السياسية: رصد

تقرض الصين، مثل كل الدول الغنية الأخرى، مليارات الدولارات للحكومات المحتاجة إلى تمويلات. لكن في هذا السياق، جاءت دراسة جديدة مهمة أجرتها البروفيسورة آنّا غيلبرن، من جامعة جورجتاون الأمريكية، وباحثون آخرون، لتبيّن أن عقود منح القروض التي توقعها الصين تنطوي على نوع من الانحياز الخاص ضد مصلحة الدول المقترِضة، بل ومصلحة المجتمع الدولي ككل، بحسب تقرير لموقع Axios الأمريكي.

وتكمن أهمية الدراسة في تسليطها الضوء على استخدام الصين المتزايد لهذه العقود للحصول على ميزات جيوسياسية ليس فقط على الدول المدينة لها، لكن أيضاً على جميع الدول الغنية الأخرى.

بماذا تختلف القروض الصينية عن قروض الدول الغنية الأخرى؟

تلفت الدراسة إلى ثلاث نقاط تختلف فيها عقود منح القروض الصينية عن النموذج المتعارف عليه في القروض من ذلك النوع:

1. السرية: تشترط معظم العقود التي وقعتها الصين أخيراً عدم السماح للدول المقترِضة بالكشف عن شروط العقد أو حتى عن وجودها. وهذا يعني أن الصين يصبح لديها معلومات أغزر بكثير عن الوضع المالي الحقيقي للدول المدينة لها، أكثر من أي دولة دائنة أخرى أو بنك أو حامل سندات في هذه الدول.

2. الضمانات: تصر الصين في كثير من الأحيان على ضمانةٍ تشترط على البلدان المدينة إنشاء حساب مصرفي خاص -في بنك “مقبول للمقرِض [الصين]”- يمكن للصين الاستحواذ عليه بدرجة ما إذا رغبت في ذلك، في حالة تعرّض المقترِض لأي ضائقة أو تعسر في سداد القرض. ومن ثم، فإن تلك الأموال يكون محظوراً الوصول إليها فعلياً فيما يتعلق بأي مصرف آخر من مصارف الإنفاق الحكومي، حتى لو كانت جزءاً رسمياً من قاعدة أصول الدولة المقترِضة.

3. إمكانية التعجيل: يمكن للصين أن تعلن أن القرض مستحق للسداد في أي وقت، مع الاشتراط بتسديد كامل مبلغ الدين المستحق ووجوب السداد على الفور، في مقابل أي تصرف ضمن مجموعة واسعة من القرارات أو الإجراءات التي قد تتخذها الدول المقترِضة، والتي تشمل اتخاذ إجراء معاكس أو تراه الصين مخالفاً لمصالح أي كيان صيني تقريباً.

وتذهب الدراسة إلى أن مقتضى تلك الضمانات يعني عملياً “أن الإيرادات الحكومية تظل خارج حدود الدول المقترِضة، وفي الوقت نفسه خارجةً عن سيطرة المقرِض السيادي”.

وتشمل القروض الصينية أيضاً بنوداً تشترط “عدم تبعية القرض لخدمات واشتراطات (نادي باريس)”، وهي بنود تحول صراحةً دون إدراج الديون ضمن خدمات النادي [التي تشترط من جانبها الخضوع لالتزامات صندوق النقد الدولي وشروطه] التي تتيح إعادة هيكلة الديون للدول المتعسرة في إطار دولي أوسع نطاقاً.

هكذا يصبح للصين نفوذ هائل على الدول الفقيرة

بناء على ذلك، تقول الدراسة إن الجمع بين شروط التعجيل الصارمة وشروط الإعسار المرافقة [مَنْع وصول الدولة المقترضة إلى حسابات معينة في حال تخلفها عن السداد أو امتناعها عن الوفاء بأحد الالتزامات] يعني أن الصين يصبح لديها نفوذ هائل على قرارات الدول المدينة وقدرتها على اتخاذ إجراءات سيادية. 

ومن الأمثلة على ذلك: تخلت الأرجنتين عن مشروع لإنشاء سد ليس بسبب أنه يعني فقط تخلفها عن سداد القروض المتعلقة بإنشاء السد، بل لأنه قد يعني أيضاً حدوث عجز عن سداد جميع القروض الصينية للدولة، ومن ثم فقد فُرض عليها التخلي عن المشروع حتى وإن كانت قادرة على الوفاء بالتزاماته، ما دام ثمة التزامات أخرى حيال الصين هي قد تعجز عن الوفاء بها.

وتخلص الدراسة إلى أن القروض الصينية تجعل مواطني الدول المدينة في وضع هم عاجزون فيه عن مساءلة حكوماتهم عن ديون هم لا يعرفون من الأصل شروطها. وعندما تتورط تلك الحكومات في مشكلات أو تعسر في سداد الديون، فإن شبكة عقود منح القروض الصينية تجعل أي نوع من إعادة هيكلة الديون أمراً شديد الصعوبة.

بلد آخر يسلم ممتلكاته الثمينة للصين

تعد دولة لاوس، الواقعة بين فيتنام وكمبوديا وتايلاند، أحدث ضحية لدبلوماسية مصيدة الديون الصينية، وهي دولة غنية بالموارد الطبيعية، يُقال إنها تكافح لتجنب التخلف عن السداد السيادي.

وسلَّمت لاوس، الدولة الواقعة في جنوب آسيا، الجزء الأكبر من السيطرة على شبكة الطاقة الكهربائية الوطنية لشركة China Southern Power Grid، وهي مؤسسة مملوكة للحكومة الصينية، ومقرها في مدينة جوانغتشو، حسبما ذكرت وكالة رويترز، في نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

وبحسب ما ورد فقد انخفض احتياطي النقد الأجنبي للبلاد إلى أقل من مليار دولار، ما يتيح فرصةً مثالية للصين لإيقاع لاوس بعروضها الاستثمارية المربحة في البلاد، وفقاً لتقرير لموقع Eurasian Times.

كما تم تخفيض تصنيف لاوس هذا العام من قبل وكالة التصنيف Moody من B3 إلى Caa2، وتغيرت توقعات الدول المثقلة بالديون من محايدة إلى سلبية بسبب “ضغوط السيولة الشديدة”.

كانت هذه الدولة الصغيرة الواقعة في جنوب شرق آسيا تكافح من أجل سداد القروض الصينية، وانتهى بها الأمر بتسليم غالبية السيطرة على شبكتها الكهربائية الوطنية إلى الصين، مع تفاقم ديون شركة الكهرباء المملوكة للدولة إلى 26% من ناتجها المحلي الإجمالي.

ووقعت دول أخرى مثل سريلانكا وباكستان في حلقة مفرغة من الحصول على قروض جديدة من الصين وسداد القروض القديمة، مع إجبارها على التنازل عن أصولها الاستراتيجية.

عربي بوست