يرفض الحوثيون صفقات “السلام” الأمريكية – السعودية المعاد تدويرها
الحوثيون الذين تمكنوا خلال ست سنوات من الصمود وسط واحدة من أعنف الحروب التي تقودها أقوى القوات العسكرية في العالم، ناهيك عن القدرة على رفض المقترحات التي قدمتها تلك القوى نفسها, ليس لديهم حافز كبير لقبول عروض "السلام" التي قدمتها الرياض أو واشنطن.
بقلم: أحمد عبد الكريم
(موقع- mintpressnews “منتبرس نيوز” الانجليزي- ترجمة: نجاة نور, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)
صنعاء، اليمن- يصادف 26 مارس الذكرى السنوية السادسة لحملة القصف السعودي المدعومة من الولايات المتحدة في اليمن الذي مزقته الحرب، حيث خرجت مظاهرات حاشدة في جميع أنحاء البلد يوم الجمعة إحياءً للذكرى.
خرج مئات الآلاف من الأشخاص إلى الشوارع في صنعاء بالقرب من مطار صنعاء الدولي المحاصر, وفي الحديدة، موطن أكبر وأهم ميناء بحري في البلد.
في الواقع، تجمع آلاف اليمنيين في أكثر من عشرين ساحة في المحافظات الشمالية، حاملين الأعلام اليمنية ولافتات مزينة برسائل الصمود والوعود بتحرير الوطن بأكمله من السيطرة السعودية.
كما تظهر صور التظاهرات بحرا من الأعلام اليمنية، وملصقات عليها صور زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، وشعار “ست سنوات من العدوان – نحن جاهزون للسنة السابعة – سننتصر”.
قال نايف حيدان القيادي في الحزب الاشتراكي اليمني وعضو مجلس الشورى اليمني: “نحن هنا لإرسال رسالة إلى كل من الولايات المتحدة والسعودية بأننا مستعدون لتقديم المزيد من التضحيات ضد التحالف الذي تقوده السعودية, أي مبادرة سلام يجب أن تحتوي على إنهاء دائم للحرب، ورفع الحصار بشكل كامل، وأن تتضمن برنامج إعادة إعمار مفصل وتعويض اليمنيين”.
بعد قصف لمدة ست سنوات، السعوديون يتحدثون الآن عن السلام:
على مدى ست سنوات، قصفت السعودية والإمارات، وهما من أغنى دول العالم، بلا هوادة أفقر دولة في الشرق الأوسط، بمساعدة كبيرة من ثلاث إدارات أمريكية متتالية.
لمدة 2160 يوماً – ست سنوات متتالية – شنت القوات الجوية الملكية السعودية والقوات الجوية الإماراتية، بمساعدة أمريكية، ما يقرب من 600 ألف غارة جوية في اليمن.
استهدف القصف منازل المدنيين والمدارس والمستشفيات والطرق والجنازات والمرافق الغذائية والمصانع والمساجد والمياه والمضخات والصرف الصحي والأسواق ومخيمات اللاجئين والمدن التاريخية وقوارب الصيد ومحطات الوقود وحافلة مدرسية مليئة بالأطفال ومخيمات البدو مما يجعل من أي عملية إعادة إعمار محتملة طويلة ومكلفة للغاية.
يستمر القصف حتى مع بدء محادثات حول مبادرات سلام جديدة, ففي 21 مارس، دمرت غارات جوية سعودية متتالية مزرعة دواجن في محافظة عمران.
كان الهجوم فظيعاً بشكل خاص حيث يعاني اليمن من واحدة من أشد المجاعات خطورة في التاريخ الحديث.
في الواقع، تواجه البلد أزمة إنسانية واقتصادية وسياسية لم تشهدها منذ عقود.
ووفقاً للأمم المتحدة، يعيش ما يقرب من 16 مليون يمني تحت قبضة المجاعة، ويعاني 2.5 مليون طفل من سوء التغذية, كما يواجه الآلاف من موظفي الدولة اليمنيين الجوع الآن, حيث لم يتم دفع رواتبهم لسنوات بعد أن سيطر التحالف السعودي على البنك المركزي للبلد.
دمار دون رحمة:
مع دخول الحرب عامها السابع، تواجه الجماهير المنهكة من الحرب معالم جديدة قاتمة, حيث يُعد تفشي الكوليرا الأسرع نمواً على الإطلاق و تفشي أنفلونزا الخنازير وداء الكلب والدفتيريا والحصبة من بين التهديدات البيولوجية التي يصنعها الإنسان والتي تواجه اليمن.
وفي الوقت نفسه، يموت مئات اليمنيين بسبب فيروس كورونا كل يوم وسط نظام صحي منهار ومدمّر.
العديد من هذه الأمراض والأزمات ليست طبيعية، لكنها خلقت بيد سعودية بشكل مصطنع و متعمد.
وفقاً لتقرير صادر عن وزارة الصحة في صنعاء, دمر التحالف السعودي المدعوم من الولايات المتحدة كلياً أو جزئياً ما لا يقل عن 523 منشأة رعاية صحية وقصف ما لا يقل عن 100 سيارة إسعاف.
بعد سنوات من فرض السعودية حصاراً على الموانئ اليمنية، ووقف الإمدادات المنقذة للحياة، لا يزال اليمنيون يعانون من نقص الغذاء والوقود والأدوية.
ميناء الحديدة، وهو نقطة الدخول الرئيسية لمعظم واردات اليمن الغذائية، لا يزال يخضع لحصار سعودي صارم؛ حتى المساعدات الإنسانية ممنوعة من الوصول إلى الميناء.
تم إغلاق مطار صنعاء الدولي، الذي تعرض لقصف شديد من قبل القوات الجوية السعودية في الأسبوعين الماضيين، منذ بدء الحرب تقريباً، مما ترك آلاف المرضى يموتون قبل الأوان لأنهم لم يتمكنوا من السفر للخارج لتلقي العلاج.
لجأ اليمنيون من جهتهم إلى استهداف التحالف السعودي في ساحته الخلفية, على أمل أن يؤدي نقل المعركة إلى المملكة إلى خسائر للنظام الملكي السعودي, حمله على إعادة التفكير في مستنقعه في اليمن.
حققت صواريخ الحوثي وطائراته بدون طيار نجاحاً متزايداً في ضرب البنية التحتية النفطية السعودية والمطارات والقواعد العسكرية داخل الأراضي السعودية, حيث يتعرضون للقصف اليومي لأول مرة منذ قيام آل سعود بتأسيس دولتهم.
ادعى المتحدث باسم الجيش اليمني المدعوم من أنصار الله، في بيان صدر مؤخراً، أن قواته الجوية نفذت أكثر من 12623 غارة بطائرات بدون طيار وعملية استطلاعية خلال السنوات الست الماضية.
وفي الشهرين الماضيين فقط، أطلقت 54 صواريخ باليستياً حققت أهدافها بدقة على أهداف سعودية حيوية، بعضها في عمق السعودية.
تعرض مطار أبها السعودي، الأربعاء الماضي، لهجوم من قبل عدد من الطائرات المسيرة، ويوم الجمعة، أصيبت منشأة تابعة لشركة النفط العملاقة المملوكة للدولة “أرامكو” في العاصمة السعودية، بست طائرات مسيرة، مما ألحق أضرارا بالمنشأة، بحسب ما أفادت مصادر عسكرية يمنية.
محاولات السعودية الفاشلة:
على الرغم من هجومها الهائل، وأسلحتها الغربية الفتاكة، ومئات المليارات من الدولارات التي أهدرت في هذه الحرب، لم تستطع السعودية سحق إرادة الشعب اليمني، الذي يواصل الكفاح من أجل الاستقلال والسيادة.
في نهاية مارس 2015، وعد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بثقة بأن كل شيء سينتهي في غضون أسابيع قليلة وأن أنصار الله سوف يستسلموا بسرعة.
الآن، بعد ست سنوات من الحرب، لم يكن بن سلمان قادراً فقط على هزيمة الحوثيين.
وبدلاً من ذلك، يظل الحوثيون صامدين في مقاومتهم وقد ازدادوا قوة، مما أدى إلى الكثير من الذعر للسعودية ومحاولة فاترة من قبل بن سلمان لمطالبة الحوثيين بقبول نسخة بلده من السلام وتحرير المملكة من المستنقع الذي أوجدته لنفسها في اليمن.
في الوقت الذي يقوم فيه اليمنيون بجهدهم الأخير لاستعادة مدينة مأرب الإستراتيجية، وسط جهود أمريكية فاشلة لحماية حليفهم السعودي من الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار الحوثية، قدمت كل من واشنطن والرياض مبادرات سلام في محاولة لوقف موجة الهزائم العسكرية للتحالف السعودي.
ومع ذلك، فشلت هذه المبادرات في معالجة أو تخفيف المحنة الإنسانية لليمنيين، أو إنهاء الحرب أو حتى رفع الحصار.
نبيذ حامض في زجاجات جديدة:
في 12 مارس المنصرم، أعلن المبعوث الأمريكي الخاص لليمن تيم ليندركينغ عن مبادرة لإنهاء الحرب خلال ندوة عبر الإنترنت مع المجلس الأطلسي.
الخطة هي في الأساس نسخة معاد تدويرها من اقتراح سابق قدمه محمد بن سلمان وإدارة ترامب قبل عام واحد في عمان، أطلق عليه اسم “الإعلان المشترك”, حيث يحتوي على مصفوفة من المبادئ والشروط السعودية الهادفة إلى استسلام الجيش اليمني والحوثيين وحلفائهم مقابل إنهاء الحرب.
لا تقدم مبادرة ليندركينغ أي ضمانات بأن التحالف سيتخذ أي إجراءات لرفع الحصار وإنهاء أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
وفي 22 مارس، أعلنت السعودية “مبادرتها لوقف إطلاق النار” لإنهاء الحرب التي أعلنتها من واشنطن قبل ست سنوات.
كشف وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان عن المبادرة التي ستشمل وقفا لإطلاق النار على مستوى البلد تحت إشراف الأمم المتحدة وإعادة فتح جزئي لمطار صنعاء الدولي إلى وجهات معينة.
كما تضمنت خطة تقاسم الإيرادات من شأنها أن تضمن للحكومة السعودية الوصول إلى جزء من الثروة النفطية والغاز اليمنية في مأرب.
عودوا مجدداً عندما تكونون جادين:
رفضت الحكومة في صنعاء كلتا المبادرتين, وقال خالد الشريف رئيس اللجنة العليا للانتخابات عن المقترحات خلال اجتماع عقد في صنعاء “نرفض مبادرات السلام الامريكية والسعودية لأنها لا تلبي مطالب الشعب اليمني”.
ووفقاً للعديد من اليمنيين، بما في ذلك صناع القرار في صنعاء، فإن الخطط الأمريكية والسعودية لا تهدف إلى تحقيق السلام، ولكن تهدف إلى تحقيق أهدافهما السياسية في مواجهة فشل عسكري وشيك بعد ست سنوات من الحرب المكلفة.
الإجراءات، وفقاً لمسؤولين في صنعاء، تتعلق أيضاً بحفظ ماء الوجه وتقديم خطة لا يمكن الدفاع عنها، بحيث عندما يتم رفضها بشكل حتمي، سينقلب تيار الرأي العام لصالح التحالف الذي تقوده السعودية.
رفض عبد الملك الحوثي، زعيم جماعة الحوثيين، في خطاب متلفز حي في الذكرى السادسة للحرب، مبادرات واشنطن والرياض، موضحا “حاول الأمريكيون والسعوديون وبعض الدول إقناعنا بمقايضة الملف الإنساني باتفاقات عسكرية وسياسية, نحن نرفض ذلك”.
“الحصول على المشتقات النفطية والغذاء والمواد الطبية والأساسية هو حق إنساني وقانوني لا يمكن مقايضته مقابل ابتزاز عسكري وسياسي, ومع ذلك، نحن مستعدون لسلام مشرف لا مقايضة فيه بحق شعبنا في الحرية والاستقلال أو استحقاقات اليمن المشروعة”.
ترى قيادة الحوثيين أن سياسات إدارة بايدن ليست بعيدة عن سياسات سلفه دونالد ترامب, حيث تتبع إدارة بايدن نفس سياسات الرئيس السابق دونالد ترامب.
قال المتحدث باسم أنصار الله محمد عبد السلام إن واشنطن قدمت بالأحرى خطة قديمة لحل الصراع، مضيفا أن الخطة الأمريكية لا تقدم أي جديد.
وخلص إلى أن “الخطة وضعت شروطا لفتح ميناء الحديدة ومطار صنعاء الدولي، وهي شروط غير مقبولة.”
لا تراجع لا استسلام:
الحوثيون الذين تم تمكينهم من خلال ست سنوات من المثابرة وسط واحدة من أعنف الحروب ضد بعض أقوى القوات العسكرية في العالم، ناهيك عن القدرة على رفض المقترحات التي قدمتها تلك القوى نفسها ليس لديهم حافز كبير لقبول عرض الرياض.
وهم يرون انتهاء الصراع من واشنطن على شكل إعلان عن وقف فوري لإطلاق النار، وخروج جميع القوات الأجنبية من البلد، ورفع الحصار الجوي والبحري كشرط مسبق لأي صفقة.
وقال محمد علي الحوثي: “كان ينبغي عليهم إظهار جديتهم في إحلال السلام بالسماح للغذاء والوقود بالوصول الى ميناء الحديدة بدلاً من تقديم مقترحات”.
أثبتت أكثر من ألفي يوم متتالية من الحرب أن السعودية ليست مستعدة لإحلال السلام في اليمن الذي مزقته الحرب, باستثناء وقف إطلاق النار الهش في الحديدة وعدد قليل من عمليات الإفراج عن السجناء.
تصل المفاوضات بين الجانبين عموماً إلى طريق مسدود، حيث يبحث بن سلمان عن استسلام كامل ولا شيء آخر.
فشلت العديد من المفاوضات بين السعودية واليمن، بما في ذلك محادثات السلام التي توسطت فيها الأمم المتحدة في سويسرا في عام 2018.
ومن غير المرجح أن يتراجع اليمنيون أو يستسلموا, حيث أن الهجوم لاستعادة مأرب الغنية بالنفط واجتياح المناطق المتقلصة التي لا تزال تحت السيطرة السعودية لا تظهر أي علامات على التباطؤ.
ووفقاً لمسؤولين عسكريين رفيعي المستوى، فإن محافظة شبوة الغنية بالغاز التي تسيطر عليها السعودية ستكون التالية لعملية التحرير.
علاوة على ذلك، ستستمر الهجمات الصاروخية الباليستية الانتقامية وهجمات الطائرات بدون طيار على الأهداف السعودية.
وعلى الرغم من مبادرات السلام الأخيرة، قام التحالف بقيادة السعودية بتكثيف المناورات العسكرية في اليمن هذا الأسبوع.
تُشاهد الطائرات الحربية السعودية بانتظام فوق المناطق الحضرية المكتظة بالسكان في شمال البلد، حيث تقوم بإلقاء مئات الأطنان من الذخائر، معظمها من الولايات المتحدة.
هناك شبه إجماع بين قيادة الجيش اليمني وأنصار الله على أن الإدارة الأمريكية الحالية تشارك في المعارك الدائرة في محافظة مأرب الغنية بالنفط.
ومع ذلك، فإن الحوثيين لم يتهموا إدارة بايدن مباشرة بالتورط في القتال وينتظرون المزيد من الأدلة للقيام بذلك, وقد لا يضطرون إلى الانتظار طويلاً.
تم إسقاط طائرة بدون طيار متطورة أمريكية الصنع من طرازMQ-9″ ” بصاروخ أرض جو أثناء تحليقها فوق منطقة صرواح في مأرب.
* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي