بقلم: إريك جيفارا فراي, بلاندين ليفيت, منى حسين

(موقع “rts- الإذاعة والتلفزيون السويسري”- ترجمة:أسماء بجاش-سبأ)

يعيش اليمن في خضم حرباً ضارية منذ أواخر مارس من العام 2015, وكنتيجة حتمية لذلك, يشهد البلد أسوأ أزمة إنسانية على مستوى العالم, وذلك, بحسب التقارير الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة.

ومع ذلك, لا توجد نتيجة وشيكة لهذا الصراع الخفي تقريبا الذي تنخرط فيها أيضا القوى الأجنبية.

ولتسليط الضوء على مجريات الأحداث في اليمن, يصف أحد العاملين في مجال العمل الإنساني, حالة الطوارئ من على أرض الواقع, حيث أشار إلى أن ” البلد مدمر، البنية التحتية منهارة، بما في ذلك شبكات الاتصال, ناهيك عن كون أكثر من نصف الخدمات الأساسية، مثل قطاعي الصحة والتعليم، خارج نطاق الخدمة, في حين أصبح الحد الأدنى من تلك المنشآت مهدد الآن”.

ومن جانبها, تدلي كارولين دوبر، رئيسة بعثة منظمة هانديكاب الدولية في صنعاء، بشهادتها من خلال برنامج “كل العالم” حول حالات الطوارئ الإنسانية للسكان العالقين داخل البلد:

“ثلث المدارس لم تعد تعمل، والبعض الآخر أضطر لإغلاق أبوابه أمام الطلاب بسبب انتشار جائحة الفيروس التاجي الذي يضاف إلى العديد من الأزمات الأخرى التي تعصف بالبلد, كما تعاني المرافق الصحية الضعيفة بالفعل وذات القدرات المنخفضة، جراء تفشي العديد من الأوبئة مثل الكوليرا والملاريا والشيكونغونيا، بالإضافة إلى سوء التغذية الذي فتك بالعديد منهم, ناهيك عن كون  الضحايا الرئيسيون لبقايا المتفجرات هم الأطفال الذين يدفعهم الفضول لاكتشاف أشياء غريبة يجدونها ملقاة على الأرض”.

تعكف منظمة هانديكاب على تقديم الرعاية اللازمة للمصابين وذوي التشوهات جراء العمليات القتالية, حيث تقدم لهم خدمات إعادة التأهيل، بالإضافة أيضا إلى الدعم النفسي والاجتماعي لاستعادة ثقتهم بأنفسهم وسلامتهم البدنية, كما تساعد الناس على التعرف على بقايا متفجرات الحرب, حيث يعتبر الأطفال هم الضحايا الرئيسيين لها”.

تلفت كارولين دوبر الانتباه إلى حقيقة أنه حتى الجروح القابلة للشفاء يمكن أن تتحول إلى إعاقة دائمة, ومن هنا تأتي أهمية جودة الخدمة والرعاية في الوقت المناسب التي يتم تقديمها.

“وفي حالة الأشخاص ذوي الإعاقة أو الذين تعرضوا لبتر الأطراف، هناك عمل جاد مع المجتمع المحلي لإشراك هؤلاء الأشخاص في المجتمع وإدماجهم في الأنشطة اليومية للحياة, كما يجب أيضا تقديم الدعم لأسرهم في هذه العملية, نحن الآن في حالة طوارئ, لا نَستطيعُ تَحَمُّل الإنتِظار”.

وفي مواجهة ما تسميه “ألف ورقة من الأزمات”، تسرد رئيسة البعثة صعوبة تحديد أولويات الإجراءات, كل شيء مهم وكل شيء عاجل, حيث تتولى المنظمة رعاية الفئات الأكثر ضعفاً: أي المصابين وذوي الإعاقات, كما تقدم المنظمة خدمتها في المدن الكبيرة, حيث لا تزال بعض الهياكل الأساسية تعمل، ولكن أيضا في المناطق المعزولة جدا حيث تفتقر إلى الخدمات بشدة”.

وفي بيان صدر مؤخرا، تحدثت المنظمة غير الحكومية عن القيود الأمنية والإدارية التي تحد من نطاق عملها, حيث قالت كارولين دوبر إن الحصول على الموافقات يستغرق وقتاً طويلاً ” اننا الان فى حالة طوارئ, لا يمكننا الانتظار, وكلما تأخرت عمليات تدخلنا، كلما كان من الصعب على السكان الحصول على الخدمات الأساسية”.

ومن التحديات الأخرى التي تواجه المنظمة غير الحكومية, إيصال المواد من الخارج, وإذا أمكن العثور على عدد محدود من الكراسي المتحركة أو العكازات في الموقع، يجب استيراد معدات أكثر تطورا، مثل الإطراف الصناعية, وقد أصبح هذا الأمر أكثر تعقيدا نظرا لأن طرق الشحن ولاسيما عن طريق البحر والجو التي تأثرت الآن تأثرا شديدا بالصراع.

حرب بالوكالة:

إن الحرب في اليمن، حتى وإن كانت تهدد السكان بالمجاعة، وغالباً ما تمر تحت أنظار وسائل الإعلام والمجتمع الدولي, بعد ست سنوات من الصراع الدامي، لا توحي بوجود مخرج حتى الآن, حيث يرجع ذلك بصورة جزئية إلى أن القوى الأجنبية تشن حربا بالوكالة على الأراضي اليمنية.

فمن ناحية، تدعم المملكة العربية السعودية القوات الموالية لحكومة الرئيس عبد ربة منصور هادي، بينما تدعم إيران الحوثيين.

رفض وقف إطلاق النار:

يشرح توماس جونو، أستاذ الشؤون العامة والدولية في جامعة أوتاوا, بكندا, أنه في الآونة الأخيرة، رفض الحوثيون الذين يسيطرون على المناطق الشمالية من البلد, بما في ذلك العاصمة صنعاء، اقتراحا بوقف إطلاق النار المقدم من الجانب السعودي, نظراً لسيطرتهم في الوقت الحالي على مجريات الصراع.

“إذا كان الحوثيون يتمتعون الآن بميزة الأفضلية، إلا أنهم ليسوا أقوياء بما يكفي لكسب هذه الحرب, نظراً لكون الحكومة المعترف بها دولياً، بدعم من المملكة العربية السعودية، ليست على شفا الهزيمة الكاملة, لذلك لا يوجد اليوم حل عسكري، على الأقل على المدى القصير”.

ومن جانبه, قال الباحث الفرنسي فرانسوا فريسون روش من المركز الوطني الفرنسي للبحث العلمي  “CNRS” والمدير السابق لمشروع  “المساعدة الانتقالية في اليمن” الذي اختارته الحكومة الفرنسية ليكون مستشاراً لدى الجمهورية اليمنية ليساعد اليمنيين على وضع الدستور اليمني الجديد في فترة انعقاد مؤتمر الحوار الوطني ولجنة صياغة الدستور في الفترة ما بين 2012 إلى 2014, إن الحوثيين الشيعة في وضع أفضل لمطالبة المملكة العربية السعودية بالتعهدات.

“يدعو الحوثيون إلى إنهاء الحصار بكافة اشكاله البحرية والجوية للسماح بوصول المساعدات الإنسانية ووقف القصف، قبل البدء بأي مفاوضات, بينما تريد السعودية وقف إطلاق النار والبدء من جديد على أساس المبدأ الذي قررته الأمم المتحدة لتسوية القضية اليمنية, ولكن بعد صراع دام أكثر من ست سنوات، أصبح هذا القرار عتيقا ويعتقد الحوثيون أنهم لا يعاملون كشريك كامل في المفاوضات”.

يضع فرانسوا فريسون روش تأثير إيران على الحوثيين في منظوره الصحيح, “حتى لو كان بإمكانها التدخل قليلاً، فإن إيران لا تملك القدرة على ثني الحوثيين, فهي تدعمهم لأنهم شيعة، لكن إيران لا تملك النفوذ الذي يعزى لها في كثير من الأحيان في هذا المجال”.

دعم إدارة جو بايدن:

وبالإضافة إلى مشاركة السعودية في صد نفوذ إيران، فإن لهذا الصراع بعداً دولياً أيضاً.

وهكذا، فإن ثلاثة أعضاء في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهم: الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا العظمى، قدموا الدعم للسعودية أو ما زالوا يدعمونها, بيد أن الرئاسة الأمريكية الجديدة غيرت الوضع, حيث الغاء الرئيس جو بايدن أحد تدابير سلفه بإزالة الحوثيين من القائمة السوداء للمنظمات الإرهابية.

لكن دعم الولايات المتحدة للسعودية مستمر على نطاق واسع، كما يرى توماس جونو, “على الرغم من أن الولايات المتحدة قد توقفت عن دعم بعض العمليات العسكرية الهجومية، فإنها لم تلغي السعودية كشريك وثيق وسوف يشجع هذا الضغط السعوديين على محاولة إيجاد حل للحرب، ولكنها ليست بتلك القوة”.

تسعى الرياض إلى الخروج من حرب مكلفة وغير مدروسة على الأرض، لكنها لا تريد في نفس الوقت أن تفقد ماء وجهها أو تتنازل عن حدودها الجنوبية لكيان تحت سيطرة الحوثيين ولذلك، فإن الصراع لا يزال يلقي بضلاله على حساب حياة  السكان المدنيين في اليمن.

* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع