السياسية :

من دون مقدمات اكتسحت منشورات تحمل حروفاً عربية غير منقوطة حائط “فيسبوك”. حملت هذه المنشورات شعارات مناهضة للصهيونية و”إسرائيل” ودعماً للفلسطينيين في ثورتهم ضد الاحتلال. لم يستغرق الأمر كثيراً حتى كان مستخدمو الموقع الأزرق يتداولون اسم التطبيق المسؤول عن تحويل أي نص عربي إلى نظير له من دون نقاط، والغاية من الأمر التحايل على خورازميات مارك زوكيربرج الذي يفرض موقعه رقابة صارمة على كل ما يتعلق بفلسطين.

في غضون ساعات قليلة شكل الأمر تظاهرة ثقافية في نظر البعض، فيما كان علامة خنوع في نظر آخرين. فالكاتب الصحفي المصري أسامة الرحيمي رأى أن تنقيط الحروف هو “الإنجاز اللغوي العربي الأهم، حتى أصبج الأمر مثلاً شائعاً يدلل به الناس على الوضوح من دون التباسات فيقولون: “نريد أن نضع النقاط على الحروف”.

واعتبر الرحيمي أننا لم نكن في حاجة إلى استخدام أساليب تحايل على “فيسبوك”، وكان يتوجب علينا أن نصرّ على الكتابة بلغتنا الفصحى الواضحة كوضوح موقف المقاومة، ولو كلف ذلك البعض حذف حساباتهم، مضيفاً أن “إدارة (فيسبوك) اضطرتنا كعرب، وكعادتنا، إلى التراجع لأكثر من 1300 سنة إلى الوراء.. نقبل دائما أن نتخاذل ونتراجع وأن نبدوا بدائيين، رغم رد المقاومة لأول مرة من 1948 (النكبة) بهذه الثقة والاقتدار. فهل يعقل أن نتخلى في عز المجد هذا، وانهيار الصهيونية بكل أسلحتها عن نقط لغتنا وهي أعز وأهم مراكز الوضوح في أفصح مكونات هويتنا؟ إنها اللغة، أحد أهم أسلحتنا أمام وحوش الغرب سفاكو الدماء.. ناهبو ثروات الشعوب.. مشعلو الحروب.. ناشروا الخراب”.

وذكر صاحب كتاب “بوح المبدعين” أنه يكتب بشكل شخصي على صفحته كثيراً أنه ضد “إسرائيل” والصهيونية ولم تحذف له كلمة، رغم تأييده المقاومة بوضوح، ونشره صور الصواريخ.

أما شوكت المصري فقد رأى أن “غاية ما في الأمر أنه حيلة ذكية لرد خداع خوارزميات مارك”.
ويضيف الأستاذ المساعد في النقد الأدبي بأكاديمية الفنون، أن “التحايل اللغوي طريقة من طرق المقاومة الشعبية للتحايل على “الكود اللغوي”، سواء كان هذا الكود ممنوعاً لسبب تقني أو سياسي”.

لكن المختلف في تجربة فيسبوك، وفقاً للمصري، أنها “خوارزميات آلية لا تبحث بشكل آلي عن كلمات لحذف المنشور ، وإنما لمراجعته فقط، فيمكنك أن تكتب “الله ع الصهيونية” أو “تحيا إسرائيل” لتجرب بنفسك ذلك؛ فهو يراجع البوست وعلى أساسه يحظر أو لا يحظر، وتبقى في النهاية فكرة مراقبة اللغة مراقبة كاملة شيء مستحيل”.

ويدلل المصري على أن الجماعة اللغوية تخلق السنن الخاصة بها طوال الوقت، ويستشهد في هذا المقام بالأغاني التي ابتكرها الناس في أوقات الأزمات، وأشهرها أغنية “يا بلح زغلول” التي غناها المصريون لسعد زغلول أثناء منفاه.

وهنا أغنية أخرى ربما لم تنل القدر نفسه من الشهرة وألفها بديع خيري عن خديوي مصر واضعاً أول حرف من اسمه في بداية كل كلمة تبدأ بها جملة في الأغنية، وغيرها من اللغات التي يخترعها أصحاب مهنة معينة أو فن معين.

ويرى المصري بأن المجتمع ومستخدمين اللغة أو المجتمع البشري “لن يعدموا البدائل للتحايل على أي نظام لغوي يقيد قدراتهم التعبيرية، وسيهزمونه دوماً بأكوادهم الجديدة”.

من جهتها، قالت لينا نابلسي، الكاتبة الفلسطينية المقيمة في مصر، إنه “من غير المنطقي في العام 2021 أن يتم إسكات الآخرين وحرمانهم من إبداء وجهة نظرهم.. بداية من رأي عابر في مسلسل من مسلسلات رمضان وصولًا للوضع الحالي وما يحدث” من عدوان على الشعب الفلسطيني والاقصى الشريف”.

وأضافت صاحبة “ضحك ولعب وجد وحب” أن “نجاح تلك المقاومة المعرفية استمر عندما وجد مجموعة من الاشخاص طريقة للتحايل علي خوارزميات (فيسبوك). خاصة أن الوضع صار مستحيل التقبل من طرف أي شخص يمتلك الحد الادنى من الإنسانية، ويقف ضد تكميم الاصوات المناهضة للاحتلال، والرفض العارم لمحاولة التدخل كان أكبر دليل على وعي وثقافه المجتمع والجيل الحالي”.

من جانبه، لا يرى الروائي المصري علاء فرغلي في هذه الظاهرة شيئاً محدداً، “فلا هي نصر مبين، ولا هي علامة على ضياع اللغة”، واصفاً الأمر بأنه “إجراء لا أكثر ولا أقل”.

وأضاف صاحب رواية “وادي الدوم” الفائز بجائزة مؤسسة ساويرس عن روايته الأولى “خير الله الجبل”، أنه “إذا كان الأمر مجرد تحايل على خوارزميات “فيسبوك” فلا بأس بذلك، من أجل فتح مجال أكبر للتعبير بحرية عن المضمون”، لكنه لا يتوقع بكل الأحوال أن تستمر هذه الطريقة في الكتابة، لتجاوز المنجز اللغوي البشري لها لعقود، ويبقى هذا التصرف في اعتقاده رمزياً إلى حد كبير.

* المصدر : الميادين نت – عمرو العزالي