السياسية:

رغم الفظائع التي شهدتها حرب تيغراي فإن الأزمة التي يخشاها العالم في إثيوبيا ليست في هذا الإقليم الشمالي الصغير، ولكن السيناريو الأخطر في هذه الدولة الإفريقية هو تحول الصراع بين الأمهريين والأورومو إلى حرب أهلية مفتوحة.

والأورومو هي أكبر مجموعة عرقية في إثيوبيا، والأمهرة هي ثاني أكبر مجموعة. وتشترك منطقتا أمهرة وأوروميا في الحدود، وتصاعدت الهجمات على المدنيين من الأورومو داخل المنطقة الأمهرية في الأشهر الأخيرة.

فخلال الشهر الماضي أعلنت إثيوبيا حالة الطوارئ في الجزء الجنوبي من منطقة أمهرة، في محاولة لوقف الصراع بين الأمهريين والأورومو، الذي تحول إلى عنف عرقي مميت في هذه المنطقة.

ووقعت أعمال العنف هذه في مناطق الأورومو الخاصة داخل الإقليم الأمهري.

وتغذت النزاعات إلى حد كبير من قبل الجماعات التي تطالب بمزيد من الأراضي والسلطة، مع محاولات لطرد الأشخاص الذين تعتبرهم غرباء.

وألقت السلطات المحلية باللوم في الهجوم على مجموعة منشقة عن جبهة تحرير أورومو، المعروفة باسم OLF Shane.

ونفت المجموعة مسؤوليتها عن الهجوم المميت. وجبهة تحرير أورومو هي حزب معارض قضى سنوات في المنفى، لكن تم رفع الحظر عنه بعد أن تولى رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد منصبه في عام 2018.

وقال المتحدث باسم مكتب الشؤون القانونية في الجبهة: “تسعى حكومة ولاية أمهرة الإقليمية إلى تبرير ارتكاب فعل تطهير عرقي آخر”.

وقال جمال هاسن، رئيس منطقة جيل تيموجا بمنطقة أورومو الخاصة، إن الحادث وقع بعد أن قتلت قوات الأمن التابعة للأمهرة صاحب متجر.

وأدت أعمال العنف في ولاية أمهرة إلى خلاف وصراع بين الأمهريين والأورومو داخل حزب آبي أحمد الحاكم “الازدهار”، حيث تبادل الجناحان الاتهامات بشكل علني بالمسؤولية عن الأحداث، حسبما ورد في تقرير لموقع “الجزيرة بالإنجليزية”.

وقال جيش تحرير أورومو إنه سيخوض “حرباً شاملة” بعد أن صنفته حكومة السيد آبي أحمد، في مايو/أيار، جنباً إلى جنب مع جبهة تحرير تيغراي جماعة إرهابية.

التركيبة العرقية لإثيوبيا

إثيوبيا أمة بها حوالي 80 لغة وحوالي 200 لهجة. اللغات الرئيسية الثلاث هي الأمهرية والأورومو والتيغرانية، الأمهرية هي اللغة الرسمية للحكومة.

وتنقسم إثيوبيا إلى 10 ولايات فيدرالية تتمتع بحكم شبه ذاتي منظمة على أسس عرقية. 

وحاولت الحكومة الإثيوبية لفترة من الوقت فرض ثقافة وطنية على الدولة بأكملها. ومنذ عام 1991 سيطر التيغراي على المشهد السياسي والاقتصادي للبلاد، قبل تولي آبي أحمد السلطة، وقد تصاعد العنف العرقي في السنوات الأخيرة، رغم وعود آبي أحمد بالعدالة والإصلاح.

إليك التوزيع العرقي في إثيوبيا

– قومية الأورومو وتمثل 34.4% من السكان.

– قومية الأمهرية وتمثل 27% من السكان.

– القومية الصومالية وتمثل 6.2% من السكان.

– القومية التيغرية وتمثل 6.1% من السكان.

– قومية السيداما وتمثل 4% من السكان.

– قومية الجوراج وتمثل 2.5% من السكان.

علاقة الأورومو المعقدة بإثيوبيا

كان الأورومو شعباً محارباً رعوياً يعيش على التخوم الجنوبية للإمبراطورية الحبشية، بينما هذه الإمبراطورية كان يسيطر عليها تاريخياً الأعراق الشمالية، لاسيما الأمهريين وبصورة أقل التيغراي.

ولم يكن للأورومو دولة، ولكنهم شكلوا مجموعات قبلية قوية، وسرعان ما سيطرت الإمبراطورية الإثيوبية على مناطقهم خلال القرون الماضية، ورغم أنهم أصبحوا أكبر مجموعة سكانية فإنهم ظلوا مهمشين وظلت السيطرة للأمهريين، ثم تحولت إلى التيغرانيين بعد سقوط نظام منغستو هيلا مريم الشيوعي عام 1991.

ولفترة من السبعينيات حظرت الحكومة لغة الأورومو والعديد من اللغات الأخرى.

والصراع بين الأمهريين والأورومو قديم، ففي عام 1973، أسس القوميون الأورومو جبهة تحرير أورومو وجناحها المسلح، جيش تحرير أورومو، لأنه في ظل نظام الإمبراطور هيلا سيلاسي، مُنعت لغة الأورومو من الاستخدام في التعليم والمسائل الإدارية. وهيمنت ثقافة الأمهرة طوال عصور الحكم العسكري والملكي. 

وقامت هذه الحكومات بنقل العديد من الأمهريين إلى جنوب إثيوبيا، بما في ذلك منطقة أوروميا الحالية، حيث خدموا في الإدارة الحكومية والمحاكم والكنيسة والمدارس، وتم إلغاء نصوص الأورومو واستبدالها بالأمهرية.

ونظرت النخب الحبشية إلى هوية ولغات الأورومو على أنها عوائق أمام توسع الهوية الوطنية الإثيوبية.

بعد سقوط نظام منغستو هيلا مريم الشيوعي عام 1991، خفف النظام الجديد من القمع الثقافي والإداري للمكونات الإثيوبية، وقسم الأقاليم على أساس عرقي، ولكن النظام المركزي كان يسيطر عليه التيغراي بشكل استبدادي، الذين كانوا يمثلون 6% من سكان البلاد.

وقد جاء آبي أحمد للسلطة نتيجة لثورة الأورومو التي قادها المطرب هانديسا، تم اغتياله في يوليو/تموز 2020، وجوهر محمد المعارض الأبرز لآبي أحمد، الذي تم اعتقاله، لتساهم سياسات آبي أحمد في ازدياد غضب الأورومو.

آبي أحمد حليف الأمهريين

رغم أن آبي أحمد ينتمي للأورومو (من ناحية والده المسلم بينما والدته أمهرية مسيحية)، فإنه ينظر إليه على أنه ممثل النخب الأمهرية الثقافة، وأن حلفاءه وداعميه الأساسيين هم الأمهريون، كما ظهر في حرب تيغراي، حيث لعبت القوات الأمهرية الدور الرئيسي في الحرب، حسبما ورد في تقرير لمجلة Foreign Policy الأمريكية.

إذ اعتمد آبي أحمد على دعم قادة وميليشيات عرقية الأمهرة، التي يتمثل هدفها في استعادة ما يعتبرونه الأراضي الأمهرية المفقودة من تيغراي إلى السودان، وقد يفسر ذلك غضبه من استعادة السودان معظم أراضي منطقة الفشة، التي كانت تسيطر عليها العصابات الأمهرية.

وتفيد تقارير بأن ضم سلطات الأمهرة لجزء كبير من غرب تيغراي أجبر مئات الآلاف من سكان تيغراي على البحث عن ملاذ في أماكن أخرى، بما في ذلك في السودان القريب.

لماذا يمثل الصراع بين الأمهريين والأورومو خطراً أكبر من حرب تيغراي؟

رغم الدور التاريخي للتيغراي في إثيوبيا، وامتلاكهم كميات هائلة من السلاح لأنهم كانوا يحكمون البلاد قبل وصول آبي أحمد للسلطة، فإن مشكلة الإقليم ليست الأخطر، بالنظر إلى أنه لا يمثل سوى 6% من السكان.

وتعاني البلاد من صراعات أخرى مثل الصراع بين العفار والولاية الصومالية، والصراع بين السكان الأصليين في إقليم بني شنقول وأبناء القوميتين الأمهرية والأورومو.

ولكن من بين كل هذه الصراعات فإن الصراع بين الأمهريين والأورومو هو الأخطر، بالنظر إلى أن القوميتين يشكلان معاً نحو ثلثي سكان البلاد.

ويشعر الأورومو أن آبي أحمد هو ممثل للأمهريين أكثر منه ممثلاً لهم، ورغم أن الفظائع بحق التيغراي لم تشملهم، ولكنها تشير إلى سياسته المحابية للأمهريين.

وما يزيد الهوة والصراع بين الأورومو والأمهريين هو الفجوة العرقية والثقافية.

فالثقافة واللغة الأمهرية هي ثقافة ولغة المركز في إثيوبيا رغم أنها ليست صاحبة الأغلبية.

كما أن الأمهريين هم شعبي سامٍ ينتهي لشعوب شمال إثيوبيا، التي هيمنت تاريخياً على البلاد، بينما الأورومو شعب آفروآسيوي ينتمي للشعوب التي عاشت على هامش الإمبراطورية الحبشية، وبينما الأمهريون هم قلب الكتلة المسيحية لإثيوبيا، فإن الأورومو منقسمون بين المسلمين والمسيحيين.

كما أن جزءاً من قوة الشعوب الإثيوبية الشمالية وهيمنتها على باقي شعوب الهضبة الحبشية، هو التعاون والتقارب التاريخي بين الأمهريين والتيغراي، باعتبارهم قلب الأمة الحبشية، وهو أمر انتهى بحرب تيغراي الأخيرة.

ما الحل بالنسبة لإثيوبيا؟

قال بعض الإثيوبيين إنهم يعتقدون أن البلاد يجب أن تتغلب على سياساتها العرقية من خلال تشكيل اتحاد جديد لا يشكل العرق فيه العامل الأكثر أهمية.

لكن لا يوجد اتفاق حول كيفية تحقيق ذلك، حيث إن آبي أحمد، الذي وصل إلى السلطة كزعيم إصلاحي وفاز بجائزة نوبل للسلام في عام 2019 لإبرام السلام مع إريتريا، يتحرك نحو مركزية السلطة بطرق تهمش قادة الأقاليم.

وقال كاساهون برهانو، أستاذ العلوم السياسية بجامعة أديس أبابا: “لا شك أن إثيوبيا تقف الآن على مفترق طرق”، حسبما ورد في تقرير لموقع Pbs الأمريكي.

وأضاف “في حين أن الاعتراف الدستوري بالحقوق العرقية “ليس سيئاً، يجب أن يتم تبسيطه بطريقة لا تضر البلاد، قائلاً “الحقوق العرقية لا يمكن أن تكون على حساب الانتماء المشترك الأساسي. يمكن تصحيح هذا في سياق التعديل”.

وأشار آخرون إلى أنه قد يتعين التخلي عن الدستور لصالح “اتحاد إقليمي” على غرار الولايات المتحدة، محذرين من أن محاولات تعزيز سلطة رئيس الوزراء القوي يمكن أن تعيد الاستبداد القاسي، بينما محاولات التجانس العرقي يمكن أن تؤدي إلى مزيد من الفظائع.

وقال محمود ممداني، أستاذ الحكومة في جامعة كولومبيا الأمريكية، إن المركزية في ظل الحكومة العسكرية التي حكمت إثيوبيا بالعنف من عام 1974 إلى عام 1991، فضلاً عن الفيدرالية العرقية في ظل التحالف الذي خلفته الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي “فقدت مصداقيتها من الناحية العملية”. 

وقال إن “البديل لكليهما هو الفيدرالية الإقليمية”، حيث يتمتع جميع سكان الوحدة الإدارية بحقوق متساوية، وليس على أساس إثني.

ففي بلد يكون فيه سكان الولايات الإقليمية متعددي الأعراق، فإن “ممارسة تقسيم الإقاليم على أساس عرقي يعني حرمان الأقليات العرقية في الإقليم من الحقوق”.

آبي أحمد يحاول استغلال الأزمات لإحكام قبضته

ولكن المشكلة أن آبي أحمد يخلط بين محاولة الحفاظ على وحدة البلاد، وتعزيز سلطته الاستبدادية، فلقد سعى إلى تقوية قبضته على الحكومة الفيدرالية وتغيير التركيبة الحزبية عبر إنشاء حزب سياسي واحد.

ففي عام 2019، دمج آبي أحمد الائتلاف الحاكم في حزب واحد، في ظل مساعيه لتفكيك كتل القوى العرقية والإقليمية، كما سجن خصومه السياسيين البارزين وقضى على الأحزاب المتنافسة.

وحتى وقت قريب، كان يُنظر إلى إثيوبيا، الحليف العسكري للولايات المتحدة، على أنها المحور الاستراتيجي للقرن الإفريقي، ونموذج للنجاح الاقتصادي، لكن مع استمرار الصراع يشعر المحللون بالقلق من أن إثيوبيا أصبحت مصدراً لعدم الاستقرار في منطقة مضطربة أصلاً، حسبما ورد في تقرير لصحيفة The New York Times الأمريكية.

وتقول مجلة Foreign Policy الأمريكية إن العديد من المسؤولين الأمريكيين الذين تحدثت إليهم أجروا مقارنة بين إثيوبيا ويوغوسلافيا في عام 1992، قبل انهيارها مباشرة واشتعال سلسلة من الحروب وحملات التطهير العرقي الشنيعة. 

وهو تشبيه يسلط الضوء على مدى قلق البعض في واشنطن بشأن استقرار الدولة الأكثر اكتظاظاً بالسكان في شرق إفريقيا.

وبينما تركز الإدارة الأمريكية على الفظائع في تيغراي، فإنها قلقة أيضاً من التوترات المتصاعدة بين منطقتي أوروميا وأمهرة.

وقد يكون ذلك أحد أسباب ترددها في الضغط على آبي أحمد في ملف تيغراي والنيل كما ينبغي، إذ يخشون أن يتصاعد الصراع بين الأمهريين والأورومو لدرجة الحرب الأهلية.

وقال جيفري فيلتمان، مبعوث الرئيس الأمريكي الخاص إلى القرن الإفريقي، لمجلة Foreign Policy، عقب توليه منصبه، إنَّ انهيار إثيوبيا يمكن أن يجعل سوريا تبدو وكأنها “لعبة أطفال”. 

وأضاف “لقد كان عدد سكان يوغوسلافيا قبل الحرب نحو 23 مليون نسمة، وهو نفس عدد سكان سوريا قبل الحرب الأهلية. وبالمقارنة يبلغ عدد سكان إثيوبيا 110 ملايين نسمة.

ومن الواضح أن آبي أحمد لعب دوراً في تأجيج الخلاف الصراع بين الأمهريين والأورومو، بدلاً من أن يكون سبباً في التقارب بين الشعبين، بفضل نسيجه الثقافي والديني المتنوع، (أب مسلم أورومو وأم مسيحية أمهرية).

فقيامه بقمع الحركات الأورومية غير العنيفة هو دعوة للساخطين من هذه القومية للجوء للعنف المسلح، وسماحه للأمهريين بقمع التيغراي يجعل الجميع ينظر إليه باعتباره منحازاً إليهم.

وعلى غرار ما يحدث في أزمة سد النهضة فإن آبي أحمد يعتمد على إشعال أزمة جديدة بدلاً من حل الأزمات القائمة.

* المادة الصحفية نقلت حرفيا من موقع عربي بوست ولاتعبر عن رآي الموقع