بقلم: أحمد عبد الكريم

(موقع- mintpressnews” منتبرس نيوز” الانجليزي- ترجمة: نجاة نور, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ)”

صنعاء، اليمن- جالساً بجانب سرير ابنته حكيمة البالغة من العمر 13 عاماً في مستشفى الثورة، حيث كان “س. الحنيشى” الذي طلب عدم استخدام سوى لقبه الأول والقبلي الأول خوفا من الانتقام يشاهد تقريراً إخبارياً عاجلاً على شاشة تلفزيون صغيرة يعلن أن رئيس الولايات المتحدة قد أعلن عن إنهاء الدعم الأمريكي لحرب السعودية على بلاده.

لكن الحنيشي لم يأخذ الأخبار بعين الاعتبار, وقال في فزع ” لقد قال [بايدن] إنه سينهي دعمه لمحمد بن سلمان لكنه سيساعد السعودية في الدفاع عن نفسها … هل تمازحني!”

يعيش الحنيشي الآن في قرية دبيع في منطقة نهم اليمنية على بعد حوالي 25 ميلاً شرق صنعاء بعد أن عاش لسنوات كنازح محلي في عاصمة البلد.

يتذكر اللحظة التي تم فيها الإعلان عن الحرب على بلاده لأول مرة من منصة في واشنطن العاصمة من قبل السفير السعودي السابق لدى الولايات المتحدة، عادل الجبير، ويعتقد أنه كما بدأت في واشنطن، لا يمكن للحرب أن تنتهي إلا من هناك.

على الرغم من الحديث الأخير عن إنهاء دعم الولايات المتحدة للحرب، إلا أن التحالف الذي تقوده السعودية كثف المناورات العسكرية في اليمن في الأسابيع الأخيرة.

تُشاهد الطائرات الحربية السعودية بانتظام فوق المناطق الحضرية المكتظة بالسكان في شمال البلد، حيث تُسقط مئات الأطنان من الأسلحة، معظمها أمريكية  الصنع.

في محافظة مأرب الغنية بالنفط، والتي تقع بجوار العاصمة صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون، تحاول الطائرات الحربية السعودية منع الجماعات المسلحة المحلية والمليشيات المتحالفة في السابق مع التحالف الذي تقوده السعودية من تطهير الأراضي للتقدم السريع بقيادة القوات الموالية للحوثيين, حيث لا تستهدف الطائرات الحربية السعودية الآن قوات الحوثيين فحسب، بل المقاتلين المنسحبين الذين واجهوهم ذات مرة.

منذ 3 فبراير، عندما أعلنت إدارة بايدن أنها ستنهي دعمها لعمل عسكري سعودي هجومي ضد اليمن، ضاعف التحالف الذي تقوده السعودية أيضاً حصاره للبلد، ومنع سفن النفط وحتى المواد المستخدمة للتخلص من الذخائر غير المنفجرة، بما في ذلك القنابل العنقودية من دخول البلد.

في صعدة وحجة ومأرب الغنية بالنفط، تم تنفيذ أكثر من 150 غارة جوية باستخدام القنابل الأمريكية الصنع، بما في ذلك القنابل العنقودية “” MK 81-82-83-84  وفقاً للمركز التنفيذي اليمني للأعمال المتعلقة بالألغام، وهي منظمة تدعمها الأمم المتحدة.

هذه الهجمات، وفقاً للحكومة التي يقودها الحوثيون في صنعاء، لا يمكن أن تحدث بدون ضوء أخضر من الحكومة الأمريكية، وكل الحديث عن السلام ووضع حد لدعم الرياض ليس أكثر من مجرد كلام مستهلك من أجل الدبلوماسية.

في الأسبوع الماضي، فقدت حكيمة الحنيشي يدها اليسرى بسبب ذخيرة غير منفجرة, حيث كانت تلعب مع شقيقها الأصغر عندما صادفوا شيئاً غير عادي ظنوا أنه يشبه لعبة, لكنها لم تكن لعبة، لقد كانت ذخيرة عنقودية غير منفجرة ألقتها طائرة سعودية.

قال علي صفرا، المدير العام للمركز اليمني التنفيذي لمكافحة الألغام، إن عدد الضحايا المدنيين جراء الذخائر غير المنفجرة يتجاوز بكثير 1000 شخص، معظمهم من النساء والأطفال من المناطق الزراعية والمراعي.

ويقول أن التحالف الذي تقوده السعودية ألقى 3179 قنبلة عنقودية على اليمن، بما في ذلكBLU 61-63-97 A / B” ، و M71، وBLO 108، BLU 77 ” جميعها قنابل عنقودية أمريكية الصنع.

وأضاف إن القنابل العنقودية الأوروبية والأمريكية اللاتينية، مثل BMLT” 1/2 ” البريطانية، ” ZP 39″ الفرنسية، “S-A-2” البرازيلية< قد تم استخدمها أيضاً.

لقد حدد المركز اليمني التنفيذي لمكافحة الألغام ما لا يقل عن 13 نوعاً مختلفاً من القنابل العنقودية، تم إسقاطها جميعاً بواسطة الطائرات الحربية، وغالباً ما توفرها الولايات المتحدة، ويقصف بها المستشفيات والمدارس والأسواق والمساجد والمزارع والمصانع والجسور ومحطات معالجة الطاقة والمياه.

تفاؤل حذر:

قال أحد الآباء لموقع: مينتبرس نيوز” هناك يتحدثون عن السلام، ولكن هنا، لا نسمع شيئاً سوى هدير الطائرات الحربية أمريكية الصنع فوق رؤوسنا وأصوات انفجارات قنابلهم”.

يتلقى ابنه رعد البالغ من العمر 13 عاماً وطفلان آخران، رغد صلاح الشال 13 عاماً، ونجوى علي مطري 10 أعوام، العلاج من إصابات خطيرة في مستشفى الثورة بعد أن أصيبوا بجروح خطيرة جراء انفجار قنبلة عنقودية بينما كانوا يرعون أغنامهم في منطقة الجفرة التابعة لمحافظة صنعاء.

وأضاف والد رعد بغضب “نحتاج إلى إنهاء الضربات الجوية ورفع الحصار المفروض علينا، وليس التصريحات الخادعة”.

رحبت حركة أنصار الله التي يقودها الحوثيون وحلفاؤها في البداية بتصريحات بايدن بشأن إحلال السلام في اليمن بتفاؤل حذر، ووعدوا بالعمل كشريك حسن النية في أي تسوية تفاوضية لإنهاء الحرب.

ومع ذلك، سرعان ما تضاءل هذا التفاؤل في مواجهة العنف السعودي المستمر، كما فعلت القناعة الساحقة لمعظم اليمنيين بأن الولايات المتحدة ليست جادة بشأن السلام ولن توقف بيع الأسلحة الفتاكة أو تبادل المعلومات الاستخباراتية أو حتى التدريب للسعودية.

هناك شعور سائد بين قيادة الحوثيين بأنه إذا تم التوصل إلى تسوية، فلن يكون لهم مقعد على الطاولة.

استهدفت قوات الحوثي قاعدة جوية سعودية ومطار أبها قرب الحدود اليمنية بالصواريخ البالستية والطائرات المسيرة.

وبينما يزعم بيان صادر عن الجماعة أن الهجمات جاءت رداً على الضربات الجوية السعودية للضغط على السعودية لإعادة فتح مطارات اليمن ومنافذ الدخول الأخرى، قال محللون سياسيون يمنيون لموقع مينتبرس نيوز أن الهجوم كان يهدف إلى إرسال رسالة إلى الولايات المتحدة مفادها أن حل الحرب يمكن أن يتم فقط في صنعاء وليس في طهران أو مسقط المجاورة.

تزامنت هجمات الحوثيين مع زيارة مارتن غريفيث، المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة إلى اليمن، وزيارات للمملكة وسلطنة عمان قام بها تيموثي ليندركينغ، المبعوث الأمريكي الجديد إلى اليمن, مما أثار استياء الحوثيين، في حين لم يلتق غريفيث ولا ليندركينغ بأي مسؤول حوثي في صنعاء.

إعلان بايدن إنهاء دعمه للسعودية لم يفعل الكثير لتخفيف مخاوف اليمنيين, حيث  كان هذا الاعلان يفتقر إلى الوضوح أو التحديد فيما يتعلق بالسياسات التي سيتم إدخالها لإحداث هذا التغيير.

ولم يذكر الحصار المفروض على اليمن وجدد دعم واشنطن لحق السعودية في الدفاع عن نفسها.

ترك هذا البيان العديد من اليمنيين يشعرون بأن بايدن كان يعبر عن تعاطفه مع المملكة ويتجاهل محنة اليمنيين الذين تضرروا بشدة من الحرب.

لم يساعد إعلان وزير الخارجية أنطوني بلينكين عن شطب أنصار الله من قائمة المنظمات الإرهابية كثيراً، حيث جاء بجهود متجددة من واشنطن لممارسة الضغط على قيادة الحركة الشعبية اليمنية.

قال محمد علي الحوثي، الذي يرأس اللجنة الثورية الحوثية إن “السلام لا يتم بدعوات بل باتفاقات موقعة وأي شعور لا نراه مطبقاً على الأرض هو تعبير عن الشعور فقط,  سنتبادل الخطوات العملية بوقف العدوان ورفع الحصار بخطوات متزامنة إذا تم الاتفاق والتوقيع عليها”.

تصاعد الهجوم:

يقول الأطباء الذين يكافحون من أجل إبقاء حكيمة البالغة من العمر 13 عاماً على قيد الحياة إنها يجب أن تسافر إلى الخارج لتلقي العلاج لأن مستشفى الثورة، مثل معظم المستشفيات في اليمن، يعاني من نقص في المعدات الطبية والأدوية ونقص الوقود لتشغيل المولدات.

فيما قال والدها متسائلاً ” لا أستطيع نقلها خارج البلد، المطار مغلق ما الذي يمكنني فعلة؟”.

أدى الحصار المستمر على مطار صنعاء الدولي الذي فرضه التحالف بقيادة السعودية وبدعم من الولايات المتحدة إلى وفاة أكثر من 80 ألف مريض.

ولا يزال أكثر من 450 ألف مريض بحاجة للسفر للخارج لتلقي العلاج، بحسب مدير عام مطار صنعاء الدولي خالد الشايف وعدد من منظمات المجتمع المدني التي شاركت في مؤتمر صحفي مشترك.

وفقاً لوزارة الصحة اليمنية، يعاني أكثر من 3000 مريض مسجلين لدى الوزارة من تشوهات في القلب ويحتاجون بشكل عاجل للسفر إلى الخارج لتلقي العلاج.

وأكثر من 12 ألف مريض يعانون من الفشل الكلوي بحاجة إلى عمليات زرع عاجلة وأكثر من 65 حالة من حالات الإصابة بالسرطان معرضة للوفاة إذا لم يتمكنوا من الحصول على العلاج خارج اليمن.

وأكد أن المطار آمن تماما وفي جاهزية فنية كاملة لاستقبال الرحلات، مشيرا إلى أن العائق الوحيد أمام إعادة فتح المطار ورفع الحظر هو تعنت دول التحالف وتواطؤ الأمم المتحدة.

لم تكن الولايات المتحدة متواطئة فقط في دعم الهجمات السعودية التي قتلت أكثر من ربع مليون شخص، ودمرت البنية التحتية، وتركت اليمن واحدة من أكثر البلدان تلوثاً في العالم، بل ساعدت بشكل مباشر في تطبيق الحصار الذي تسبب في الانهيار الاقتصادي الكامل لليمن.

لقد ترك اليمنيون الآن مع الحقيقة الصارخة المتمثلة في أن تصريحات بايدن لم تغير كثيراً الواقع على الأرض.

ولا يزال الناس يعانون من الكوليرا وسوء التغذية والمجاعة, ومن الفظائع المروعة والقصف العشوائي، وقصف وتدمير البنية التحتية والاقتصاد, مئات الآلاف لقوا حتفهم، والملايين شردوا، وعشرات الملايين أصبحوا فقراء.

إن الآثار طويلة المدى لسوء التغذية والصدمات على جيل كامل من الشباب اليمني تضمن استمرار تكاليف هذه الحرب لعقود قادمة.

مثلما تم الإعلان عن الحرب من واشنطن، سيتم الإعلان عن النهاية المحتملة الوحيدة للحرب من واشنطن.