بقلم: جان بول جنيم

(موقع “معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية- Institut de Relations Internationales et Stratégiques” الفرنسي- ترجمة: أسماء بجاش, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)

بعد قضاء أربع سنوات من شهر العسل، يجد السعوديون أنفسهم في مواجهة الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة الرئيس جو بايدن والمصممة على أن تكون أكثر اهتماما بالقضايا التي تتعلق بحقوق الإنسان وإدارة الحرب في اليمن.

ومن جانبهم, يجد صناع القرار في المملكة العربية السعودية أنفسهم مضطرين إلى مضاعفة أعمال الاسترضاء تجاه الإدارة الأمريكية الجديدة.

ومن ناحية أخرى، تعي الإدارة الأمريكية وزن الرياض في المنطقة وتدرك أنه لا يمكن التوصل إلى اتفاق مع النظام الإيراني، أيا كان الشكل الذي تتخذه، دون موافقة المملكة.

في 10 فبراير الجاري، تم أطلاق سراح الناشطة في مجال حقوق المرأة “لوجين الهذلول”  بعد 1001 يوم من الاحتجاز.

ولم يكن هذا الإفراج مفاجئ, لأن السلطات القضائية في البلد كانت قد عدلت عقوبتها في ديسمبر الماضي, حيث أشارت إلى أمكانية إطلاق سراحها بشكلٍ مشروط في غضون مدة قصيرة.

ولكن هذا لا يعني أن الناشطة الحقوقية السعودية حرة تماما, حيث سوف تخضع لثلاث سنوات من المراقبة وخمس سنوات من الحظر من مغادرة الأراضي  السعودية.

كما تم أيضا الإفراج عن ناشطين آخرين، من بينهما طبيب سعودي يحمل الجنسية الأمريكية، وهو الدكتور وليد فتيحي  مؤسس مستشفى جدة، والدكتور بدر آل إبراهيم، حيث تم الإفراج عنهما, لكنهما لا يزالان ينتظران محاكمتهما في 8 مارس.

سبق لوزارة الخارجية الأمريكية أن أشارت إلى أنها تتابع القضية باهتمام كبير, ومن جانبهم, عملت الحكومة السعودية على تخفيف أحكام الإعدام الصادرة بحق ثلاثة شبان من الشيعة، بمن فيهم علي النمر, الذين تم إلقاء القبض عليهم في العام 2012, وبوصفهم قاصرين تم الحكم عليهم  بالسجن لمدة 10 سنوات, ومن المتوقع أن يتم الافراج عنهم العام القادم.

ينبغي ألا تجعلنا عمليات الإفراج هذه وغيرها من تدابير تخفيف الأحكام, أن ننسى أن العديد من سجناء الرأي وخاصة النساء، ما زالوا يقبعون في السجون السعودية, حيث لم تتسنى لهم الفرصة كتلك التي حظيت بها الناشطة لوجين الهذلول, مثل حالة نوف عبد العزيز، إيمان النفجان، سمر البدوي، نسيمة السادة ومايا الزهراني، حيث أن جميعهن اعتقلن بسبب دفاعهن عن حقوق المرأة في المملكة.

من الصحيح أن السعودية قامت بإصلاح نظامها القضائي, حيث انخفض عدد حالات الإعدام في العام 2020 إلى 27% مقارنة بـ  85% خلال العام السابق.

كما تحسن وضع المرأة السعودية, حيث أصبح من الممكن لها أن تسافر بمفردها وأن تقود السيارة، ولكن لا يزال هناك قيود قانونية ومجتمعية هائلة، حيث ولا يمكن تحقيق التكافؤ.

ومن ناحية أخرى، فإن حرية الرأي وحرية التعبير تفتح  لأولئك الذين يجرؤون على تحدي حظر العقوبات الجنائية الشديدة تحت الذرائع التي اختبرتها كل الأنظمة الاستبدادية: الإرهاب، أو التآمر لإسقاط النظام أو العلاقات مع القوى الأجنبية.

