مركز البحوث والمعلومات: زيد المحبشي

مرت العلاقات “اليمنية – الصهيونية” بمحطات متعددة بدءاً ببساط الريح 1948، ومروراً بتغذية وتفخيخ الحرب الأهلية اليمنية “1964 – 1972″، لتصل ذروتها في عهد الرئيس اليمني السابق “على عبدالله صالح” “1978 – 2012، ولم يكن الانخراط العسكري، والتمدد الاستخباراتي الصهيوني في عهد العاصفة السعودية الإماراتية “2015 – 2021″، سوى نتاج طبيعي لمخاضات تلك الحقبة وعلاقاتها المحرمة.

وبدء تداول اسم اليمن في أروقة صُنع القرار العبري في منتصف القرن الماضي، وتحديداً بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ومبعث الاهتمام المبكر باليمن، موقعها الاستراتيجي، الذي من خلاله فقط يمكن للكيان الصهيوني الوليد السيطرة على البحر الأحمر، وبوابته الجنوبية، وما تمثله هذه السيطرة من أهمية مصيرية ووجودية في الفكر الاستراتيجي الصهيوني.

ويعتقد الصهاينة ان بقاء وديمومة كيانهم والحفاظ عليه من الانقراض والفناء، متوقفٌ على تحويل البحر الأحمر الى بحيرة يهودية خالصة، وإحكام سيطرة الكيان اللقيط على الشعوب الواقعة على ضفتي الأحمر، وحينها فقط يمكن للكيان اتقاء لعنة الفناء والتلاشي، وتوفير عوامل القوة للمُضي في تنفيذ المشاريع الصهيونية الكبرى، وإقامة دولة إسرائيل الكبرى، والتي يعتقدون بأن قيامها سيمهد الطريق لخروج المنقذ والمخلص اليهودي الثالث من أولاد داوود عليه السلام، وإقامة الدولة اليهودية العالمية، وهي هرطقات ممجوجة إعتاد كهنة شعب الله المحتال تسويقها لتبرير وتمرير مشاريعهم الاستعمارية.

باب المندب وجهتهم:

يتمتع البحر الأحمر بمنزلة خاصة في الفكر الاستراتيجي الصهيوني، فبعد تولي “ديفيد بن غوريون” الحكم في فلسطين المحتلة عام 1948، أعلن استراتيجية كيانه في البحر الأحمر، وأكدت نصوصها أن سيطرة الكيان الصهيوني على نقاط في البحر الأحمر هي ذات “أهمية قصوى”، لأن هذه النقاط ستساعد الكيان على الفِكاك من أية محاولات لمحاصرته وتطويقه، كما ستشكل قاعدة انطلاق عسكرية لمهاجمة أعداء الكيان في عُقر دارهم، قبل أن يبادر الأعداء الى مهاجمة الصهاينة في فلسطين المحتلة، وهذا ما لمسناه بوضوح في تبرير الكتابات الصهيونية لانخراط الكيان اللقيط في عاصفة الإثم منذ الأيام الأولى لانطلاقها، كما سنعرف في القراءة القادمة.

ووضع “بن غوريون” ثلاثة أهداف للتحكم الصهيوني في منافذ البحر الأحمر:

1 – جعل البحر الأحمر منفذاً إسرائيلياً الى القارة الأفريقية والشرق آسيوية.

2 – استخدام البحر الأحمر كشريان إسرائيلي، والإفادة منه عِوضاً عن قناة السويس.

3 – تفكيك الروابط القومية للعالم العربي.

وقال وزير خارجية العدو الصهيوني الأسبق “أبا إيبان”: “إن موطئ قدم لإسرائيل على البحر الأحمر يعوضها عن الحصار الإقليمي المفروض عليها، ..”.

لكن السيطرة على البحر الأحمر مرهونة بالسيطرة على باب المندب، والسيطرة على الأخير يتطلب إيجاد موطئ قدم في اليمن، وهذا ما تسعى له إسرائيل اليوم، بمساعدة الإمارات بحسب وزير الإعلام اليمني في حكومة الإنقاذ “ضيف الله الشامي” في تصريح نشره موقع MiddleEastMonitor البريطاني بتاريخ 22 يونيو 2020: “العدو الإسرائيلي يرى اليمن خطراً عليه بموقعه الاستراتيجي، ويعمل على إيجاد موطئ قدم له في اليمن عبر دور إماراتي”.

وشرع الصهاينة منذ وقت مبكر في ترجمة تلك الأهداف، فطلبوا من بريطانيا بعد منح جنوب اليمن الاستقلال 1967، استمرار الملاحة البحرية الاسرائيلية في باب المندب، وبالفعل أبقت بريطانيا قواتها البحرية في جزيرة “بريم/ ميون” اليمنية، والتي تعد بمثابة شرطي المرور في باب المندب، بحجة المحافظة على عدن من أي تدخل خارجي، بينما كان الهدف الحقيقي تنفيذ وعدها الذي منحته لإسرائيل باستمرار السيطرة على باب المندب.

وحصلوا من أثيوبيا على جزيرة “دهلك” عام 1970 بموجب اتفاق مع أديس أبابا، وبنوا عليها أول قاعدة عسكرية صهيونية في باب المندب، وفي 11 سبتمبر 1971 زار رئيس الأركان الإسرائيلي “أسمرة”، لتدشين القاعدة العسكرية، وعلم العرب بذلك بعد إذاعة أميركا الخبر في مارس 1973، على إثرها صرّح مسؤول “يمني” في عدن بضرورة إقفال باب المندب في وجه الملاحة البحرية بواسطة جزيرة “بريم/ ميون”، مما أثار أزمة اقتصادية وخيمة، وبالمقابل سمحت اليمن للمصريين خلال تحضيرات حرب أكتوبر 1973 بالتواجد العسكري على جزيرة حنيش، ما آثار مخاوف إسرائيل من تكرار سيناريو إغلاق باب المندب، وللكيان اليوم في أرخبيل حنيش أبراج مراقبة عسكرية واستخبارية.

بعد استقلال أرتيريا عن أثيوبيا في مايو 1993، تغلغل الكيان الصهيوني في هذه الدولة الوليدة، واستأجر منها جزيرتي “فاطمة” و”حالب” جنوب غرب البحر الأحمر، وجزيرتي “سنشيان” و”دميرا” الأكثر قُرباً من باب المندب، وأقام هناك سلسلة من أبراج المراقبة الاستخبارية والعسكرية، بهدف رصد تحركات قوى محور المقاومة، العدو الأول للكيان اللقيط.

وسبق لتل أبيب إرسال أول بعثة عسكرية الى جزر جنوب البحر الأحمر في أبريل 1970، أكدت في توصياتها على ضرورة توسيع النفوذ العسكري الإسرائيلي ليشمل الجزر اليمنية: “زقر، جبل الطير، حنيش، ميون”، وتحدثت مصادر تاريخية متعددة عن تمكن قوة استطلاعية اسرائيلية مسنودة بوحدة من “الكوماندوز” الاسرائيلي وعدد من الخبراء والمهندسين من الوصول الى جزيرة “زقر” خلال الفترة “1971 – 1972″، ومرابطتها فيها وتركيب أجهزة حديثة للرادارات والرصد والاستطلاع عليها، وهي تبعد عن الساحل اليمني بنحو 32 كيلو متر.

وخلال عدوان 1995 أكد الباحث الصهيوني “مارتن كرامر”، وهو مدير معهد “موشى ديان” في تل أبيب، على أن انتزاع جزيرة حنيش الكبرى من الجيش اليمني من خلال أرتيريا، يندرج في إطار استراتيجية إقليمية وقائية تنفذها إسرائيل، تحسباً لأي تهديدات عربية يمكن أن تحدث مستقبلاً، من خلال اعتراض حركة الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر.

وكشف حينها المركز العربي للدراسات الاستراتيجية عن تقديم إسرائيل معدات حديثة لأرتيريا تمثلت في 6 زوارق بحرية طراز “ريشيف”، وقيادة الطيار الإسرائيلي “مايكل دوما” عملية السيطرة على أرخبيل حنيش، بعد عدة محاولات أرتيرية فاشلة، كما أكد تقرير لجامعة الدول العربية في نوفمبر 1995، وجود اتصالات إسرائيلية أرتيرية حول جزيرة حنيش الكبرى، بهدف إنشاء محطة مراقبة لاسلكية فيها، لمراقبة حركة السفن في الممرات الدولية، القريبة من مضيق باب المندب.

وتمكنت إسرائيل في تلك الفترة من بناء موضع قدم لها قُبالة الساحل اليمني في ميناء مصوع الأرتيري، وقدّمت دعماً لوجستياً وأمنياً لعملية احتلال أرخبيل جزر حنيش اليمنية التي قامت بها البحرية الأرتيرية عام 1995.

وهي اليوم تُقدم مختلف أنواع الدعم اللوجستي لعمليات التحالف في الساحل الغربي، والتي تمثل نقطة مفصلية في تمرير المخطط الصهيوني المتعلق بتحويل البحر الأحمر الى بحيرة يهودية خالصة، وإحكام السيطرة على مضيق باب المندب، وسبق للمبعوث الأممي الخاص إلى اليمن “مارتن غريفيث” التأكيد مرات عديدة أن عمليات الساحل الغربي هي الركن الأساسي في الحرب على اليمن، وأن السيطرة عليه هي “أولوية” التحالف، وهذه “الأولوية” تتطابق بصورة كلية مع المصالح الصهيونية في هذه المنطقة الاستراتيجية.

كما أن إعلان أميركا مشاركة قواتها الخاصة في عمليات الساحل الغربي، بما لها من خبرة في هذه المنطقة، لتواجدها خلال فترة ما قبل العام 2011 في معسكر العمري، الذي فتحه لها الرئيس السابق “علي عبدالله صالح” قُرب تعز، يصب في خانة تنضيج عمليات الساحل الغربي، خدمة لمشروع تهويد البحر الأحمر.

الحرب الأهلية “1964 – 1972”:

استغل الكيان الصهيوني أجواء الحرب الأهلية اليمنية خلال الفترة “1964 – 1972” لإيجاد نافذة عسكرية للتدخل في اليمن، وتأجيج نيران الصراع بما يخدم مشاريعه في المنطقة، بالتنسيق مع الكيان السعودي والاستعمار البريطاني، وبالفعل وعد الملحق العسكري الإسرائيلي في لندن، البريطانيين بتوفير الأسلحة والأموال ومدرّبين للقوى اليمنية المتناحرة، وارسال جواسيس صهاينة الى اليمن، بوثائق بريطانية مزورة.

وخلال العامين “1964 – 1966” قام الكيان الصهيوني بإرسال 14 طائرة محملة بالأسلحة الى القوى اليمنية المتناحرة، بالتنسيق مع البريطانيين، وتمويل النظام السعودي، وأرسل أيضاً عدداً من الجواسيس لجمع معلومات عن حركة الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب بصورة خاصة، أشهرهم اليهودي المصري الجنسية “باروخ مزراحي”، والذي بقي في اليمن الى أن تم اعتقاله بمدينة الحديدة عام 1972، وتسليمه للسلطات المصرية، والتي بدورها سلمته للكيان الصهيوني في عملية تبادل أسرى جرت في العام 1974.

وحصلت صحيفة “هآرتس” العبرية، على وثائق أُفرِج عنها بموجب قانون الوثائق الإسرائيلي، تتناول أرشيف التعاون بين مشيخات الخليج العربي وإسرائيل، وتلبية الكيان الصهيوني طلب سعودي بالتدخل ضد مصر خلال الحرب الأهلية اليمنية عام 1962.

وفي جنوب اليمن سمح النظام الحاكم بعد التحرر من الاستعمار البريطاني، بإقامة قاعدة لتدريب وانطلاق الجبهتين الشعبية والديمقراطيّة لتحرير فلسطين، وسمح للفدائيين الفلسطينيين في العام 1971 بمهاجمة ناقلة نفط متجهة الى الكيان الصهيوني، وفي العام 1973 أغلقت اليمن باب المندب في وجه الملاحة الصهيونية.

وخلال فترة الرئيس اليمني الراحل “إبراهيم الحمدي” تم تقديم اليمن كطرف أساسي ومُبادر في مسألة الحفاظ على أمن البحر الأحمر من التهديدات الصهيونية، وعقد مؤتمر تعز لأمن البحر الأحمر في مارس 1977، ونشر قوات يمنيّة على جزيرتي “حنيش الكبرى” و”جبل زقر” في نفس العام، لكن ما حصلت عليه اليمن في عهد “الحمدي”، سرعان ما بدأ بالتلاشي في عهد “صالح”، ليلفظ أنفاسه الأخيرة في عهد رئيس جمهورية فندق النارسيس، العَشّار “عبدربه منصور هادي”.

 

عصى “صالح” السحرية:

اتسم تعاطي نظام الرئيس اليمني السابق “علي عبدالله صالح” مع التواجد الصهيوني المتنامي في البحر الأحمر والقرن الأفريقي وباب المندب باللامبالاة، والتزام الصمت، ما دام الصمت يضمن البقاء في الكرسي، وتلاشى في عهده الزخم اليمني العروبي المضاد للكيان الصهيوني وتمدداته الاستعمارية في المنطقة، بإستثناء بعض الفرقعات الإعلامية بين الفين والأخرى، لأهداف وأغراض تجميلية لا علاقة لها بجوهر القضية.

ولم يقم “صالح” طوال فترة حكمه ببناء سلاح بحري قادر على حماية سيادة السواحل والجزر والمياه البحرية اليمنية المستباحة من كل جراد المنطقة والعالم، واكتفى بخفر سواحل وأسلحة بدائية في دولة بحريّة، يبلغ طول سواحلها نحو 2400 كيلومتر، وتحيط بها القواعد العسكرية من كل الاتجاهات، وهو ما أثار الكثير من علامات الاستفهام حول علاقاته بالكيان الصهيوني، وكانت على الدوام مثار جدل في الأوساط اليمنية.

ولا عجب، فالجدل حول العلاقة المحرمة بين “صالح” والكيان الصهيوني، لم يأتي من فراغ، بل له مقدمات ومبررات ومعطيات، ووقائع، وإن تم توريتها عن عيون الناس خلال فترة حكمه بفعل رُهاب السلطة، لكنها لم تنمحي من ذاكرة المؤرخين.

يعود تنامي الحب العذري بين “صالح” والكيان الصهيوني الى بداية سبعينيات القرن الماضي، من خلال لقاء جمع “صالح” بمسؤولين اسرائيليين، ولا يُستبعد لعب السعودية دور الوسيط، فالرجل حينها كان شغُوفاً بالحكم والنفوذ داخل اليمن، ولم يكن أمامه سوى مغازلة الكيان الصهيوني من وراء حجاب، لتمكينه من تحقيق طموحه، عبر ضمان توفير الرضا والدعم الاستخباري الأميركي والبريطاني، بعد أن تكفل المال السياسي السعودي بتذليل العقبات الداخلية.

وأكد شقيق الرئيس الشهيد “إبراهيم الحمدي” في إحدى تصريحاته الصحفية، لقاء الرئيس اليمني السابق “علي عبدالله صالح” في سبعينيات القرن الماضي بالموساد الإسرائيلي في جيبوتي، وكان حينها قائداً للواء المخا بتعز.

كما أكدت المخابرات المصرية لقاء الموساد بشخص يمني بجيبوتي ونيروبي في العام 1972، وكان يعطيهم معلومات حول الجاسوس الإسرائيلي “باروخ مرزاحي”، واحتجز هذا الجاسوس فيما بعد بميناء الحديدة، وسلّمه النظام اليمني لمصر، والتي بدورها سلمته للكيان الصهيوني في عملية تبادل أسرى.

والسؤال هنا: ما مصلحة “صالح” من هكذا لقاء، وفي وقت لا يزال فيه مجرد ضابط في القوات المسلحة اليمنية، وقائداً عسكرياً لأحد ألويتها، وهل لذلك ارتباط بعملية تصفية الحمدي، بعد خمس سنوات من لقاء المحبة بين “صالح” وضباط الموساد؟.

في ثمانينيات القرن الماضي سيطر الصهاينة بالتنسيق مع حلفائهم في القرن الأفريقي على جزيرة يمنيّة بالقرب من جزيرة “بريم”، والسيطرة العملية من خلالها على “بريم”/ “ميون”، دون أن يحرك نظام صالح ساكناً.

وخلال الحرب الأهلية في صيف 1994 بين “علي عبدالله صالح” و”علي سالم البيض” استغل صالح علاقته بالصهاينة، لكسب رضا واشنطن في ضرب خصمه “علي سالم البيض” والانفراد بالحكم، مقابل منح إسرائيل حرية الحركة والتواجد داخل الحدود البحرية اليمنية، وتحدثت وسائل الإعلام حينها عن رصد الدفاعات الجوية اليمنية تحليق مقاتلات تابعة لسلاح الجو الإسرائيلي فوق الساحل الجنوبي الغربي لليمن، وصولاً الى مضيق باب المندب أكثر من مرة.

وأثناء الحرب السادسة التي شنها نظام “صالح” ضد أبناء صعدة خلال الفترة “أغسطس 2009 ـ فبراير 2010″، كشفت حينها مجلة العلاقات الخارجية الأميركية “فورين أفيرز”، عن مشاركة طائرات اسرائيلية في قصف صعدة.

وأكدت وثائق سرية عبارة عن محاضر اجتماع، عُمق العلاقة بين “صالح” وإسرائيل، وتأكيد “صالح” في مرات عديدة أن هناك موانع لعدم اعلان العلاقة بين اليمن واسرائيل.

والتقى “صالح” في إحدى زياراته لأميركا خلال الفترة “1980 – 1983” برؤساء الجاليات اليهودية، ومعه رئيس وزرائه حينها “عبدالكريم الإرياني”، وأبدى رؤساء الجاليات اليهودية امتنانهم لقبول “صالح” اللقاء بهم، وأكدوا أنهم يسعَون لتأسيس علاقات بين اليمن وإسرائيل، ورد “صالح” بعدم وجود مانع لإقامة علاقة مع إسرائيل، لكن الظرف لا يسمح، ويُفَضِّل أن تكون العلاقة سرية.

وفي اعترافات بوثائق أخرى، يؤكد “صالح” علاقته بإسرائيل، ولكن خوفه من الاعلام، هو ما يمنعه: “في مرة كنتُ في باريس، والتقيت الرئيس الإسرائيلي عيزر فايتسمان، ولم تمضِ 10 دقائق إلا وراديو إسرائيل يعلن المقابلة”،

وحكم الرئيس الصهيوني في الفترة ” 1993 – 2000″، ما يعني أن اللقاء تم خلال هذه المرحلة.

وكشفت وثيقتان سريتان، الأولى بتاريخ 3 مارس 2004، والثانية بتاريخ 16 يوليو 2007، عن لعب الإمارات دور بارز في إقناع اليمن بتطبيع العلاقات رسمياً مع الكيان الصهيوني، ونظمت الإمارات بالتنسيق مع نظام “صالح” في 14 – 16 يوليو 2007 زيارة سرية للمستشار الخاص لوزير الخارجية الإسرائيلي والبطل الخفي لتطبيع العلاقات “الإسرائيلية – الخليجية”، “بروس كاشدان”، الى اليمن.

واقر رئيس جهاز الأمن القومي في نظام “صالح”، “علي محمد الآنسي”، متابعة جهازه زيارة المسؤول الصهيوني، بناءً على توجيهات “صالح” بتاريخ 2 نوفمبر 2005، والانتباه عند تكرار زيارته لليمن، وهذا يؤكد أن زيارته لليمن في يوليو 2007، ليست الأولى بل هناك سلسلة طويلة من الزيارات والتعاون المشترك، وهي نتاج تراكمي لسنوات من التشبيكات السرية بين النظامين، كما هو حال كل الأنظمة العربية المسبحة بحمد أميركا.

وتحدثت وثيقة كشف عنها المتحدث باسم الجيش اليمني “يحيى سريع، في مؤتمر صحفي عقده في صنعاء بتاريخ 5 أكتوبر 2020، عن تولي “عمار محمد عبدالله صالح” مهمة تنسيق زيارات المسؤول الصهيوني.

وناقش المسؤول الصهيوني 5 ملفات مع المسؤولين في نظام “صالح”:

1 – توسيع النشاط الاقتصادي الصهيوني في اليمن، والذي بدوره سيدير العجلة السياسية لاحقاً.

2 – التعاون في المجال الزراعي والمياه.

3 – تعزيز التعاون في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب.

4 – ضمان أمن البحر الأحمر.

5 – تطوير وتحديث المعدات العسكرية وخفر السواحل.

ويعمل “كاشدان” مستشاراً خاصاً لوزير الخارجية الصهيوني، ويقيم بصورة شبه دائمة في دبي، وهو منسق العلاقات الصهيونية بين كيانه الغاصب والإمارات والسعودية واليمن وجيبوتي، ويحمل جواز سفر أميركي، ويتنقل في المنطقة بكل أريحية تحت غطاء رجل أعمال.

وفي أغسطس 2010 كشفت صحيفة “هآرتس” العبرية عن حصول الكيان الصهيوني في مايو 2010 على وثائق من “جهة” يمنية، تتضمن أسماء مواطنين عرب، زودوا المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة ببعض الأموال.

الصورة بمفرداتها تضعنا أمام علاقة ظاهرها التحريم وباطنها العناق والوفاق، تنوعت محطاتها ما بين لقاءات رسمية، وزيارات وفود، وتقديم معلومات استخبارية، وتسهيلات لا متناهية للمشاريع الإسرائيلية في المناطق القريبة من اليمن، وبصورة خاصة باب المندب.

وكل اللقاءات والزيارات بين الطرفين كانت تتم بسرية مطلقة، باستثناء لقاء جمع “علي عبدالله صالح” بالرئيس الإسرائيلي الأسبق، وكشفته القنوات التلفزيونية العبرية في حينه بالصوت والصورة بحسب الكاتب الفلسطيني “محمد علوش”.

ومثلًت السعودية بوابة السعد لوصول “صالح” الى الحكم، بالتنسيق مع الموساد، وترسيخ أركان حكمه، في بلدٍ قال أنه يحكم فيه على رؤوس الثعابين، ولولا تلك العلاقة المحرمة التي نشئت وترعرعت في ظل فراغات الإحتراب الأهلي، واحتدام صراعات أجندات الأغيار، لما تمكن “صالح” من البقاء في كرسي الحكم 34 عاماً، وترويض الثعابين المعكرة صفوه، لكنه ترويض ماحق للسلم المجتمعي، وحارق للسيادة الوطنية.

في حين لعبت الإمارات دور السمسار في بناء تلك العلاقة المحرمة بين نظام “صالح” والكيان الصهيوني، سابقاً، وتعزيزها، حالياً، بالزواج العرفي بين المجلس الانتقالي الجنوبي والكيان الصهيوني، وتحدثت وثائق كشفتها صنعاء في 5 أكتوبر 2020 عن لعب الفلسطيني المتصهين “محمـد دحلان” دور محوري في نسج خيوط الحب العذري بين “صالح” والكيان الصهيوني.

ويعيد الكاتب الفلسطيني “محمد علوش” سبب التقارب بين “صالح” والكيان الصهيوني الى عاملين أساسيين:

1 – علاقة “صالح” بالسعودية.

2 – قرب “صالح” من الأميركيين والبريطانيين.

ولذا لا نستغرب من علاقاته مع إسرائيل، بحكم تلك العلاقات مع وكلاء إسرائيل، وحارسي أحلامها في واشنطن ولندن .

هذه العلاقات القديمة أراد لها “ًصالح” أن تظل سرية، لأن الوقت لم يحن لعلاقة علنية، كما كان يقول، لكن رياح العاصفة كشفت عنها الغطاء، فعرف الشعب سر العصى السحرية التي روّض بها رؤوس الثعابين، فأين صالح، وأين الثعابين، وأين العصى؟؟.

المراجع:

1 – زيد المحبشي، أرتيريا قاعدة مفتوحة لإدارة العدوان على اليمن، مركز البحوث والمعلومات، 15 يوليو 2020

2 – شيماء حسن، تطورات الموقف الأميركي من الأزمة في اليمن، مجلة المستقبل العربي، العدد 470، أبريل 2018

3 – هاني باراس، تقرير تاريخي يكشف حقائق مذهلة عن علاقات قيادات شمال اليمن، موقع عدن لنج، 19 فبراير 2019

4 – الخليج الجديد، وثيقتان سريتان: الإمارات تدفع اليمن للتطبيع مع إسرائيل منذ 16 عاما، 7 أكتوبر 2020

5 – موقع الشاهد برس، أسرار خطيرة حول عاصفة الحزم والأطماع الدولية والإقليمية للسيطرة على باب المندب، 31 مارس 2015

6 – إسرائيل والإمارات واليمن: تعاون سيغيّر المنطقة، صحيفة MakorRishon الإسرائيلية، ترجمة مركز سوث24 للأخبار والدراسات، 6 سبتمبر 2020

7 – قناة الميادين اللبنانية، ما الذي كشفته وثائق سريّة بين علي عبد الله صالح والـ CIA؟، 14 مارس 2021