بقلم: بيير هاسكي

“راديوفرانسانتر- franceinter” الفرنسي – ترجمة: أسماء بجاش – الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)

تعيش منطقة الشرق الأوسط في عالم متعدد الأقطاب, وذلك بعد أن شهدت المنطقة المصالحة بين ممالك الخليج وقطر، ومن ثم المفاوضات بين تركيا والمملكة العربية السعودية ومصر.

عندما تبدأ منطقة معقدة واستراتيجية مثل الشرق الأوسط في التحرك، يجب علينا أن نحاول فهم طبيعة التكوينات الدبلوماسية في العمل, لاسيما عندما تكون الجهات الفاعلة الإقليمية مثل تركيا أو السعودية أو مصر أو حتى إيران على وشك التحرك، مع مفتاح السلام والحرب والتنمية الاقتصادية.

لقد بدأ كل شيء في التحرك منذ يناير المنصرم، عندما نظمت السعودية قمة ضمت دول الخليج بالإضافة إلى مصر، حيث خطت تلك القمة المصالحة مع قطر، في البيت السعودي في مدينة العلا.

وبهذا, فقد وضعت هذه القمة حداً لثلاث سنوات من القطيعة الخليجية, بعد أن تم فرض الحصار على قطر من قِبَل جيرانها، الذين طالبوا الإمارة بإنهاء علاقاتها مع جماعة الإخوان المسلمين واتصالاتها مع النظام الإيراني.

ومن جانبها, بدأت قطر بدورها في العمل كوسيط بين أصدقائها الجدد في منطقة  الخليج وبين تركيا.

وخلال سنوات القطيعة الثلاث، نشبت “حرب باردة” داخل العالم السني, بعد أن تم وضع المعسكر التركي القطري ضد المعسكر السعودي الإماراتي المصري.

والآن, فإن الأمور تتحرك لصالح أنقرة، نظراً لأن تركيا هي الجزء الأكبر في هذه المعادلة, حيث كثيراً ما يقال إن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان انتهج بحماس نهج الدبلوماسية العثمانية الجديدة، من ليبيا إلى أذربيجان عبر منطقة  شرق البحر الأبيض المتوسط وسوريا.

ومع بعض النجاحات كما في ليبيا, حيث تمكنت من إفشال الهجوم على العاصمة طرابلس، وضد أرمينيا حيث كان لأسلحتها تأثير كبير.

ولكن تركيا تواجه صعوبات اقتصادية كبرى، كما أن علاقاتها مع أوروبا وحليفتها الأميركية التقليدية بعيدة كل البعد عن الكمال, وذلك نظراً لكون الرئيس أردوغان لم يرق له التصريح الأخير الذي أدلى به الرئيس جو بايدن, عندما اعترف بالإبادة الجماعية للأرمن.

واليوم, أصبحت تركيا بصدد التوافق مع مصر والمملكة العربية السعودية, اللتان كانتا الخلافات بينهما مهمة.

مع مصر منذ إطاحة الجيش بالرئيس مرسي الذي ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين والتي تربطها علاقات وثيقة مع حزب العدالة والتنمية الذي يترأسه أردوغان؛ ومع السعودية منذ اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي في مبنى  القنصلية السعودية في اسطنبول مطلع أكتوبر من العام 2018.

وفي المقابل, فقد أصبح الرئيس التركي بحاجة إلى طي صفحة الماضي,  حتى لو كان لا يستطيع معارضة ذلك.

يمكن أن يكون لتحسين العلاقات بين تركيا وحليفتها القطرية مع الجانب السعودي نتائج مهمة.

ففي ما يخص الجانب التركي, سوف يعود تحسين العلاقات بنفع عليها, حيث سيتم أولاً إنهاء مقاطعة منتجاتها التي تراجعت صادراتها إلى السعودية بنسبة 98٪ خلال العام الماضي, لهذا فإن أنقرة تحتاج  لهذه النتيجة الجيدة في هذا الوقت من الأزمة؛ نظراً لكون هذا الحدث يحسن الموقف الصعب بشكل كبير

وفي المقابل, هناك ما تشترك فيه هذه البلدان, البعد عن الولايات المتحدة الأمريكية الحليف المشترك، التي لم تعد تثق بها حقاً.

تؤكد فتيحة دازي-هاني، الباحثة المختصة في شؤون منطقة الخليج و شبه الجزيرة العربية, بالإضافة إلى كونها باحثة في معهد البحوث الإستراتيجية التابع للأكاديمية العسكرية ومعهد الدراسات السياسية الفرنسي,  أنه “يجب أن نعمل على قياس مدى الصدمة السعودية”، فعندما هاجمت إيران منشآتها النفطية في العام 2019 ولم ترد إدارة الرئيس الأمريكي ترامب على ذلك الهجوم,  لذا فإن التقارب بين دول الخليج وإسرائيل الذي حصل بتشجيع من الإدارة الأمريكية بالتأكيد، هو جزء من هذا المسعى لتحقيق الأمن الإقليمي.

وهذا التقارب بين القوى السنية في الشرق الأوسط قد يكون له أيضاً تأثير إيجابي على إنهاء الحرب الشرسة  الدائرة في اليمن، التي لا تزال مستمرة في سرد فصولها المأساوية منذ فترة طويلة.

وما زال يتعين علينا أن نرى ما إذا كان بوسعها أيضاً أن تعمل على استرضاء الجانب الإيراني: فالاتصالات السرية الأولى جارية بين الرياض وطهران.

ولكن ظهور هذا “القطب الشرقي الأوسطي” في العالم الجديد المتعدد الأقطاب لن يشهد ظهور حقوق الإنسان, نظراً كون السياسة الواقعية هي التي تجمعهم اليوم، وليس مشروع مواطن.

*      المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع