السياسية:

هل يؤدي الانسحاب الأمريكي من أفغانستان إلى استعادة زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري لقوته بعدما خبا دوره بشكل كبير خلال السنوات الماضية، وأصبح لا يلقى اهتماماً حتى من الدوائر الأمنية الأمريكية المعنية بالإرهاب.

وكان وضع تنظيم القاعدة في أفغانستان هو إحدى أكثر النقاط جدلية في قضية الانسحاب الأمريكي من أفغانستان.

فلقد كانت القاعدة هي السبب في التورط الأمريكي في هذا البلد بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، واليوم مازال التنظيم قائماً وأيمن الظواهري أحد أبرز الشخصيات المتهمة بالتخطيط لهذه الأحداث يعتقد أنه مازال مختبئاً في أفغانستان رغم أنه أصبح أقل خطورة مما مضى.

جدل أمريكي حول وضع “القاعدة” في أفغانستان

اليوم فإن احتمال عودة القوة لنشاط القاعدة في أفغانستان في ظل قيادة أيمن الظواهري مسألة خاضعة لجدل ذي طابع مسيَّس في الدوائر الأمريكية.

فهناك نوع من الاختلاف داخل مجتمع مكافحة الإرهاب الأوسع حول مدى أهمية التهديد الذي لا يزال يشكله تنظيم القاعدة في أفغانستان.

وأحد الأسباب هو أنه أثناء عهد ترامب، كان من الشائع تسييس التقييمات الاستخباراتية، وغالباً ما كان وزير الخارجية السابق مايك بومبيو كان هو المتهم بهذه الممارسات.

وأدى ذلك إلى تضخيم قدرات القاعدة عند مناقشة علاقتها مع إيران، بينما اعتبر بومبيو أن الجماعة كانت “ظلاً لما كانت عليه في السابق” لتبرير سحب القوات الأمريكية في أفغانستان كجزء من اتفاق سلام مع طالبان.

في الواقع، ربما يكون عكس كلام بومبيو هو الأكثر دقة، حسبما نشر في تقرير لموقع World Politics Review كتبه كلوين كلارك هو مدير السياسات والأبحاث في Soufan Group الأمريكية للاستشارات الأمنية.

إذ يقول كلارك إن تنظيم القاعدة مقيد من بعض النواحي بسبب استمرار وجوده في إيران، في حين أن قيادته تتطلع لأن تحسن وضعها في أفغانستان بعد الانسحاب الأمريكي وظهور نتائج محادثات طالبان شريكها السابق مع الحكومة الأفغانية. 

وفي المقابل، فإن كثيراً من القوى الليبرالية والعسكرية الأمريكية التي كانت مناهضة للانسحاب من أفغانستان تميل إلى التأكيد على استمرار العلاقة بين طالبان والقاعدة، رغم نفي الحركة لذلك.

ونُسبت العديد من الإشارات إلى إدارة بايدن والعسكريين الأمريكيين التي تقول إن طالبان لم تقطع علاقتها بالقاعدة.

وفي هذا الإطار، يقول كلوين كلارك إن حكومة بقيادة طالبان في كابول ستكون بالتأكيد مضيافة للجهاديين وهم يسعون لإعادة تجميع صفوفهم وإعادة بناء شبكتهم في جميع أنحاء جنوب آسيا.

ولكن اللافت أنه لا يتم التركيز على أن مقاتلي طالبان قاموا بحماية القواعد العسكرية الغربية في أفغانستان من هجمات الجماعات المنافسة لأكثر من عام بموجب ملحق سري لاتفاق انسحاب جميع القوات الأمريكية بحلول الأول من مايو/أيار 2021، حسبما قال ثلاثة مسؤولين غربيين على علم بالاتفاق لرويترز.

غير أنه بصرف النظر عن حقيقة علاقة طالبان بالقاعدة، فإن مسؤولي المخابرات الغربية يعتقدون أنّ القاعدة وداعش سيواصلان السعي إلى تخطيط الهجمات الإرهابية الدولية من مخابئهما في أفغانستان، كما فعل أسامة بن لادن في الـ11 من سبتمبر/أيلول.

ولكن هل حالة القاعدة في أفغانستان تسمح بهذا السيناريو، وما وضع زعيمها أيمن الظواهري هل هو ميت أم حي، هل هو القائد الفعلي أم رمزي وما هي خطط الأمريكيين للتعامل معه؟

أين يوجد أيمن الظواهري؟

تأسست القاعدة في أفغانستان، وكانت مقر مؤسسها الراحل أسامة بن لادن عندما خطط لهجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 على نيويورك وواشنطن. 

وبعد مقتل بن لادن في باكستان على يد القوات الأمريكية الخاصة، خلفه الجهادي المصري أيمن الظواهري في رئاسة القاعدة، وهو شخصية تميل للتنظير ولكنها أقل تأثيراً من بن لادن.

ويعتقد أن أيمن الظواهري يسكن في منطقة مجهولة تحكمها طالبان ولا تزال المكافأة البالغة 25 مليون دولار أمريكي عن اعتقاله قائمة.

واضطر الظواهري إلى البقاء مع مستوى نشاط منخفض للغاية، على الأرجح حول الحدود الأفغانية الباكستانية، وسط تكهنات حول ما إذا كان لا يزال على قيد الحياة، في حين أن الجماعة تحولت الآن إلى شيء مختلف تماماً عما كانت عليه.

وقال باراك مندلسون، خبير الإرهاب في كلية هافرفورد في بنسلفانيا، لوكالة فرانس برس، إن “الجزء المركزي من تنظيم القاعدة هو مجرد ظل لما كان عليه في السابق، كان ما فعله الظواهري هو إبقاء القاعدة على قيد الحياة فقط”، حسبما ورد في تقرير لموقع The Economic Times

وأضاف مندلسون أنه بدلاً من أن يكون لدى القاعدة مركز متماسك لصنع القرار، أصبحت قيادة التنظيم الآن أقرب إلى “مجلس المستشارين” الذي يجمع الجهاديين في جميع أنحاء العالم ويساعدهم.

ووفقاً لتقرير صدر مؤخراً عن مشروع مكافحة التطرف البحثي (CEP)، “فإن القاعدة تحت قيادة الظواهري أصبحت لا مركزية بشكل متزايد، وباتت السلطة بشكل أساسي في أيدي القادة المنتسبين للقاعدة في البلدان المختلفة”.

وقال إن الظواهري لعب بالفعل دوراً رئيسياً في إعادة تنظيم العديد من الجماعات الجهادية تحت مظلة القاعدة.

هل هو حي أم ميت؟

وفي نهاية عام 2020، عادت تقارير غير مؤكدة للظهور عن وفاة الظواهري بسبب مرض في القلب، وهي تقارير سبقت أن ترددت، ولكنه ظهر لاحقاً في مقطع فيديو يدين محنة أقلية الروهينغا المسلمة في ميانمار.

غير أن عدم وجود أي تاريخ محدد في الفيديو جعل من المستحيل تأكيد أو نفي ما إذا كان لا يزال على قيد الحياة، وقد لاحظ المحللون بالفعل طول عمره بالنظر إلى انضمامه إلى دوائر جهادية في مصر قبل أربعة عقود.

من يرثه في زعامة القاعدة؟

 تفاقمت حالة عدم اليقين بشأن تشكيل قيادة القاعدة في أغسطس/آب الماضي بعد مقتل عبدالله أحمد عبدالله، الرجل الثاني في الجماعة في عهد الظواهري والمعروف باسمه الحركي أبومحمد، على يد عملاء إسرائيليين، حسبما ورد.

 إذا كان الظواهري لا يزال على قيد الحياة، فهذا يعني أن القاعدة يقودها رجل على الأرجح في حالة صحية مريضة.

ويعتقد المراقبون أنه مهما كان مصير أيمن الظواهري، فإن عصره يقترب من نهايته ويشير الخبراء إلى مرشح واضح واحد كخلف محتمل له في المستقبل، زميله المصري سيف العدل.

