تحليل وجهة النظر الروسية تجاه التطورات في جنوب اليمن
السياسية :
فشلت محاولات السعودية المتكررة لإحياء اتفاق الرياض في اليمن بين حكومة منصور هادي المخلوعة وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي الموالي للإمارات فشلاً ذريعاً، كما أنه من المتوقع حدوث جولة جديدة من التوترات بينهم، وخاصة ان بعض وسائل الإعلام أفادت يوم الاثنين بهروب بعض وزراء حكومة منصور هادي الجدد من عدن إلى الرياض؛ وفي غضون ذلك، سافر وفد من القوات الجنوبية إلى روسيا في خطوة يبدو أنها تجهز لدخول الجنوبيين إلى ساحة التطورات الجديدة في اليمن. وهذا بدوره يدعو إلى التساؤل حول استراتيجية موسكو بشأن قضية جنوب اليمن.
العلاقات التاريخية بين الجنوبيين وموسكو
من أهم الاسباب التي قادت الجنوبيين إلى موسكو بعد انهيار الاتفاق مع هادي أو بالأحرى مع السعودية، هو استقطاب دعم قوة دولية للمستقبل على أساس الماضي التاريخي من العلاقات الوثيقة بين الجانبين.
حيث تعود العلاقات بين اليمن وروسيا إلى عام 1928. حيث كانت المملكة اليمنية (مملكة المتوكل) من أوائل الدول في الشرق الأوسط التي أقامت علاقات مع الاتحاد السوفيتي. التقى ممثل الإمام يحيى محمد حميد الدين مع ممثل روسيا في جدة وسلمه رسالة تم بموجبها توقيع اتفاقية تعاون بين البلدين. لكن العلاقات الدبلوماسية لم تنشأ بين البلدين حتى عام 1955.
أثناء تقسيم اليمن إلى جزأين شمالي وجنوبي، طورت موسكو أيضا علاقات مع كلا الجانبين، رغم أنه خلال هذه الفترة، وبسبب حكم الاشتراكيين في الجنوب، كان لعدن علاقات أوثق مع روسيا، لكن دعم الاتحاد السوفيتي للجنوبيين كان اقل مقارنة بباقي الاطراف الاشتراكية الأخرى في المنطقة. خلال هذه الفترة وقعت روسيا معاهدات صداقة وتعاون اقتصادي مع جمهورية جنوب اليمن الديمقراطية الشعبية عام 1979 ومع جمهورية اليمن العربية في الشمال عام 1984. وبعد توحيد اليمن عام 1990 وتشكيل “الجمهورية اليمنية” الجديدة، ورغم اقتراب صنعاء من الغرب، طورت روسيا أيضا علاقات مع النظام الجديد، وكان الكرملين دائما مهتما باستخدام التسهيلات البحرية والجوية جنوب اليمن في عدن.
أرسل الاتحاد السوفيتي مستشارين ومعدات عسكرية إلى اليمن منذ عام 1962 بطلب من مصر، التي دعمت الجمهوريين في اليمن. وتوسع هذا الوجود بعد عام 1968. وعلى وجه التحديد، حصلت موسكو على إذن لإنشاء قاعدة بحرية في جزيرة سقطرى. حيث سمحت القاعدة الموجودة في خليج عدن للاتحاد السوفيتي بالعمل في المحيط الهندي في عام 1985. وإضافة إلى ذلك، بين عامي 1968 و 1991، خدم ما لا يقل عن 5245 متخصصا عسكريا سوفيتيا في اليمن.
وفي السنوات الأخيرة، سعت روسيا إلى الحفاظ على علاقات وثيقة مع الجنوبيين. في سبتمبر 2018 بعد ان تم استبعاد المجلس الانتقالي من المحادثات التي تقودها الأمم المتحدة في اليمن، قال سفير روسيا في اليمن، فلاديمير ديدوشكين، إن جنوب اليمن جزء مهم من البلاد ويجب أن يكون له ممثلون في أي اتفاق سلام. وقد رحب أعضاء المجلس الانتقالي الجنوبي بهذا الرأي. وفي مارس 2019 كانت وزارة الخارجية الروسية أول من دعا مسؤولي المجلس الانتقالي الجنوبي للقيام بزيارة رسمية إلى موسكو.
كما حافظت روسيا على عقد مع حكومة منصور هادي منذ سبتمبر 2017 لطباعة وتحويل الأوراق النقدية بأمان من موسكو إلى عدن، ما ساعد عدن على دفع رواتب أفرادها العسكريين والأمنيين في جنوب اليمن.
يبدو أن موسكو تنظر إلى التطورات في اليمن على أنها نقطة تحول في استعادة النفوذ الروسي في الشرق الأوسط. السياسة التي تأثرت بشدة بأفكار رئيس الوزراء السابق يوجين بريماكوف.
أهداف روسيا الجيوسياسية في جنوب اليمن
لا شك أن موسكو تسعى إلى تحقيق أهداف جيوسياسية من خلال تعزيز وتقوية العلاقات مع جنوب اليمن. حيث تم الإعلان عن أهداف روسيا في البحر الأحمر لأول مرة في يناير 2009 عندما تحدث مسؤول عسكري روسي رفيع المستوى عن الحاجة إلى إنشاء قاعدة عسكرية بالقرب من مضيق باب المندب الاستراتيجي، الذي يربط البحر الأحمر بخليج عدن. وفي عام 2017 أيضا، دعا القائد العام السابق للبحرية الروسية فيليكس جروموف إلى إنشاء قاعدة بحرية روسية بالقرب من طرق التجارة في خليج عدن، ووصف معهد موسكو للدراسات الشرقية جزيرة سقطرى بأنها موقع مثالي لمثل هذه القاعدة.
حيث تتزايد أهمية امتلاك قاعدة في المنطقة للمصالح الجيوسياسية لروسيا حيث ترى موسكو جنوب اليمن كبوابة لنفوذ واسع النطاق في القرن الإفريقي.
في نهاية الحرب الباردة، تخلت موسكو عن قواعدها في جنوب اليمن وفقدت النفوذ الجيوسياسي في المنطقة لصالح امريكا. كما ان الصدع بين الجنوبيين والإمارات من جهة، والسعودية من جهة أخرى، يمكن أن يمهد الطريق لعودة النفوذ الروسي في المنطقة، بينما يتراجع النفوذ الأمريكي.
هذا وتأمل روسيا في إنشاء قاعدة عسكرية في اليمن من خلال اقامة علاقات مع مجموعة واسعة من الفصائل اليمنية الجنوبية – مثل الحزب الاشتراكي اليمني التابع للمجلس الانتقالي الجنوبي والحركة الانفصالية الجنوبية (الحراك) – وقبول اقتراح الرئيس السابق علي عبد الله صالح لموسكو حول تاسيس قاعدة عسكرية لها في اليمن. حيث قال صالح لتلفزيون روسيا 24 الحكومي في أغسطس 2016 “في الحرب ضد الإرهاب، سنوفر كل التسهيلات ونحن مستعدون لعرض مطاراتنا وموانئنا على روسيا الاتحادية”.
آمال روسيا في دعم الجنوبيين مدعومة بآمال أخرى
في عام 2017، زار محمد بن زايد موسكو والتقى ببوتين. وقالت مصادر مخابراتية إن أبو ظبي عرضت على موسكو مكانا لرسو السفن الروسية في خليج عدن. كما وعد بن زايد بوتين بإقامة “محطة توقف” رابعة من قناة السويس في البحر المتوسط إلى بحر العرب – وتشمل القواعد الأخرى الإسكندرية والعقبة والفجيرة. تعتزم روسيا تحقيق قوة بحرية خفيفة وسريعة في المياه الدافئة، الأمر الذي يتطلب محطات صيانة بحرية في مياه المنطقة. رفضت دول مثل جيبوتي مرارا طلب روسيا لبناء قاعدة بحرية على أراضيها خوفا من التوترات مع القواعد الأمريكية والصينية.
لكن من ناحية أخرى، فإن الوجود في جنوب اليمن يمكن أن يساعد روسيا كأداة مهمة في المنافسة على الطاقة.
في مارس 2020، كان هناك خلاف على إنتاج النفط بين السعودية وروسيا. ويستمر الخلاف رغم إعلان التعاون بين البلدين في أوبك بلس، لذلك قد تفكر موسكو في دعم المجلس الانتقالي الجنوبي أو حتى أنصار الله للسيطرة على مضيق باب المندب من أجل التأثير على صادرات النفط السعودية.
روسيا والخطوط العامة لميزان القوى في اليمن
على الرغم من الفوائد الجيوسياسية التي قد تحصل عليها روسيا من تقسيم اليمن، فإن موسكو لا تدعم بشكل مباشر استقلال جنوب اليمن، لأن هذا من شأنه أن يخلق خلافات خطيرة مع السعودية. حيث تعتبر روسيا الاستقرار في جنوب اليمن شرطا مسبقا لهدفها المتمثل في توسيع دائرة نفوذها في البحر الأحمر، ولهذه الغاية، رسخ الكرملين نفسه حتى الآن كوسيط موثوق به في النزاع، وحافظ على علاقات وثيقة مع حكومة منصور هادي المخلوعة وعلاقات غير رسمية مع السياسيين اليساريين في جنوب اليمن. وهو موضوع رحب به السعوديون أيضا، الذين فشلوا في تحقيق السلام بين حكومة هادي والمجلس الانتقالي.
في يناير 2018، أعلنت وزارة الخارجية الروسية رسميا عن استعدادها للتوسط بين الانفصاليين في جنوب اليمن وأنصار عبد ربه منصور هادي.
إضافة إلى ذلك، فقد نظرت موسكو في الحفاظ على العلاقات مع أنصار الله وتقديم الدعم العرضي لصنعاء في مجلس الأمن من أجل الحفاظ على ثقلها المتوازن في التطورات في اليمن.
كان قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2216 بشأن اليمن الاختبار الأول لروسيا. وطالب النص، الذي أعدته دول غربية وعربية، الحوثيين بمغادرة كل المناطق التي سيطروا عليها، وأيدوا سلطة حكومة منصور هادي المستقيلة والهاربة. موسكو رفضت التصويت. وفي عام 2018، بعث المجلس السياسي الأعلى بقيادة مهدي المشاط برسالة إلى قادة أنصار الله للرئيس الروسي، حث فيها بوتين على إنهاء الحرب والحصار على اليمن، وكذلك المساعدة في مواجهة الأمريكيين والغربيين الذين يتدخلون في البلاد.
تعتقد موسكو أن الحفاظ على علاقات إيجابية مع الرياض وطهران سيساعد روسيا على أن تصبح “عميلاً أميناً” في نزاع الشرق الأوسط وحالات التنافس بين هاتين القوتين الإقليميتين.
في منتصف عام 2019، أعادت روسيا تقديم خطتها المقترحة للأمن الجماعي في منطقة الخليج الفارسي حيث كان لليمن دور رئيس في هذه الخطة. حيث تعتقد روسيا أنه من خلال تقليص الوجود والدور الأمريكي في التطورات الإقليمية، فإن مثل هذا النهج سيمكن موسكو من توسيع نفوذها من خلال المشاركة في حل المشكلات.
ومع ذلك، يمكن النظر في إطار السياسة الروسية تجاه اليمن في دعم برامج وقف الحرب التي تحافظ على العلاقات مع جميع الجهات الفاعلة المحلية (عائلة صالح وأنصار الله في الشمال والمجلس الانتقالي في الجنوب) والجهات الفاعلة في المناطق المهمة. من خلال سياسة “توازن القوى”، حيث تعتقد روسيا أنها تستطيع أن تحدث وجوداً أكثر فاعلية في اليمن، بالقرب من مضيق باب المندب، لتسهيل العمليات البحرية وضمان الأمن الإقليمي، بما يتماشى مع خطتها “لأمن الخليج الفارسي”.
* المصدر : الوقت التحليلي
* المادة التحليلية تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع