا تغير موقف بايدن من السماوات المفتوحة؟

أمس الخميس 27 مايو/أيار أبلغت إدارة بايدن الحكومة الروسية أن واشنطن لن تعود إلى اتفاقية السماوات المفتوحة، ونقل القرار للجانب الروسي نائب وزير الخارجية ويندي شيرمان، بحسب تقرير لمجلة Politico الأمريكية.

ويعني قرار الانسحاب من الاتفاقية أنه لم يعد هناك –في مجال الحد من التسلح– سوى اتفاقية “نيو ستارت” الخاصة بوضع سقف على الرؤوس والقنابل والصواريخ النووية الفاعلة في الترسانة النووية لدى موسكو وواشنطن، وهي الاتفاقية التي رفض ترامب تمديدها وكانت ستنتهي مطلع فبراير/شباط الماضي، لكن بايدن سارع بتمديدها لخمس سنوات أخرى بمجرد توليه منصبه.

وكان من المتوقع أن تقرر إدارة بايدن العودة لاتفاقية السماوات المفتوحة أيضاً، لكن مسؤولاً في الإدارة قال للمجلة الأمريكية Politico إن “عملية مراجعة اتفاقية السماوات المفتوحة قد اكتملت، وبالتالي أبلغ شيرمان نظيره الروسي سيرغي ريابكوف بقرار واشنطن عدم العودة للاتفاقية”، وهو القرار الذي تم إعلانه رسمياً في وقت متأخر من مساء الخميس.

وقال بيان صادر عن الخارجية الأمريكية: “تبدي الولايات المتحدة أسفها، لأن اتفاقية السماوات المفتوحة قد تعرضت للتقويض بسبب الانتهاكات الروسية. وبعد مراجعتنا للاتفاقية، لا تنوي الولايات المتحدة العودة للاتفاقية في ظل فشل روسيا في اتخاذ أي إجراء يشير إلى عودتها للالتزام بها. والأكثر من ذلك هو أن سلوك روسيا بشكل عام بما فيه أفعالها الأخيرة بشأن أوكرانيا ليست أفعال شريك ملتزم بإجراءات بناء الثقة”.

ومن جانبها، قالت وكالة الإعلام الروسية نقلاً عن ريابكوف اليوم الجمعة 28 مايو/أيار إن روسيا تشعر بخيبة أمل لقرار الولايات المتحدة عدم الانضمام مجدداً إلى اتفاقية السماوات المفتوحة للحد من التسلح، رغم أن تلك الخطوة كانت متوقعة.

ونقلت الوكالة عن ريابكوف قوله إن الرفض الأمريكي لا يوفر مناخاً مشجعاً لإجراء محادثات بشأن الحد من التسلح خلال قمة بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والأمريكي جو بايدن في الشهر المقبل.

قمة ساخنة بين بوتين وبايدن

بايدن وبوتين سوف يلتقيان وجهاً لوجه في جنيف يوم 16 يونيو/حزيران المقبل، في أول لقاء مباشر بينهما بعد أن أصبح بايدن رئيساً، وفي ظل وصول العلاقات بين موسكو وواشنطن إلى أدنى مستوياتها منذ عقود، يأتي قرار الإدارة الأمريكية بشأن “السماوات المفتوحة” كمؤشر جديد على أن تلك القمة ستحمل الكثير من ذكريات الحرب الباردة بالفعل.

ففي العادة تكون القمة بين روسيا والولايات المتحدة محل اهتمام العالم لكنها هذه المرة تحظى بأهمية خاصة ليس فقط بسبب التدهور الكبير في العلاقات بينهما ولكن أيضاً نتيجة للتلاسن الشخصي الخطير الذي حدث بين بايدن وبوتين خلال مارس/آذار الماضي، حين صدرت تصريحات عن بايدن وصف فيها بوتين بأنه “قاتل”، ورد بوتين بأن من يصف الآخرين بأنهم قتلة “فهو على الأرجح يصف نفسه”، وتبع ذلك استدعاء موسكو سفيرها في واشنطن.

وقبل حتى أن يتم تنصيب بايدن رسمياً، كان التوتر بين واشنطن وموسكو قد بدأ يأخذ شكلاً تصاعدياً سريعاً، حيث اعتقلت روسيا المعارض الأبرز لبوتين أليكسي نافالني وحاكمته وسجنته، فيما وصفه محللون وقتها بأنه رسالة مباشرة من بوتين إلى بايدن، الذي يتحدث كثيراً عن حقوق الإنسان وفرض عقوبات على موسكو بسبب نافالني.

لكن خلال أبريل/نيسان الماضي، تبنى الرئيس الأمريكي لغة مختلفة بعد أن قال إنه “حان وقت خفض التوتر مع روسيا”، وهو ما فتح الباب أمام الاتفاق على عقد القمة بينهما في يونيو/حزيران وفي جنيف بالتحديد، حيث طرحت فكرة “السماوات المفتوحة” للمرة الأولى قبل ما يقرب من 70 عاماً.

لكن قرار إدارة بايدن بشأن رفض العودة لـ”السماوات المفتوحة” جاء بمثابة التذكير بأن التوتر في علاقات موسكو وواشنطن أكثر عمقاً مما توقعه الكثيرون.

*المادة الصحفية نقلت حرفيا من موقع عربي بوست ولاتعبر عن رآي الموقع