والعدل هو ضابط برتبة مقدم سابق في القوات الخاصة المصرية وانضم إلى جماعة الجهاد الإسلامي المصرية في الثمانينيات. واعتقل لكن أطلق سراحه فيما بعد وسافر إلى أفغانستان للانضمام إلى القاعدة في عهد الظواهري.

لكن استمرار وجود عادل في إيران، حيث يقيم منذ عام 2002 أو 2003 تقريباً، يفرض قيوداً واضحة على دوره القيادي المحتمل، خاصة في ظل توجس التنظيمات الجهادية ذات المرجعية السلفية. 

هل اقتربت نهاية التنظيم المتطرف؟

إذا مات الظواهري، فسيكون ذلك بمثابة ضربة أخرى للقيادة العليا المتضائلة للقاعدة، والتي تضاءلت بشكل مطرد على مدار السنوات العديدة الماضية.

 وقال كولين كلارك إنه “من المهم التفريق بين تنظيم القاعدة والحركات المتطرفة التي ساعدت في تحفيزها”.

بالنسبة لبعض المتطرفين، فإن نواة القاعدة التي كان يقودها أسامة بن لادن ونائبه الظواهري هي من بقايا زمن مضى”. “لكن القاعدة أثبتت قدرتها على الصمود بشكل ملحوظ في الماضي، من السابق لأوانه كتابة نعي المجموعة حتى الآن”.

أهمية الظواهري تتضاءل

 وعلى الرغم من كونه أحد مهندسي هجمات 11 سبتمبر 2001، فإن الولايات المتحدة لم تعد تبدي اهتماماً كبيراً بأيمن الظواهري أو القاعدة، رغم استمرار المكافأة المخصصة له بقيمة 25 مليون دولار.

قد يرجع عدم اهتمام واشنطن إلى ضعف أهمية القاعدة كمركز لصنع القرار، بالتزامن مع صعود تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” المنافس.

وفي تناقض مع ما كان يحدث خلال السنوات الماضية، لم تحصل القاعدة إلا على إشارة مقتضبة في الشهادة الأخيرة لمدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كريستوفر راي أمام الكونغرس حول التهديدات التي تواجه الولايات المتحدة الأمريكية، حسب كلارك. 

ففي جلسة الاستماع أمام اللجنة القضائية في مجلس الشيوخ في أوائل مارس/آذار 2021، خلص راي إلى أنه في حين أن القاعدة “تحافظ على رغبتها في شن هجمات كبيرة وواسعة النطاق” بسبب استمرار ضغط مكافحة الإرهاب والخسائر القيادية الأخيرة، فمن المرجح أن تركز الجماعة على القضايا الضيقة في منطقة الساحل والقرن الإفريقي، مع “دعم الهجمات الصغيرة الحجم التي يمكن تحقيقها بسهولة” في تلك المناطق.

هذا لم يمنع الأمريكيين من محاولة مطاردة التنظيم وزعيمه أيمن الظواهري، حتى اللحظات الأخيرة لوجودهم في أفغانستان.

ولكنَّ الأمريكيين سيطاردونه حتى اللحظة الأخيرة

سيكون جنود القوات الخاصة الأمريكية الـ800 في أفغانستان هم آخر المغادرين بموجب جدول الانسحاب الذي وضعه الرئيس الأمريكي جو بايدن.

ويبدو أن إحدى مهامهم الأخيرة مطاردة القاعدة ومحاولة الوصول لزعيم التنظيم أيمن الظواهري وأتباعه من المقاتلين الذين يصل عددهم إلى 200 شخص، حسب تقرير لصحيفة The Times البريطانية.

ولم تستبعد الصحيفة البريطانية أن يكون أيمن الظواهري أو جزء كبير من رجاله قد فروا من أفغانستان، حيث إن بعض أعضاء التنظيم الذين أفلتوا من عمليات تفتيش وكالة الاستخبارات المركزية والقوات الخاصة الأمريكية يتواجدون الآن في إيران، وفقاً لوكالة استخبارات الدفاع.

خيارات أمريكا لمحاربة القاعدة بعد الانسحاب

يجري الآن إغلاق القاعدة السرية التي استخدمتها القوات الخاصة الأمريكية كنقطة انطلاق لعملياتها ضد “الأهداف عالية القيمة” أي القاعدة وداعش.

وما يزال البنتاغون يبحث تشكيل قوةٍ “عابرة للأفق”، لتكون قادرة على مساعدة الجيش الأفغاني في حالات الطوارئ. ولكن رفض أي من دول المنطقة استضافة هذه القوة سيُجبر البنتاغون على الاعتماد على قوةٍ ضاربة من إحدى حاملات الطائرات أو ربما القاذفات الموجودة في منطقة الخليج. 

وهناك خيارات أخرى مثل الاعتماد على ميليشيات مدعومة أمريكياً، أو المداهمات المسائية بواسطة فرق صغيرة من القوات الخاصة، بناءً على معلومات استخباراتية جُمِعَت من الأرض مباشرةً، واستخدام الطائرات بدون طيار.

وقال الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية، في عطلة نهاية الأسبوع: “سنخفض أعداد قواتنا إلى الصفر”.

وتردّد ميلي عند سؤاله حول ما إذا كان الجيش الأفغاني قادراً على التكيّف بمفرده في مواجهة طالبان والقاعدة، حسب صحيفة The Times البريطانية.

إذ قال: “لدينا من ناحية بعض النتائج المحتملة السيئة وشديدة الدراماتيكية. ومن ناحيةٍ أخرى هناك جيشٌ وحكومة مترابطان معاً”.

ولدى طالبان ما يصل إلى 85 ألف مقاتل دائم، بينما يزعم الجيش الأفغاني الذي تدربه الولايات المتحدة/الناتو أن لديه 180 ألف جندي، إضافة لقوة طيران صغيرة، ولذا يجب أن يكون قادراً على احتواء طالبان. 

ومع ذلك، فقد ابتلي الجيش الأفغاني بسوء الإدارة والفساد وقوة قواته أقل بكثير مما تم الإعلان عنه حيث يقوم القادة بتحصيل رواتب “الجنود الأشباح” غير الموجودين.

لماذا يبدو أن لدى طالبان أسباباً للابتعاد عن القاعدة؟

حركة طالبان التي قدمت في وقت سابق ملاذاً لأعضاء القاعدة قد لا ترغب الآن في السماح لهم باستخدام أفغانستان كنقطة انطلاق لشن هجمات، حسبما يرى باكر عتياني، الصحفي الذي لديه تجربة دامت أكثر من عقدين من التغطية للجماعات المسلحة في آسيا، في تقرير نشره في موقع Arab news.

إذ يقول: لقد تطورت حركة طالبان منذ الغزو الأمريكي الذي أطاح بهم من السلطة في عام 2001. وهم الآن حركة سياسية وقد تم قبولهم دولياً كطرف في عملية السلام الأفغانية. إنهم لا يريدون المخاطرة بفقدان هذا الوضع.

لكن حتى قبل ذلك، في عام 2001، لم تكن القاعدة مدعومة من قبل كل أعضاء طالبان، كان الملا عمر، مؤسس حركة طالبان، هو الذي سمح لابن لادن بالعمل من أفغانستان. ولم يحظَ قراره بتأييد جميع قادة طالبان. البعض منهم، في الواقع، عارضها، حسب عتياني. 

ومع ذلك، فإنه يرى أن المشكلة تظل في الفوضى التي خلقت في أفغانستان وغيرها من البلدان جراء تدخل القوى العظمى، بما في ذلك الولايات المتحدة، التي تخلق الصراعات أو الحروب أو تدعم الأنظمة غير الديمقراطية، حيث تقوم الأنظمة بقمع المعارضة السياسية وتؤدي الصراعات إلى فراغ في السلطة، مما يعطي شرياناً حيوياً للأيديولوجيات أو الجماعات المسلحة المتطرفة مثل القاعدة وداعش.

* المادة الصحفية نقلت حرفيا من موقع عربي بوست ولاتعبر عن رأي الموقع