تريد الإدارة السعودية بقيادة محمد بن سلمان أن تُنسى قضية الصحفي السعودي المعارض الذي اغتيل في مبنى القنصلية السعودية في مدينة اسطنبول مطلع أكتوبر من العام 2018, حيث وقد أدى هذا الاغتيال المأساوي إلى تشويه صورة المملكة بشكل دائم حتى ولو عملت الإدارة الأمريكية السابقة بقيادة الرئيس دونالد ترامب على غض الطرف عنها والحفاظ على العلاقات الودية للغاية مع ولي العهد السعودي, وذلك من خلال منحه كل الدعم.

ولكن الأمر ليس نفسه بالنسبة لجو بايدن الذي كان لديه نهج قاسي للغاية أثناء حملته الانتخابية ضد النظام السعودي.

وسرعان ما أعقب تلك الكلمات التأثير, حيث أبلغت الإدارة الأمريكية الجديدة النظام السعودي تعليق إمداداتها من الأسلحة والتي يتم استخدامها في الصراع في اليمن.

ورغم أن هذه النقطة لا تزال غير معروفة: فقد أكدت الولايات المتحدة أيضاً التزامها بالدفاع عن المملكة, في حين لم تحدد نوع الأسلحة التي أصبحت عرضه لهذا التعليق.

بيد أن الحقيقة تبقى أن الأميركيين أصبحوا أكثر صبرا ويريدون أن ينتهي هذا الصراع، الذي دام طويلا في أعينهم, حيث يستخلص الأمريكيون نتيجة فشل الخيار العسكري, نظراً لكون السعوديون لم يتمكنوا من الفوز على الأرض، كما حافظ الحوثيون (أنصار الله) على مواقعهم وخاصة في العاصمة صنعاء، ولم يظهروا أي علامات ضعف.

الازدراء الآخر الذي وجهته الإدارة الأمريكية إلى الرياض هو قرار شطب جماعة الحوثي من قائمة وزارة الخارجية للمنظمات الإرهابية, حيث تم تصنيفهم في الأيام الأخيرة من عمر الإدارة السابقة, ومع ذلك، لا يزال بعض قادة جماعة أنصار الله عرضة للعقوبات الأمريكية.

ولكي يوضح الأمريكيون للسعوديين أنهم ينوون المشاركة في البحث عن حل، فقد عملوا على تعيين تيموثي ليندركينج، مبعوث خاص للشؤون اليمنية.

ينظر إلى تيموثي ليندركينغ، كونه دبلوماسي وسياسي محترف مطلع على أوضاع المنطقة, حيث سبق  وأن خدم في الرياض خلال الفترة ما بين عامي 2013 إلى 2016.

وعلى الفور، ذهب ليندركينج إلى المملكة العربية السعودية للقاء قيادة التحالف العربي العسكري ضد الحوثيين في اليمن.

غير أن الموقف الانتقادي الحرج للولايات المتحدة إزاء الرياض لا يعني أن التحالف التقليدي القائم بين البلدين منذ نهاية الحرب العالمية الثانية قد أصبح موضع شك, حيث انتهت للتو المناورات المشتركة بين مشاة البحرية والقوات الجوية في المملكة.

ومن جانبه, لا يفوت أبداً وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان أي فرصة لإبراز الطابع الاستراتيجي للعلاقة بين واشنطن والرياض.

تدرك إدارة بايدن تمام الإدراك أنها إذا أرادت استئناف الحوار مع الإيرانيين للتوصل إلى اتفاق، فلا يمكن أن يتم ذلك بدون موافقة السعوديين والبلدان الأخرى في المنطقة مثل الإمارات العربية المتحدة، وهي البلد الذي استبعد من مناقشات اتفاق العام 2015, حيث تعتزم دول الخليج والسعودية في المقام الأول المشاركة في المناقشات المقبلة في حال رأت النور.

* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع