دكتور حسن زيد بن عقيل*

قرر بايدن إنهاء الدعم للعمليات الأمريكية وشحنات الأسلحة المقدمة للمملكة العربية السعودية في حربها على اليمن التي سوف تدخل عامها السابع قريباً ، أسفرت الحرب عن مقتل 110 آلاف شخص و تركت 80٪ من السكان في حاجة إلى المساعدة والحماية.

هذه شهادة للتاريخ ان بايدن بدأ الحرب ودعمها منذ عام 2015 ، عندما كان نائبًا للرئيس باراك أوباما .

يبدو الآن بايدن راضياً عن المصيبة والخسارة التي ورثها للشعب اليمني ، لذلك أصدر تعليماته لإدارته بإنهاء الحرب وإيجاد حل دبلوماسي للصراع .

مع ذلك ، لا يمكن إخفاء إحصائيات مؤكدة عن دور الولايات المتحدة في تدمير البنية التحتية المدنية في اليمن … ولكن بيد عربية . نقدم هنا بيانات توضح كيف ساهمت آلة الحرب الأمريكية الأوروبية في تدمير المنشآت الزراعية والطبية والطاقة والمياه ومصايد الأسماك وغيرها من المرافق اليمنية.

مصدر البيانات مجلة الشؤون الدولية ، التي استخدمت مجموعة متنوعة من مصادر البيانات ونشرت هذه البيانات أيضًا على موقع لـ (واشنطن بوست) ، التي قدمت معلومات واضحة عن 1941 حادثاً بين عامي 2011 و 2019 نبسطها للقارئ .

عند تتبعنا أهداف تلك الحوادث نجد الغارات الجوية للتحالف المدعوم من الولايات المتحدة ، إما من خلال المعلومات الاستخباراتية أو البيانات المستهدفة أو تزويد طائراته بالوقود والصيانة المستمرة و كذا من خلال مبيعات الذخيرة الموجهة بدقة وغيرها من الأسلحة. نجد الغارات الجوية استهدفت مصادر الطاقة والمياه و الصرف الصحي والزراعة والصحة و الطرقات والجسور.

من عام 2015 توسّع التحالف العربي المدعوم أمريكياً في تدمير البنية التحتية بشكل أكبر و تحت غطاء الشرعية الدولية . هاجم الأعيان المدنية بدقة عالية . خلال الفترة 2011 – 2019 كان التحالف المدعوم أمريكياً حينها مسؤولاً عن 67.2 في المائة من تدمير البنية التحتية . بينما القوات الموالية لعبد ربه منصور هادي و الحوثيين و الميليشيات الموالية للقوى السياسية والجماعات المسلحة الاخرى 32.8 في المائة.

من الـ 67.2% من الحملة الجوية شملت تدمير اكثر من 60 في المائة من القطاع الزراعي و اسفرت عن إصابات مباشرة بين المدنيين . هناك أيضًا 30 هجوما على قوارب صيد يمنية ، معظمها حول موانئ الحديدة والمخا وجزر البحر الأحمر . ايضاً البنية التحتية للطاقة تعرضت الى 150 هجوماً و البنية التحتية للمياه الى 105 هجوماً . هذه البنى التحتية مترابطة ، مثلاً إذا قصف التحالف محطة طاقة واحدة يمكن أن يؤدي إلى قطع الكهرباء اللازمة لتشغيل أنظمة مياه الشرب ومنشآت معالجة مياه الصرف الصحي والمستشفيات و الجامعات و المدارس ..الخ و يمكن أن يؤدي أيضًا إلى تقويض النشاط الاقتصادي اللازم لتوليد الدخل وشراء الغذاء . وكذا ساهم العدوان الامريكي على تدمير القطاع الزراعي بهدف تقويض انتاج المحاصيل الضرورية و ساعد على تدمير البنية التحتية لتجهيز الأغذية والتخزين والنقل و كل ما يؤدي الى توفير سبل العيش و توفير الأمن الغذائي ، وكذا دمرت المستشفيات و الطرقات و الجسور ..الخ . إذاً هذه الأزمة الإنسانية في اليمن من صنع الولايات المتحدة الامريكية.

