بقلم: إيمان عويمر

حافظت “قفة الدوم” أو “الحلفاء” التقليدية، لعقود من الزمن على مكانتها في المجتمع الجزائري، كموروث ثقافي برمزيته الشعبية، غير أن توسع صناعة الأكياس البلاستيكية واقتحامها بقوة في التعاملات التجارية اليومية أزاحها من الطريق.

وبعدما ظل أصحاب ورش صناعة “القفة” التقليدية، يشتكون من اندثار حرفتهم التي ورثوها عن أجدادهم من عشرات السنين، في ظل عزوف أفراد المجتمع عن استعمالها، عادت هذه المصنوعات التقليدية لاكتساب شعبيتها من خلال غزو الأسواق مجدداً وذلك مع تزايد الطلب عليها من قبل الأسر الجزائرية، وفق ما يؤكده تجار لـ”اندبندنت عربية”.

و”القفة” أو “السلة” المصنوعة من خشب الدوم التي تستخدم لاقتناء الخبز وحتى الخضار والفواكه ومختلف المواد الاستهلاكية، أخذت لمسة عصرية مع إدخال عامل الألوان والزركشة، ما أعطاها نكهة خاصة.

“شؤم السواد”

“القفة الجزائرية فيها أصالة وميزة الخير الوفير عكس الأكياس السوداء التي باتت رمزاً للتشاؤم”، كما تقول فتيحة (43 سنة)، مردفة “القفة ترمز للتكاتف والتضامن والبركة في الأيادي”. وعادة ما يستحضر الجزائريون المثل الشعبي القائل “قفة بلا يدين” للتعبير عن وحدتهم أو فقدانهم عزيزاً يجاريهم مصاعب الحياة. ويشير هذا الوصف إلى أهمية القفة في حياتهم اليومية.

بدورها، تؤكد الباحثة في الآثار والتراث سميرة أمبوعزة، عودة القفة بقوة إلى الشارع الجزائري “لما فيها من منافع، منها دوامها وجمالها إإضافة إلى المادة المحافظة على الطبيعة التي تحتويها، ليس مثل البلاستيك المليء بالمواد السامة وسريع التمزق”.

وأضافت أومبوعزة لـ “اندبندنت عربية” أن “أسباب هذه العودة ترجع بالأساس إلى “عملية الترويج للقفة في الأسواق، وتسويقها بأثمان مناسبة إضافة إلى وزنها الخفيف وصلابتها وسعتها وأريحية حملها لمختلف السلع”.

وتمر صناعة القفة بمراحل عدة، أولها التزود بالمواد الأولية المتمثلة في الحلفاء والدوم، وبعدها مرحلة إعداد الألياف بإزالة الشوائب منها ووضعها في الماء حتى تصبح رطبة وقابلة للطي، وتتم صباغة جزء منها ببعض الألوان كالأحمر والأزرق لتعطي للقفة رونقاً وجمالاً، وبعد ذلك تصنع منها سلاسل مكونة من ألياف متشابكة، وكذلك فتل الشريط الذي يساعد على تجميع هذه السلاسل لتأتي مرحلة التجميع وهي المرحلة التي تخاط فيها القفة بالمخراز أو الطراح ليتم إعطاء القفة الشكل المطلوب، لتأتي مرحلة التشذيب التي تقتضي إزالة الألياف الزائدة، وتنقية المنتج لإعطائه الشكل النهائي، وفق صناعيين.

وفي العموم، يتراوح سعر القفة بين 5 و7 دولارات ويمكن أن يرتفع الثمن حسب النوعية والشكل والحجم، وتكمن ميزتها في أنها تصمد لسنوات وبالإمكان غسلها وتجديدها من دون أن تتعرض للتلف.

وكان للقفة الجزائرية دور كبير إبان الاستعمار الفرنسي، حيث كانت تنقل فيها الأسلحة والمؤونة من الحبوب والخضار والفواكه والمأكولات والأدوية للمحاربين في الجبال والقرى.

تهديد للبيئة والصحة

عودة القفة إلى الأسواق، يعكس إدراك ووعي بعض المواطنين بخطورة استخدام الأكياس البلاستيكية التي باتت تسبب مشاكل صحية قد تصل إلى السرطان.

وفي تصريحات إعلامية، وصفت وزيرة البيئة الجزائرية دليلة بوجمعة فقالت “الأكياس البلاستيكية يستهلكها الجزائريون بكثرة بحجة السترة”. ومن هذا المفهوم الشعبي، وجد الكيس البلاستيكي مكانته وتغلغل في السلوكيات المجتمعية للمواطن الجزائري الذي يفضل أن يخبئ مشترياته حتى لا تظهر للآخرين، لا سيما في الأحياء الشعبية.

وبالتزامن مع اليوم العالمي لحقوق المستهلكين المصادف في 15 مارس (آذار) من كل عام، خصصت الجزائر هذه المناسبة للحديث عن مكافحة تلوث البلاستيك، إذ كشف تقرير حكومي أن الجزائر تعد من بين أكبر المستهلكين للأكياس البلاستيكية على المستوى العالمي، إذ انتقل استخدام المواطنين لها من خمسة مليارات كيس مستخدم سنوياً عام 2019 إلى ما يقارب سبعة مليارات، ناهيك عن التلوث البصري الذي تخلفه الأكياس نظراً لخفة وزنها، حيث تطير بسهولة وتلتصق بالأشجار وتغزو الأراضي.

وأصدرت الحكومة الجزائرية قراراً يقضي بالمنع التام لاستخدام الأكياس السوداء، وتعويضها بأكياس ورقية ابتداءً من عام 2020، ويلزم القرار وزارات الداخلية والتجارة والصناعة والبيئة والطاقات المتجددة بتطبيقه، لكنها عجزت عن ذلك بدليل استمرار استخدام المواطنين للأكياس البلاستيكية السوداء، إذ يحتاج الأمر إلى حملات واسعة من قبل المهتمين بالصحة والبيئة في الجزائر حول خطورة المواد البلاستيكية على المواد الغذائية، خصوصاً الخبز، الذي يعد غذاء أساسياً للجزائريين.