بقلم: ليلي يونس

(صحيفة “أوريون 21- “”Orient XXI الفرنسية – ترجمة: أسماء بجاش, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)

استخدمت ناقلة النفط صافر كمحطة لتخزين النفط الخام حتى العام 2015, بيد أنه تم التخلي عن الناقلة في المياه المالحة الدافئة في البحر الأحمر والتي تحتوي في باطنها على أكثر من مليون برميل من النفط الخام بعد أن سقط جزء كبير من منطقة  الساحل الغربي لليمن تحت سيطرة الحوثيين.

ومع غياب أعمال الصيانة لأكثر من خمس سنوات، سرعان ما تآكلت عملاق التخزين والتفريغ، مهددة بإلقاء النفط أربع أضعاف في البحر مثل كارثة إكسون فالديز التي شهدها العام 1989.

ومن بين البلدان المجاورة، اليمن البلد الذي مزقته الحرب والأكثر تضررا من خطر تعطيل نظامه الاجتماعي البيئي الهش، سواء بالنسبة لغابات المانجروف، أو احتياطياته السمكية الوفيرة، أو ميناء الحديدة الكبير، حيث يعتبر البوابة الرئيسية لدخول المساعدات الإنسانية. بالإضافة إلى أن بلدانا أخرى يمكن أن تتأثر أيضا.

تشير النماذج التنبؤية إلى أنه في حالة حدوث تسرب نفطي، فإن البقع النفطية ستتحرك وترتفع إلى أعلى منطقة الساحل السعودي, كما سوف تنتشر في جميع أنحاء البحر الأحمر، مما يؤثر على صناعة السياحة البحرية في مصر.

حتى أن بعض الخبراء حذروا من أن البقعة النفطية يمكن أن تنتقل إلى خليج العقبة في الاردن، مما يدمر الشعب المرجانية الوحيدة على كوكب الأرض القادرة على البقاء إلى ما بعد الثلاثين سنة القادمة.

وعلى الرغم من كل هذه المخاطر، أدت الحالة السياسية التي تعيشها المنطقة إلى سنوات من التقاعس عن العمل مع تدهور الوضع العام للسفينة كل يوم.

إن أزمة ” الأمان” ليست سوى آخر مثال، وربما أفظع مثال، على قبول الجهات الفاعلة الإقليمية لتعريض البيئة للخطر والأشخاص الذين يعتمدون عليها في مقابل وضع قائم مؤات لمصالحها الجغرافية السياسية.

يتذكر الكثيرون مشهد أعمدة الدخان الأسود المتصاعد في الصحراء في العام 1991 عندما أمر الرئيس العراقي صدام حسين قواته المتراجعة بإضرام النار في حقول النفط الكويتية.

وبالتالي أدى دخان الحرائق تلك إلى تشبيع الهواء مما أدى إلى اضطرابات في الجهاز التنفسي والجلد لدى السكان في الكويت، كما ألقاء هذا الوضع بضلاله أيضا على السكان المحيطين.

وخلال نفس الفترة، عمل الدكتاتور صدام حسين على تجفيف الأهوار* الواقعة جنوب العراق ليتمكن من ضرب المنشقين السياسيين الذين لجأوا إلى هناك.

وعلى الرغم من الجهود المبذولة لاستعادة المواقع، ظلت مستويات المياه أقل بكثير مما كانت عليه في الماضي.

وفي الآونة الأخيرة، أدى فشل السلطات اللبنانية في إزالة 2700 طن من مخزون نترات الأمونيوم المتراكم في مستودعات ميناء بيروت إلى حدوث أكبر انفجار غير نووي في التاريخ الحديث، مما أسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص وإصابة أكثر من 6 آلاف آخرين وانتشار آلاف الأطنان من النفايات، بما في ذلك المواد الكيميائية السامة.

ونتيجة لهذا, سوف يعاني اللبنانيون، ولاسيما المسؤولون عن تنظيف الضرر, لسنوات من المضاعفات الطبية الناجمة عن ذلك الانفجار.

إن قضية صافر مشابهة بشكل مذهل لانفجار بيروت: فقد دعا العلماء والمحليون إلى اتخاذ إجراءات سريعة وفورية قبل وقوع الكارثة الحتمية.

ومن المرجح أيضا أن يشتعل النفط الموجود على متن الناقلة “صافر”، الذي لم يستخدم منذ أكثر من خمس سنوات، وأن يتسبب في انفجار هائل في أي وقت.

تحت رحمة الله والبحر:

يقتصر عمل السفينة على تخزين وتفريغ النفط الخام, حيث تبلغ قدرتها التخزينية إلى ما يصل إلى 3 ملايين برميل من النفط في مستودعاتها.

تم بناؤها في اليابان في منتصف السبعينات لصالح شركة إكسون, حيث تمحور عمل هذه الناقلة على نقل النفط غرباً عبر رأس الرجاء الصالح وذلك في فترة إغلاق قناة السويس، ومن ثم تم شراؤها في العام 1988 من قبل الحكومة اليمنية لتخزين النفط الذي يعبر من خلال خط أنابيب مأرب – رأس عيسى إلى البحر الأحمر.

ومن جانبه, قال عبد الغني عبد الله جغمان، وهو جيولوجي ومستشار يمني، إنه عندما تم التخلي عن “صافر”، كانت قد تجاوزت بالفعل متوسط العمر الافتراضي لها بحلول 20 عاما, مضيفاً أن المناخ الدافئ والرطب للسواحل اليمنية لا يمكن إلا أن يعجل بتآكل السفينة.

وقد أدى عمرها وارتفاع تكاليف صيانتها وتشغيلها والوضع الهش في البحر الأحمر إلى قيام الحكومة اليمنية في العام 2006 بالتخطيط لإنشاء خزانات نفط في منطقة ميناء رأس عيسى, غير أن هذا المشروع لم يتجاوز مرحلته الأولية.

وعندما اندلعت الحرب في اليمن أواخر مارس من العام 2015، طُلب من العمال ترك الموقع, ومنذ ذلك الحين، تم ترك مصير السفينة تحت رحمة الله والبحر.

يشكل تخزين النفط ونقله في عرض البحر أنشطة محفوفة بالمخاطر, حيث يكون احتمال التسرب والانسكاب النفطي متكاملا, إذ تكون أثاره على حياة الإنسان والبيئة مؤكدة، بينما يظل في نفس الوقت من الصعب التنبؤ به.

تشير التقديرات إلى أن ناقلات النفط التي تسافر عبر البحر الأحمر تحمل يوميا 3.4 مليون برميل من النفط.

وتؤكد الاحداث التاريخية السابقة أن إغراق إحدى هذه السفن أو إلحاق أضرار جسيمة بها ستكون له عواقب وخيمة في الأجلين القصير والطويل.

سابقة “إكسون فالديز”:

عندما جنحت السفينة إكسون فالديز على الشعاب المرجانية قبالة سواحل ألاسكا، أثر غمرها على أكثر من 2000 كيلومتر من الساحل، كان ما يقرب من 300 كيلومتر منها ملوثا بشدة بالنفط.

وعلى الرغم من ملايين الدولارات المستثمرة في تنظيف السواحل، فإن نحو 10% فقط من النفط تم التخلص منه.

وبعد أكثر من ثلاثين عاما، لم ينتعش التنوع البيولوجي ولا يزال صيد الأسماك محظورا.

إن الوضع في اليمن سيكون مختلف تماماً, حيث لا تستطيع المجتمعات الساحلية اليمنية أن تتحمل ولو جزءا ضئيلا من هذا الدمار.

فعلى مدى عقود ماضية كانت صناعة صيد الأسماك من أكثر القطاعات إنتاجا في الاقتصاد اليمني الهش.

قبل الحرب، كان القطاع السمكي يعتبر ثاني أكبر دخل لصادرات البلد, حيث يوفر هذا القطاع فرص العمل لأكثر من نصف مليون شخص يقدمون بدورهم الدعم الاقتصادي إلى 1.7 مليون شخص، أو 18% من سكان المجتمعات الساحلية.

وبحسب البيانات الواردة من وكالة حماية البيئة اليمنية والمكتب المركزي للإحصاء، قدرت منظمة البيئة اليمنية “الحلم الأخضر-  Holm Akhdarأن تسرب النفط على نطاق واسع بالقرب من ميناء رأس عيسى من شأنه أن يدمر أكثر من 800 ألف طن من الأسماك، وأن النظام البيئي البحري سوف يحتاج إلى أكثر من 25 سنة للتعافي من هذه الكارثة.

كما حذر خبراء آخرون من عواقب تتجاوز التدمير الشامل للحياة البحرية, حيث توقعت شركة تحليل المخاطر في المملكة المتحدة ” ريسكوير- Riskaware” أن يؤدي التسرب في ناقلة “صافر” إلى إغلاق ميناء الحديدة، أكبر ميناء في اليمن، لمدة قد تتراوح بين خمسة إلى ستة أشهر.

الأمر الذي قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار الوقود بنسبة 200% وتعطيل الخدمات الصحية والمياه والصرف الصحي.

وفي حالة نشوب حريق كبير على متن السفينة، سيغطي تلوث الهواء الشديد الأراضي الصالحة للزراعة وبالتالي تلوثها, كما سوف يدمر غلة أكثر من 3 ملايين مزارع.

أشارت كارين كلاينهاوس، العالمة في شؤون البحار من جامعة ستوني بروك في نيويورك والتي عملت مع فريق من الخبراء لنمذجة انتشار النفط في حالة التسرب, من خلال الخرائط إلى أنه إذا حدث الانسكاب النفطي خلال أشهر الشتاء، فإن النفط سوف يتحرك شمالا ويمتد إلى وسط البحر الأحمر، حيث سوف يظل محاصرا إلى أجل غير مسمى.

تعتبر الشعاب المرجانية موردا عالميا هاما نظرا لقدرتها الفريدة على تحمل درجات الحرارة العالية بشكل غير عادي دون التبييض.

وبالرغم من كل ذلك, فقد تجاهل الحوثيون الذين يسيطرون على المنطقة التي ترسوا فيها الناقلة “صافر” كل الشواغل البيئية التي تحدث عنها العلماء.

ومن جانبه, كتب محمد علي الحوثي، أحد القادة الحوثيين البارزين، ردا على تحذيرات خبراء الكوارث البيئية الدوليين: “حياة الجمبري أكثر قيمة من حياة مواطن يمني بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها”.

تردد صدى كلماته تلك التي طال أمدها في مناطق الأزمات: فالشواغل المتعلقة بالتدهور البيئي تهمل مصير الناس العاديين, ومع ذلك، من الواضح أن الاثنين مرتبطان ببعضهم البعض.

وأشارت كلاينهاوس إلى أن الشعاب المرجانية والحياة البحرية في البحر الأحمر ضرورية للصيادين في المدن الساحلية في اليمن, حيث قالت: “من الطبيعي أن يفوت الناس العلاقة بين الأسماك والبشر, لكن الأسماك هي التي تطعم الشعب اليمني”.

عجز الأمم المتحدة:

في يونيو 2020, تمكنت مياه البحر من التسلل إلى غرفة المحرك في الناقلة صافر,  ولهذا ارسلت الشركة المالكة للسفينة فريقا من الغواصين لإيجاد حل سريع لعملية التسلل، مؤكدة أن كارثة كبيرة كانت على وشك الحدوث.

وفي اجتماع لمجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة في يوليو 2020, وصفت إنجر أندرسون، المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، الوضع غير المستقر للسفينة والعواقب الوخيمة المترتبة على التقاعس عن العمل, حيث قالت “هذه الكارثة يمكن الوقاية منها تماما إذا تصرفنا بسرعة,  حيث أن الأمم المتحدة لديها القدرة على التدخل لحل المشكلة”.

ومع ذلك,  وبعد سبعة أشهر من ذلك الاجتماع، لا تزال الناقلة في عرض البحر وعلى متنها أكثر من مليون برميل من النفط الخام.

في الآونة الأخيرة،  أرجّا زعماء الحركة الحوثي مرة أخرى البعثة التابعة للأمم المتحدة للقيام بتقيم الوضع العام لسفينة, حيث عمدت إلى هذه الاستراتيجية للضغط على الولايات المتحدة الامريكية لإعادة النظر في إدراج الجماعة كمنظمة إرهابية*.

ويعزى جمود السنوات الأخيرة إلى حد كبير إلى الخلاف بين الحوثيين والحكومة اليمنية -التي تتلقى الدعم من المملكة العربية السعودية- والتي ينبغي أن تكون قادرة على الحصول على إيرادات النفط الموجود في باطن السفينة “صافر”والذي تقدر قيمته بـ 80 مليون دولار (66.27 مليون يورو).

وعلى الرغم من أن 80 مليون دولار سوف تشكل جزءاً ضئيلاً جداً مما قد يتكلفه تنظيف البقع النفطية في حالة حدوث انسكاب نفطي كبير (وهو مبلغ ضئيل في المقابل للحكومة السعودية)، إلا أنه يشكل مبلغاً كبيراً بالنسبة لليمن الذي دمرته الحرب، حيث لم يحصل العديد من المواطنين على راتبه منذ خمس سنوات.

ومن غير المستغرب أن يعطي الحوثيون والحكومة على حد سواء الأولوية للنزاع على عائدات النفط بدلاً من الاهتمام بتجنب وقوع أزمة بيئية وإنسانية كبرى, حيث سلط كل من الفصيلين الضوء على الاحتمالات المدمرة للكارثة، ولكن فقط لإلقاء اللوم بصورة استباقية على الجانب الأخر بسبب التداعيات السلبية للكارثة في حال حدوثها.

ولعل أكبر مأساة في الوضع القائم للناقلة يكمن في البساطة اللوجستية لحلها, حيث يمكن سحب الناقلة بسهولة إلى الشاطئ، وتفريغ نفطها وتخزينه إلى أن يتم اتخاذ قرار بشأن ما يجب القيام به معها.

ومن الممكن أيضاً نقل محتوى الناقلة من النفط إلى ناقلة أخرى تكون في حالة أفضل، في حين ينتظر الحوثيون والحكومة الاتفاق على كيفية تقاسم العائدات.

وفي كلتا الحالتين، سوف ينجو اليمن من كارثة لا يستطيع تحملها، سواء من الناحية المالية أو البيئية أو الأخلاقية.

* تجفيف الأهوار: هي إحدى انتهاكات صدام حسين التي تم توثيقها والتي أدت إلى حدوث كوارث بيئية وطبيعية في منطقة جنوب العراق كمقتل واختفاء عشرات الآلاف من السكان الأصليين وتلوث الهواء والمياه والتربة وانقراض أنواع لا حصر لها من الطيور والنباتات والحيوانات، كما في هجرة طيور النورس التي كانت تسكن المنطقة لتحل في جزر الكويت القريبة.

* في أوائل فبراير المنصرم، أبلغ وزير الخارجية أنطوني بلينكين الكونجرس بنيته إزالة الحوثيين من قائمة الجماعات التي تعتبرها واشنطن إرهابية.

*  المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع