السياسية:
تصدّر “قصر معاشيق” الترند ومحركات البحث، بعد أن تعرّض للاقتحام مرة أخرى الثلاثاءالماضي ، فما قصة القصر الرئاسي في اليمن، وما علاقته بقضية انفصال الجنوب، ولماذا تم اقتحامه هذه المرة؟
الفصل الأحدث في قصة قصر معاشيق التي أصبحت فصلاً متكرراً في حرب اليمن المستمرة منذ عام 2014 وقع الثلاثاء الماضي، عندما اقتحمه مئات المتظاهرين، احتجاجاً على الأوضاع المعيشية المتردية في اليمن، وانخفاض سعر العملة المحلية.
شعارات المجلس الانتقالي
تم تشييد قصر معاشيق في عدن، العاصمة الاقتصادية لليمن، وثاني مدن البلاد من حيث الأهمية بعد العاصمة صنعاء عام 1990، ليكون مقراً رئاسياً،
وبعد عام 2014 واستيلاء انصار الله على صنعاء اتّخذه الرئيس الحالي عبد ربه منصور هادي مقراً له ولحكومته، لكنه اضطر لمغادرته عام 2015 بعد استيلاء انصار الله على عدن، قبل أن يتم طردهم على أيدي قوات تحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية والإمارات في العام نفسه.
ولم يعُد هادي إلى قصر معاشيق، واتّخذ من الرياض مقراً له، لكنّ القصر ظل مقراً للحكومة اليمنية حتى اليوم، ليتحول القصر إلى رمز لصراع داخلي آخر في اليمن، وبالتحديد قضية انفصال الجنوب عن الشمال.
وخلال أحداث اقتحامه الأخيرة كانت هناك عدة مؤشرات على أن مئات المتظاهرين الذين دخلوا إلى القصر في ظل وجود رئيس الحكومة اليمنية معين عبدالملك وعدد من الوزراء بداخله، يتبع أغلبهم المجلس الانتقالي المدعوم من الإمارات والمُطالب بانفصال الجنوب.
وأبرز هذه المؤشرات يتمثل في حمل عدد من المتظاهرين شعارات المجلس الانتقالي الجنوبي، بحسب ما قالته مصادر محلية لوكالة الأناضول، إضافة إلى عدم تصدي حراسة القصر للمحتجين، وتمكنهم من اقتحام القصر بسهولة.
وما يؤكد هذه المؤشرات هو البيان الذي أصدرته الخارجية السعودية فجر امس الأربعاء، بشأن اقتحام قصر معاشيق، إذ أدان البيان بشدة اقتحام المتظاهرين لمقر الحكومة اليمنية بعدن: “تؤكد المملكة دعم الحكومة اليمنية التي باشرت مهامها من العاصمة المؤقتة عدن بتاريخ 30 ديسمبر (كانون الأول) 2020، برئاسة معين عبدالملك، وأهمية منحها الفرصة الكاملة لخدمة الشعب اليمني”.
ودعت المملكة، وفق البيان الذي نشرته وكالة الأنباء الرسمية (واس) “طرفي اتفاق الرياض للاستجابة العاجلة والاجتماع في الرياض لاستكمال تنفيذ بقية النقاط في الاتفاق”، واعتبر البيان “تنفيذ اتفاق الرياض ضمانةً لتوحيد الصفوف لمختلف أطياف الشعب اليمني ودعم مسيرته، لاستعادة دولته وأمنه واستقراره، ويسهم في تكريس أمن واستقرار اليمن، ودعم جهود التوصل إلى حل سياسي شامل في البلاد”.
قصر معاشيق وانفصال الجنوب
دعوة الرياض لطرفي الصراع في جنوب اليمن “لاستكمال تنفيذ بقية اتفاق الرياض” إشارة مباشرة على أن ما تعرّض له المجمع الحكومي في عدن (قصر معاشيق) قد يكون مقدمة لتكرار ما حدث في صيف عام 2019، عندما اندلع صراع مسلح بين قوات الحزام الأمني التابعة للمجلس الانتقالي الجنوبي من جهة، وبين القوات الحكومية التابعة للحكومة اليمنية برئاسة هادي من ناحية أخرى، والتي انتهت خلال أربعة أيام بسيطرة قوات الانتقالي على قصر معاشيق وعدن بأكملها.
ففي 10 أغسطس/آب 2019، أعلنت قوات الانفصاليين الجنوبيين المدعومة من الإمارات سيطرتها على قصر معاشيق الرئاسي في عدن، وقال مسؤول في قوات الحزام الأمني وقتها “تسلمنا قصر معاشيق من القوات الرئاسية بدون مواجهات”، وكانت تلك بداية الحديث العلني عن انفصال الجنوب.
ووقتها حمّلت الخارجية اليمنية المجلس الانتقالي الجنوبي ودولة الإمارات “تبعات الانقلاب” في عدن، مطالبة أبوظبي بوقف دعمها المادي والعسكري فوراً للانفصاليين.
ونجحت السعودية في التوفيق بين الطرفين المتصارعين من خلال توقيع اتفاق الرياض، مطلع نوفمبر/تشرين الثاني عام 2019، بحضور الرئيس منصور هادي، ورئيس المجلس الانتقالي، وولي عهد السعودية محمد بن سلمان، وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد.
لكن بعد أكثر من ستة أشهر من توقيع الاتفاق، وتحديداً في 25 أبريل/نيسان عام 2020، أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي، في بيان أصدره رئيسه عيدروس الزبيدي من مقر إقامته في أبوظبي، عن انفصال جنوب اليمن، وبرّر صالح النود عضو المجلس الانتقالي الخطوة بأنها “كانت لا مفر منها بعد فشل كل محاولات المجلس في تحسين أوضاع شعبنا في الجنوب”.
وتحسين أوضاع اليمنيين في جنوب اليمن هي نفسها الشعارات التي رفعها المتظاهرون الذين اقتحموا قصر معاشيق، الثلاثاء الفائت ، فيما اعتبرته الحكومة اليمنية، في بيان لها مساء الثلاثاء، “فوضى لا تنتمي لأي شكل من أشكال التظاهر السلمي، واعتداء على الدولة”.
وفي بيانها، عبّرت الحكومة اليمنية، عن تفهّمها وتقديرها للحق في التظاهر السلمي، لكنها أكدت أن ما حدث “لا يمكن أن يُصنف إلا كشكل من أشكال الفوضى والاعتداء على الدولة والقانون”. وأضافت أن “هذا الحرف للتظاهرات عن المسار السلمي لا يخدم في النهاية إلا دعاة الفوضى وتهديد الأمن والاستقرار”.
ومرة أخرى، اعتبرت الحكومة في بيانها أن “ما حدث يشدد على ضرورة مضاعفة الجهود لسرعة استكمال مسار تنفيذ اتفاق الرياض في الجوانب الأمنية والعسكرية”.
تأثير قضية انفصال الجنوب على حرب اليمن
هذه الأحداث التي أصبح قصر معاشيق في القلب منها، وفي هذا التوقيت، لا يمكن تجاهل توقيتها ولا دلالتها. فمنذ تولي الإدارة الأمريكية برئاسة جو بايدن المسؤولية، كان التحرك الأول لها في ملفات الشرق الأوسط في حرب اليمن، واتخاذ خطوات تهدف إلى وضع نهاية لتلك الحرب التي تسببت في أسوأ كارثة إنسانية في العالم في العصر الحديث بحسب التقارير الأممية.
ففيما يتعلق باتفاق الرياض الموقع بين حكومة هادي المدعومة سعودياً وبين المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً، من المهم ذكر حقيقة أنه في 18 ديسمبر/كانون الأول الماضي، تم تشكيل الحكومة اليمنية الجديدة مناصفة بين الشمال والجنوب، وحاز المجلس الانتقالي الجنوبي 5 حقائب فيها من أصل 24، ويهدف تشكيل الحكومة إلى حل الوضع العسكري في عدن والمناطق الأخرى التي شهدت مواجهات بين القوات الحكومية ومسلحي المجلس الانتقالي في عدن ومحافظة أبين (جنوب).
بايدن يريد إنهاء الحرب في اليمن، والسؤال كيف يمكن تحقيق ذلك الهدف؟
وتزامن وصول أعضاء الحكومة الجديدة إلى عدن مع هجوم مروع استهدف المطار، وكان هدفه قتل أعضاء الحكومة من خلال استهداف طائرتهم، لكنه لم يحقق هدفه الأساسي، وتسبب في مقتل وإصابة العشرات، وهو الهجوم الذي ألقيت مسؤوليته على الحوثيين ووصف بالإرهابي، وكان يفترض أن يمثل فشل الهجوم في تحقيق هدفه ونجاة الحكومة الجديدة نهاية، أو على الأقل تأجيل صراع انفصال الجنوب حتى تنتهي الحرب ضد الحوثيين، لكن الواضح أن ذلك لم يحدث.
فكما استغلّ الحوثيون رغبة بايدن في إنهاء الحرب في اليمن، وقراراته بوقف دعم واشنطن للعمليات العسكرية للتحالف بقيادة السعودية، وكذلك وقف بيع الأسلحة الهجومية للرياض وإلغاء تصنيف الجماعة المدعومة من إيران منظمة إرهابية، وقاموا بتصعيد هجماتهم داخل اليمن للسيطرة على محافظة مأرب الاستراتيجية وخارجه من خلال تصعيد هجماتهم ضد الأهداف المدنية والنفطية في السعودية، الواضح أن المجلس الانتقالي الجنوبي يصعد أيضاً من جانبه فيما يخص انفصال جنوب اليمن، واقتحام قصر معاشيق الأخير مؤشر على ذلك، بحسب محللين.
وتمثل هذه الرغبة في انفصال الجنوب تعقيداً آخر في ملف حرب اليمن، الذي لا ينقصه التعقيد من الأساس، فالحرب التي تمر بعامها السابع أصبحت ساحة للصراعات الإقليمية والدولية، ويضاف إليها الصراع المحلي بين الراغبين في انفصال الجنوب والمتمسكين بوحدة البلاد. وفي قلب ذلك التعقيد الأخير يوجد قصر معاشيق، الذي يضم العديد من المباني الحكومية، ويقع على مرتفع يطل على خليج عدن.
تحليل موقع “عربي بوست”