بررت إدارة أوباما – بايدن بأن تشجيع ودعم قوات التحالف لدول الخليج في حرب اليمن عام 2015 كان سببه الحاجة إلى تلبية احتياجات حلفائها في الخليج بعد توقيع الاتفاق النووي الإيراني . يعتقد أوباما- بايدن أن مخاوف دول الخليج خلال المفاوضات حول الصفقة النووية في عام 2015 كانت تهدف إلى بقاء و استمرار العداء بين الولايات المتحدة وإيران ، بدلاً من مُصالحة مُؤقّتة معها حول الاتفاق النووي، حتى تركز الولايات المتحدة كل نشاطها في حماية مصالحهم . لضمان عدم تدخل هذه الدول الخليجية لإفساد الصفقة ، قرر أوباما – بايدن تشجيعهم ومساعدتهم وانشغالهم بالحرب الكارثية في اليمن . بعد ذلك ، واصلت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفس النهج ، مضيفةً مبررًا آخر ، وهو أن دعم الحلفاء الخليجيين يخلق وظائف للأمريكيين ويدعم الخزانة الأمريكية بأموال خليجية. الآن تريد إدارة بايدن وقف الحرب ، و السبب واحد . الاختلاف في البداية شجّعت على الحرب ، من أجل التوقيع على الاتفاق النووي الإيراني . للعودة إلى الاتفاق النووي الإيراني تسعى لوقف الحرب. الغريب عند التوقيع تورطت السعودية في المستنقع اليمني . الآن عند العودة للاتفاق تريد دفع إيران إلى المستنقع اليمني … هل اليمن منطقة اختبار للأميركيين ؟

هذه جرائم غير مشروعة تمارسها الإدارة الأمريكية وقد تحدث عنها سياسيون أمريكيون. على سبيل المثال ، قال السناتور والسياسي الأمريكي كريس مورفي في ذلك الوقت: ” يبدو غريباً بالنسبة لي أن الكونجرس لا يناقش الحرب غير المصرح بها في اليمن”. وقال إن السعوديين “لا يمكنهم فعل ذلك بدون الولايات المتحدة”. كما قال: ” قررنا خوض حرب في اليمن” وهم ليسوا أعداءنا دون أي نقاش. الأسوأ من ذلك كله هو أن إدارة أوباما وبايدن أشركت الجيش الأمريكي منذ 2015 في حرب اليمن ، بدون التنسيق مع القيادة العسكرية ، ووفقًا للجنرال لويد أوستن ، قائد القيادة المركزية الأمريكية ، الذي قال في ذلك الوقت : لا أعرف الأهداف من الحملة السعودية على اليمن ، وأنا بحاجة لمعرفتها لتقييم احتمالات النجاح . لذا هذه القرارات المتهورة من الناحية الفنية ، جاءت بناءً على النزوات السياسية لأوباما وبايدن.

لم تحقق الحرب أهدافها ، بل عززت موقف التنظيمات الإرهابية ، بما في ذلك تنظيم القاعدة في جزيرة العرب. وكما قالت رويترز ، فإن المنظمات الإرهابية اصبحت مع الحرب “أقوى وأكثر ثراء” من أي وقت مضى . الواقع أكد حقيقة ما قاله وزير الدفاع السابق روبرت جيتس عن بايدن : “أعتقد أنه كان مخطئًا في كل قضايا السياسة الخارجية والأمن القومي تقريبًا …” بيان بايدن إنهاء الدعم الأمريكي للتحالف في الحرب العبثية . كانت من أجل الدعاية السياسية . يسعى بايدن من ورائها احتواء الأزمة اليمنية وإحضار الأطراف المتحاربة إلى طاولة المفاوضات ، بالتالي الخروج من المأزق الذي يتولى مسؤوليته في صراع عصف باليمن وأوقع خسائر بشرية في انتهاك صارخ لجميع القوانين والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان والقانون الدولي . ان حل الصراع اليمني على المدى القصير سيساعد الولايات المتحدة على إعادة بناء مشروع الشرق الأوسط وفقًا للمصالح الأمريكية والغربية وتأمين الموقع الجغرافي الاستراتيجي لليمن .

هذا المسار صعب ، الاقرب ان مشروع بايدن سوف يفشل في وقف حرب اليمن . لهذا أتفق مع الباحثة الأمريكية أنيل شيلاين من معهد كوينسي بواشنطن أن مفهوم ” إنهاء الدعم الأمريكي للحرب وأنهاء الحرب أمران مختلفان تمامًا”. نعلم أن مسألة ” إنهاء الدعم ” غير منطقي وغير فعّال لأن مصادر توريد السلاح متعددة . لكن ” إنهاء الحرب” ، نرى ذلك من اختصاص الولايات المتحدة . ونعني إدارة بايدن التي اتخذت قرار الحرب ومنحتها الشرعية الدولية من قبل مجلس الأمن الدولي . إذا الولايات المتحدة هي مسؤولة عن كوارث الحرب في اليمن . إذا كانت الولايات المتحدة تريد حقًا تبييض صفحتها و”إنهاء الحرب” ، فعليها أن تنهيها من حيث بدأت ، أي بقرار من مجلس الأمن لوقف الحرب والغاء الحصار و كل القرارات السابقة بقرار مماثل . بهذا عملياً تلغى كل ما يسمى بـ “الشرعية الدولية” الوهمية المنبثقة عن مجلس الأمن بشأن اليمن منذ 2011 ، أي من استقالة الرئيس صالح وتعيين نائبه هادي رئيساً الى اليوم .

ما يقرب من عشر سنوات ويعلن عبد ربه منصور هادي نفسه رئيسًا لليمن ، رغم انتهاء شرعيته القانونية ، ومعه برلمان انتهت ولايته أيضًا . اليمن اليوم لا توجد به سلطة ( رئيس و حكومة و برلمان ) تملك شرعية وطنية قانونية ، اليمن جاهز بالكامل لكل المقاصد و الأغراض ، عملياً يعيش حالة فراغ سياسي . يجب على المجتمع الدولي اتخاذ موقف يساعد اليمنيين على الخروج من المأزق الحالي ، والتخلي عن المواقف المخادعة ، مثل الاعتراف بالحكومة الشرعية في عدن وسلطة الأمر الواقع في صنعاء .

لذلك ، فإن الخطوات العملية لـ ” إنهاء الحرب ” يتطلب أولاً وقبل كل شيء إيجاد توازن جيد يضمن و يكفل إعطاء فرص لجميع الفصائل المسلحة والفصائل السياسية والجماعات المحلية والمجتمع المدني للمساهمة والمشاركة في تحقيق وتوطيد وقف إطلاق النار في جميع أنحاء البلاد. وهذا ليس بالأمر السهل على الإطلاق . فإذا كان بايدن يريد إعادة إحياء الطريقة التي تمت فيها إنهاء الحرب الأهلية السابقة في شمال اليمن بين عامي 1962 ــ 1970 ، و التي لم تنته حتى أنهت مصر والسعودية تدخلهما هذه خطوة جيدة ، منع اي تدخل اجنبي في الشأن اليمني عامل اساسي و مهم . لكن بايدن نسي شيء مهم ، الظروف الدولية السائد الآن ، حينها كانت (الحرب الباردة) و كانت لها ضوابطها . اليوم ، أصبح اليمن ساحة للصراعات المتعددة والمتداخلة على السلطة والنفوذ والأيديولوجية ، تغذيها الجهات الفاعلة الإقليمية التي تسعى إلى تعزيز مصالحها الاستراتيجية والأمنية . على الرغم من الأزمة الإنسانية الحادة ، أصبح اليمن أكثر انقسامًا من أي وقت مضى على أسس سياسية وقبلية وإقليمية ودينية. كما أنها لا تزال ملجأ لفرع القاعدة الذي استهدف الولايات المتحدة وأوروبا ، والتي استغلت حالة عدم الاستقرار بسبب الصراع و وسعت نفوذها . إعلان بايدن إنهاء الدعم الأمريكي لا يعني بشكل تلقائي نهاية الحرب .

الاعلان محاولة من قبل إدارة بايدن للعب دور ريادي جديد في منطقة الشرق الأوسط ، لا سيما من خلال تبني الدبلوماسية النشطة التي تعيد القوة للسياسة الخارجية الأمريكية. جاءت الدعوة لإنهاء الحرب محاولة لملمت الوضع الإنساني . لكن هذه السياسة على ما أعتقد ستدفع اليمن إلى صراع طويل الأمد مع إيران . ملامح هذا الصراع غير واضحة حاليًا. فإن قرار بايدن إنهاء الصراع في اليمن ، هو هدف أمريكي للتحضير لاحتمال العودة إلى المفاوضات الأمريكية الإيرانية التي يعتبر الملف اليمني جزءًا أساسيًا منها.

* المصدر : رأي اليوم
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع