ماذا سيفعل بايدن مع الصين؟ هذه خطة الرئيس الأمريكي التي سينتهجها ضد بكين
السياسية:
ماذا سيفعل بايدن مع الصين؟ سؤال بات يشغل المتابعين للشأن الأمريكي، خاصة بعد تصريحات الرئيس جو بايدن أثناء حملته الانتخابية التي صوَّب فيها سهامه إلى روسيا والصين واعتبرهما الخطر الأكبر على بلاده.
لكن يبدو أن التصريحات قبل الفوز بالانتخابات دوماً توصف بالجريئة، لكن عندما يصبح المرشح الرئاسي سيداً للبيت الأبيض تختلف الأمور ويصطدم بالواقعية السياسية، وعليه أن يتعامل مع الوضع الجديد.
بايدن ليس مختلفاً عن الرؤساء السابقين، فعندما التقى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب نظيرَه الصيني شي جين بينغ لأول مرة، وبعد أشهر فقط من توليه منصبه، لم يكن أحد يتخيل أن يكون اللقاء بينهما مبهرجاً ومفاجئاً وشخصياً على النحو الذي كان عليه.
إذ بعد أن شنَّ ترامب حملات النقد اللاذعة على الصين، قائلاً إنها “اغتصبت بلدنا”، خلال حملته الانتخابية، استقبل الرئيس الصيني أحسن استقبال ورحّب به أيما ترحيب في قصره الواقع في منتجع مارالاغو بولاية فلوريدا.
غادر شي العشاء المليء بكعك الشوكولاتة وهو تهيمن عليه قناعة واحدة: ترامب لا يريد إلا شيئاً واحداً فقط من الصين: صفقة تجارية، ومقابل هذه الصفقة كان عنده استعداد لتأييد طموحات الزعيم الصيني في الحكم مدى الحياة أو قمع المسلمين الإيغور في شينغيانغ للأبد، فما دام قد حصل على مراده هذا، لا أهمية لأي شيء آخر. وسيستمر الأمر على هذا النحو، ولن تبدأ العلاقة التي أعلن ترامب أنه يسودها “الحب” في التدهور إلا مع تزايد عناد الصين فيما يتعلق بالتجارة، ثم مع تفشي فيروس كورونا الذي لا يزال ترامب يلومه على حرمانه من فترة ولاية ثانية.
لقاء بايدن الأول بالزعيم الصيني!
أما الآن، فمن المقرر أن يُعقد الاجتماع الأول بين الصين والولايات المتحدة في عهد إدارة بايدن اليوم الخميس 18 مارس/آذار في ظروف مختلفة تماماً. وأول العلامات على ذلك أن أياً من الرئيسيين لن يحضر اللقاء الذي سيعقد في ألاسكا شديدة البرودة ولن يتشارك الطرفان وجبة طعام حتى. ويمثل بايدن وزير خارجيته أنتوني بلينكن، ومستشاره للأمن القومي جيك سوليفان، في حين يمثل شي وزير خارجيته وانغ يي، وكبير الدبلوماسيين يانغ جيتشي، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني، بحسب تقرير لصحيفة The Times البريطانية.
ويدخل الوفد الصيني اللقاء شاعراً بنوع من الاضطهاد بالفعل على أثر الأخبار التي تفيد بأنه لا مفر من خضوع أعضائه لاختبار كورونا إذا أرادوا حضور اللقاء، وهو ما اعتبره الوفد نوعاً من الإهانة العنصرية، لأسباب أقل ما فيها أن ترامب لطالما وصف فيروس كورونا المستجد بأنه “الفيروس الصيني”.
وفي حين وصفت بكين الاجتماع بأنه إعادة ضبط رفيعة المستوى بين القوتين الأبرز في العالم وفرصة جديدة لها لإنشاء نظام دولي جديد معاً، أوضحت واشنطن أن هذا الاجتماع هو اجتماع لمرة واحدة ستواجه فيه إدارة بايدن نظيرتها الصينية بالاعتراضات الأمريكية المتعلقة بقضايا الأمن وحقوق الإنسان التي يجب على بكين معالجتها قبل أن تعود العلاقات بين البلدين إلى مسار أكثر انتظاماً.
انتقادات متبادلة
وكانت علاقة الصين بالولايات المتحدة قد أصبحت تسودها الانتقادات الحادة وتبادل الاتهامات بين الطرفين قبيل الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني، وهيمن على الخطاب السياسي حولها جو مفعم بالمشاحنات، لدرجة تجعل من الصعب تصوّر أن إدارة بايدن قادرة على تليين موقفها حيال الصين، حتى لو أرادت ذلك.
ويبدو أنه لا نية لذلك من الأصل، فقد يرغب بايدن في تخفيف الرسوم الجمركية العقابية التي فرضها سلفه على السلع الصينية مع الوقت، بدافع اعتقاده أنها تضر المستهلكين الأمريكيين أكثر من الشركات المصنعة الصينية، لكنه أوضح أن حتى ذلك لن يحدث قريباً. كما تنظر إدارته نظرة شديدة السلبية إلى سجل حقوق الإنسان في الصين، وهو ملف كان قد يتولاه من قبل وزير الخارجية، مايك بومبيو، لا الرئيس ترامب، الذي كشف مستشاره السابق للأمن القومي، جون بولتون، أنه تحدث باستحسان إلى شي بشأن احتجازه الجماعي للأقلية الإيغورية في معسكرات اعتقال.
الرئيس الصيني شي
وربما يكون أهم خروج عن طريقة تعامل إدارة ترامب مع الصين هو الجهد الذي أبداه فريق بايدن ليُثبت لبكين أن هذه لم تعد مجرد علاقة ثنائية بين دولتين وفقط أو علاقة رجلين قويين مناظرين لبعضهما. وقد حدد بلينكن وسوليفان موعد اجتماعهما مع الصين ليأتي مباشرة بعد زياراتهما لحلفاء الولايات المتحدة الديمقراطيين في مناطق المحيط الهندي والهادئ، وقد شملت أستراليا والهند واليابان وكوريا الجنوبية، وهي تمثل شبكة من التحالفات التي تسعى واشنطن إلى تصويرها على أنها ميزة رئيسية لها في منافستها مع الصين.
ويذهب بلينكن وسوليفان إلى اجتماع ألاسكا مباشرة بعد اجتماعات في طوكيو وسيول، فيما يأتي ذلك في أعقاب مكسب دبلوماسي آخر، يتعلق بنجاح مساعيهما شديدة الإصرار على عقد الاجتماع على أراضٍ أمريكية.
هل يتراجع البيت الأبيض؟
من جهة أخرى، وبعد أن نُسب الفضل إلى ترامب في اتخاذ مقاربة عدوانية حيال الصين، فإن الجمهوريين في حالة تأهب لأي إشارات تدل على أن البيت الأبيض في عهد بايدن قد يتراجع. وتحدث بلينكن بالفعل عن الحاجة إلى التعاون مع الصين بشأن قضايا التغير المناخي قبل قمة المناخ المقررة هذا العام في غلاسكو، ويعمل المسؤولون الأمريكيون من أصحاب المواقف المتشددة حيال إيران على فحص بيانات الإدارة بحثاً عن أي مؤشر على أنها قد تكون أكثر تساهلاً تجاه الصين. من جانبه، قال بلينكن إنه لن يتنازل عن الموقف الأمريكي فيما يتعلق أي قضايا حاسمة أخرى للحصول على امتثال من الصين بخفض الانبعاثات الكربونية.
وفي غضون مغادرة بلينكن وسوليفان طوكيو وسيول إلى ألاسكا، ينفصلان عن وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن الذي ستوجه إلى الهند لإجراء محادثات حول قضايا الدفاع الإقليمي. والهند الآن في أدنى نقطة في علاقاتها مع الصينيين منذ عقود، خاصة بعد التوغل الدموي الذي وقع الصيف الماضي على حدودهم الجبلية. والهند أيضاً هي جزء من تحالف استراتيجي واسع النطاق بين أستراليا واليابان والولايات المتحدة، ترغب واشنطن في إعادة تنشيطه باعتباره محوراً لاستراتيجيتها في المحيطين الهندي والهادئ.
ويشكك قادة المجموعة الرباعية -الولايات المتحدة وأستراليا والهند واليابان- فيما إذا كانت الصين ستجرؤ على مواجهة الهند عبر الحدود الجبلية لو كان تحالفهم أقوى. والأمل الآن أن يردع الرباعي الدولي السلوك الاقتصادي العدائي للصين، مثل تعليق واردات اللحوم وفرض رسوم جمركية على الشعير في أستراليا، والتدابير العقابية غير القانونية التي فُرضت انتقاماً لدعوات أستراليا لإجراء تحقيق دولي في تعامل الصين المبكر مع ظهور فيروس كورونا على أراضيها.
كما تطمح المجموعة الرباعية أيضاً إلى إبقاء ممرات الشحن الدولية مفتوحة ضد التعديات الصينية، وبحث كيفية بناء سلاسل إمداد عالمية تتجاوز بكين بعد التحذيرات المتزايدة من سيطرتها على سلع مهمة، تشمل معدات الحماية الشخصية والمضادات الحيوية، وحتى المعادن النادرة الضرورية لكثير من مجالات التكنولوجيا الحديثة.
يقول منتقدو ترامب فينا يتعلق بالموقف من الصين إنه في حين كان سريعاً في إدراك التهديد القادم من بكين، فإن فشله وامتناعه عن العمل مع الحلفاء على إيجاد الحلول جعلَ الصين قادرة على استغلال الانقسامات والخروج منتصرة من خلالها. وهكذا، فإن افتقار ترامب إلى دعم النظام القائم على القواعد والإيمان بالتحالف بين الدول غالباً ما جعل استجابته للصين استجابة على أساس مجزأ وليس على أساس استراتيجي.
في الختام، يبقى أن نرى ما إذا كان نهج بايدن سيكون له التأثير المطلوب على سلوك الصين. إذا لا يزال من غير الواضح، على سبيل المثال، ما الذي تخطط واشنطن لفعله بإعلانها اللافت للنظر أن الحزب الشيوعي الصيني يرتكب إبادة جماعية في إقليم شينغيانغ؛ لأنه بموجب القانون الدولي، يستلزم هذا الإعلان منها التصرف على أساسه. وقبل أن ينطلق بلينكن في جولته الدولية، تمنى مايكل ماكول، كبير الجمهوريين في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، له التوفيق، محذراً من أنه لا يمكن معاملة الصين بوصفها “خصماً عادياً”، وأشار ماكول إلى أن الولايات المتحدة “غضت الطرف” عن الحزب الشيوعي الصيني لمدة أربعة عقود على أمل إقناعه باتباع الأعراف الدولية، لكن “لسوء الحظ لم ينجح الأمر”.
عربي بوست